السجال الذي جرى مؤخرا حول سير مداولات لجنة الشعر ضمن جائزة المغرب للكتاب، وحول ما صدر عن اللجنة من قرار يقضي بحجب الجائزة أصلا، ثم الجدل الثاني الذي يثيره اليوم انسحاب عدد من الأعضاء من اتحاد كتاب المغرب، وما يثار من آراء وتقييمات لواقع هذه المنظمة الثقافية المغربية الطليعية ومستقبلها، وإضافة إلى ذلك ما نشر هنا أو هناك عن أجواء الدورة الأخيرة لمهرجان الفيلم بطنجة والعلاقات بداخله وحواليه، كل هذا، وتجليات ووقائع أخرى مماثلة، يفرض اليوم الانتباه إلى ما يعيشه جسدنا الثقافي والفني الوطني، من حيث العلاقات داخله، وأيضا من حيث مستوى الالتزام لدى مختلف مكوناته ومدى حضورها في عمق قضايا المجتمع وأسئلته وتطلعاته. من المؤسف حقا أن نتابع سجالات ساخنة حول الجوائز الأدبية والفنية، وحول الدعم العمومي، وحول نقاط تنظيمية وعلائقية بين المثقفين والفنانين، وفي المقابل لا نرى لهم حضورا بذات القوة في مناقشة القضايا المجتمعية الكبرى، إلا من رحم ربك، ولا نرى أغلبهم أيضا في ديناميات الدفاع عن الحقوق والقيم الديمقراطية، وعن انشغالات فئات واسعة من شعبنا، أي أن يكون لهم التزام وفعل وسط شعبهم للنهوض بالمستويات الفكرية والقيمة والديمقراطية في مجتمعهم. عندما نتأمل اليوم مستوى التراجع المهول على صعيد إقبال شعبنا وشبابنا على القراءة مثلا، وعندما نتأمل حجم مبيعات الكتب والصحف والمجلات في بلادنا، وعندما لا تستطيع التظاهرات الفكرية والثقافية الرصينة والجدية أن تستقطب لحضورها أكثر من أعضاء لجان تنظيمها، وعندما نلاحظ درجة الانحدار التي بلغها خطابنا الإعلامي والسياسي وعلاقاتنا الاجتماعية ومستوى نظامنا التعليمي، بما فيه الجامعي، نخلص إلى أن ما يطفو على سطح ساحتنا الثقافية هذه الأيام من سجال هو محزن حقا، و... تافه. في المعضلات المومأ إليها أعلاه نريد لمبدعينا وأدبائنا وفنانينا ومفكرينا أن يحضروا ويفعلوا، وأن يقودوا ديناميات التغيير إلى جانب شعبهم، بدل كل هذا الشرود الذي يصيب بالضيق كل الغيورين على هذه البلاد، وعلى مستقبلها الثقافي والتنموي والديمقراطي. ليس من حق أحد أن يدفع بخطاب المثقفين ومنظماتهم الحقيقية لتكون على غرار ما يحيط بنا هذه الأيام من تفاهة سياسية شعبوية مثيرة للحنق، وليس من حق أحد أن يقتل ما راكمته بلادنا من بهاء وتميز في مسارها الثقافي العام، وليس من حق أحد أن يجر الكتاب والشعراء والفنانين ليصيروا مجرد أبواق تردد مزايدات سياسيين شاردين ويتبعوهم من خلف بلا أي موقف أو حس نقدي مستقل... البلاد في حاجة لكي تستعيد قوة خطابها الثقافي الوطني المستقل، وهي في حاجة أيضا لتنهض بمهماتها الثقافية الكبرى، ولتربح رهان الوعي والتحديث، ولهذا فالسؤال المركزي مطروح على نخبتها الثقافية والفكرية والفنية أولا . إنه سؤال الموقع والدور والمسؤولية والعلاقة مع البلاد ومع الناس... هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته