الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لموسيقى العالم بمرزوكة حماية الكثبان الرملية واحترام الآخر على امتداد ثلاثة أيام، احتضنت مدينة مرزوكة الدورة الثالثة لمهرجانها الدولي لموسيقى العالم، الذي تسهر على تنظيمه الجمعية الصحراوية للتنمية السياحية والثقافية، بتعاون مع جماعة الطاوس و بلدية الريصاني، وقد اختير لهذه الدورة شعار "مرزوكة.. احترام وحماية"، ويستمد هذا الشعار روحه من كون منطقة مرزوكة تعتمد بالأساس على عنصر الطبيعة لجلب السياح، حيث أنها تتوفر على كثبان رملية هائلة، مما يستدعي ضرورة حماية هذه البيئة الطبيعي، فضلا عن احترام ديانة الآخر واختلاف عاداته، المتمثل في السياح الأجانب. وأوضحت إدارة المهرجان الدولي لموسيقى العالم في الندوة الصحافية التي عقدتها قبيل انطلاق هذه التظاهرة الثقافية، أن هدفها يتجلى بصفة خاصة في التنشيط الثقافي لهذه المنطقة السياحية، وبالتالي تحقيق تنميتها الاقتصادية، وعلى هذا الأساس تم تأسيس الجمعية الصحراوية للتنمية السياحية والثقافية بمرزوكة. وتراهن الجمعية على المؤهلات السياحية التي تزخر بها منطقة مرزوكة، لخلق التنمية المنشودة، حيث تعمل على إبراز العادات والتقاليد التي تميز هذه المنطقة والحفاظ من جهة أخرى على خصوصيتها الطبيعية المتجسدة في الكثبان الرملية بصفة أساسية. كما أن حرص الجمعية على إعطاء بعد عالمي لمهرجانها الثقافي، يكمن في تكريس التبادل الثقافي والحضاري بين العديد من بلدان العالم، وبالتالي تعزيز السياحة الخارجية. ومن الملاحظ في هذا الإطار أن منطقة مرزوكة تستقطب السياح الأجانب بوفرة على امتداد السنة، بالنظر إلى التميز الطبيعي الذي تزخر به هذه المنطقة، المتجسد بالخصوص في الكثبان الرملية وجاذبية شروق الشمس وغروبها، وهناك فئة كبير من السياح سواء من الخارج أو من الداخل، تقصد هذه المنطقة بالذات للاستشفاء من بعض الأمراض المزمنة، مثل مرض الروماتيزم، عن طريق الاستفادة من سخونة الرمال، ومن الأكيد أن المنعشين السياحيين بهذه المنطقة واعون بأهمية السياحة الاستشفائية، ومن ثم يتجلى حرصهم على الحفاظ على الجانب البيئي. من أجل سياحة ثقافية وفكرية مسؤولة وأوضحت إدارة المهرجان أن اختيارها لموضوع الندوة الفكرية الذي يسلط الضوء على تاريخ مدينة سجلماسة ودور المجتمع المدني في عرض التراث اللامادي، لم يأت اعتباطا، بل يتأسس على بعدين أساسيين، أولهما الوعي بأن منطقة مرزوكة هي منطقة سياحية، وأن هذه السياحة ينبغي أن تكون مسؤولة ومحترمة لقوانين وقواعد البيئة كما هو معترف بها دوليا، وأن هذا البعد لا يمكن أن يستقيم بدون أن تكون هناك رؤية تأخذ بعين الاعتبار أن جميع الأشياء المحيطة بالمجال يمكن أن تلعب دورا أساسيا في هذا الباب، انطلاقا من التراث، ومن كون سجلماسة أحد عناوين هذا التراث في المنطقة، كما أن الحكي عن سجلماسة وتاريخها، ليس فقط رغبة في الرجوع إلى الوراء، بل هو استحضار لماضي يمكن أن يلعب دورا في تعريف الأجيال الحالية بتاريخهم الحضاري، وتمكين كذلك الزائرين المحليين والعالميين من اكتشاف تاريخ المنطقة التي تعد مصدر العديد من الحضارات بالمغرب، باعتبار ذلك عنصر استقطاب لسياحة ثقافية وفكرية مسؤولة. البعد الثاني الذي يكمن في اختيار الندوة الفكرية لهذه الدورة، هو بعد راهني، يتجسد في العادات والتقاليد وكل ما يمور في الحياة اليومية لسكان المنطقة، ويشكل تراثا شفويا وشعبيا، إلا أنه غير مستثمر. من هنا أخذ المهرجان على عاتقه مسؤولية استثمار التراث المهدد بالضياع. مطلوب هنا هو الحفاظ على هذا التراث الشفاهي واللامادي