إحسان الزكري بوادر تخبط جلي بدأت تطفو على سطح التدبير الحكومي لملف التشغيل ،تجلى ذلك في التصريح غير المسبوق الذي فجره السيد رئيس الحكومة أثناء لقاء جمعه يوم الإثنين 9 أبريل الجاري بممثلي مجموعات الاطر العليا المعطلة المعروفة بأصحاب محضر 20 يوليوز الذين التزمت حكومة عباس الفاسي بتوظيفها بشكل مباشر انسجاما ومقتضيات المرسوم الوزاري رقم 100-2-11، حيث شكك السيد رئيس الحكومة من خلال تصريحه في الشرعية القانونية لذلك الإلتزام الذي اعتبره خطأ ارتكبته الحكومة المنتهية ولايتها. وغني عن البيان أن تصريح السيد رئيس الحكومة يؤشر على وجود ارتباك وعدم انسجام بين فرقاء الحكومة الحالية ، حيث أنه وخلافا لتصريح السيد بنكيران السابق الذكر أجمع أعضاء الحكومة الحالية في أكثر من إطلالة إعلامية بمن فيهم السيد نجيب بوليف وزير الشؤون العامة والحكامة والسيد مصطفي الخلفي وزير الاتصال وآخرون على التزامها بتنفيذ تعهدات الحكومة السابقة ومنها الإلتزام بتفعيل مقتضيات محضر 20 يوليوز الخاص بإدماج الدفعة الثانية من المعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية . ولم يكن التصريح الناري الذي أطلقه السيد بنكيران و المعبر عن موقف يتباين وموقف بقية مكونات حكومته ليمر دون إثارة زوبعة ، بل إن شرارته امتدت لتشعل فتيل احتقان وغليان في صفوف المجموعات المعطلة المعنية بمحضر 20 يوليوز التي هبت للإلتئام في اليوم الموالي لصدور ذلك التصريح بساحة البريد بالرباط ، حيث نظمت سلسلة من الإعتصامات والإحتجاجات المستنكرة التي ما تزال مفتوحة حيث شهدت زوال يوم الأربعاء المنصرم فصلا داميا حينما تدخل رجال الأمن بعنف لتفريق المعطلين المحتجين قبالة البرلمان أثناء انعقاد جلسة المناقشة العامة لمشروع قانون المالية حيث أصيب العديد من المعطلين المحتجين إصابات مختلفة نقلوا على إثرها إلى المستشفى . ويذكر في هذا السياق أن الأطر العليا المعطلة المعنية بمحضر 20 يوليوز صرفت زهاء سنة ويزيد من الإحتجاجات بشوارع الرباط في انتظار دورها الموعود في الإدماج ضمن الدفعة الثانية المرتقبة من عملية التوظيف المباشر التي ينص عليها منطوق محضرها. ومن خلال قراءة مختزلة لموقف السيد بنكيران من ملف هذه الشريحة من المعطلين ، يمكن القول أن ذلك الموقف الذي عبر عنه السيد رئيس الحكومة قد يكون وليد اعتبارات سياسية وإصلاحية وهو موقف يجسد توجهات حزب العدالة والتنمية الذي يسعى لإحداث قطيعة مع السياسات التي اعتمدتها الحكومات السابقة في تدبيرها لملفات عدة ومنها ملف التشغيل.لكن يبدو أن السيد رئيس الحكومة لم يراع جوانب أخرى تخص ذلك الملف ولا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها أو التغاضي عنها وهي جوانب تتوزع بين ماهو قانوني واجتماعي وأخلاقي. فأما من الزاوية القانونية فيمكن القول أن محضر 20 يوليوز الذي وقعته حكومة عباس الفاسي يحظى بشرعية قانونية لا خلاف حولها ولا يمكن إسقاطها تحت أي ذريعة أو غطاء أو مبرر باعتباره التزام حكومة وليس التزام شخص ،ذلك أن مضمون المحضر الموقع من لدن ممثلي القطاعات الحكومية ينص بشكل واضح وصريح على أنه "تتمة للمبادرة التي اتخذتها حكومة صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده فيما يتعلق بتدبير ملف حاملي الشواهد العليا والتي همت إدماج 4304 إطارا بمختلف أسلاك الوظيفة كدفعة أولى تنفيذا للمرسوم الوزاري 100-11-2 الصادر في هذا الصدد والذي يخول للحكومة اعتماد الإدماج المباشر بدل المباراة ، سيتم في نفس الإطار إدماج أطر المجموعات المتبقية التي قدمت لوائحها وتم حصرها والتأشير عليها من طرف المصالح