"محمد المليحي: سيرة ومنجز" هو عنوان الكتاب الذي وضعه الناقد محمد الشيكر عن حياة الفنان المغربي ومسيرته التي انطلقت منذ خمسينيات القرن الماضي. عملٌ ينتمي إلى نوع ال "مونوغرافيا" ويمنح المليحي (1939) حقّه من البحث والتحليل، وبالتالي يحدّد موقعه الفريد في المشهد التشكيلي المغربي. يُعتبر المليحي، المولود في مدينة أصيلة، إلى جانب كل من الراحل محمد شبعة ومكي مغارة وسعد بن السفاج، أهم خريجي "مدرسة الفنون الجميلة" في مدينة تطوان الذين دشّنوا الخطوات الأولى لمسار التجربة التشكيلية الحديثة في المغرب، بعد جيل الفنانين الفطريين الأوائل. بعد تخرّجه، انتقل إلى إسبانيا، متنقّلاً بين مدينتي إشبيلية ومدريد، خلال عام 1955، قبل أن يشد الرحال إلى إيطاليا التي ستشكل أولى محطات مسيرته الفنية، ومنها إلى فرنسا، التي لم يمكث فيها طويلاً لقراره الهجرة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، التي وصلها عام 1962. قضى المليحي في أميركا زهاء سنتين، وهي فترة كانت كافية لكي يبلور أسلوبه الفني الخاص الذي يتميّز بمنحى هندسي تجريدي. أسلوب وظّفه، وما يزال، في تعاطيه مع خياراته الموضوعاتية، وتحديداً في مساءلة ثيمة الجسد في بعده الإيروسي، دونما إسفاف أو ابتذال، ما شكّل، منذ أعماله الأولى، "صرعة فنية" ظل يُنظر إليها من قبل العديد من المتتبّعين والنقاد المغاربة باعتبارها منتوجاً طارئاً على المنجز الفني المغربي، الذي راكم بعض ملامحه الكبرى جيل الرواد الذين سبقوه. ومقارنةً مع أبناء جيله والأجيال التي جاءت من بعده، يكاد المليحي ينفرد باختياراته اللونية، سواء من حيث وقعها الحار، المتناسق والمتنوع، أو من حيث توظيفها بما يلزم من دقة هندسية صارمة. اختيارات تظهر على شكل متواليات لونية مُفكّر فيها مسبقاً وبشكل مطوّل، تتكئ على نظام المقاسات الجبرية، أكثر من استسلامها لعفو الخاطر، وللانفعالات النفسية الطارئة. كتاب الشيكر الذي يحلل بعمق تجربة المليحي التشكيلية، يتوقف أيضاً عند فصل انخراطه، بعد عودته من أميركا، في تجربة جماعية مهمة اعتُبرت انقلاباً على مناهج "مدرسة الفنون الجميلة" في مدينة الدارالبيضاء، التي أسّسها المستعمر الفرنسي؛ تجربة شاركت فيها زوجته السابقة، الناقدة والباحثة في تاريخ الفن، الإيطالية طوني مارايني، والفنانون فريد بلكاهية، مدير المدرسة المذكورة، ومحمد شبعة ومحمد حميدي ومصطفى حفيظ والمقتني الهولندي بيرنت فلينت. ولا يُهمل الشيكر في كتابه المنحوتات العملاقة التي أنجزها المليحي، سواء في المغرب أو في الخارج، وكان آخرها منحوتته الجاثمة على الأوتوستراد الذي يربط مدينتي القنيطرة وسلا ؛ منحوتات تكرّس للمسته الفريدة. *كاتب صحافي