وإعطائه كذلك قابلية لكي يكون منتوج الأجيال القادمة، ويستمر في أدواره وأبعاده المشرقة. البعد الثقافي-حسب تأكيد إدارة المهرجان- يلعب دورا كبيرا في استقطاب السياح، إذ لا يمكن الحديث عن الإنعاش السياحي دون الحديث عن المهرجان باعتباره وسيلة الترفيه والتنشيط، فمنطقة مرزوكة تحتاج لأكثر من مهرجان، ذلك أن العديد من السياح يفدون عليها، مما يقتضي أن يكون البعد التنشيطي قويا. كما أوضحت إدارة المهرجان أن البعد البيئي يشكل نقطة أساسية في هوية المهرجان، على اعتبار أن المنعشين السياحيين الذين يشتغلون في هذه المنطقة، يمكن أن ينهاروا بانهيار المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها، وبالتالي مسؤوليتهم كبيرة في النهوض بالبعد البيئي، علما بأن لهذا البعد ارتباط بعدة اتفاقيات عالمية ووطنية. فإذا لم يتم حماية الرمال التي تعد عنصر جلب أساسي للسياح، فإن الجانب السياحي سينهار، مما يتطلب خلق مساحات خاصة لكل صنف من الأنشطة التي تمارس على رمال هذه المنطقة، السياحة الاستشفائية، مرور قوافل السيارات والجمال وغير ذلك من الأنشطة. كما تراهن إدارة المهرجان، على تطوير البنية التحتية لهذه المنطقة. عروض موسيقية متنوعة واشتملت هذه الدورة على برمجة غنية ومتنوعة بمشاركة فنانين ينتمون إلى اسبانيا والسينغال وكوت ديفوار وجزر القمر ودجيبوتي والكونغو وفرنسا بالإضافة إلى ألوان موسيقية مختلفة من المغرب. ومن أبرز الأسماء التي أحيت السهرات الغنائية: مجموعات "تلال الصحراء" الاسبانية، و"افريكا يونايتد" و "ساكازيك" من فرنسا، والفرقة المغربية الاسبانية أندا ميدينا، والمعلم زايد من مرزوكة ومجموعة إيمودا التي أعادت أداء أغاني تيناريوين، ومجموعة (كاباتشو ماروك كونيكسيون) وإزنزارن رفقة عبد الهادي ياقوت، ورائد الأغنية الأفريقانية بالمغرب مولود المسكاوي. كما كان جمهور المهرجان أيضا على موعد مع العديد من المجموعات الفولكلورية: أحيدوس آيت عطا وكناوة رفقة المعلم حماد، وتاماوايت مع عايشة ماية، وملحون سجلماسة ودراويش الغيوان بالريصاني. وعبر مجموعة من المسؤولين عن الفرق الغنائية المشاركة في هذه الدورة لبيان اليوم عن اعتزازهم بالمساهمة في تفعيل السياحة الثقافية بهذه المنطقة التي تزخر بمؤهلات سياحية طبيعية. وأشاروا إلى أن الألوان الغنائية التي يؤدونها تستمد روحها من المجال الجغرافي الذي ينتمون إليه، وبالنظر إلى تعدد الانتماء العرقي والجنسي لهذه الفرق، فإن الحفلات الغنائية التي تم إحياؤها اتسمت بغنى سواء على مستوى اللغة واللهجة، أو على مستوى المواضيع المطروقة، ولعل التيمة التي تكاد تكون مشتركة بين هذه الفرق كلها، تتمثل في عنصرين يحملان العديد من الدلالات الإنسانية، وهما الحب والحرية. وهناك فرق عملت على مزج ألوانها الغنائية في ما بينها، في تناغم كبير، مجسدة الوحدة، بكل أبعادها الحضارية والإنسانية. هذا التعدد اللغوي والثقافي الذي عكسته العروض الغنائية لهذه الدورة، يجعلنا نستحضر الدور الذي كانت تلعبه منذقة سجلماسة، بالنظر لبعدها الجغرافي، حيث كانت تشكل نقطة عبور للوافدين من مختلف جهات العالم، الشيء الذي ساهم في إشعاعها الاقتصادي والحضاري. غير أن اندثار جزء كبير من معالمها التاريخية، يحتم على المسؤولين، وضمنهم المجتمع المدني، على تكثيف الجهود لإنقاذ هذه المنطقة، ولا شك أن مبادرة الجمعية الصحراوية للتنمية السياحية إلى تنظيم هذا المهرجان، يصب في إطار هذه الجهود، غير أن النشاط الثقافي وحده لا يكفي، بل لا بد من العمل على تطوير البنية التحتية. ماراطون مصغر وأقيم بالمناسبة كذلك ماراطون