شكك الكاتب البريطاني سوماس مايلن بصدق نوايا الولاياتالمتحدة بالانسحاب من العراق وتساءل عن مدى جدية انتهاء الغزو الأميركي لبلاد الرافدين؟ وقال إن إعادة تسمية القوات القتالية الأميركية أو إعارتها وتفويض عملها للآخرين لا تعني بالضرورة إرجاع البلاد إلى أهلها وإعادة الأرض إلى أصحابها. وأكد مايلن في مقال نشرته له صحيفة ذي غارديان البريطانية أنه بالرغم من تأكيدات الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتمثلة في كون انسحابات قواته من العراق ستتم حسب الجدول المرسوم، فإن العراق بالنسبة لغالبية الناس في بريطانيا وفي الولاياتالمتحدة بات شيئا من التاريخ. وعزا الكاتب أسباب غياب المشهد العراقي عن المسرح الشعبي البريطاني والأميركي وربما العالمي إلى كون أفغانستان تحظى بنصيب الأسد في وسائل الإعلام الدولية في ظل الخسائر البشرية الهائلة والمتزايدة التي تتكبدها قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب على أفغانستان. وتساءل، من قال إن الغزو الأميركي للعراق إلى زوال؟ فالذي يجري من ترتيبات أميركية في العراق لا تعدو كونها تعديلات وتلاعب بالأسماء، تماما كما بدلت إدارة أوباما مصطلح «الحرب على الإرهاب» الذي تغنت به مطولا إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى مصطلح جديد تحت اسم «عمليات مكافحة التمرد خارج الولاياتالمتحدة»، وفق الكاتب. ونسب مايلن إلى المتحدث باسم القوات الأميركية في العراق الجنرال ستيفن لانزا قوله بشأن إنهاء الاحتلال الأميركي للعراق «إنه على المستوى العملي فإن شيئا لم يتغير»، مضيفا أنه بعد وجبة الانسحاب الأميركية الشهر الجاري، فسيبقى في العراق خمسون ألفا من القوات الأميركية متمركزة في أربع وتسعين قاعدة عسكرية بهدف القيام بتدريب القوات العراقية وتقديم النصح والمشورة للعراقيين وتوفير الأمن والقيام بعمليات وشن هجمات في مجال «مكافحة الإرهاب». ومضى الكاتب بالقول إن تقليص تعداد القوات الأميركية المتواجدة في العراق إلى خمسين ألفا ربما يعد أمرا عظيما بالمقارنة مع تعدادها الذي بلغته في سنوات الغزو السبع السابقة العجاف، لكن العراق لا يزال يعيش أجواء العنف المتزايد. وأشار مايلن إلى ما وصفه بعجز السياسيين العراقيين عن تشكيل حكومة جديدة للشهر الخامس على التوالي منذ الانتخابات التشريعية التي شهدتا البلاد، وسط السجال المستعر في «المنطقة الخضراء». وأضاف الكاتب أن الشعب العراقي تكبد خسائر بشرية في المدنيين تزيد عن تلك التي تكبدها الشعب الأفغاني بكثير، موضحا أن العراقيين خسروا 535 شخصا من أبنائهم في الشهر الماضي وحده في ظل الغزو الأميركي الجاثم على صدر بلاد الرافدين. وعلى صعيد متصل، قال الكاتب إنه بالرغم من ندرة مشاهدة القوات الأميركية في الشوارع العراقية، فإن العسكريين الأميركيين لا يزالون يفقدون ما معدله ستة جنود على الأقل في الشهر الواحد، في ظل استمرار تعرض قواعدهم العسكرية إلى هجمات منتظمة ومتزايدة، مضيفا أن التنظيم عاد إلى نشاطه في مواقع متعددة من بلاد الرافدين. وقال الكاتب إن الولاياتالمتحدة لا تقوم بتغيير اسم الغزو إلى أسماء أخرى فقط، لكنها أيضا تقوم بما سماها خصخصة الاحتلال، موضحا أن هناك أكثر من مائة ألف متعاقد أمني من القطاع الخاص ممن يعملون لصالح ما سماها قوات الاحتلال الأميركية. وأضاف أن هناك ما يزيد على أحد عشر ألفا ممن وصفهم بالمسلحين من المرتزقة وغالبيتهم من جنسيات أخرى ليست عراقية ولا أميركية ممن يعملون لصالح القوات الأميركية، مشيرا إلى مقتل متعاقدين أمنيين أوغنديين اثنين في هجوم صاروخي استهدف المنطقة الخضراء قبل أسبوعين. وقال مايلن إنه بينما تقوم واشنطن بتقليص عدد قواتها المقاتلة في العراق، فإنها ترغب في المقابل في زيادة عدد المقاولين والمتعاقدين الأمنيين الخاصين الذين يعملون لصالحها وبالنيابة عنها في شتى أنحاء بلاد الرافدين، مشيرا إلى ما وصفها بالشركة الأمنية السيئة السمعة «بلاك ووتر». وأوضح الكاتب بالقول إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ترغب في زيادة عدد المتعاقدين الأمنيين الخاصين العاملين لصالح الوزارة في العراق من ألفين وسبعمائة إلى سبعة آلاف ونشرهم ضمن قواعد عسكرية دائمة في البلاد، فعن أي انتهاء للغزو في بلاد الرافدين تتحدثون؟ واختتم مايلن بالقول إن الحرب على العراق تمثل فشلا إستراتيجيا للولايات المتحدة، موضحا أن أميركا عجزت عن إيجاد حل للعراق عبر الطرق العسكرية، وأنها عجزت عن فرض القيم الغربية على أهالي بلاد الرافدين، ولكنها ربما نجحت في اللعب على وتر التفرقة وإثارة النعرات العرقية فقط، مما حال دون انبثاق مقاومة محلية موحدة مثل تلك التي قامت في فيتنام ودحرت الغزاة الأميركيين المحتلين. واستطرد بالقول إنه بينما الولاياتالمتحدة ربما ترغب في استخدام شكل آخر من أشكال استعمارها للعراق كي تبقي قبضتها مشدودة على عنق بلاد الرافدين وأعناق الدول الأخرى في المنطقة على المستوى الإقليمي، فإن نضال العراقيين من أجل استقلال بلادهم ربما قد بدأ للتو.