جلالة الملك يترأس جلسة عمل بشأن مراجعة مدونة الأسرة    المغرب يستعد لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الانترنت    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    إسبانيا.. الإطاحة بشبكة متخصصة في تهريب الهواتف المسروقة إلى المغرب    بقيادة جلالة الملك.. تجديد المدونة لحماية الأسرة المغربية وتعزيز تماسك المجتمع    فرنسا تحتفظ بوزيري الخارجية والجيوش    العراق يجدد دعم مغربية الصحراء .. وبوريطة: "قمة بغداد" مرحلة مهمة    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس    إرجاء محاكمة البرلماني السيمو ومن معه    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجريدتاه
نشر في بيان اليوم يوم 27 - 10 - 2013

« قراءة الجريدة هي صلاة الصبح بالنسبة للإنسان المعاصر»، كما قال هيغلHegel (1770-1831)، وعلى محراب مثل هاته الصلاة تُنحت كلمة سحرية، ألا وهي «الحقيقة»، السبب الوحيد الذي خلقت من أجله الصحيفة، بل مهنة الصحافة .
في الساحة العربية (عالم ينعت كذلك افتراضياً نسبة إلى اللغة في حين أنه يزخر بلغات أخرى مستصغَرة، منها الأمازيغية عندنا)، نتشدق، بحكم ثقافة المغالاة والمبالغة، بتعبير «صاحبة الجلالة» تارةً، أو «مهنة المتاعب» تارةً أخرى !!! والحقيقة أنه لا يبالغ إلا الجاهل أو الشخص الذي لا يمِت إلى العمل المنجز بصلة الخلق والإبداع...
خُلقت الصحافة هناك، بعيداً عنا، بعيداً عن ساحتنا المسماة عربية...فهنا لم يزْدَدْ لا الطبيب والصحافي الفرنسي «ثيوفراست رنودو» Théophraste Renaudot (1586-1653، الذي أسس سنة 1631 أول جريدة هي»لا غازيت»، بعد أن أسس سنة 1628 «مكتب عناوين»، أول مكتب لعروض الشغل أي الجد الأكبر لما يعرف عندنا ب»الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل» أو «قطب التشغيل» والذي مكنه سنة 1633 من إصدار أول جريدة لإعلانات الشغل والإعلانات المبوبة للبيع والشراء «ورقة الإعلانات».. !)؛ ولا الصائغ الألماني «جوهانس غوتنبيرغ»Johannes Gutenberg ( 1395-1468، مخترع الطباعة التيبوغرافية في 1440)، ولا المخصي صانع سيوف ملك هان الصيني، «تساي لون»( 50-121 ميلادية) الذي اخترع سنة 105 ميلادية ورقاً للكتابة من ألياف ورقائق شجر التوت (عوضاً عن الكتان، القصب، القنب، شباك الصيد أو الحرير)...فهؤلاء لم يروا النور تحت شمسنا ولا بين ظهرانينا...لا في المساحة المسماة عربية ولا في زمن الصحافة بالمغرب الذي بدأ منذ ما يناهز القرن و نيف...
عندنا في المغرب، إذا كان عبد الله العروي يخبرنا بأن الطباعة دخلت طنجة سنة 1880، فمغربي آخر هو زين العابدين الكتاني يكشف أنه ابتداءً من 1870 أنشئت أول مطبعة في نفس المدينة بغرض طبع « L'Œil de Tanger» «عين طنجة»، جريدة أسبوعية تصدر باللغة الفرنسية، وذلك بعد فشل التجربة الأولى لتأسيس مطبعة سنة 1868 من طرف ناشر قادم من وهران...بالنسبة للمؤرخ المغربي جرمان عياش، وطأت الطباعة أرض المغرب بإرادة الدولة أو «المخزن» وتحت إكراه هزيمة المغرب أمام إسبانيا الاستعمارية بتطوان في 1860، عندما قرر السلطان محمد الرابع بن عبد الرحمن (1810-1873) أن»يحقق النهضة لبلده عبر تحديثه، ومع مقاولات أخرى أنشأها في مختلف قطاعات الحياة الوطنية، وقد ساهمت المطبعة في هذه الغاية». باختصار، يخبرنا مختلف مؤرخينا عن دخول المغرب «مجرة غوتنبيرغ» « La galaxie de Gutenberg » حوالي النصف الثاني من القرن 19، أي منذ ما يقارب القرن ونصف. يتحدث الكتاني عن مطبعة استقدمت من فرنسا من قبل بعثة دبلوماسية قادها سنة 1859 الحاج إدريس بن محمد بن إدريس؛ في حين يذكر العروي أن «قاض مغمور من تارودانت» اشترى تجهيزات المطبعة من مصر كي يقدمها هدية للسلطان محمد الرابع...