السفياني نائبا ثانيا لرئيس مجموعة الجماعات الترابية طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع    الجزائر.. محامي صنصال يعلن مثوله أمام وكيل الجمهورية اليوم الإثنين    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر        العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    الأمن الإقليمي بسلا… توقيف شخصين للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    نقابة: مشروع قانون الإضراب تضييق خطير على الحريات وتقييد للحقوق النقابية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    جمعية تنتقد استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي اتجاه مختلف قضايا المرأة بالمغرب        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    المحكمة تقرر تأخير محاكمة حامي الدين في قضية آيت الجيد وتأمر باستدعاء الشاهد خمار الحديوي (صور)    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    "الكونفدرالية" تتهم الحكومة ب"التملص" من التزاماتها بعد تأخر جولة شتنبر للحوار الاجتماعي    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    مخاض ‬في ‬قطاع ‬الصحة..‬    الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر والإعلامي ياسين عدنان ل"طنجة الأدبية" :
-على النقاد المغاربة إنصاف شعراء بلدهم -نحن المغاربة عموما لا نتعامل مع الثقافة باعتبارها أولوية
نشر في طنجة الأدبية يوم 09 - 08 - 2012

إذا أمكن الحديث عن نجوم في الميدان الثقافي فإن الشاعر والكاتب والإعلامي المغربي ياسين عدنان الذي استطاع فرض إسمه على الساحة الثقافية المغربية والعربية يعد أبرز هؤلاء.
ولد ياسين عدنان سنة 1970، بمدينة آسفي، وهوحاصل على إجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة القاضي عياض بمراكش، ودبلوم كلية علوم التربية من جامعة محمد الخامس بالرباط، ليشتغل بعد ذلك أستاذا للغة الإنجليزية بالتعليم الثانوي.
هو عضو باتحاد كتاب المغرب منذ سنة 1994.وقد نشر كتاباته بالعديد من المجلات المغربية والعربية من بينها: "المدى"، "أدب ونقد"، "الإغتراب الأدبي"، "الآداب"، "آفاق".
وقد صدرت له دواوين "Mannequins" عن منشورات إتحاد كتاب المغرب سنة 2000، و "رصيف القيامة" عن دار المدى السورية سنة 2003، و "لا أكاد أرى" عن دار النهضة ببيروت سنة 2007. والمجموعتين القصصين "من يصدق الرسائل عن دار ميريت للنشر بالقاهرة سنة2001 ، و "تفاح الظلّ" عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب سنة 2006 . ولديه كتاب مشترك مع الشاعرسعد سرحان موسوم ب "مراكش.. أسرار معلنة" صدر عن دار مرسم للنشر بالرباط سنة 2008.
إلتقينا مع ياسين عدنان وحاورناه حول برنامجه التلفزيوني "مشارف" وحول قضايا الشعر والثقافة بالمغرب.
-كيف ترى وضعية الشعر حاليا بالمغرب؟
-أنا من المدافعين عن قيمة الإنتاج الشعري المغربي. لدينا أسماء مهمة في هذا البلد من مختلف الأجيال والحساسيات ولغات الكتابة. لكن المؤسسة الأدبية المغربية لا تزال ضعيفة وهو ما يمنع إبداعنا الشعري من تحقيق الإشعاع اللازم. فالناشر المغربي مثلا لا يزال مقصّرًا في الترويج للشعر المغربي بسوقنا الداخلية أولا قبل أن نطالبه بتوزيعه وبشكل جيد في العالم العربي. والنقاد المغاربة يفضلون في الغالب الإشتغال على متون مشرقية. بنعيسى بوحمالة مثلا إشتغل في أطروحته على العراقي حسب الشيخ جعفر، عبد السلام الموساوي إشتغل على المصري أمل دنقل، محمد بودويك على الفلسطيني عزالدين المناصرة، وهكذا.. مع أن مدوّنة الشعر المغربي توفر مادة ثرية عميقة مغرية بالإشتغال. نحن أيضا لدينا قامات شعرية تستحق أن تخصص لها كتب وأطاريح جامعية، ولا أتوقع من نقاد المشرق العربي أن يبادروا إلى إنصافها. لذا على النقاد المغاربة إنصاف شعراء بلدهم. إنما مع ذلك، فالعديد من أصواتنا الشعرية عرفت كيف تحلق في سماء الأدب بأجنحة حرة قوية من خلال التسلل إلى المشهد العربي عبر المجلات المشرقية وبعض دور النشر الكبرى في أهم عواصم النشر بالعالم العربي. وهي اليوم أصوات أساسية في المشهد الشعري العربي. لا أريد أن أدخل في لعبة الأسماء، وإلا فلائحة الأسماء المغربية العميقة التي أحبها وأؤمن بها في هذا البلد أطول من أن يستوعبها حيز هذا الحوار.
