في مثل هذا اليوم، 22 ماي من عام1982 نعى حزب التقدم والاشتراكية إلى الشعب المغربي رحيل احد قيادييه من ذوي العيار الثقيل، المناضل التقدمي والمثقف العضوي والأستاذ الجامعي الألمعي، عزيز بلال. فمن الولاياتالمتحدةالأمريكية، شاع النبأ الفاجعة عبر قصاصة تعلن وفاة عزيز بلال في حريق بأحد فنادق شيكاغو، حيث كان يقيم ويقوم بواجبه كنائب لجماعة سيدي بليوط عين الذئاب وبمهمة انجاز عملية توأمة الدارالبيضاء وشيكاغو. سنون مضت على هذا الحادث/ الفاجعة الملفوف بجملة من الملابسات والتساؤلات المريبة، التي وان كانت قد تكالبت في تغييبها القسري لمفكر اقتصادي عالم ثالثي في أوج عطاءاته وبحوثه العلمية، فإنها لم تتمكن من طمس معالم فكره الوقاد ومناهجه العلمية وفرشته المعرفية في البحث والتحليل والتركيب ، حد أن صار الاقتصاد مع عزيز بلال حفريات في العوامل غير الاقتصادية في التنمية. حفريات على اعتبار أن البنيات الفوقية لاقتصاديات العالم الثالث تتخارج في صيروراتها، لا بفعل جدلية علائقها بالبنيات التحتية من اقتصاد واجتماع، بل وبفعل العوامل الزمنية لكل بنية على حدة وتقاطب أنماطها المركبة، بحيث يتصدر المستوى الايديولوجي موقع الهيمنة في هذه المجتمعات فيما يظل استخراج فائض القيمة خاضعا لسلطان البنية الفوقية. وهو الطرح الذي بلوره الدكتور سمير أمين في بحوثه حول أنماط الإنتاج وتراكم الرأسمال، والتقطه عالم الاقتصاد الهندي ميرنال سن الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في تسعينيات القرن الماضي في دراسته حول نمط الإنتاج الآسيوي، وما خلصا إليه معا في بحوثهما ودراساتهما ، من كون السلطة التي تتحكم بالثروة في المجتمعات العالمثالثية على عكس المجتمعات الرأسمالية حيث الثروة هي التي تتحكم بالسلطة. ومعلوم أن طروحات العوامل غير الاقتصادية في التنمية قد تصدرت جملة من الدراسات والبحوث المشتركة بين الاقتصادي الرسي بوبوف والفقيد عزيز بلال ، الذي حال موته المفاجئ دون استكمالها ومقاربة الجواب حول إشكالاتها المركبة ومسارات تشكلها المعقد، والتي صارت تعد، من قبل العديد من مدارس العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة، بعد تخصيص جائزة نوبل لها، انجازا تاريخيا وحقلا معرفيا عصي على الحفر دون دربة وخبرة في البحث والتنقيب بل ودون تملك الموسوعية والتخصص في آن واحد. ونحن نستحضر ذكرى الفقيد عزيز بلال، لا يسعنا إلا أن نقر بعلو كعب هذا الرجل والذي لا تزال أجيال من المناضلين والمشتغلين بكافة حقول المعرفة في تحرر الإنسان من قهر الضرورات وبناء دولة الحريات والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، تستنير بفكرة الثاقب وتحليلاته العميقة في تطارح البدائل التنموية على الأرضية التاريخية للتشكيلة الاجتماعية للمجتمع والدولة وبنياتها الطبقية وفي الانتصار لأطروحة إن السياسة تظل التعبير المكثف عن الاقتصاد. ففي استحضار درس عزيز بلال حول سؤال الاقتصاد كعلم والسياسة كفن والثقافة كهوية ونمط حياة، تثور راهنية فكره اليوم من زاوية مفتوحة على 180 درجة، حيث لا يمكن أن نتصور التنمية إلا إذا كان الناس معتزين بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة وليست اقل شانا من أي كان، أو إلا إذا استرجع الناس اعتزازهم بأنفسهم وكرامتهم في حال فقدانها وتم الاعتراف لهم بحقهم غير القابل للتصرف في تقرير مصائرهم، وحيث نعاين اليوم، وفي مجرى الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وإفلاس اقتصاديات العالم الثالث، السقوط المدوي للمنظومة المفاهيمية لفكرة التنمية التي تصدرت مخطط ترومان عام 1949، وتبخر ما تم التبشير به من إمكانية اللحاق بالركب الحضاري، عبر معونات غذائية ومساعدات مالية وضمانات قروض، وخارج كرامة الإنسان كشرط محوري لكل تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. ونحن نخلد الذكرى التي تصادف هذه السنة ما تشهده بلادنا من حراك مجتمعي يروم التأسيس لمغرب جديد، مغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والتوزيع العادل للثروات، لا يسعنا إلا أن نسطر على حاجة بلادنا في هذه اللحظة التاريخية إلى انخراط مفكريها ومثقفيها فكرا وممارسة ، في صياغة هذا المغرب الجديد. ولنا في حياة عزيز بلال أستاذ ومعلم جيل الأحلام الكبرى والتضحيات الجسام في بناء عزة الأوطان وكرامة الشعوب، المثل الحي عن هذا المثقف الذي لا تحمل ياقات قميصه ربطة عنق، وعن هذا الإنسان الذي يتقدم المسير ليضيء حلكة الظلام بوهج فكره ومشعل نضاله. فما أحوجنا اليوم إلى أمثاله.