فيما «يطمئننا» مؤرخ إيطالي يدعى «منفريدو ماشيوتي» Manfredo Macioti بجزمه أن أول مطبعة (بحروف عبرية) قد وصلت إلى المغرب سنة 1516 ورست في مليلية كانت بفضل «طابعين يهود» أصلهم من ماينس...مسقط رأس غوتنبيرغ ! ...ما يعني أننا قد عاصرنا فعلاً بدايات تفتح «مجرة غوتنبيرغ»...مثلما كنا مع «سينماتوغراف» الأخوين «لوميير» Lumière اللذين جاءا، مباشرة بعد عرضهما العمومي الأول بباريس (أمام 33 متفرج) في 28 دجنبر 1895، إلى المغرب سنة 1897 لتصوير سلسلة من الأفلام الصغيرة، منها «مشاهد متحركة للمغرب» ونظما سنة 1897 عروضاً «للسينماتوغراف» في القصر الملكي بفاس، قبل أن يصور مصورهما التقني الشهير «فليكس ميغيش» Félix Mesguich، المنحدر من الجزائر العاصمة، بعد عشر سنوات، أي في ،1907 أول تحركات فرق الجيش الاستعماري الفرنسي على «تراب المملكة الشريفة»...لكن تلك حكاية أخرى من حكايات «سمائنا الإعلامية». فلنرجع إلى عالم غوتنبيرغ لنستحضر أننا ولجنا «عصرانية» هذا العالم من باب مليلية –الموصد في وجهنا اليوم-...
الصحافي عبد الكريم الخطابي
مليلية التي يتردد صداها كدق الطبول في ذاكرتنا الإعلامية لقرن مضى من عُمر صحافتنا الوطنية، بفضل أيقونتنا الريفية، عبد الكريم الخطابي، الصحافي وكاتب الافتتاحيات، من 1908 إلى 1915، بجريدة «تلغراف الريف» «Telegrama del Rif « التي تأسست في البداية تحت اسم «لادبيش» «La Dépêche» سنة 1902 من طرف قبطان المدفعية والصحافي الاسباني «كانديدو لوبيرا خيريلا Candido Lobera Girela. ومازالت هذه الصحيفة تصدر إلى يومنا هذا، على الورق وإلكترونياً، بالفرنسية تحت اسم «Le Télégramme» ( http://www.letelegramme.fr) وبالاسبانية «El Telegrama») http://www.eltelegrama.es) . هي يومية إذن تحفظ في أرشيفها صحافة الخطابي، خلف سور الأسلاك الشائكة التي تطوق مليلية على ساحلنا المتوسطي...أما السور الآخر الذي يعزل مدينة سبتة عن قارتنا، كابوس آخر لبني عمومتنا أفارقة جنوب الصحراء، فيحرمنا من جزء آخر من تاريخنا يتعلق بولوج بلادنا إلى طباعة الصحافة: ففي 1820، كانت تطبع في سبتة جريدة «El Liberal Africano»...هي إذن بداية قديمة لتغلغل هذه التكنولوجيا الإعلامية في كوننا وثقافتنا، تحت مظلة الأطماع الاستعمارية وفي خدمتها. احتلال عسكري-إعلامي من شتى آفاق «القارة العجوز» داهمنا من ثغورنا الشمالية: من سبتة (1820، El Liberal Africano)؛ من طنجة (1870:L'Oeil de Tanger ، 1886 Le Réveil du Maroc و»المغرب الأقصى» ،1884: The Time of Morocco، 1886: El Eco Mauritano، 1889: «المغرب» و»El Diario de Tanger»، 1905: «السعادة»، 1906: «La Dépêche marocaine»و»Le Commerce du Maroc»، 1907: «L'Indépendance marocaine» !، 1911: «الحق» و»الترقي»)؛ من تطوان (1902: «El Eco de Tetuan»؛ ثم من الدار البيضاء أيضاً والتي ستصبح القطب المركزي للصحافة بالمغرب ابتداءً من العشرينيات/الثلاثينيات إلى اليوم (1882: «Nord-Sud»، 1908: «La Vigie marocaine»)...أمام هذا الكشك الذي كانت تتنافس عليه صحف مأجورة لإسبانيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا...تقول الباحثة أمينة إهراي أوشار إن»كل تمثيلية شرعت في إصدار جريدة حتى تعرض بشكل أفضل «الصفقة المربحة» التي يمثلها استعمار المغرب، لمواجهة مطامع القوى الأخرى وكذلك لجعل المغاربة يتقبلون الواقع الاستعماري».
