لطالما رسمنا لها صور كثيرة في مخيلتا الجماعية، صور تتغير ألوانها، أشكالها، «هياكلها» وإبداعاتها من شخص لآخر، بله من مستمع لآخر.. هم أجيال «استماعية» عاشت وتعايشت مع هذه الوضعية - الممتعة اللذيذة، كلما أرسلت الإعلامية زهور لمزاري ذبذبات حبالها الصوتية إشارات الإعلان عن خبر أو تنشيط برنامج .. كل كلمة، كل جملة، وكل تدخل لها عبر الأثير، كان يشكل بالنسبة لنا - نحن أجيال من المستمعين - بصمة و«حمضا نوويا».. لتشكيل اللوحة التي نريد لها، وهي تناضل إذاعيا عبر الميكرفون.. نعم تناضل لكي تحافظ على أسمى معاني التذييع.. المصداقية، الإخلاص والوفاء للمهنة والمستمع.. أربعون سنة وزيادة لم تكل، لم تيأس، ولم تنزع عنها سلاح الجدية والحرص.. لكي تكون في مستوى الانتظارات، حيث كلمة الإذاعة كان لها معني، معنى أن تكون الوسيلة الإعلامية الوحيدة، أو تكاد، في كل البيوت المغربية على طول الوطن وعرضه، في البادية كما في المدينة، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي .. كانت تحرص على إيصال الخبر الطازج إلى المستمع المغربي، بداية، في ميدان كان حكرا على الرجال .. هو مجال التذييع الرياضي، ولعلها أول إعلامية مذيعة تركب هذه المغامرة لتبرهن على أن المرأة المغربية لا تنقصها الكفأة، القدرة والطاقة الخلاقة.. لا لتنافس الرجل، كما في فترة الرواد إلى جانب الأحمدين الغربي والملالي أو غيرهما، ولكن لتكمل المهمة ولتعطي مسحة أنثوية مرنه على منافسات وتظاهرات تتسم بالندية، القوة والبذل والجهد.. 1967 كانت السنة التي حملت فيها الاعلامية زهور لمزاري لواء التذييع الرياضي، حيث التحقت بالإذاعة الوطنية كمتعاونة بالقسم الرياضي، تحل بهذا الميدان هنا، وثان هناك، في ظروف اشتغال أقل ما يقال عنها أنها «كفاحية» لانعدام الوسائل خلافا لما هي عليه اليوم .. عرفتها ميادين ألعاب القوى والجمباز، على الخصوص، فكانت سيدتهما بامتياز إلى أن وقعت دخولها الرسمي سنة 1971 كمذيعة بمؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية، مكلفة بإعداد وتنشيط برامج تتعلق بالقضايا الاجتماعية، الترفيهية والثقافية .. فكانت لمستها واضحة في التناول والمقاربة والاختيار الموفق للضيوف، الذين يشكلون الإضافة النوعية لكل موضوع من المواضيع التي ارتأت أنه يستأثر باهتمام الشارع المغربي.. تفتح صفحاته بدون كلل وملل و ب«العناية المركزة» حتى لا يحيد الموضوع عن السياق، كما نلحظه في بعض أشباه البرامج اليوم حيث التشويش على الأسماع والقناعات بكلام «سفسطة»، لا معنى له ولا تجاه. زهور لمزاري الإعلامية المذيعة، ذات الخبرة الطويلة والمتمكنة، التي كانت ليلة من ليالي مارس الماضي، وبالضبط في أمسية 25 منه، «عروسة» تظاهرة«نجوم بلادي»، وهي تكرم ويعترف لها بالمسار الإذاعي الناجح والطويل.. في التفاته رمزية تجاه رائدة من رائدات ورواد الإذاعة الوطنية ... زهوز لمزاري لم تكن المذيعة فقط، إنها الفنانة أيضا، ولجت باب الدراما الإذاعية من بابها الواسع وهي تسخر إمكانياتها التعبيرية وطاقاتها الصوتية المتميزة وتقنياتها الأدائية لتنخرط في فرقة التمثيل الإذاعية، حيث شاركت في العديد من التمثيليات من قبيل سلسلة «سيدة القطار»، لتشكل بعد ذلك أحد الثوابت في تذييع النشرات الإخبارية، قبل تدشين السبيل الجديد لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، كمنتجة ومنشطة في برامج مثل «مع الحافظات» و«قبل الظهيرة» .. أربعون سنة وزيادة من مسار تذييعي شاق ومضن.. إلا أنه، أولا وأخيرا، مسار مميز يحمل بكل اعتزاز اسم زهور لمزاري...