مع عبد الرحيم بنصر: بصمات واضحة للرفيقات على صفحات تاريخ حزب التقدم والاشتراكية المجيد كانوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في تنظيم أسسته مجموعة من الجمعيات الطلابية المغربية بعد حصول المغرب على الاستقلال. تنظيم ابتدأ ببناء هياكله على أساس تمثيله للحركة الطلابية المغربية التي أرادته واجهة للدفاع عن مطالبها. لكنه ما لبث أن واجه مشكل التأرجح بين التيارات المتصارعة، ليمخر عباب يم صراعات أفقدته البوصلة التي كان يسير على هديها وصولا إلى الدفاع عن القضايا التي أسس في الأصل لحمل همومها. إنه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي حاول كل من جهته جعله منظمة موازية وناطقة باسمه في الوسط الطلابي اعتبارا لمعطيات محيط دولي شكل فيه الطلبة القوة الأساسية للتغيير، ما أدى إلى انقسامات وصراعات عمودية وأفقية، وشد وجدب مع السلطة، توالت وتضخمت لتفقده التوازن وتضع في طريقه عقبات شلت محركه في محطة مؤتمره السابع عشر الذي علقت أشغاله في الرباط سنة 1981. بيد أن أهم إشكال واجهته الحركة الطلابية يبقى من دون شك هو تدبير التناقضات بين التيار الإصلاحي والتيار الجذري. وهي مرحلة من تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نحاول تسليط الضوء عليها، خلال شهر رمضان، عبر سرد حياة مناضلين بحزب التقدم والاشتراكية كانت حافلة بالعطاءات وبالتضحيات من أجل الشعب والوطن والحزب والطبقة الكادحة. نسافر في هذه الحلقات عبر مراحل الحياة الشخصية لكل من عبد الرحيم بنصر ومصطفى العلوي، بارتباط مع حياتهما النضالية سواء داخل الحزب أو داخل المنظمة الطلابية في محاولة للكشف عن خبايا ودوافع مواقف مؤثرة في حياة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، على اعتبار أن القرارات لا تتخذ خارج سياقاتها المباشرة وغير المباشرة. -15- والأخيرة لا يمكننا ونحن نستعرض جوانب من نضالات طلبة حزب التقدم والاشتراكية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أن نمر مرور الكرام على الدور الذي لعبته نساء حزبنا سواء داخل الحركة الطلابية أو داخل فروع وخلايا وقيادات الحزب . إن ذكر أسماء مناضلات كبيرات من قبيل أمينة المريني ومليكة البلغيثي ورقية الخياري وخديجة الخياري و ربيعة الناصري ونزهة الصقلي ورشيدة الطاهري وغيرهن من الرفيقات سواء اللواتي تابعن دراستهن الجامعية داخل المغرب أو في الجامعات الأجنبية يحيلنا على صور خالدة لمشاركة الرفيقات في العمل السياسي بشكل متميز جدا. فعلى خلاف ما يجري في بعض الأحزاب التي تقحم المرأة في السياسة لأجل أنوثتها ليكون هناك تمثيل نسوي مقابل للتمثيل الذكوري، ظلت تمثيلية المرأة في حزب التقدم والاشتراكية تتم على أساس كونها إنسانا لها أهميتها في المجتمع الإنساني، وعلى أساس كونها عضوًا فاعلا في المجتمع البشري. هذه النظرة السليمة لحزبنا شكلت مدخلا صحيحا لمشاركة المرأة في العمل السياسي ولتفوقها فكرا وإبداعا وذكاء. رفيقاتنا كن يناضلن على جميع الواجهات وأدلين بذلك بدلوهن من أجل نصرة قضايا الوطن والشعب ومن أجل تعزيز دور المرأة المغربية وتوعيتها . فكنت ترى رفيقاتنا في كل مواقع النضال داخل فضاءات الجامعات وفي اللجنة المركزية والديوان