بالتالي، لا مناص من الاعتراف بأن الطباعة والجريدة حلتا بديارنا، منذ قرن ونصف، كأسلحة حديثة للقوى الاستعمارية التي لم يكن أي منها ليتنازل عن حصته من الكعكة للآخر، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري (وكانت تتجسس على بعضها البعض عبر الاستخبارات في طنجة)، بغرض تحقيق الهدف المتنازع حوله بحدة، ألا وهو الحصول على «الفريسة المشتهاة»، أي «الإمبراطورية الشريفة» التي كانت في سالف الأوان مزدهرة وقوية على البر (الأندلس، المغرب الكبير، وبلدان «السودان الكبير»، بما فيها حاضرة تومبوكتو) كما على البحر ( فترة القراصنة بين القرنين 17 و19، انطلاقا بالخصوص من الرباط وسلا إضافة إلى الجزائر وموانئ أخرى على المحيط الأطلسي). وهكذا سوف تلج هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف، بفعل الاحتلال العنيف للجيشين الاسباني والفرنسي (مع تعويضات بالغنائم للإنجليز والألمان)، إلى وسيلة التعبير العصرية هاته، إلى صلاة الصبح الهيغيلية (نسبة إلى هيغل)، الجريدة، كما لو أنها ستعاني من أثر جانبي للاستعمار العسكري (حيث إن عدداً من المطابع الفرنسية والاسبانية كانت تحمل على ظهور البغال مع جحافل الاحتلال !).
كانت هذه الوسيلة للتعبير، التي حملها التيار الكولونيالي معه هكذا، في بدايات القرن العشرين، غير معروفة لدى شعرائنا، فقهائنا، علمائنا، كتابنا، مغنيينا، حكواتيينا، أصحاب مكاتبنا...إجمالاً، كانت ظاهرة جديدة بالنسبة لوسائل «الإعلام» آنذاك، الخاصة بنا نحن في هذه الأصقاع التي زارها اليونان والفنيقيون والرومان والقرطاجيون والوندال، ثم بنو هلال وبنو سليم وحتى الفايكينغ Vikings (الذين نهبوا الناظور سنة 858م)...قبل أن يأتيَ الإسباني والفرنسيون. حيث كنا، قبل هذه الصفحات الأولى المطبوعة على ترابنا، شعباً من علماء القرويين، في الكتاتيب والمساجد، في زوايا الجنوب الصحراوي، في الشمال الجبلي والسهول الأطلسية... كذلك شعب من «الحلايقية» و»البراحة» و»الرقاصة» (من زاوية الخدمة التواصلية أو الإعلامية) و»الكتاتبية» و»العدول»...
حقنا في الإعلام بين التفاؤل والعدمية
لقد مر قرن ونيف، كما هو مدون في الصحافة، قبل وبعد الاستقلال، قبل أن نقوم لدعوة المختصين في القانون والسياسيين في هاته البلاد السعيدة إلى التشريع بجدية لحق معاصر في القرن 20 وبالأخص في القرن 21، ألا وهو الحق في الإعلام، الحق في الحقيقة، تلك «القِبلة» التي يجب أن نولي وجهنا صوبها عند الميقات اليومي لصلاة هيغل. الآن، وعلى بعد ستة «قرون ضوئية» من مجرة غوتنبيرغ (la Galaxie de Gutenberg)، يبدو أن عرش الحقيقة صار يتأرجح بشكل يزداد خطورة يوماً بعد يوم، إلى درجة أن لا أحد من المهنيين والباحثين والمختصين ينكر أنه على شفا حفرة من انقراضه المبرمَج في الصحافة الحالية، عبر غزو تكنولوجيات الإعلام والاتصال التي يمتطي صهوتها، ليلاً ونهاراً، «المواطنون- وسائل الإعلام». عندما يحدثنا هيغل عن الصلاة، كل صباح، يسهل علينا تصور ما يدور بخلده، أي أنه يتخيل «إنساناً حديثاً تقياً» يشعر بالحاجة، بل بالواجب «الديني» للتضرع كل يوم إلى...