أقيمت في الأيام الأخيرة لقاءات حول المسألة الثقافية في بلادنا، وحول دور المثقف في مغرب اليوم، وكان لهذه «الهبة»، على كل حال، فضل إعادة طرح السؤال الثقافي للنقاش وللجدل. ومن دون أية نية في تبخيس مثل هذه المبادرات الحوارية، وبعيدا عن كل تشكيك في نوايا القائمين عليها أو المشاركين في مناقشاتها، فمع ذلك لا بد من القول إن الآراء التي عبر عنها والأفكار المتداولة اليوم، هي نفسها تقريبا التي أطرت جدلنا الثقافي منذ عقود، وها نحن نعود اليوم للبدايات، ونطرح الأسئلة عن معنى المثقف، وعن دوره، وعن علاقة الثقافي بالسياسي وبالسلطة أو بالمجتمع، وعن حاجة البلاد إلى إستراتيجية ثقافية متكاملة...، أليس في كل هذا بعض قديم ؟؟؟ من جهة ثانية، يستغرب المرء لهذا التعدد غير المفهوم في المبادرات، وفي العرائض والنداءات، والتقارب الزمني في مواعيد صدورها، ولم نجد تفسيرا لغياب تكتل كل هذه الأصوات ضمن تأسيس واع لنقاش حقيقي حول شأننا الثقافي... الأمر هنا لاعلاقة له بحرية الاختلاف، أو بمبدئية الانتصار للتعدد، ولكن الأمر يكشف عن خلل ما في علاقات المثقفين أنفسهم بعضهم ببعض، وهذا مجال لا يخلو، بدوره، من أهمية في سياق كل نقاش حقيقي حول واقع الثقافة ودور المثقفين. إن بلادنا اليوم تعاني من الأمية (بمعناها البسيط)، ومن الضعف الكبير في المقروئية، فضلا عن الأزمة الواضحة والخطيرة في التعليم، ثم هناك الصراع الموجود حول القيم وحول الاختيارات المجتمعية الكبرى، وضرورة الحسم مع الأفكار الماضوية، وقيادة البلاد نحو التحديث والعقلانية، ونحو الانخراط في منظومة القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم هناك قضايا أساسية أخرى مثل: المسألة اللغوية، التعدد الثقافي، واقع الفلسفة، واقع الكتاب والنشر ...، وهي جميعها تستدعي انخراطا فكريا وعمليا لمثقفينا ومبدعينا وصناع وعينا الفكري والجمالي. إن الحراك المسجل عبر كل هذه النقاشات الجارية لا يخلو من إيجابية، ويستحق الدعم والتشجيع، لكن ليس من النجاعة ولا من الذكاء توجيهه نحو وظيفة منبرية خطابية تستهدف الأشخاص، أو تطالب بهياكل ومجالس ولجان تؤمن الكراسي، لكنها حتما لن تصنع الأفكار، وعلى مثقفينا ومفكرينا الحقيقيين إعادة امتلاك المبادرة داخل الساحة، عبر منظماتهم، وفي الكتابة والإنتاج، ومن خلال الانخراط في ديناميات المجتمع، وبالتالي العودة إلى الفعل وليس إلى الكلام عنه. المغرب اليوم في حاجة إلى مثقفيه...