إنه قدر الإنسان، للرحيل الأخير ألف سبب وسبب، وللذكريات من بعده ألف حكاية تُروى - سعيد صالح الراحل قبل ظهر الجمعة (1 غشت 2014) إثر أزمة صحية أحد كوميديي السينما المصرية، يُغادر الحياة عن 76 عاماً، هذه لحظة تستدعي رثاء يليق بالرجل، وتتطلّب شيئاً من إعادة قراءة المعنى التمثيلي الكوميدي في السينما المصرية، الفاقد أقلّه منذ مطلع تسعينيات القرن الفائت جدارته بالتفوّق في ابتكار أنماط تجديدية في فن تمثيليّ يُراد له أن يثير الضحك، وإن لمجرّد الضحك، «مدرسة المشاغبين»، المولودة على يديّ الكاتب المسرحيّ علي سالم عشية «حرب أكتوبر» (1973)، تُشكّل منعطفاً ينفتح أمام الخاص، كانفتاحه أمام العام، إزاء تحوّل المسار الأدائي لمجموعة من الممثلين الشباب حينها، الذين تحوّلوا إلى «نجوم» في الوسط الفني المصري العربي، قبل أن يقتنص عادل إمام منصب «الزعيم»، هذه مسرحية مرجع، لا يُمكن التغاضي عنها في كل قراءة مطلوبة لمسارات مجموعة من الممثلين، انصرفت قلّة منهم عن الكوميديا كأحمد زكي تحديداً، وسهير البابلي أيضاً، وزاوج بعضهم بين الكوميديا والتراجيديا، كإمام وصالح أساساً، من دون تناسي الميل الواضح لدى يونس شلبي إلى بلورة آفاق جديدة له على مستوى الإضحاك، بالإضافة إلى هؤلاء، لا يُمكن تناسي حسن مصطفى وهادي الجيّار، اللذين يُعتبران ركيزتين من الركائز الأساسية لنجاح المسرحية، واللذين يذهبان إلى التمثيل كمهنة واحتراف إبداعي يليق بالقيمة الفنية للممثل، بعيداً عن التصنيفات النقدية للمسارات المذكورة، بدا سعيد صالح المنافس «الأخطر» لعادل إمام في زعامة الكوميديا المصرية، بالنسبة إلى الجيل التالي لسابقه من الكوميدييين (فؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم وعبد المنعم مدبولي وغيرهم)، لكن، هل صحيحٌ أن صالح منافس «أخطر» لإمام؟ هذا محتاج إلى ما هو أبعد من الرثاء، وأعمق من عُجالة مكتوبة بمناسبة حزينة كهذه، غير أن لحظات سينمائية عديدة تعكس شيئاً من صدق هذه المقولة، على الرغم من أن سعيد صالح، كعدد لا بأس به من الممثلين المنتمين إلى أجيال مختلفة، «مُتمتّع» بكونه «تابعاً» لإمام أكثر من كونه راغباً في منافسته، شخصياً، أميل إلى الثنائي شلبي صالح أكثر بكثير من ميلي لإمام، الكوميديا معهما أجمل وألطف وأصدق وأعمق، التمثيل معهما أكثر حساسية ورهافة وجمالية، صحيحٌ أن هناك التباساً كبيراً ملتصقاً بمفهوم الكوميديا وتحوّلاتها، انطلاقاً من تأثيرات هؤلاء في تطوّر الأداء الكوميديّ، وتفعيل جمالياته، خصوصاً إذا أُريد للقراءة النقدية أن تُقارن بين هذا الجيل وسابقه، لأن سابقه متقدّم عليه أكثر، وإن لم يتردّد الجيل التالي هذا عن الانخراط في المهنة التمثيلية، مُقدِّماً بين حين وآخر أدواراً لا علاقة لها بالإضحاك، أو أدواراً مُضحكة ذات مضامين إنسانية واجتماعية ما، هنا يقع الالتباس، وهنا أيضاً تنفتح الحكاية على مغامرة سعيد صالح، الذي أتقن لعبة المزج بين أداء جسدي، ونبرة صوتية، وحركات قد يُقال عنها، أو عن بعضها، أنه مُبالغ فيها، يحلو لسعيد صالح القول إن السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم «كان لي فيها الثلث»، أي رقم بينهما مُبالغ فيه هنا أيضاً؟ على الرغم من هذا، لا يُمكن تجاهل الحضور القوي لصالح في صناعة السينما المصرية على مدى نصف قرن من الزمن تقريباً، لكن الأرقام لا تعني شيئاً في معنى الأداء التمثيلي، ومدى استيفائه شرطه المهني الاحترافي المؤثّر، لهذا، أميل إلى قناعة مفادها أن «الإبهار» الكوميدي المصنوع على يديّ سعيد صالح، وإن في أفلام أقلّ من «ثلث» صناعة السينما المصرية، يبقى أجمل من أن يُحصى بأرقام، وأن يُناقش بعناوين سينمائية لم تكن سليمة كلّها، * عن السفير اللبنانية