الحقيقة حتى يغدق عليه كُنهها الذي هو-بكل بساطة- المعلومة من نعمه ويحميه ويعينه بالخصوص على العيش، وعلى عيش الغد بشكل أفضل؛ ويقيه شر الوقوع في خطأ التقدير أو النأي عن حقيقة الأشياء، حقيقة العالم، حقيقة الناس وأفعالهم ونواياهم. هي إذن رؤية هيغلية لإنسان معاصر يقضي حياة شبه «رهبانية» في «جمع المعلومة» (الحقيقية والكاملة)...هي رؤيا هيغلية وبدو إستباقية بالنظر إلى إنسان 2013 الذي يمضي أكثر من نصف يومه في «الإبحار» على الأمواج الالكترونية، في النقر على أي شاشة أو فأرة حاسوب تظهر أمامه لكي يعرف شيئاً آخر، شيئاً جديداً عن العالم المحيط به، الداني والقاصي. يفترض أنه يبحث عن المعلومة، «يصلي» ليل نهار، أكثر مما كان عليه الشأن أيام هيغل، فهل هذا صحيح وبأي ثمن؟
بالنسبة ل»فريدريتش نيتشه» Friedrich Nietzsche ، الذي ولد عشر سنوات بعد وفاة هيغل والذي انتقد بشدة تفاؤل هذا الأخير حيال البشرية، فإن قراءة الجريدة كل صباح قد تصير شكلاً من «التضبيع»، فهو يرى أن «إدخال البلاهة البرلمانية تزامن مع واجب قراءة الصحيفة عند وجبة الفطور بالنسبة لكل فرد»...فهل أنتم مع هيغل المتفائل أم مع نيتشه «العدمي» الذي كان يرى في الصحافة مصدراً «للبلاهة» تماماً كالمؤسسة البرلمانية؟ إن المشقة اليومية اللامتناهية والمتكررة -التي يتكبدها القارئ وليس الصحافي! – لاقتناص المعلومة كل صباح هي بالنسبة لإنسان هذا القرن (إنسان «ما بعد الحداثة»؟) بمثابة ديانة يجب أن تؤدى أركانها وفرائضها، كالصلاة مثلاً. لكن لا بد من الإشارة إلى أنها صارت أقرب إلى «الأصولية»، فمضامين الصحف (هنا وهناك)، في عالم الإعلام بصفة عامة، أصبحت تنأى عن «المنطق»، عن الحقيقة التي أحبها هيغل وتغنى بها والتي تفسر إيمان الفيلسوف بقراءة الجريدة كفريضة من فرائض الحداثة. إننا نلاحظ كل يوم، نعترف، نحلل، نعلن (في المغرب وخارجه) بأن المضامين الإعلامية (للجرائد أو غيرها من وسائل الإعلام وقنواته) صارت تقتصر على التصريح بشبه حقائق تتصدر بشكل صارخ مانشيتات وعناوين الصفحة الأولى، ضداً على أي عقلانية، ضداً على «المنطق»، تنشر على شكل «حقائق» دغمائية من قبيل تلك التي تدخل في خانة «المسَلمات» أو الحقائق المطلقة. إذ يلاحظ أخصائي فرنسي مؤخراً أن «الابتعاد المتكرر لعالم الإعلام عن المنطق يجره إلى الفديائية fidéisme(العقيدة التي تقصي المنطق) التي تؤدي إلى الأصولية، بحيث تجعل من الفاعلين الأساسيين في العالم الإعلامي «أئمة» الأزمنة الحديثة الحائزين على لقب القادة الروحانيين للثورة الإعلامية». كرجع صدى، يعترف «روبير مينار» Robert Ménard، المثير للجدل بمواقفه والرئيس السابق ل»صحافيين بلا حدود»، بأن الأغلبية الساحقة من الصحافيين مقتنعون بكونهم في معسكر «الخير»، بحيث يلجأ الصحافي إلى بُعد أخلاقي، فديائي، مجانب للمنطق، لتبرير ما يصرح به وما ينشره وما يبثه. سيدافع بكل ما أوتيَ من قوة عن إنتاجه، بعقيدة لا تتزعزع في ما يدعي أنه الحقيقة، مُعْرِضاً عن أي تحليل منطقي مهما كان نوعه، والذي من المفروض أن يكون في الصحافة مستنداً إلى وقائع، إلى معلومة.
التخمة/السمنة الإعلامية والمعلومة «منخفضة التكلفة»
هذا هو حالنا اليوم...حال لم يكن بمقدور لا هيغل ولا نيتشه توقعه، ولا حتى الأمريكي-الهنغاري جوزيف بوليتزر Joseph Pulitzer(1847-1911) والفرنسي ألبير لوندر Albert Londres (1884-1932)، اللذين يشكلان علمين من أعلام الصحافة سميت باسميهما أكبر جوائز المهنة، الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية والثانية في العالم الفرانكفوني...إذن، كيف يمكن لكم كمواطنين التمتع التام والنوعي بحقكم في الإعلام، حتى مع استفادتكم من تشريع ملائم لهذا الغرض؟
هل ستقولون هي أزمة الصحيفة أو أزمة الصحافة؟ أزمة صحافة أم أزمة بسبب ويب 2.0web ، أو ويب 3.0web ، بسبب الشبكات الاجتماعية، بسبب الأزمة الهيكلية لقطاع الإشهار، بسبب انهيار المقروئية والدعم العمومي المباشر وغير المباشر، أزمة بسبب زحف غابة الشاشات الثابتة والمتنقلة، أزمة بسبب تحولات الاستعمالات والمستعملين الذين يعيشون بوتيرة جنونية حياة مشحونة على إيقاع النقر وطرق اتصال تتغير باستمرار، خصوصاً لدى الشباب الذين يمثلون الأغلبية سواء في المغرب أو على الصعيد العالمي. إنها عوامل وفرضيات وتفسيرات بعضها أكثر إقناعاً من الآخر، بعضها يعتبر حصيفاً هنا لكن أقل حصافة هناك...خلاصة القول إنه فيما يخص الجريدة، سلفنا الذي عمر لأربعة قرون، ينبغي أن نرفع أكفنا بالدعاء لها للنجاة هنا، وفي العالم الإعلامي الشاسع والمتنوع. غير خاف أن المقاولة الصناعية للصحافة تحتضر الآن، على الأقل في شكلها الذي فرضها على الساحة العامة وفي رؤوس «مصليي» الجريدة، منذ ما يناهز نصف الألفية الماضية.
الآن، إذا كان الإنسان القارئ يركع أمام محراب الحقيقة، فهو لم يعد يتلو أي صلاة لأنه مثل الغائب الذي يقيم صلاة الغائب: الحقيقة. فكيف يمكن له أن يتقرب إلى أي حقيقة وهو محاصر بالإشاعات، بالعنعنة، بالانطباعات وبتفريغ المكبوتات من عنف وصور نمطية ...ومعتقدات كاذبة وقذف وسب وادعاء الخبرة، واختلاق الأخبار والصور وأشرطة الفيديو والتصريحات، وانتحال الألقاب والأمجاد...
يتكلم كل من «باتريك دو سان إكزوبيري»Patrick de Saint-Exupéry و»لوران بيكاريا»Laurent Beccaria اللذين أسسا المجلة الفريدة من نوعها والمتخصصة في الربورتاجات «VINGTETUN.XXI.» عن «التخمة/السمنة الإعلامية» لوصف تسونامي «الأخبار» الذي يجتاح يومياً وكل ليلة الإنسان المعاصر في القرن 21. إنه الطوفان الذي جعل هذين الصحافيين اللذين ينتميان إلى فصيلة الصحافة النبيلة الآيلة للانقراض (الربورتاج والتحقيق) يستعملان هذه العبارة التي تنطق بلسان الحال: اليوم «نريد أن نكون على علم بالخبر، لا أن نتوصل بالمعلومة». في الحقيقة، من جهة لا تحركنا كمستعملين مستعجِلين لوسائل الإعلام إلا رغبة أن «نكون على علم»، ومن جهة أخرى، لا يمكننا سوى التطلع إلى «العلم بالشيء» فقط نظراً لعروض العالم الإعلامي (بما فيها الصحف)...أن «نكون على علم» بإشاعة، بافتراض، بادعاء، ببداية معلومة، بتقصي غير مكتمل أو سطحي، بتلميح، ب»تقدير « الخ. إذا صادفنا معلومة تجيب على سؤال:»من فعل ماذا، أين ومتى؟»، غالباً ما يكون «الكيف» غير دقيق أو ملتبساً. أما «لماذا»، فمن النادر جداً أن يكون صحيحاً، هذا إذا افترضنا أنه ذُكر أو أشير إليه أصلاً. لذلك، من الطبيعي أن نرى أنه في جميع أنحاء المعمور صار الصحافيون يشهدون بمرارة تآكلاً لمصداقيتهم وبالتالي لشرعيتهم، بل يعيشون أزمة هوية حقيقية تهدد وجودهم بصفة مأساوية وتسائل جدواهم الاجتماعية والاقتصادية أكثر فأكثر: في 2007، فقد 2000 صحافي أمريكي وظيفتهم، في 2008 انضم إليهم في البطالة 16000 آخرون، في حين أن 1089 بطاقة صحافة في فرنسا اختفت ما بين 2009 و2011.. ! إنها أزمة زلزلت الأوساط المهنية وتفاقمت بفعل تحول المقاولة الصحافية، يوماً بعد يوم، إلى مقاولة خدماتية (مابين 20 و30 بالمائة في المتوسط من أنشطة المقاولات الصحافية الكبرى في الغرب هي أنشطة تجارية، كبيع السلع بما فيها البيتزا، وخدماتية، عبر الإنترنيت)...أزمة تفاقمت كذلك بسبب ظاهرة المجانية التي تلقي/تهب المعلومات أكثر فأكثر (صحف مجانية، بوابات إلكترونية...)، إذ لم تعد للمعلومة قيمتها التجارية الأصلية والمباشرة. بالمقابل، تكمن المفارقة في أن المعلومة (الحقيقية الصحيحة وذات المصداقية صحافياً) صارت عملة نادرة، في متناول الأغنياء فقط (صحافة متخصصة ذات جودة وغالية الثمن) أكثر من الفقراء الذين تُغدَق عليهم معلومات «منخفضة التكلفة Low cost « مأخوذة في أحسن الأحوال من قصاصات وكالات الأنباء. وإلا، فالإشاعة والعنوان-المانشيت (أو الكبسولة-العنوان بالنسبة للإعلام الالكتروني) هما الجائزة الممنوحة – مجاناً، ولمَ لا !- لمساكين أحفاد إنسان هيغل التقي المعاصر !
