أطلق صاحب الغونكور عبد اللطيف اللعبي نداء/ صرخة من أجل ميثاق وطني للثقافة، داعيا المثقفين والسياسيين والفاعلين لكي يحددوا مواقفهم مما أسماه (التردي الثقافي). إن مبادرة المناضل والمبدع عبد اللطيف اللعبي، ليست هلوسات أديب، أو مجرد تحليقات في السماء، إنها لحظة انتباه لقيمة المثقفين، ولدورهم التأسيسي والتأطيري لكل التحولات والقيم الكبرى في المجتمع. منذ البداية يكشف نداء اللعبي أفقه، عندما يحدد السياق الوطني الموجب للتحرك، ويقول بأن المغرب "يقف اليوم من جديد في مفترق الطرق، فبعد الانفراج الذي عشناه في بدايات العقد المنصرم، حل زمن التساؤلات، بل الشك، والسبب في ذلك الضبابية التي أصبحت تعتري المشروع الديمقراطي ومفهوم الديمقراطية على السواء". ويزيد النداء مشددا على أن الديمقراطية "لا تنحصر في إرساء نوع محدد للحكم السياسي والعلاقات المجتمعية وإنتاج وإعادة توزيع الخيرات المادية، إنها، في الوقت نفسه، اختيار حضاري يكمن في المراهنة على العنصر البشري". وانطلاقا من ذلك، تحتل التربية والتعليم والبحث العلمي والثقافة، برأي اللعبي، المركز في الاختيار المذكور، وتقوم مقام المحرك الذي بدونه لن يتحقق أي نماء مشهود ومستدام. وعند ما نتأمل نحن اليوم واقع حقلنا السياسي والاجتماعي، نخلص ، بسهولة، إلى غياب الأساس الثقافي والفكري، ونبدأ في البحث عن المثقف في ديارنا، وعن صورة المثقف الذي يساهم في تشكيل الوعي الجماعي للناس، ويؤسس للحقائق الثقافية والقيمية على الأرض. ومن هنا، فعندما يعلن اللعبي، في ندائه، أن ورشة الثقافة (بالمعنى الواسع للكلمة) في حاجة إلى عملية تشييد استثنائية تتوقف على الإرادة السياسية للحاكمين، وتعبئة الروح المدنية لدى المواطنين، فهو، في الحقيقة، يعلن معنى المطلب، وحقيقة الرهان. سؤال الثقافة اليوم، هو سؤال سياسي بشكل كبير، ويتعلق بمصداقية اختياراتنا المجتمعية الكبرى. ترسيخ الحداثة، وإشعاع الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، معناه إعداد المواطنين لتمثل هذا الأفق، وليكونوا منخرطين في واقع بلدهم ومنشغلين بقضاياه ورهاناته المستقبلية... بالفعل يتوفر المغرب على مثقفين يمارسون مهاراتهم الإبداعية والعلمية والفنية بشكل يومي، ولديهم لحظات التواصل والتفاعل مع الناس ومع محيطهم الاجتماعي، وحقا هناك مبادرات ثقافية شهدتها البلاد، ومسارات مؤسساتية حققت مكاسب. وهناك محطات عاشتها البلاد في الفترة الأخيرة عرفت نقاشات همت تدبير الشأن الثقافي الوطني، سواء من خلال وزارة الثقافة أو من خلال عمل منظمات ثقافية وطنية، شكلت أوضاعها موضوع جدل إعلامي... نداء اللعبي اليوم يدعو إلى جعل الثقافة أولوية وطنية ضمن الانشغال المجتمعي والسياسي للمغرب، وهذا ما يجب أن يفتح الباب لنقاش واسع وعميق حول السؤال الثقافي في بلادنا، وحول المثقف، والالتفاف حول هذا النقاش واستثمار ديناميته هو احتضان منا جميعا لتطلعات شعبنا، ومواجهة لكل العتمة التي تستهدف جر مجتمعنا إلى الخلف.