-تُزاوج بين كتابة الشعر والعمل الإعلامي الثقافي، فكيف تستطيع الجمع بين الإنشغالين؟ ، ثم ألا ترى معي أن الإعلامي ياسين عدنان ربما يسطو على قسط وافر من وقت واهتمام الشاعر ياسين عدنان؟ إنطلاقا من هذا كيف توفق بين العمل الإعلامي الثقافي من جهة والإبداعي الشعري من جهة أخرى؟
-التوفيق صعب، ولا أخفيك أن "مشارف" قد أخذ مني الكثير من الوقت الذي كنت في السابق أخصصه للكتابة. بل حتى قراءاتي مع "مشارف" تعددت وتنوعت وصرت أقرأ في مجالات لم أكن أهتم بها في السابق. لم أعد منغلقا في قراءاتي داخل مدار الشعر والقصة والرواية والأدب عموما، بقدر ما انفتحتُ على الإنتاج الفكري والفلسفي والعلوم الإنسانية. فالتنوع الذي أحرص عليه في البرنامج يستدعي بالضرورة تنوعا على مستوى اختيارات القراءة. لكن طبعا حينما تقرأ أقل في مجال الإبداع الأدبي فهذا يحرمك من الإحتكاك الضروري مع الأدب الذي يحتاجه الواحد منا لكي يبدع. أنت تعرف أن القراءة زاد أساسي للكتابة. أيضا الوتيرة الأسبوعية لمشارف وما يتطلبه الإعداد للبرنامج من قراءات وكذا متطلبات التنسيق والإتصال بالضيوف وترتيب المواعيد والتصوير وغير ذلك تستنزف الكثير من الوقت والجهد. وحينما تكون كاتبا وتجد نفسك محروما من وقت الكتابة لتنتج مثل زملائك فهذا أمر صعب. لكن على العموم، أشعر هذه الأيام ببعض الرضا عن الذات خصوصا وأنني انتهيت من كتاب شعري جديد أعكف حاليا على تنقيحه وسيصدر قريبا تحت عنوان (دفتر العابر)، وأتمنى أن يحظى هذا الديوان بذات التجاوب النقدي الذي حظي به ديواني السابق (رصيف القيامة) الذي طبع ثلاث مرات داخل المغرب وخارجه وتمّ استلهامه في عملين مسرحيين من طرف كل من المخرجة الإيطالية لورا فيلياني والفنانة المغربية القديرة لطيفة أحرار في مسرحيتها (كفرناعوم).
