مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال محمد حجيوي خلد مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، ومعه مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الخميس، 23 ماي، ذكرى رحيل الفقيد عزيز بلال، المناضل التقدمي والباحث والمفكر الذي طبع مسار الفكر الاقتصادي المغربي، كواحد من أبرز أعلامه. خلال هذا الحفل الذي أداره محمد الشيكر رئيس مركز الدرسات والأبحاث عزيز بلال، استحضر رفاق المرحوم في حزب التقدم والاشتراكية وثلة من الباحثين والمفكرين الاقتصاديين من جايلوا الفقيد جزءا من مساره الإنساني والنضالي والعلمي. في هذا السياق، قال القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أمحمد أكرين، "إن المرحوم عزيز بلال طبع الفكر الاقتصادي المغربي، ببصمة خاصة، كما طبع أجيال من المناضلين السياسيين من مختلف المشارب السياسية والفكرية والفلسفية"، وأوضح المتحدث أن عزيز بلال كان له الفضل في تشكيل مساره السياسي، والفكري وأن العلاقة التي كانت تجمعهما هي أكثر من علاقة حميمية. وذكر المتحدث، بتلك اللحظات الأولى التي عرف فيها الفقيد، وكيف كان يحضر لمحاضرته التي كانت تستقطب العديد من الطلبة، وكيف أقنعه بالاشتراكية، بطريقة علمية وموضوعية، مشيرا إلى أن طرقة تفكير عزيز بلال، كانت تفتح الآفاق أمام طلابه وأمام مناضلي حزب التقدم والاشتراكية الذي أطرهم على معرفة الواقع الملموس وعلى التحليل الملموس، وكيف كان يشرح مفهوم موازن القوى والتحالفات، وكيف كان يحلل مفهوم التناقض الرئيسي والتناقض الثانوني. وأوضح أمحمد أكرين، أن عزيز بلال كان في تفكيره وتحليلاته، يعتمد على الدقة، والواقعية بعيدا عن الدغمائية، وكان يعلم طلابه ورفاقه كيف يستنبطون الجديد من التجربة، حيث كان "مناضلا سياسيا بمفهوم الواقعية السياسية التي لا تلغي الالتزام الثوري الذي يسعى إلى التغيير لكن بناء على التدرج" يقول المسؤول الحزبي، الذي وقف أيضا على تجربة التدبير الجماعي للفقيد الذي كان مستشارا جماعيا بالدارالبيضاء، وأسس لتجربة نموذجية في بالتسيير الجماعي، حيث كان يربط بشكل خلاق بين التفكير والممارسة وتدبير الشأن المحلي. وشدد أمحمد أكرين على أن عزيز بلال لم يمت، لأن فكره مستمر في الزمان والمكان، وأنه لو قدر أن كان بين رفاقه اليوم، لرأى كيف أنهم، رغم صعوبات المرحلة ورغم الاختلافات التي قد تظهر من حين لآخر، استطاعوا أن يدبروا ،بشكل حكيم وبدقة، هذه المرحلة، مؤمنين بالمبدأ الذي ظل يحكم حزب التقدم والاشتراكية وهو "المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار". ودعا أمحمد اكرين إلى إعادة إحياء المدرسة التكوينية لعزيز بلال التي تشكل من الحلقة لاستمرار فكره من جيل إلى جيل، كما دعا إلى تنظيم ندوة وطنية كبرى حول فكر الرواد من قبيل عزيز بلال والمهدي بنبركة وغيرهم من الرواد الذين طبعوا التاريخ الفكر المغربي الحديث. وأجمع باقي المتدخلين على أن عزيز بلال يشكل مدرسة متميز في التواضع والأخلاق، وساهم في إناء الفكر العلمي ولإنساني، وكان يؤمن بمقارعة الأفكار يحترم من يختلف معه، كانت له قدرة هائلة على الإقناع، كان يقدس العلاقات الاجتماعية حتى وإن كان هناك اختلاف مع شخص ما. في هذا السياق، قال محمد الشيكر "إن عزيز بلال كان براكسيا، يجمع بين الفكر والفعل، عكس ما نلاحظه اليوم، حيث هناك استخفاف كبير بالفكر" مبرزا كيف كان الفقيد ينتقل من الشك إلى اليقين، فهو عندما يكتب فهو في فضاء الشك، لكن عندما يكون في الحزب يكون في فضاء اليقين. من جانبه، وقف الاقتصادي نور الدين العوفي رئيس الجمعية المغربية للعلوم الاقتصادية، على البعد الأكاديمي والمعرفي في فكر الفقيد التقدمي عزيز بلال، من خلال أعماله التي خلفها في مجال العلوم الاقتصادية، وكيف وسع من مفهوم التنمية الاقتصادية، مؤكدا على أن العودة إلى أعمال عزيز بلال، تعني بشكل أو بأخر الانفتاح على المستقبل. وأوضح نور الدين العوفي، كيف كان عزيز بلال يربط بين الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي، مبرزا في السياق ذاته مجموعة من الخلاصات الأساسية في فكر عزيز بلال المرتبطة بالتنمية الاقتصادية، مستدلا بأطروحة دكتوراه الدولة التي ناقشها عزيز بلال والتي باتت تشكل علامة بارزة في البحث السوسيو- اقتصادي بالمغرب ما جعله أول اقتصادي مغربي حاصل على دكتوراه الدولة. بدوره تذكر الأستاذ أحمد أزيرار، كيف أثر في تكوينه الأكاديمي والفكري عزيز بلال، وكيف أثرت فيه وفاته سنة 1983، داعيا من جانبه إلى ضرورة تحيين فكر الفقيد بالنظر إلى أن تلك المفاهيم والمقاربات التي ساقها عزيز بلال في تحليله الاقتصادي تكتسي الآن راهنية كبرى يتعين الانتباه إلهيا. وأفاد أحمد أزيرار أن عزيز بلال نجح في تعميم الفكر الأقتصادي وجعله في متناول أوسع الشرائح من الطلاب والمفكرين والمهتمين، وبلورة ما يسمى العلوم الاقتصادية المغربية، مشيرا إلى كل أعمال الراحل عزيز بلال هي قيمة مضافة في الفكر الاقتصادي المغربي. من جانبه، شدد مضطفى الكثيري رئيس جمعية الاقتصاديين المغاربة، أن عزيز بلال كان شخصية متعددة الأبعاد، وكان فكره الاقتصادي في بعده الاجتماعي والحضاري والثقافي، بالإضافة إلى كونه من أول المفكرين الاقتصاديين في العالم الثالث إلى جانب سمير أمين ويعقوب سليمان وجرح قرم وغيرهم من حملوا الهاجس الاقتصادي بالعالم الثالث. وأبرز الكثيري الدور الذي كان لعزيزبلال في اتحاد الاقتصاديين العرب وفي الجمعية الدولية للاقتصاديين، خاصة عندما كان رئيسا لجمعية الاقتصاديين المغاربة، مشيرا إلى أن عزيز بلال كان مدرسة جامعة بين الفكر والممارسة، وبين الخطاب والعمل، حيث كتن من المساهمين في المخطط الخماسي للمغرب (1960- 1964) وهي التجربة التي أهلته يقول المتحدث " لمعرفة عن قرب الواقع المغربي خاصة في السنوات الأولى من الاستقلال أي سنوات البناء". واعتبر مصطفى الكثيري، أن عزيز بلال ظهر كمؤسس للفكر الاقتصادي المغربي، واستطاع أن يستقطب العديد من الطلبة لشعبة الاقتصاد، مشيرا إلى أن الباحثين الاقتصاديين المغاربة لم يوفو الفقيد حقه، مبرزا الحاجة إلى عودة الروح للتفكير الاقتصادي المغربي، وفاء لروح عزيز بلال، وإلى تجميع ووحدة الاقتصاديين المغاربة لإعطاء الفكر الاقتصادي دفعة قوية ليساهم في الإيجابة على مختلف الإشكالات الاقتصادية المطروحة في وقتنا الراهن. من جانب، ذكر عيد الحفيظ ولعلو عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية كيف كان الراحل عزيز بلال موحدا تجتمع حوله مختلف المشارب الفكرية والسياسية، وكيف أن الكل كان يعترف له بذلك. وفي الوقت الذي أبرز فيه عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، الحاجة إلى إعادة قراءة فكر عزيز بلال، أكد على القدرة التحليلية والبداغوجية التي كان تميز الفقيد التقدمي والوطني. من جانبه، تذكر موسى كرزازي عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، جوانب من الحياة التنظيمية الحزبية للرحل عزيز بلال، وكيف كان يتعامل مع رفاقه خلال الاجتماعات أو خلال التكليف بمهمام حزبية في الداخل والخارج وكيف كان يحظي باحترام الجميع. وقد حضر هذا اللقاء /الذكري الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله ورئيس مجلس رئاسة الحزب اسماعيل العلوي والعديد من القياديين في حزب التقدم والاشتراكية. ******* عزيز بلال وسمو الخطاب مصطفى السالكي في مثل هذا اليوم، من سنة 1982، نعى حزب التقدم والاشتراكية إلى الشعب المغربي رحيل أحد قيادييه المناضل التقدمي والمثقف العضوي والأستاذ الجامعي، عزيز بلال... تمضي إذن ثلاثة وثلاثون سنة، على رحيل معلمة المغرب الاقتصادية التي لم يجد التاريخ بعد بنظير لها. شهادات من جايلوه تظل، برغم قوتها، قليلة متناثرة لا تفي الرجل حقه، ولا تقدمه لشباب اليوم الذي لم يعايش هذا الإنسان المناضل، ورجل العلم الفيلسوف والعالم الاجتماعي والمثقف، والعالم الاقتصادي الذي «يصرخ» بخيبة أمل شعوب العالم الثالث. أكثر من ثلاثين سنة تمضي والحاجة لازالت ماسة لعزيز بلال. فالمغرب وشعوب العالم الثالث التي عاشت وهم الازدهار ما بعد