كما أن أزمة الصحافة المكتوبة تتجلى في التشتت غير المحدود للوسائط والقنوات والذي أدى إلى انقلاب في الاستعمالات. أكيد أن الصحافة المكتوبة لا تمر من أزمة «ظرفية» مرتبطة فقط بأزمة الإشهار(تناقصت المداخيل الإشهارية للصحافة الأمريكية بالثلثين ما بين أواخر التسعينيات وسنة 2011، 20 مقابل 60 مليار دولار سابقاً)، أو بالمنافسة -غير الشريفة والموصومة غالباً «بالسرقة الأدبية»- للوسائط الإلكترونية. إنها أمام أزمة هيكلية، في جميع أنحاء العالم، لأن جدواها أصبحت تساءَل بحدة.لم يعد البحث عنها و»الصلاة» لها كل يوم يقنعان الكثير من الناس في مجتمعات الوفرة المتخمة ب»المعلومات» أو شبه المعلومات التي تجعلكم «على علم»، من قبيل «العلم بالشيء» لا أقل ولا أكثر؛ في مجتمعات تعاني من «تخمة/سمنة المعلومة» كما تؤكد مجلة 21 عبر ما يشبه عريضة صدرت في عدد شتاء 2013، ترصد عناصر التشخيص: الربط الأقصى للجميع «many to many» «الكل يخاطب الكل»، بعد «one to many»أي «واحد -الجريدة- يخاطب الكل»؛ المجانية المهيمنة، بل والقاتلة، لمضامين وعروض المنتوجات المتعددة الوسائط، الهجرة المكثفة للإشهار نحو الإنترنيت، تشتيت فئات الجمهور والتحولات المستمرة للاستعمالات، تعميم الحاجة إلى الترفيه التي توسعها الشبكات الاجتماعية وتُضخِمها على حساب الحاجة إلى الإخبار والمعرفة...تغيير جذري لعالم الصحيفة والصحافة؛ إلى درجة أن حتى أكبر الصحافيين من ذوي «الصنعة البديعة» على الورق يجدون أنفسهم مضطرين إلى دعم مقالهم في الجريدة بالنشر والتذكير على فيسبوك، تويتر...فكاتب الأعمدة أو صحافي التحقيق يُعتبر خارج التغطية إذا لم يكن حاضراً في هذه الساحات والقنوات والمنتديات التابعة للعالم الإعلامي الافتراضي. فهل انتهت سلطة «المنبر» للصحافي الذي كان يدعي امتلاك «السلطة الرابعة» عبر الطبع فحسب؟ بالنسبة لشاب ينتمي لعصرنا هذا، من رواد الإنترنيت بالضرورة، تشبه الصحيفة الورقية طللاً هواته قدامى أو من قدماء الهواة !
جريدة على المقاس، «نظارات-وسائل إعلام» و«السلطة الخامسة»
يشهد «المصلون الهيغليون» للجريدة، في أيامنا هذه، تحولاً كوبرنيكياً (نسبة إلى نيكولا كوبرنيك)، بل متاهة كفكاوية (نسبة إلى فرانز كافكا)، فالتحولات التكنولوجية ترافقها ثورات شبه-جذرية للنموذج الاقتصادي الخاص بالمقاولة الإعلامية والسوق الذي تتحرك فيه، ناهيك عن منافسة المضامين الرقمية المتعددة الوسائط، الهجينة والمكثفة إلى ما لا نهاية التي ينتجها ويبثها «المواطن-الصحافي» من كل حدب وصوب وبسرعة الضوء، أي عالم المدونين (من مهنيين وهواة/عاديين) والتابعين followers الذين «يغردون»(twitter) ليل نهار، و»الفيسبوكيين» الذين بإمكانهم أن يصنعوا ويفككوا الخبر، مما كان اختصاصاً حصرياً لجريدة الأب أو الجد ذات الأربعة قرون ونيف !