يحتل برنامجك الثقافي "مشارف" منذ فترة مكانة مهمة في المشهد الثقافي المغربي، إلى ماذا تردّ هذا التميز هل ربما فقط لنُدرة البرامج الثقافية في القنوات المغربية أم لسبب آخر؟
طبعًا ندرة البرامج الثقافية على قنواتنا الوطنية جعلت من مشارف موعدا أساسيا بالنسبة للأدباء والمثقفين في هذا البلد. لكن مع ذلك، إذا كان مشارف يحتل مكانة متميزة لدى هؤلاء فربما بسبب من وضوح رهانات البرنامج. ولعل أهم رهان حرص برنامج مشارف على تحقيقه والإخلاص له هو رهان التعدد والتنوع أولا بالانفتاح على مختلف أشكال التعبير ولغات الكتابة في بلادنا، وكذا على مختلف الأجيال والحساسيات الأدبية والفكرية. على مستوى الأجيال: استضفنا مبدعين شباب دون الثلاثين وآخرين بين الثمانين والتسعين (إدمون عمران المالح وعبد القادر البدوي ومحمد الميموني وعبد الكريم غلاب وعبد الله شقرون وعبد الهادي التازي مثلا). على مستوى المناطق المغربية لم ينغلق البرنامج على مثقفي المراكز (الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش وطنجة) بل انفتح على أدباء من المغرب العميق: من أكدز وزاكورة والفقيه بنصالح وبرشيد إلى امريرت والريش وغيرها. على مستوى الأجناس الأدبية استحضر البرنامج كل الأجناس: من الشعر العمودي حتى قصيدة النثر والشذرة، ومن الزجل والملحون حتى الشعر الحساني، ومن الرواية حتى القصة القصيرة جدَّا. بالنسبة للفنون الأخرى انفتح البرنامج أيضا على التشكيل (محمد شبعة، فريد الزاهي..)، الأغنية ( نعمان لحلو، سعيد المغربي، عبد العزيز الطاهري، سميرة القادري..) والمسرح (الطيب الصديقي، نبيل لحلو، عبد القادر البدوي، عبد الحق الزروالي، عبد الكريم برشيد، لطيفة أحرار..) والسينما (مومن السميحي، ونور الدين الصايل..) والحكاية الشعبية و"الحلقة" وفن القول والإبداع الشفوي والفنون التراثية (الملحون، العيطة..). أيضا لم ينغلق البرنامج على مجاله المغربي، بل استضاف عددا من الضيوف الأجانب من مختلف البلدان العربية: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر... ومن المهاجر والمغتربات، إضافة إلى عدد من المستشرقين الغربيين. البرنامج حاول أيضا الانفتاح على مختلف مجالات الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الجمال. من جهة أخرى، حرصنا منذ حلقاتنا الأولى على استحضار مختلف أبعاد الهوية المغربية: البعد الأمازيغي مع بوكوس وعصيد ومستاوي وأقوضاض وغيرهم، البعد الإفريقي مع بنعيسى بوحمالة، البعد الصحراوي الحساني مع العالية ماء العينين وإبراهيم الحيسن وغيرهما، البعد الأندلسي مع عبد اللطيف البازي وسميرة القادري وآخرين. هذا إضافة إلى انفتاحه على كل لغات الكتابة في البلد: العربية والأمازيغية والدارجة المغربية والفرنسية والإسبانية.
أيضا توقف البرنامج مع جملة من القضايا والظواهر الثقافية الجديدة في المغرب ليسائلها. فطرح سؤال الذاكرة الثقافية، وأسئلة الهوية، وسؤال الكتابة ضد الإرهاب، وظاهرة الصالونات الأدبية، ظاهرة الإنقطاع عن الكتابة، وغيرها. كما واكبنا مختلف اللحظات السياسية القوية التي عرفها المغرب من انتخابات محلية وتشريعية إضافة إلى دينامية 20 فبراير بحلقات حاولنا من خلالها توريط المثقف في الشأن العام واستدراجه إلى إسماع صوته من خلال "مشارف" واقتراح مقاربته الخاصة للتحولات السياسية التي تعرفها بلادنا. أيضا ولأنه لا ثقافة بدون مؤسسات، فقد حرصنا على استضافة مدراء أهم المؤسسات الثقافية الوطنية في بلادنا رسمية وأهلية: المكتبة الوطنية، المركز السينمائي المغربي، مسرح محمد الخامس، المعرض الدولي للكتاب، وزارة الثقافة، إتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر، المركز الثقافي الأندلس، وغيرها.
لكن أهم ما يحرص عليه البرنامج فهو تفادي الدردشة والحوارات المفتوحة، بحيث تتقيد كل حلقة عمليَا بسؤال ثقافي واضح يتصدّى الضيف للإجابة عنه خلال اللقاء. هذا دون أن ننسى العناية الخاصة التي أوليناها للغة "مشارف". فلغة البرنامج ليست أكاديمية متعالية، فهي لغة سهلة المأخذ تتفادى المفاهيم والمصطلحات الأكاديمية وتحرص على أن تطرح الأفكار والأسئلة بسلاسة مكّنت البرنامج من توسيع دائرة المهتمين به. فلا يبقى حكرا على المثقفين والمتخصصين. هذا طبعا دون التخلي عن الحد الأدنى من الجدّية الضرورية في أي برنامج يعتبر نفسه ثقافيا مائة بالمائة. هذه المعادلة الصعبة: كيف يكون البرنامج جماهيريا دون أن يخون عمقه الثقافي؟ وكيف يحقق حوارا معرفيا جادا مع المثقفين دون التورّط في لغة متعالمة تقصي المشاهد والجمهور العام؟ هذا بالضبط هو التحدي الأكبر الذي حاول "مشارف" أن يشتغل عليه على امتداد حلقاته. ولعل هذه النقطة بالذات إحدى أهم عناصر نجاح هذه التجربة. وأخيرا يمكنني أن أزعم أن المشاهدين يحترمون هذا البرنامج لأنه ليس برنامج سجال. فهو يترفّع عن التورط في السجالات العابرة بقدر ما يطمح إلى الانشغال بالمعرفي والعميق والجوهري من الأسئلة. وهكذا حتى حينما تورط البرنامج في سجالات إتحاد كتاب المغرب (حلقة عبد الحميد عقار مثلا)، معرض الكتاب (حلقة الأشعري حينما كان وزيرا للثقافة وسجاله مع العدالة والتنمية)، الشعر والمؤسسة الثقافية (حلقة محمد بنيس) ثم سجال جائزة المغرب للكتاب (حلقة الدكتور عبد الرحمان طنكول حينما كان رئيسا للجنة تحكيم الجائزة وأثيرت ضجة حول النتائج يومها) فإن البرنامج ظل مع ذلك محايدَا وحريصا على نقل وجهات نظر الأطراف الأخرى لضيوف البرنامج.
-كيف جاءت فكرة برنامج "مشارف"؟
-مشارف هو إبن (مدارات) واستمرار له. كنت أشتغل مدرسا بورزازات حينما حللت ضيفا على الأستاذ محمد نور الدين أفاية في برنامجه (مدارات) ويبدو أن الحلقة تلك خلفت أصداء طيّبة. بعد ثلاث سنوات إتصل بي نور الدين أفاية يطلب لقائي لأمر هام. كان معدُّ ومقدّم (مدارات) قد صار أحد حكماء الهاكا، فيما تم تعيين مخرج البرنامج الأستاذ إدريس ألحيان مديرا للإنتاج بالقناة الأولى. هكذا حينما ذهبت للموعد في فندق حسان بالرباط وجدت أفاية وألحيان بانتظاري وفي تلك الجلسة اقترحا علي استئناف مغامرة (مدارات). فاجأني العرض لكنهما معا كانا واثقين من أنني مؤهل لإنجاح التجربة. طبعا أنا ابن الإعلام الثقافي وكنت حينها المراسل الثقافي والأدبي لكل من (الحياة) اللندنية و(الصدى) الإماراتية وعضوا في هيئة تحرير (زوايا) اللبنانية إضافة إلى اشتغالي إلى جانب الشاعر قاسم حداد في موقع (جهة الشعر)، لكن مع ذلك لم تكن لديَّ أية تجربة سابقة في العمل التلفزيوني. لكنني قبلت ركوب التحدي. وهكذا أعددت المشروع وقدمته لإدريس ألحيان. كنت في البداية سأحافظ على نفس عنوان (مدارات) وذلك لأعطي تجربة أفاية نوعا من الامتداد وأستفيد من رمزية ذلك الاسم وأستفيد أيضا من جمهوره النوعي. لكنهم في الإدارة طلبوا مني أن أختار عنوانا جديدا، وهكذا اقترحت عليهم (رؤى). لكن الأستاذ نور الدين رقيب المسؤول عن البرامج الثقافية بالقناة الأولى بادرني حينها مازحا: يا أخي 2006 على الأبواب والكل يتحدث عن رؤيا عبد السلام ياسين، فلماذا ستزيدنا ياسينا آخر برؤى أخرى جديدة في التلفزيون؟ كانت ملاحظته ذكية وطريفة، وهكذا غيرت العنوان. فكان (مشارف) عنوانا جديدا لهذه المغامرة التلفزيونية التي تدخل اليوم سنتها السابعة.
-هل تختار ضيوفك في "مشارف" إنطلاقا من تيمة وموضوع محددين سلفا أم إنطلاقا من أسمائهم ووزنهم في الساحة الثقافية والإبداعية؟
-لنكن واضحين، فمشارف برنامج لا يتصيّد الأسماء بقدر ما يحرص في حلقاته على أن يقدّم أسئلة ثقافية ومواقف فكرية وقضايا أدبية. في "مشارف" لا نستضيف هذا الإسم أو ذاك فقط لندردش معه حول تجربته ومساره، بل لنشتبك معه في نقاش جاد حول قضية أدبية بعينها أو سؤال فكري محدد. وهذا هو سرّ اهتمام الأصدقاء من الأدباء والمبدعين العرب بالبرنامج الذي يتابعونه إن على شاشة القناة (الأولى) أو قناة (المغربية) التي تعيده أكثر من مرة في الأسبوع أو عبر شبكة الأنترنت في موقع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. لكل حلقة قضية وسؤال، وأصدقاء البرنامج والمثابرون على حلقاته غالبا ما تمارس عليهم الإشكالات والأسئلة التي يطرحها تأثيرها أكثر مما تغريهم أسماء الضيوف. مع العلم أننا في "مشارف" إستضفنا أسماء عربية ووطنية أساسية من أدونيس وأحمد فؤاد نجم وسعدي يوسف والطاهر وطار وواسيني الأعرج ومحمد برادة وجابر عصفور وعبد الرحمان مجيد الربيعي وعباس بيضون وعبد الكريم غلاب حتى الطاهر بنجلون والطيب الصديقي وخناثة بنونة وعبد اللطيف اللعبي ومبارك ربيع وأحمد المديني ومحمد سبيلا وإدريس الخوري وعبد الرفيع اجواهري ونور الدين الصايل ومحمد بنعمارة ومحمد بنيس واللائحة طبعا طويلة ومضيئة وتضم بالخصوص أهم صناع الوجدان المغربي من أدباء ومبدعين من مختلف الآداب والفنون.
-ألا ترى معي بأن الثقافة مغبون أمرُها في الإعلام المكتوب والسمعي البصري في المغرب، إذ لا يُعطاها الحيز والزمان الكافيان واللذان تستحقهما في هذه الوسائل؟
-يجب الإعتراف أننا نحن المغاربة عموما لا نتعامل مع الثقافة باعتبارها أولوية. وطبعا في صحافتنا الوطنية أقرأ الكثير من الإنتقادات التي توجّه للتلفزيون بالخصوص على أساس أنه يهمّش الثقافة ولا يبوّئها المكانة التي تستحقها. لكن هل التلفزيون وحده من يهمش الثقافة في هذا البلد؟ أنت أشرت إلى الإعلام المكتوب في سؤالك وأنا أسألك بدوري: ما حجم حضور الثقافة في هذه الصحف؟ كم عدد المنابر الوطنية التي تخصّص للثقافة ملاحق أسبوعية منتظمة؟ كم عدد الصحف اليومية والأسبوعية التي تراهن حقا على الثقافة وتستثمر فيها إن على مستوى العنصر البشري أو عدد الصفحات؟ ثم حتى حينما نخصص حيزا للثقافة، هل نحرص فعلا على أن يكون هذا الحيز فضاء لطرح أسئلتنا الثقافية والحضارية العميقة وفق تصور تحريري مدروس؟ من المؤسف أن هذه الصفحات في أغلب الجرائد سرعان ما تنحرف لتتحوّل إلى خلطة عجيبة تتجاور فيها المواعيد الثقافية والإصدارات الأدبية والأخبار الفنية وبعض التغطيات ذات المُتنفَّس العجول. التلفزيون مُقصِّر في حق الثقافة، هذا أكيد. لكن تقصيره يبقى جزءا من تصور إعلامي مهيمن في هذا البلد يكرس الشأن السياسي كقيمة عليا والفاعل السياسي كصاحب القرار الوحيد الجدير بأن يُسمع ويُناقَش. بل حتى الصحافي صار اليوم يزايد على المثقف ويتصوّر نفسه أكثر تأثيرَا منه، ليجد المثقف المغربي نفسه اليوم مُهمَّشَا أكثر من أيِّ وقت مضى ومن طرف الجميع.
تهميش الثقافة هذا واقع حال الكلّ يأسف له. فالمشكلة عندنا هو أن صوت السياسي لا يزال أعلى. وحتى النقاش السياسي كما هو سائد ليس فقط في تلفزيوناتنا الوطنية بل وفي معظم فضائياتنا العربية خال للأسف من أي عمق ثقافي ومرتكز معرفي، لذا تجد فيه من التنابز والغمز واللمز أكثر مما تجد فيه من التحليل وحوار المرجعيات الفكرية والإيديولوجية. لهذا أعتبر دائما أنني كمعدّ ومقدم برامج ثقافية أشتغل في مساحة ضيقة. فالتلفزيونات العربية مستعدة لتسليط الضوء على كل الفنانين، حتى الأشباه منهم، وعلى إعطاء الكلمة لكل أصناف رجال السياسة وممتهنيها، بما في ذلك السماسرة وتجار الانتخابات، بينما المساحات التي نُتيحها للمثقف تظلّ غير كافية.
في نفس الوقت أحس أن الإعلام المغربي يبتعد بالتدريج عن مقاربة قضايا السياسة والمجتمع والفن إنطلاقا من منظور ثقافي. فالثقافة باعتقادي لها دور أساسي في تأطير المجتمع وتخليق الحياة العامة وتحصين السياسة والسياسيين من التطرف والغوغائية والشعبوية والمذهبية المنغلقة، وكذا لها دور جوهري في إضفاء المعنى والروح والدلالة على الإنتاج الفني بمختلف أصنافه. والإحساس بأن بإمكاننا اليوم أن نتطور ونتقدم ونساهم في تحديث الفن والسياسة والمجتمع بدون حاجة إلى الثقافة وبدون عمق ثقافي أمر يدعو فعلا إلى القلق.
لكن مرة أخرى، من غير المعقول أن نردد هكذا أن التلفزيون لا يستجيب لأفق انتظارنا ونتركه للآخرين، أقصد لرجال السياسة ونجوم الرياضة والغناء والكوميديا. لا. هذا تلفزيون المغاربة جميعا، وعلى المثقف المغربي أن يجد له موطئ قدم في تلفزيون بلده. إنما كيف؟ علينا أن نطرح السؤال بوضوح: ماذا نريد من التلفزيون؟ هل نريد منه فقط أن يكون مجالا للترويج لإنتاجنا الفني والأدبي؟ أم نُحمِّله مسؤولية نقل أسئلتنا الخاصة من سياقها القطاعي الضيق والأدبي المحض والفكري الصرف والأكاديمي النخبوي إلى فضاء النقاش العمومي لتتحول إلى شأن عام؟ لنطرح السؤال على المثقف أولا، فهو أقدر من غيره على رسم معالم الصورة التي يجب أن تظهر بها الثقافة، ومعها صورته الخاصة، على شاشة التلفزيون.
لكن بحكم ممارستك للإعلام الثقافي من داخل التلفزيون بالذات، دعنا نتكلم بوضوح أكبر: هل لك أن تحدثني عن صعوبات هذا النوع من الإعلام ومعوقاته في مجال اشتغالك، أي في التلفزيون؟
إذا أردت أن أبدأ بالإنتقاد الأساسي الذي توجهه الصحافة للتلفزيون فسأبدأ بمسألة الكمّ. الكل يتحدث عن ندرة البرامج الثقافية في قنواتنا الوطنية. لكن مع ذلك المشكل الأعمق في نظري لا يمكن اختزاله في الكمّ، يعني ليس فقط في عدد البرامج، وإنما في الرؤية الثقافية. بحيث لا يكفي أن نخصص برنامجا أو برنامجين للشأن الثقافي ونتصور أننا قد وفينا بالمطلوب. على الإطلاق، فالدور الثقافي للتلفزيون هو أشمل من ذلك بكثير. لنأخذ السينما مثلا، لا يكفي أن نقدم برنامجا يهتم بالفن السابع لكي نتصور أن التلفزيون يقوم بالدور المنوط به لدعم الثقافة السينمائية. بل لابد من الحرص على البرمجة. أية أفلام نقدم ووفق أية معايير ثقافية وتربوية؟ ثم ماذا عن الأفلام التي ينتجها التلفزيون؟ هي الأخرى يجب أن تكون محكومة باستراتيجية ثقافية واضحة. حتى البرامج الفنية وسهرات المنوّعات يجب أن تكون محكومة بتصور ثقافي واضح لكي تحقق للمغاربة المصالحة المطلوبة مع عناصر هويتهم الوطنية، في تعددها وثرائها، وإلا فإنها قد تتحوّل إلى مجرد صخب منظم. لذا لا يمكننا اختزال حضور الثقافة في التلفزيون في برنامج أو برنامجين. بل هي العمق الإستراتيجي لهذا الأخير. وطبعا إذا غاب هذا التصور الثقافي الشامل، فإن التلفزيون قد يصير عاجزا عن إنجاز المهام المنوطة به. إن التلفزيون، العمومي بشكل خاص، شريك أساسي في سيرورة التحديث التي ينخرط فيها البلد. ومهامه التربوية والثقافية واضحة وأساسية، وهي كما أتصور، لا ترتبط ببرنامج أو برنامجين، وإنما برؤية ثقافية يجب أن تكون شاملة.
-ماهي الصعوبات التي واجهها وما زال يواجهها برنامج "مشارف"؟
-لأكون صادقا معك، عليَّ الإعتراف بأن مشارف لا يواجه أية صعوبات خاصة يواجهها كمشارف أو أواجهها وحدي كمعد ومقدم لهذا البرنامج. بل هو وضع عام تعانيه صناعة المادة التلفزيونية في المغرب. فشخصيا أشتغل على هذا البرنامج كمتعاون مع القناة الأولى. الطاقم التقني والفني بقيادة المخرج أحمد الناجم يشتغل معي بالكثير من التفاني. ولولا جدية الصديق أحمد الناجم وتفاني طاقم البرنامج لما تواصلت هذه المغامرة الثقافية حتى اليوم. الإخوان في استوديوهات عين الشق متعاونون جدا. لكن ونظرا لأنني متعاقد بصفة شخصية مع إدارة القناة الأولى ولأنني لست شركة إنتاج فهذا يجعلني أعاني كثيرا على مستوى اللوجيستيك. في غالب الأحيان أشتغل كسائق لضيوفي، أنتظرهم أمام محطة القطار لأنقلهم إلى الأستوديو وأحيانا أجد نفسي مضطرا إلى إيصالهم إلى بيوتهم بعد التصوير.