التحرر ووجدت نفسها بعد مرور عشرات السنين من الاستقلال السياسي في حيرة وارتباك أمام تيار التبعيات الاقتصادية والتكنولوجية والمالية الجارف، لازالت تعاني الاستغلال ذاته رغم تلونه بتلون مخارج الأمبريالية الجديدة التي تبحث باستمرار عن مخارج لأزمات نظام رأسمالي أنهكته صعقات المضاربات العقارية والمالية التي أنتجت أزمات حادة باتت تداعياتها تطول أكثر من السابق. للشباب الجامعي، في مختلف تفرعات تخصص العلوم الاقتصادية، لقاءات تكاد تكون يومية، في المدرجات وبين المراجع، مع نظريات عزيز بلال ورؤاه لما كان يسميه «الجبال الجليدية» التي تحجبها العوامل الاقتصادية للتنمية، وتقدم لنا عالما من العوامل غير الاقتصادية مع كل المنعرجات التي تحتوي عليها البنيات العليا والإيديولوجيات. لكن ماذا عن شرائح واسعة من الشباب وبصفة خاصة المناضلين في صفوف اليسار والأحزاب التقدمية والوطنية الذين يقفون مشدوهين حين الحديث أمامهم عن عزيز بلال الشخصية التي أنجبها حزب التقدم والاشتراكية والمغرب، وذاع صيتها عبر العالم وضاهى بها المغرب هامات الغرب والشرق. في عيون هؤلاء الشباب حيرة، وفي كلماتهم نهم واضح لمزيد من المعلومات، ولوم واضح لمن جايلوا بلال وصاموا عن الكلام وعن حمل مشعل رفيق بحث دوما عن حلول للمعضلات الاقتصادية انطلاقا من عمق تحليل واقع المحرومين والمحبطين والعاطلين والأطفال المستغلين والفئات المهمشة والمستضعفة، والطبقة الكادحة التي يمتص الرأسمال الجشع زهرة شبابها داخل سراديب المعامل. شباب اليوم، سواء داخل حزب التقدم والاشتراكية، أو في الهيئات والمنظمات الأخرى، يقدر بلال حق تقديره، لكنه بحاجة اليوم لمن يستحضر دروس الرجل حول سؤال الاقتصاد كعلم، والسياسة كفن، والثقافة كهوية ونمط حياة. شباب اليوم يرغب في من يثير راهنية فكر عزيز بلال الذي لم يتصور التنمية دون اعتزاز الناس بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة. شباب حزب التقدم والاشتراكية ومناضلوه، كما هو الشأن بالنسبة لشباب مغرب يتحول ويسعى لتحقيق مشروع مجتمعي ولاستكمال مسلسه الديمقراطي، ومباشرة أوراشه الكبرى، في حاجة اليوم لتقليب صفحات مفكر كان دوما يقول لرفاقه: «إنني أتحدث عن مصير بلدي وشعبي، لي كفاءتي، أستفيد من تجارب الآخرين، وأحاور». نعم كان يحاور، وكان يعتمد في حواره على خطاب جدي يقارع الحجة بالحجة ويحترم الرأي الآخر. خطاب يحتاجه الجميع اليوم، شبابا وكهولا، في المدرجات الجامعية وفي مدرجات الغرفتين التشريعيتين. يحتاجه الجميع بقدر الحاجة إلى أن سمو الفكر إلى مصاف الكبار ممن تشكل وفاتهم خسارة فادحة للبلاد. **** م. السالكي غلاف كتاب نادر لشخصية متفردة. غلاف كان وسيلة بسيطة للتواصل مع الناخبين في الدارالبيضاء يبرز المكانة التي تحضى بها الثقافة في انشغالات حزب التقدم والاشتراكية الذي ظل في صلب جدلية الثقافي والسياسي من حيث إنتاج النخب الفكرية والإبداعية وعبر مجالات مختلفة ، وهو ما قوى من تواجده المكثف في مجموعة من المواقع الثقافية التي تركت بصمات واضحة في المشهد الثقافي الوطني، انطلقت مع النقاش الحلقي الجامعي،وعبر العديد من المؤلفات الفلسفية والفكرية والاقتصادية التي كانت تصدر عن عزيز بلال وعن مفكرين ورواد داخل حزب التقدم والاشتراكية. لم يعطل انشغال الحزب بمناقشة القضايا التنظيمية الصرفة اهتمامات هذا الحزب بعمقه الثقافي بأبعاده السسيو ثقافية وظل، مع عزيز بلال، ورفاقه، يستحضر دوما الهم الثقافي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة. غلاف يؤكد أن التحديات الراهنة التي تستدعي وضع المسألة التقافية، ودور المثقفين في طليعة الأدوار المطلوبة لتحديث الدولة والمجتمع، وتحقيق المساواة والحرية والعدالة والمواطنة الحقة وترسيخ القيم الكونية والإنسانية والتأسيس للتعايش في إطار احترام التعددية والتنوع والاختلاف دون تعصب أو إقصاء كانت حاضرة لدى بلال ولدى حزب التقدم والاشتراكية.ولازالت هذه التحديات قائمة تواجه المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي اليوم.