الوزارية المكلفة بتدبير هذا الملف" . وبناء على ما سلف ذكره ، يبدو جليا أن محضر 20 يوليوز يكتسي شرعية قانونية ملزمة التنفيذ ، شرعية هي بمثابة صمام الأمان وجدار الصد ضد أية محاولة للنكوص أو الإلتفاف عليه من طرف أية جهة سيما وأن إبرام المحضر المذكور تم في ظل سريان المرسوم الوزاري الإستثنائي الخاص بالتوظيف المباشر والذي صدر قبل إقرار الدستور الجديد. وغير خاف أن الفصل 6 من الدستور الجديد ينص على أنه ليس للقانون أثر رجعي، بمعنى أن القانون غير معني بإعادة النظر في مسائل حصلت قبل صدوره . ونعتقد أن أي محاولة من الحكومة للتنصل من تنفيذ مضمون المحضر المذكور ستعد شططا و انتهاكا سافرا للقانون وهو ما لا يتماشى مع مقتضيات الدستور الجديد. وأما عن الجانب الإجتماعي ، فيمكن استحضار في هذا المجال أن إعلان حكومة عباس الفاسي التزامها بتوظيف معطلي محضر 20 يوليوز كان نتاج رغبة ملكية كريمة كرست العطف المولوي السامي على أبناء شعبه ممن حصلوا على شواهد عليا حتى ينخرطوا في المساهمة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية لبلدهم، ومن ثم فإن أصحاب القرار داخل الحكومة الحالية لا مناص لهم من الإستجابة للرغبة الملكية السامية سيما وأن أي تنصل من تفعيل مضمون محضر 20 يوليوزستكون له لا قدر الله تداعيات ا جتماعية وخيمة وخطيرة على مستقبل المعطلين المشمولين بالمحضر المذكوروالذين آمنوا بحتمية توظيفهم بعد أن تلقوا سيلا هادرا من التصريحات الحكومية عبر مختلف المنابر الإعلامية منذ تنصيب أعضاء الحكومة الحالية بمن فيهم رئيسها السيد عبد الإله بنكيران الذي صرح في أكثر من مناسبة أن حكومته ملتزمة بما التزمت به الحكومة السابقة.وغير خاف أن ذلك الإيمان بحتمية التوظيف الذي استقر في نفوس أولائك المعطلين وعززته تصريحات مختلف أعضاء الحكومة الحالية قد حفز شريحة منهم لإتخاذ قرارات استراتيجية ومصيرية تخص حياتهم الشخصية ومستقبلهم ، حيث انبرى العديد منهم لعقد قرانهم إيمانا منهم بأن تعيينهم في أسلاك الوظيفة آت لا محالة ، بينما فتحت شريحة منهم باب الإستدانة على مصراعيه حتى أثقلت كاهلها الديون المتراكمة اعتقادا منها أن الفرج سيكون بعد مصادقة البرلمان على القانون المالي للسنة الجارية كما صرح بذلك أكثر من مسؤول حكومي، في حين ذهبت شريحة ثالثة لإبرام التزامات أخرى مستندة في ذلك على صدقية التصريحات الحكومية . وأما من الناحية الأخلاقية ،فلا أحد يجادل في أن مساحة واسعة من خطاب الحكومة الحالية يؤطرها البعد الأخلاقي والقيمي الذي يمتح من معين القيم الإسلامية السمحاء والتي تنص فيما تنص على وجوب الوفاء بالعهد والميثاق والنهي عن نقضهما أو الإخلال بهما كما جاء في قوله تعالى ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) ، الإسراء 34 . ولا ريب أن محضر 20 يوليوز الذي وقعه ممثلو الحكومة المغربية وذيلوه بخاتمها متعهدين بتوظيف الأطر العليا المعنية به يعتبر عهدا صرح أكثر من مسؤول في وقت سابق داخل الحكومة الحالية بمن فيهم السيد بنكيران على الإلتزام بتفعيله، ونعتقد أن أي إخلال بذلك العهد لن يساهم إلا في تراجع إن لم نقل في فقدان الثقة في خطاب حكومة بنكيران التي يضيرها أن تكون على مذهب الذين يقولون ما لا يفعلون . هكذا تبقى فصول معاناة الأطر العليا المعطلة المعنية بمحضر 20 يوليوز مستمرة يؤطرها الإنتظار والترقب والتوجس بعد أن تمت إحالة ملفها على الأمانة العامة للحكومة لمدارسة إمكانية اتخاذ قرار الإدماج المباشرلهذه الفئة التي تبقى في كل الأحوال مؤمنة إيمانا قاطعا بأن شمس إحقاق حقها ستشرق لا محالة مادام الحق يعلو ولا يعلى عليه.