-تواجه الثقافة والفن الحقيقيان مؤخرا هجمة من طرف الفكر المحافظ المتكئ على الخطاب الديني، وكان من بين من ووجه بهذا الفكر الفنانة لطيفة أحرار وهي تؤدي مسرحية مأخوذة من ديوانك "رصيف القيامة"، كيف ترى هذا التحدي وكيف تقيمه؟
-إسمح لي أن أؤكد على أمر مبدئي هو أنني ضد الإستفزاز المجاني. ضد أن يتوسّل ضعافُ الموهبة والمدسوسون على الفن إستفزاز المجتمع بشكل مجاني من أجل الشهرة ولفت الإنتباه. أرى في ذلك نوعا من الإنتهازية التي يجب التصدي لها من طرف النقاد الفنيين في مختلف مجالات الإبداع. بالمقابل، أنا ضد الإرتماء في الحوض بدون ملابس سباحة. لهذا يستفزني بالقدر نفسه بعض السياسيين الذين يتماهون كثيرا في خطابهم ونضالهم السياسي بمرجعيتنا الدينية وبعض هواة الفتاوي الصحافية السريعة الذين سرعان ما ينجذبون إلى هذه النقاشات الغوغائية لصب المزيد من الزيت على نار باردة أصلا. هذه اللعبة كلها لا تعنيني وأجد أنها تصادر على المطلوب: أي على الإبداع والفن حيث تلغيه من الأصل فيما تدّعي وضعه في دائرة الضوء. أنا مع الجدية في الإبداع الفني وفي النقاش الإعلامي الخاص بالفن. وإذا كانت الرؤية الفنية الجدية لفنانة مثقفة مثل لطيفة أحرار مثلا قد استدعت خيارا جماليا بجرأة معينة فيما يتعلق بتوظيف الجسد على الخشبة في مونودراما (كفرناعوم) في إطار معالجتها الدرامية الخاصة ل(رصيف القيامة) فهذا برأيي نقاش جدّي كان يفترض منا خوضه بمسؤولية وليس بالطريقة المضحكة التي تابعناها. كانوا يتحدثون عن مسرحية لم يشاهدوها. أنا شاهدت (كفرناعوم) لأكثر من عشر مرات وخلال كل عرض جديد كنت أكتشف عناصر إضافية تفتحني على أفق تأويلي مغاير لهذا العمل. وكنت أتمنى أن أقرأ متابعات نقدية من طرف نقاد المسرح تضع العمل في إطاره الدرامي الصحيح وتعود بالنقاش إلى مجراه الفنّي. لكن صوت النقد ظل غائبا لتبقى مسرحية (كفرناعوم) عرضة للتنابز السياسي المذهبي والتداول الصحافي التجاري غير المحكوم لا بمبدأ ولا بموقف إلا في حالات محدودة نادرة لصحف وأقلام بعينها. لذلك، أرى شخصيا أن مواجهة أي هجوم –حقيقي أو مفترض- على الإنتاج الإبداعي والفني من طرف المحافظين لا يمكن التصدّي له بالصراخ والزعيق وإنما بالجدّية في العمل وبالإنخراط المسؤول في الحضور والمتابعة النقدية. على الفنانين المغاربة أن يتضامنوا فيما بينهم، ويساندوا بعضهم البعض ولو بالذهاب إلى المسرح والسينما لحضور عروض زملائهم وهذا أضعف الإيمان. على النقاد أيضا أن يتحملوا مسؤوليتهم. لدينا أقلام نقدية مهمة في المسرح والسينما والتشكيل والأدب يجب أولا أن يعاد لها الإعتبار من طرف المؤسسات الراعية لهذه المجالات الفنية والأدبية، ثم من طرف المنابر الإعلامية الجادة. والمؤكد أن النقد مؤهل أكثر من غيره لتحصين الإبداع وتأطير النقاش العمومي المواكب له بدل ترك الأمور بين أيدي العابثين: مناضل سياسي يدعي الدفاع عن الدين ويشن حملة على عمل فني لم يشاهده ولا يريد أن يشاهده ذات يوم في مواجهة صحافة لم تشاهد العمل هي الأخرى ولا تهمها لا جدية العمل الفني ولا حق المبدع المقدس في التعبير ومع ذلك تدخل المعترك بحماس لتشعل المزيد من الحرائق بهدف الرفع من المبيعات. في المجتمعات الثقافية التي تحترم نفسها يصير صوت الناقد هو الفيصل، لكن النقد في هذا البلد غائب مع الأسف أو مغيّب من طرف من يفضلون أن يعمّ الجهل وتسود الفوضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.