هكذا ترى الدبلوماسية الأمريكية زعماء العالم إذا كانت الدبلوماسية هي فن التحدث بلباقة ومجاملة، فإن البرقيات السرية الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس أول أمس الأحد تكشف أن لدى موظفي وزارة الخارجية أحيانا أراء قاسية في العديد من زعماء العالم. فمن خلال آلاف الوثائق التي نشرها الموقع، ظهرت أوصاف غير مجاملة لقادة حلفاء أو غير حلفاء للولايات المتحدة. وبخلاف التسريبات الأولى ل»ويكيليكس» حول أفغانستان في شهر يوليوز الماضي، التي لم تتضمن سوى القليل من الأسرار، وحول العراق في شهر أكتوبر الفائت التي ركزت على التجاوزات التي تقوم بها الفصائل المتنازعة في العراق، فإن الوثائق الأخيرة ألقت الضوء بفجاجة على خلفيات الدبلوماسية الأميركية ووضعت الولاياتالمتحدة في موقف حرج. وأشعلت التسريبات الجديدة لموقع ويكيليكس، أزمة دبلوماسية عالمية وتراوحت ردود الفعل في الأوساط الدبلوماسية بين الصدمة والإحراج. وعلى سبيل المثال، وصفت سفارة الولاياتالمتحدة بباريس، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بكونه رجلا «نزقا ومستبدا»، مشيرة إلى الأسلوب الفظ الذي يتعامل به الرئيس الفرنسي مع معاونيه. كما وصف ديبلوماسي أمريكي رفيع المستوى رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني بأنه «غير مسؤول ومغتر بنفسه وغير فاعل كزعيم أوروبي معتدل». ووصفته برقية أخرى بأنه «ضعيف نفسيا وسياسيا» مؤكدة أن سهراته العامرة حتى آخر الليل لا تدع له وقتا للراحة. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فلم يكن حظها أفضل؛ إذ تقول برقية أنها «تخشى المجازفة ونادرا ما تبدي سعة أفق» فيما تصف وزير خارجيتها غيدو فيسترفيلي، المثلي المعلن، بأنه «شخص شديد الحيوية» لكنه يفتقر للخبرة في المجال الدبلوماسي. ورسمت الدبلوماسية الأمريكية صورة نموذجية عن الزعيم الليبي معمر القذافي، حيث تقول برقية إنه «يعتمد بما يشبه الهوس على نواة صلبة صغيرة من أهل الثقة» ولا يستطيع السفر بدون ممرضة أوكرانية ممتلئة الصدر. كما يشعر الزعيم الليبي بالخوف من التحليق فوق البحار أو صعود طوابق مبنى مرتفع. كما قدمت توصيفا كاريكاتوريا للرئيس الروسي ديميتري مدفيديف. وقالت إنه «روبن صديق باتمان الذي يقوم بدوره بوتين»، في إشارة إلى الكومبارس الشاب لبطل الرسوم المتحركة لتقول إن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين هو الحاكم الفعلي في روسيا. كما ينظر الدبلوماسيون الأميركيون إلى أحمد والي كرزاي شقيق الرئيس الأفغاني حميد كرزاي على أنه «فاسد إلى حد كبير وضالع في تهريب المخدرات» في جنوب البلاد. وقالت إحدى البرقيات الدبلوماسية التي أعدت إثر لقاء عقد في قندهار بين شقيق الرئيس ومبعوث أميركي أن «أحمد والي كرزاي الذي يتعين علينا التعامل معه بصفته رئيسا لمجلس ولاية قندهار، يعتبر فاسدا إلى حد كبير ومهرب مخدرات». ولم ينج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من التوصيف السيئ للدبلوماسية الأمريكية، إذ تقول إن أردوغان طوق نفسه «بحلقة حديدية من المستشارين المتملقين بل المزدرين». ووصفت برقيات السفارة الأمريكيةبأنقرة مستشارين لرئيس الوزراء التركي بأنه ليس لديهم «فهم يذكر للأمور السياسية أبعد من أنقرة». والخطير في ما نشره موقع ويكيليكس، يبقى ذلك القلق حيال البرنامج النووي الإيراني إذ كشفت التسريبات أن هذا الشعور لا يقتصر على إسرائيل وحدها بل يطول أيضا عددا من الدول العربية. ومن أبرز التعليقات التي نقلت عن رئيس عربي، تلك الصادرة عن العاهل السعودي الملك عبد الله الذي كان الأكثر صراحة بشأن هذه المخاوف في الضغوط التي مارسها على الولاياتالمتحدة بهذا الصدد؛ إذ كشفت برقية لسفارة أمريكا بالرياض أن العاهل السعودي نصح الأميركيين ب»قطع رأس الأفعى» وشدد على أن العمل مع الولاياتالمتحدة للتصدي للنفوذ الإيراني في العراق هو أولوية إستراتيجية للملك ولحكومته. ورغم أن الدبلوماسية الأميركية حاولت خلال الأيام القليلة الماضية الحد من الأضرار عبر الاتصال بنحو عشرة بلدان لحثها على تفادي أي ردود فعل سريعة، إلا أن المعلومات بشأن الشرق الأوسط قد تزيد من حدة التوتر في المنطقة، وعدا ذلك، فقد أدانت عدد من الدول المعنية بتلك التعليقات، تسريبات ويكيليكس، فيما وصفها أحمدي نجاد بالقليلة التأثير، في وقت لم يستطع برلسكوني منع نفسه من الانفجار ضحكا.