ارتبطت الدراما في المغرب في أوساط القرن الماضي وإلى حدود الثمانينات بالإنتاج الإذاعي، حيث تعلقت أسماع المغاربة بالمذياع مثل تعلق الطفل الرضيع بوالديه، فكانت الأسر المغربية تتحلق لساعات طويلة، خاصة خلال نهاية الأسبوع، حول ما يبث على أثير الإذاعة الوطنية من سهرات وتمثيليات وسلسلات درامية مختلفة. لكن ومع توالي السنين، ودخول المغرب في سياق تحرير المنظومة السمعية البصرية، وظهور الإذاعات الخاصة، التي تهتم أكثر ببرامج الترفيه، والمسابقات، وأغاني الثواني ... وكل الأعمال التي تعتبر، في نظر وكلاء هاته المؤسسات الإعلامية الجديدة، مغرية لشركات الإشهار والدعاية، حتى ولو كانت على حساب الثقافة والإبداع الأصيل، المرتبط بالموروث الشعبي القادم من عمق التنوع الثقافي للمغرب، وليس ذلك المفروض قصرا على المستمع من الشرق أو الغرب. وإذا رجعنا إلى ذلك الزمن الجميل للدراما الإذاعية بالمغرب، ليس للبكاء على الأطلال، وإنما لمعرفة أسباب ذلك النجاح، نجد أنه، بالإضافة إلى العامل المؤسساتي المرتبط بالرؤية الفنية لمدراء ومسيري المؤسسات الإعلامية بالمغرب آنذاك، كانت هناك فورة وهاجسا للإبداع المحلي لدى الكتاب والمؤلفين المغاربة، ونستحضر هنا النموذج المغربي الكبير الذي طبع الدراما الإذاعية بالمغرب بطابعه الخاص لعقود طويلة، تأليفا وتمثيلا وإخراجا، إنه الفنان المبدع الأستاذ عبد الله شقرون. إن الانفتاح الإعلامي وتأثير العولمة على المؤسسات الإنتاجية لفنون العرض البصري، أثرت على اختيارات المبدعين والفنانين المغاربة، الذين ظلوا لسنوات طويلة في وصل وود مع أثير الإذاعة، إلى أن شوش على ذلك العشق هوس النجومية والأضواء، فاختار الكثير، مكرها أخاك لا بطل، مسار تلبية حاجة السوق لا ذوق المتلقي ... كل هذا جعل الدراما الإذاعية في المغرب تعيش عزلة مع تاريخها في رفوف الإذاعة الوطنية، ولم تعد هناك محطات تهتم بالإنتاج الدرامي، فألقى كثير من الفنانين والمؤلفين باللوم على الإذاعات، لأنها لا تقدرهم معنوياً ومادياً على عكس التلفزيون والسينما، أما مسؤولي الإذاعات فيبررون ذلك بأنهم يلبون فقط رغبات الجمهور المستمع، أو بعبارة إخواننا المصريين: (الجمهور عاوز كدا!!)