السياسي وفي الجمعيات النسوية و الجمعيات الثقافية والحقوقية. سهرن على تنظيم عدة تظاهرات تستفيد منها المرأة من قريب أو بعيد. إن القطاع النسائي لحزب التقدم والاشتراكية الذي يضم رفيقات كانت لهن بصمات واضحة في الحركة الطلابية، اشتغل على العديد من القضايا، واعتمدن في إيصال خطابهن التقدمي الحداثي على عدة وسائل كتنظيم الأيام الدراسية والموائد المستديرة والمناظرات والتحقيقات والقافلات النسائية. لقد ناضلت النساء في حزب التقدم والاشتراكية واضعات نصب أعينهن الصورتان المتضاربتان للمرأة المغربية: ففي الوقت الذي تمثل فيه النساء المغربيات 60٪ من جمعيات المجتمع المدني، وأكثر من 50٪ من العمل البيداغوجي، والعمل في ميدان التمريض، فإن هناك أرقاما مخيفة مثل نسبة النساء الأميات، وكذا نسبة فتيات البوادي اللواتي يلجن المدارس. إن الوضعية التي تعيشها النساء المغربيات حاليا، رغم أنها أحسن بكثير مما كانت عليه سابقا، لازالت تعكس مفارقة حقيقية، حيث أن النساء رغم تواجدهن في مراكز متميزة ، إلا أن المشاركة الحقيقية للمرأة المغربية كقوة عمل غير واضحة بالشكل الذي يجعل الملاحظ يقرر حقيقتها . إن مناضلات حزب التقدم والاشتراكية أكدن قدرتهن على الارتقاء إلى مستوى الشريك الحقيقي للرجل في العمل السياسي والتنموي، وفي المساهمة الفعالة في تدبير الشأن العام وفي خدمة المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي ينشده المغرب. كان التنسيق دائما بين الرفيقات والرفاق ولم نكن قط نتسابق لمنصب السؤولية ولا لضمان التموقعات. كل من كان يشعر منا، رفيقة أو رفيق، بأهليته وقدرته يتقدم تلقائيا لانجاز المهمة المطلوبة . كان الجميع يرتاح للجميع. لم يكن هناك أحد يعتبر أن هذا الرفيق أقرب إليه من الرفيق الآخر. وللأمر في نظري تفسير واحد يكمن في الصفة التي ننادي بها بعضنا. إنها صفة الرفيق التي تضم حمولات عديدة ولا تمنح إلا لمن تربى في حزب التقدم والاشتراكية على مبادئ وأخلاق سامية منها الصراحة والاستقامة والانضباط واحترام الآخر. لقد كنا نقوم بأنشطتنا النقابية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو في تنظيمات حزبية أخرى، لكننا ملزمون بالعودة للاشتغال في الخلية التي تعتبر مدرسة قائمة الذات لها برنامج ولها أهداف وتخضع للمحاسبة على حصيلة تطبيقها للبرنامج. إن كل الرفيقات والرفاق الذين مروا من الحركة الطلابية يوافقونني الرأي على أن حزبنا بخلاف الأحزاب الأخرى كان فضاء للديمقراطية والنقاش. وكل فرصة للقاء الرفاق في محفل من المحافل لم تكن فرصة لأخذ القرارات أو مناقشة الإشكاليات السياسية أو توسيع التنظيم فقط، بل كانت أيضا مناسبة للتكوين المنظم منه والمباشر، وفرصة للتحضير للقاءات جماهيرية ولمحاضرات من مستوى عال جدا. أذكر بهذا الخصوص أن حزب التقدم والاشتراكية كان أول حزب مغربي نظم مناظرة اقتصادية بمنطقة حسان بالرباط سنة 1976 برئاسة الرفيق الراحل عزيز بلال . كانت مناظرة مهمة تطرقت للإشكالية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب. وتلتها مناظرات لا تقل أهمية تطرقت للمسألة التعليمية في البلاد وللمسألة الفلاحية أعقبتها لقاءات جماهيرية كانت إيديولوجيا حزبنا حاضرة في خطاباته السياسية