لا يخفى أن الصحافة التقليدية التي نصبت نفسها «سلطة رابعة» لمدة طويلة هي الآن آيلة للاستسلام أمام هجمات «سلطة خامسة» في يد من أصبح يسمى «المواطن- وسيلة الإعلام» «citoyen-media». مواطن، شاب في الغالب، هو في حد ذاته وسيلة إعلام تتحرك لتنتج وتبث بأقصى طاقتها وعلى مدار الساعة كل ما يدور في رأسها، مربوطة بأي وسيلة وفي كل مكان، تبث نحو أمثالها في كل الاتجاهات وباستعمال شتى التكنولوجيات والأشكال: هاتف خلوي، هاتف ذكي، حاسوب، فيسبوك، تويتر...بحيث صارت القيمة الأساسية لعمل الصحافي، كما يقول «روبيرت بيكارد» Robert G. Picard الأخصائي الإنجليزي لاقتصاد وسائل الإعلام بأوكسفورد، «تكمن في قدرته على توزيع معرفة الآخرين...غير أنه مع تطور المدونات والمنتديات والشبكات الاجتماعية، فقد مهنيو الإعلام احتكارهم، فقد صار بإمكان أي كان أن يرتبط بالإنترنيت لبث الأصوات والصور والنصوص، التي تنم بعضها عن جودة عالية». إنها سلطة -خامسة- قد تكون مثار اضطرابات، في بعض الأحيان وبالنسبة لبعض المجتمعات (ربيع غاضبي الشمال، والساخطين العرب في الجنوب...). سواء شاء من يحنون إلى «الأقلام الكبرى» من كتاب الأعمدة الذين يهابهم الحكام والحكومات أم أبوا، فلقد حان أوان «الإنسان-وسيلة الإعلام»، أو الأحرى «الإنسان المتعدد الوسائط» الذي قد يكون كذلك صحافيا مهنيا أو «مدمن إنترنيت» أو عاملاً متخصصاً في المعلومة الرقمية: شاب، نشيط، مثابر ومجبَر على تعلم فعل كل شيء في آن واحد: أن يكتب، ينشر، يوضب الصوت والفيديو، يصفف الصفحة، يتقن استخدام أدوات البث (عبر الأثير وعلى الإنترنيت)...»صحافي- شيفا» (مثل الإلهة الهندية المتعددة الأذرع) ، كما يصفه الكاتب والأخصائي الفرنسي «جون ماري شارون»Jean-Marie Charon. («صحافي-سبع صنايع» وفقاً لثقافتنا).
سواء شهدنا ظهور هذا «المهني المتعدد الاختصاصات» أو «المواطن-وسيلة الإعلام»، فنحن بعيدون جداً من الناحية التاريخية عن الجريدة كما عرفها هيغل، كما توصل بها وتصفحها أجدادنا في القرن 19 بالمغرب، كما هي مستمرة إلى الآن في أكشاكنا التي هي في منتهى الهزالة ! (مبيعاتها تدور حول نصف مليون نسخة).
هل سبق لكم أن سمعتم ب»التكنولوجيات الملبوسة wearable technologies «... التكنولوجيات التي يمكن ارتداؤها؟ فقد لفتت هذه «التكنولوجيات-الألبسة» الأنظار إليها في معرض برلين السنوي للالكترونيات في شهر شتنبر الماضي...ساعات معصم، نظارات، ملابس ذكية (قمصان وسترات) وحتى وشم وعدسات لاصقة، بمقدورها ربطك بالإنترنيت، بحاسوب أو بهاتف ذكي من أجل استقبال المعطيات (المعلومات) أو بثها...حيث نجح طبيب جراح إسباني في نقل العملية الجراحية التي كان يقوم بها، عبر الصوت والصورة، إلى زملائه الموجودين بكاليفورنيا، وذلك عبر نظارات (Google Glass) كان يلبسها ... هكذا جرب العملاق «غوغل» هذا المنتوج بنجاح، وتبعه في هذه «التكنولوجيات الملبوسة» كل من سامسونغ وآبل (الرابط نحو فيديو التجربة: http://www.dailymotion.com/video/x15grye_google-glass-le-test-en-video_tech)). أما الشركة الكندية «أومسينيال « OmSignal فهي تقترح عليكم قمصاناً ترسل معلومات حول نبضات قلبكم وكذا إيقاع تنفسكم...