مصغر، عبارة عن سباق في قلب الصحراء، أتاح للرياضيين الشباب وهواة رياضات المغامرة المغاربة والأجانب الاستمتاع بمشاهد طبيعية ساحرة. ندوة فكرية وبالموازاة مع هذا التنشيط الفني والرياضي، تم تنظيم ندوة فكرية، حول موضوع :تاريخ مدينة سجلماسة ودور المجتمع المدني في عرض وإبراز التراث اللامادي، ساهم في تفعيلها الأستاذان الباحثان في تاريخ المنطقة: محمد العمراني ومصطفى الويزي، وتولى تأطيرها الأستاذ عامر الشرقي. فقد ركز الأستاذ العمراني في عرضه على التعريف بمنطقة سجلماسة والدور الذي كانت تمثله اقتصاديا وثقافيا، مذكرا بأهمية هذه المنطقة باعتبراها موقعا أثريا، في التنمية السياحية. وتوقف الباحث العمراني كذلك عند الدور الهام الذي لعبته سجلماسة، والجنوب الشرقي بصفة عامة، في تاريخ المغرب، فمدينة سجلماسة تعتبر أقدم مدينة في المغرب، وليس فاس كما هو شائع، وقد كانت المنطقة الوحيدة التي كانت تنطلق منها القوافل التجارية نحو السودان، مما ساهم في تشكل اختلاط بشري متكامل في ما بينه، وبالتالي إعطائها خصوصية مميزة، فكل شبر وكل صخرة من هذه المنطقة، حسب تعبيره، تحمل دلالة وإشارة إلى تراث تراث أفريقي وأندلسي ومصري وعراقي وغير ذلك، كما أن هذه المنذقة كانت تشكل قوة اقتصادية، بالنظر إلى أنها كانت ملتقى الطرق التجارية لمختلف مناطق العالم. من خصوصيات هذا الموقع الأثري، أنه كان يعتمد على الطابع الأمني بشكل أساسي لتحصينه، حيث أنه كان محاطا بالأسوار، غير أنه مع الأسف أن جوانب كثيرة من هذه المعالم تعرضت للإندثار. وتوقف الباحث بعد ذلك عند الدلالة اللغوية لاسم سجلماسة، حيث ذكر أنها تتكون من كلمتين: سجل الذي يعنى الكتاب، وماسة الذي هو اسم امرأة، ولهذه التسمية حكاية، حيث أن بين أمير هذه المنطقة كان اسمها ماسة وكان قد ضاع منها كتاب، فحملت المنطقة هذا الإسم المركب، غير أن هناك روايات أخرى، تحاول أن تقدم دلالات مختلفة لتسمية سجلماسة، منها وهذا هو الأرجح حسب تصور الباحث، أنها تتألف من سك الذي هو المكان المرتفع، وماسة الذي هو الماء، ويرجع السبب في تركيب هذه التسمية لكون موقع المنطقة يعكس هذا الوصف ذاته. وعرف الباحث بالطابع المعماري لسجلماسة، حيث أوضح أنه يحمل خصوصية أفريقية أندلسية، كما أشار إلى أن هذه المدينة كانت تشتمل على أربعة أبواب أساسية، وكل باب كان يحمل اسما مميزا. وأبدى أسفه لكون المسؤولين عن الشأن العام، لم يولوا لهذه المنطقة العناية التي تستحقها، باعتبارها موقعا أثريا، مما أدى إلى اندثار جانب مهم منه، ودعا إلى ضرورة تأهيلها، وجعلها فضاء سياحيا بامتياز. وتحدث الباحث مصطفى الويزي عن الدور الذي ينبغي أن يلعبه المجتمع المدني في تحقيق التنمية الاقتصادية لمنطقة سجلماسة، مبديا أسفه على أن كل الاستراتجيات التنموية لم تسلك الطريق الذي كان ينبغي أن تسلكه، حيث اتخذت أبعادا تقنوية، راعت توازنات من يملكون السلطة أكثر من رعايتها للبعد التنموي الحقيقي. ولم تفته الإشارة في هذا الإطار إلى ضعف الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة، مما يشكل عاملا محبطا أمام الاشتغال على ما هو تراثي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمعمار، الذي يتطلب تكاليف مالية باهظة لإعادة ترميمه وتأهيله، وإنقاذه من الاندثار. وأشار الباحث إلى أهمية تدوين وتوثيق التراث اللامادي، في تشكيل وعينا الجماعي الثقافي المشترك. وأبدى في هذا الإطار مقترحا، يتمثل في أنه من الواجب على منظمات المجتمع المدني التوجه إلى النشء، في المؤسسات التعليمية، من خلال تنظيم أيام دراسية حول التراث الشفاهي.