محطات من حياة بطلة نجحت في تخطي كل الحواجز... 3 بهلسنكي .. الصدمة كانت قوية ... أبطال كثر ميزوا تاريخ الرياضة الوطنية، لما حققوه من إنجازات رائعة أعلت راية المغرب خفاقة في المحافل القارية والدولية، لكن القليل من نجحوا في الحفاظ على بريق اسمه وضمن مسار رائع حتى بعد الاعتزال، في وقت انصاع الكثيرون لإكراهات الواقع المعيش ومشاكل الحياة، مفضلين العيش خلف الظل، والاكتفاء بذكريات الأمس القريب وتفحص ألبومات الصور، والعودة كل ما سنحت الفرصة للعودة لبعض التفاصيل. نوال المتوكل ليست من هذه العينة، باعتبارها واحدة من النماذج الفريدة والغير قابلة للتكرار في سماء البطلات المغربيات والعربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى في الماضي، وفي الحاضر تتقلد مناصب عليا في دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، لكونها ببساطة تملك «كريزمة» تجعلها تحظى بقبول من أي كان، ناهيك عن طيبوبة وتواضع قلما نجدها عند قريناتها، لكن الأهم أن نوال لم ينل منها الاعتزال ولم يتمكن في تثبيط عزيمتها، بل بالعكس حولت اعتزالها كممارسة حافزا لسبر عالم التسيير على أعلى مستوى. غزالة الأطلس مثال للتميز والعصامية والتحول الإيجابي للرياضي بعد انتهاء مسيرته، فهي صنعت نفسها بنفسها، وتحولت من فتاة عادية إلى بطلة أولمبية ومسيرة رياضية ناجحة بكل المقاييس. مباشرة بعد الاعتزال الاضطراري سنة 1987، انخرطت تلقائيا في مجالات التسيير والتأطير، وطنيا ودوليا، وجعلت من قضية المرأة الرياضية هدفا أساسيا لجل تحركاتها، مؤمنة بأن احتلال المرأة الرياضية المكانة التي تستحقها، يحتاج إلى مساهمة حيوية لتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية وبلورة المشاريع المتعلقة بخدمة الرياضة كمدرسة للحياة. نوال نجحت بفضل تفانيها وجديتها في جعل المجال الرياضي مجالا خصبا لترويج القيم الإنسانية الراقية وترسيخ مبادئ المساواة والإخاء والإنصاف والتقارب بين الأمم والشعوب، ومحاربة الانغلاق والتطرف والتهميش والحرمان والظلم، كما أن استطاعت أن توازن بين الحياة الرياضية والجمعوية والعائلية، وتقدم بذلك نموذجا ناجحا ومثالا يتحذى بالنسبة للعديد للنساء في كل المجالات. في إطار الفضاء الرمضاني لسنة 2015، نقدم حلقات من مسار نوال المتوكل يختزل حياة هذه البطلة الاستثنائية التي يصفها الكثيرون بأيقونة التسيير الرياضي على الصعيد الدولي نظرا للدور الذي تلعبه وقيمة العلاقات الدولية الواسعة التي تربطها بمصادر القرار رياضيا، اقتصاديا وسياسيا... خلال المشاركة في أول بطولة للعالم وكانت بهلسنكي كان بمقدوري بلوغ النهائيات بسهولة، لكن الخوف كان يحبطني نظرا لقلة التجربة في أول مشاركة ببطولة العالم، بالإضافة إلى حضور عداءات من ألمانيا الشرقية وروسيا، تجمدت من شدة الخوف والرعب، فقد كان بإمكاني الفوز في نصف النهاية حتى لو خضت السباق بالمشي من خط الانطلاقة إلى الوصول، لكن الخوف جمدني. حدث أن تعثرت بالحاجز التاسع وسقطت. مما نتج عنه إصابتي في الركبة، إلى درجة لم أتمكن من اكمال السباق. بكيت بعد ذلك، لكن هذه التجربة شكلت بالنسبة لي عبرة لي ودرس لن أنساه، لأنني ظهرت وكأني استصغرت السباق، لأننا كنا تسع عداءات وكان بالإمكان تحقيق التأهل للنهاية حتى لو خضنا السباق مشيا على الأقدام، ما دام أمر الإقصاء كان يهم عداءة واحدة منا فقط، وكنت شبه متيقنة أنني لن أكون أنا من سيغادر هذا السباق. هذا ما قلته مع نفسي، إلا أنه كان تفسيرا خاطئا للغاية. نظرا لغياب التجربة وحتى المسار الدولي لم يكن موجودا في تلك الفترة، باستثناء سباقات التي تجرى بالقارة الأوروبية. بعد بطولة العالم بهلسنكي، تفاجأت بأن المرحوم الحسن الثاني ألح على ضرورة تتويجي صحبة سعيد عويطة في هذا الملعب بالذات أي المركب الرياضي محمد الخامس مقر مكتبها ، وكانت المناسبة اجراء مباراة نهائية لكأس العرش تجمع فريق جمعية الحليب بالرجاء البيضاوي. وقبل ذلك بحثوا عنا وقالوا أن الملك يريد مقابلتنا وتتويجنا نظرا لأن عويطة كان قد فاز بميدالية نحاسية بنفس البطولة، يومها تقوت معنوياتي وتعززت ثقتي بالنفس لأنني سأحظى باستقبال بدون حصولي على ميدالية أو تتويج. الاستقبال الملكي كان له أثر كبير وعزز حبي لألعاب القوى، وكانت بالنسبة لوالدي ووالدتي وإخوتي مفخرة كبيرة، حيث كان الجميع يقصون قصاصات الأخبار في الجرائد، ويقدمونها لإفراد عائلتي، والبعض من الناس كان يسأل ما إذا الأمر يتعلق بنوال الصغيرة التي يعرفونها وهى التي منحها الملك وساما. لن أنسى تلك اللحظة التاريخية لأنها كانت انطلاقتي للاستعداد، خاصة وأني كنت في حاجة لدفعة معنوية، مما مكنني من تجاوز ما حصل لي بهلسنكي، لأن ذلك شكل بالنسبة صدمة كبيرة. بعد هلسنكي شاركت في بعض الملتقيات بإيطاليا وفرنسا، لكن المشاركات كانت قليلة ومحدودة وليس كما هو الحال الآن، وكانت المنح هي الأخرى هزيلة، فمثلا يعطيك مدير التظاهرة 100 دولار، وهناك من يمنحك 200 دولار، وهنا لا يمكن المقارنة بما يتحصل عليه الرياضيون حاليا والتي تصل لملايين الدولارات. بحكم أني كنت فتاة عربية وإفريقية فلم يكن التعامل أفضل، فقد كانوا يتعاملون عادة بطريقة دونية مع كل القادمين من دول العالم الثالث، وهذا ما أصر على ذكره حاليا خلال كل المؤتمرات التي أحضرها كيف كان التعامل مع الفتاة آنذاك، وكيف أصبح الوضع حاليا. كانوا يحتفظون بجواز سفر إلى انتهاء السباق حتى لا يظل الرواق فارغا، لأن السباق بثماني عداءات ليس هو سباق بثلاث عداءات أو أقل. كانوا يحاولون إبراز أن هناك تمثلية لإفريقيا وأوروبا وآسيا. بالنسبة لي كانت تلك المرحلة مدرسة حقيقية للحياة. سنة 1983 بدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، بدأت تنهال علي المنح الدراسة بالولايات المتحدةالأمريكية من جامعات أمريكية، كما كانت هناك منحة خاصة من طرف المفغور له الملك الحسن الثاني. لكن الأمريكيين ألحوا في تبني هذا البطلة الإفريقية الصاعدة، والتي ينتظرها مستقبلا كبيرا بالألعاب الأولمبية وفي رياضة ألعاب القوى. في البداية لم أتحمس للفكرة لأن لغتي الإنجليزية كانت محدودة، وإن كنت أجبر على الحديث بها بحكم الجولات على المستوى الأوروبي، آنذاك التقيت شخصا يدعى رياض مكور وهو من أصل يمني، وكان يعمل أستاذا بدار أمريكا هنا بمدينة الدارالبيضاء. غدا : شخص يمنى فتح أمامي أبواب أمريكا