في مثل هذا اليوم، من سنة 1982، نعى حزب التقدم والاشتراكية إلى الشعب المغربي رحيل أحد قيادييه من العيار الثقيل، المناضل التقدمي والمثقف العضوي والأستاذ الجامعي، عزيز بلال. فمن الولاياتالمتحدةالأمريكية، شاع النبأ الفاجعة عبر قصاصة تعلن وفاة عزيز بلال في حريق بأحد فنادق شيكاغو، حيث كان يقيم، وحيث كان يقوم بواجبه كنائب لرئيس جماعة سيدي بليوط عين الذئاب في إطار مهمة إنجاز عملية توأمة بين مدينتي الدارالبيضاء وشيكاغو. ماي 1982 – ماي 2014... تمضي إذن إثنا وثلاثون سنة، دون أن يطال النسيان ولا التهميش هذا الجامعي الألمعي. تحل ذكرى وفاته لترغمنا جميعا على الانحناء إجلالا لمفكر وقائد سياسي حمل على عاتقه عبء ما تعانيه بلاده وبلدان العالم الثالث من بؤس واستغلال... حمل هذا الهم بحساسية تؤكد مشاعر إنسان شهد فظاعة تدهور الأوضاع، وقدم مقاييس دقيقة لحجم تهميش الجماهير وتفقيرها النسبي والمطلق، مقابل تبذير العديد من الموارد والثروات والحط من قيمة «الرأسمال البشري». أكثر من ثلاثة عقود تمضي على رحيل معلمة المغرب الاقتصادية التي لم يجد التاريخ بعد بنظير لها. شهادات من جايلوه تظل، برغم قوتها، قليلة متناثرة لا تفي الرجل حقه، ولا تقدمه لشباب اليوم الذي لم يعايش هذا الإنسان المناضل، ورجل العلم الفيلسوف والعالم الاجتماعي والمثقف، والعالم الاقتصادي الذي «يصرخ» بخيبة أمل شعوب العالم الثالث. أكثر من ثلاثين سنة تمضي والحاجة لازالت ماسة لعزيز بلال. فالمغرب وشعوب العالم الثالث التي عاشت وهم الازدهار ما بعد التحرر ووجدت نفسها بعد مرور عشرات السنين من الاستقلال السياسي في حيرة وارتباك أمام تيار التبعيات الاقتصادية والتكنولوجية والمالية الجارف، لازالت تعاني الاستغلال ذاته رغم تلونه بتلون مخارج الأمبريالية الجديدة التي تبحث باستمرار عن مخارج لأزمات نظام رأسمالي أنهكته صعقات المضاربات العقارية والمالية التي أنتجت أزمات حادة باتت تداعياتها تطول أكثر من السابق. للشباب الجامعي، في مختلف تفرعات تخصص العلوم الاقتصادية، لقاءات تكاد تكون يومية، في المدرجات وبين المراجع، مع نظريات عزيز بلال ورؤاه لما كان يسميه «الجبال الجليدية» التي تحجبها العوامل الاقتصادية للتنمية، وتقدم لنا عالما من العوامل غير الاقتصادية مع كل المنعرجات التي تحتوي عليها البنيات العليا والإيديولوجيات. لكن ماذا عن شرائح واسعة من الشباب وبصفة خاصة المناضلين في صفوف اليسار والأحزاب التقدمية والوطنية الذين يقفون مشدوهين حين الحديث أمامهم عن عزيز بلال الشخصية التي أنجبها حزب التقدم والاشتراكية والمغرب، وذاع صيتها عبر العالم وضاهى بها المغرب هامات الغرب والشرق. في عيون هؤلاء الشباب حيرة، وفي كلماتهم نهم واضح لمزيد من المعلومات، ولوم واضح لمن جايلوا بلال وصاموا عن الكلام وعن حمل مشعل رفيق بحث دوما عن حلول للمعضلات الاقتصادية انطلاقا من عمق تحليل واقع المحرومين والمحبطين والعاطلين والأطفال المستغلين والفئات المهمشة والمستضعفة، والطبقة الكادحة التي يمتص الرأسمال الجشع زهرة شبابها داخل سراديب المعامل. شباب اليوم، سواء داخل حزب التقدم والاشتراكية، أو في الهيئات والمنظمات الأخرى، يقدر بلال حق تقديره، لكنه بحاجة اليوم لمن يستحضر دروس الرجل حول سؤال الاقتصاد كعلم، والسياسة كفن، والثقافة كهوية ونمط حياة. شباب اليوم يرغب في من يثير راهنية فكر عزيز بلال الذي لم يتصور التنمية دون اعتزاز الناس بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة. شباب حزب التقدم والاشتراكية ومناضلوه، كما هو الشأن بالنسبة لشباب مغرب يتحول ويسعى لتحقيق مشروع مجتمعي ولاستكمال مسلسه الديمقراطي، ومباشرة أوراشه الكبرى، في حاجة اليوم لتقليب صفحات مفكر كان دوما يقول لرفاقه: «إنني أتحدث عن مصير بلدي وشعبي، لي كفاءتي، أستفيد من تجارب الآخرين، وأحاور».