في حين أن مبتكراً أمريكياً مستقلاً يدعى «لانس نانيك»Lance Nanek يراهن على تطبيقه المسمى «ميد ريف»MedRef الذي يسمح للطبيب بالتوصل في عينيه مباشرة بملف المريض الذي يجلس أمامه قصد الكشف، وللسائح زائر المآثر بمعرفة كل شيء عنها، بطرفة عين تلتقط المعلومات التي ترسلها المآثر أثناء الزيارة ! فكروا في الملاحق «العلمية» و»الثقافية» وتلك الخاصة ب»الهوايات والأسفار» التي كانت جرائدنا الورقية العجوز –والناجية- (ومازالت عندنا) تكِد لبرمجتها في «الأعداد الخاصة» أو «أعداد نهاية الأسبوع» «الوازنة» !... أكيد أن الأمر يبعث على الحنين إلى تجربة هي طليعية رغم ذلك، هي تجربة الجريدة الألمانية «NIIU» (www.niiu.de) التي يتم «تفصيلها على المقاس» وطبعها ليتوصل بها القارئ-الزبون في منزله. أُطلِقت على الورق في أكتوبر 2009، وهي منذ 2010 على الإنترنيت...صحيفة يتم تحديد محتوياتها من طرف القارئ نفسه الذي يشترك في الموقع الالكتروني، يبحر فيه لاختيار المواضيع والمضامين التي تهمه بدءاً من الأخبار الدولية وانتهاءً بالمسابقات والنشرة الجوية، مروراً باختيار مقتطفات من المدونات أو الشبكات، ثم يرسل طلبه قبل التوصل بعدد من «الجريدة» مفصل على المقاس، «مخدوم» كلياً بطريقة احترافية شكلاً ومضموناً، بجميع الاختيارات التي يسمح بها 500 مصْدر للمضامين من شركاء هذا الموقع الالكتروني، من «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى الصحيفة الخاصة بكرة القدم الألمانية «كيكر»...عاماً بعد إطلاقها ك»أول يومية مشخصة بأوروبا»، تأكد لمبتكريها الشابين «ونجا أوبرهوف» و»هندريك تيدمان» (27 سنة) اللذين يبيعانها في نسختها الورقية ب1.20 أورو (مقابل 1.80 أورو ثمن الصحافة «الكبرى» الألمانية التقليدية)، أن رقم ألف مشترك في الموقع المحصل عليه في ظرف شهر فقط هو السبيل الواجب سلكه، أي أنه من الأفضل التخلي عن النسخة الورقية والاقتصار على الالكترونية...شتان بين هذه التجربة وبعض جرائدنا اليومية الحالية بالمغرب التي تستنفر مطبعة بأكملها لسحب 1000 نسخة للبيع، أو أقل ! ألا تخطو هذه التجربة عينها في بلاد غوتنبيرغ وهيغل ونيتشه خطواتها الأولى في الطريق إلى متحف تاريخ الجريدة، حيث يرقد اختراع غوتنبيرغ الذي دفع بهيغل إلى أن يوصينا ب»الصلاة اليومية»؟...فالأجيال الحالية أصبحت، بفضل «التكنولوجيات الملبوسة» اليوم وغداً، مصنوعة هي نفسها من الجرائد والمعلومات ومكاتب الأخبار وأجهزة جمع وبث المعلومات. هي «صلاة» في حد ذاتها، إذ يمكن للمعلومة أن تكون موشومة على جسد شباب اليوم..وشعارهم هو: «أحمل الإنترنيت في جسدي...أو تقريباً». فماذا يتبقى لصناع جرائد زمن مضى، عندنا؟
يبقى أن يقوموا بمجهود التفكير والابتكار ليسايروا عصر مواطنيهم الذين يشكل مستخدمو الإنترنيت في صفوفهم ما يقارب النصف فيما أكثر من ثلث أسرنا تتوفر على حاسوب على الأقل؛ بينما 1 بالمائة فقط من المغاربة يقرؤون جريدة ورقية، كما كان يفعل هيغل منذ قرنين تقريباً... فهلا خرج لنا، من بيننا، من يقدر أن يجعلنا نحتفظ أو نسترجع لذة وحاجة قراءة/صلاة جريدة كل صباح، في هاته البلاد ! لنرفع أكف الضراعة حتى تكون بيننا مثل هذه العبقرية سواء في طور التكوين أو الاشتغال لتحقيق هذا الطموح ! افتحوا الأبواب إذن للشباب ! أودعوا لديهم طلبات الذكاء الجماعي والتاريخ الذي ينبغي صنعه ! بكل التواضع الذي يراهن على العبقرية البشرية التي تتجاوز نفسها مع كل جيل...هل تريدون أن لا تساهم عبقريتنا المحلية مثقال ذرة في هذه المجرة الجديدة، كما لم تساهم في مجرة غوتنبيرغ؟ ! إلى متى سنظل نخضع لسقوط كل ما هو جديد وحديث على رؤوسنا...من سماء الآخرين؟ !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.