والفكرية ، تبرز للجميع أننا حزب لا يشتغل بالسياسة فقط من اجل الانتخابات أو للمشاركة في المؤسسات، بل لنا مشروع مجتمعي نريد خدمته و لنا هوية ولنا مشوار ولنا تاريخ ونعرف إلى أين نمضي . هذا الربط بين الايدولوجيا والسياسة والفكر هو ما نحتاجه اليوم . نحن بحاجة إلى تقريب الايتوبيا مرة أخرى من المواطن ومن المناضل الذي يفتح أفاقا للكفاح لباقي لمناضلين أمام ضائقة مجتمعية معينة. والأفاق عندنا في حزب التقدم والاشتراكية واسعة رحبة يجب فقط أن نعيد ترتيب هذه العلاقة التي تفككت اليوم . فالتطور الهائل في لسائل الإنتاج، وتصاعد الاستغلال لجهد الطبقة العاملة، وتصاعد الضغوط التي يفرضها طبيعة العمل، لابد أن يفرض على الطبقة العاملة أن تغير أساليب نضالها المشترك كماً ونوعاً، وذلك من خلال تنظيماتها السياسية والنقابية، لكي تستطيع فرض شروط عمل أفضل، وأجور تتناسب والجهد المبذول، والذي يحقق للطبقة العاملة المستوى المامول من الحياة المعيشية الكريمة. وموقع حزبنا واضح في هذا النضال الذي كان دائما يخوضه الى جانب الطبقة الكادحة . وبالتالي وجب ترتيب علاقة ايديولوجيتنا مع سياستنا وفكرنا بما يتلاءم والعصر الحالي، وخلق الظروف التي تمكن في نهاية المطاف نضال الطبقة العاملة من تغيير حقيقي لعلاقات الإنتاج. وهو ما يمثل الهدف الأبعد لنضال الطبقة العاملة، وهو الحلم الذي ناضلت من اجله البشرية جمعاء. لقد سمعت الكثير من المواقف بل والانتقادات عقب انهيار المعسكر الاشتراكي . لكنني أقول لكل هؤلاء إن فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي لن تكون نهاية المطاف أبداً، والمجتمع الإنساني سبق أن مر بمراحل متعددة، وكل انتقال من مرحلة إلى أخرى قد يصاحبه أخطاء وانتكاسات، كما حدث في الاتحاد السوفيتي، لكن هذه التجربة والتجارب التي سبقتها والتي ستليها ستعلم الطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية وأحزابها السياسية وعلى راسها حزبنا كيف تستفيد من تجاربها وتتجاوز أخطائها، وكيف تسير بشكل حثيث من أجل خلق عالم جديد، وعلاقات إنتاج جديدة تحقق حلم الطبقة العاملة وسائر المجتمع الإنساني بحياة رغيدة خالية من الاستغلال واستعباد رأس المال. إن منظري الرأسمالية مهما حاولوا تلميع وجهها لن يفلحوا أبداً في مسعاهم لسبب بسيط هو كون النظام الرأسمالي قائم في الأساس على استغلال الإنسان لجهد أخيه الانسان، فهو نظام تنتفي فيه العدالة، وستكون الرأسمالية في نهاية المطاف عاجزة عن تقديم حل حقيقي وإنساني للتناقض الحاصل بين المستغِلين ( بكسر الغاء) والمستغَلين (بفتح الغاء) إلا من خلال نظام بديل يؤمن للإنسان العدالة الاجتماعية الحقيقية الخالية من الاستغلال والاستعباد. فتحية لحزب التقدم والاشتراكية ولكل مناضليه عبر تاريخه النضالي المجيد. وتحية لكل الرفيقات والرفاق سواء الذين قاسموني النضال داخل الحركة الطلابية او في مختلف أجهزة حزبنا الذي سيبقى دوما منارا يهدي البشرية لتغيير الواقع المعاش الى الأفضل وتحقيق حلم البشرية في مجتمع عادل لا مكان فيه للاستغلال، مجتمع لا مكان فيه للفقر والعوز والبطالة، مجتمع تتحقق في ظله كامل حقوق الإنسان في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والعيش الرغيد.