سمة العام الحادي عشر كان ردعا لكل مخل بالقانون كان خطاب العرش الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، العام الفائت، بمثابة خارطة طريق، لأنه حدد تصورات ومشاريع عاهل البلاد لهذه السنة ولما بعدها. وقدم جلالته... من خلال خطابه هذا، وخطاب ثورة الملك والشعب، بعده، ملامح العام الحادي عشر لتوليه العرش، حيث وضع لبنات ورش إصلاح القضاء، كما تعهد بالمضي قدما في مشروع الجهوية، وذلك ما تم، كما فتح الباب لتفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فكان ذلك. وقبل ذلك، كان جلالة الملك، في الخطاب نفسه، صارما في الدعوة إلى الالتزام بحسن تدبير الشأن العام، بما ينطوي عليه من تخليق وحماية للمال العام، من كل أشكال الهدر والتبذير، ومحاربة لكل الممارسات الريعية، والامتيازات اللامشروعة. وكان الملمح الرئيسي لخطاب العرش الفائت، تأكيد جلالته على الحكامة الجيدة، فقد قال بأنها هي «حجر الزاوية في البناء التنموي الديمقراطي»، معتبرا أن نجاح المغرب في رفع تحدي التنمية المحلية الجهوية يبقى هو الرهان الأهم، داعيا في هذا الصدد المنتخبين المحليين، إلى تحمل مسؤوليتهم، في الاستجابة للحاجيات اليومية الملحة للمواطنين، من خلال برامج واقعية». وأضاف أن ذلك يتطلب القرب منهم، وحسن تدبير شؤونهم، وإيثار الصالح العام، وتضافر الجهود مع الفعاليات الإنتاجية والجمعوية، والسلطات العمومية وذلك في نطاق من الالتزام التام، من قبل الجميع، بسيادة القانون، والحزم الدائم في ردع أي إخلال به». ولأن الملك كان صارما، فإن السمة المميزة لمرور عام بعد خطاب العرش، كانت أيضا الصرامة في اتخاذ القرارات، فكانت التوقيفات والإعفاءات وقرارات العزل متتالية في حق المنتخبين ومسؤولي السلطات العمومية، آخرها كان توقيف 20 مسؤولا ترابيا وأمنيا بالحسيمة، بعدما تبين حجم الاختلالات التي كانت تشوب عمل هؤلاء المسؤولين. وقبلهم بقليل، عزل وزيرر الداخلية ست رؤساء جماعات دفعة واحدة، بسبب ما سماه قيامهم بأفعال تتنافى مع المصلحة العامة، كالمساهمة في انتشار البناء العشوائي. وتجسد خطاب الملك، بشكل أقوى، في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وهو يضع أصبعه على مناطق هدر المال العام والتبذير، فكانت القرارات أيضا في مستوى الأقوال، حيث عزل رئيس المكتب الوطني للمطارات، وحركت ضده مسطرة قضائية، مثله في ذلك، مثل مسؤولين آخرين بالمؤسسات العمومية. وفي سياق العزم على الارتقاء ب»الحكامة الترابية»، أعلن جلالة الملك عن إقامة جهوية متقدمة، أرادها نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية. وبعدها خلال خطاب ثورة الملك والشعب، قام بتنصيب لجنة استشارية لوضع تصور خاص بالجهوية الموسعة، يترأسها عمر عزيمان السفير المغربي السابق في إسبانيا. بعدها طلب هذا الأخير من جلالته تمديد فترة عمليه لست أشهر، بعدما كان مقررا أن تضع بين يديه تصورا جاهزا في يونيو الماضي. وقد تقدمت الأحزاب المغربية بمقترحاتها في هذا الموضوع لدى اللجنة الاستشارية. إلا أن ورش الحكامة الجيدة، بحسب جلالته، لا يمكن أن يكون سوى باقترانه بإصلاح القضاء. فقد أشار إلى ذلك في خطاب العرش الفائت، وفصل فيه في خطاب 20 غشت، حيث خصص موضوعه بشكل كامل لإصلاح القضاء. ومن الصدف، أن أكبر حركة لإعادة الانتشار في الجسم القضائي بالمغرب، كانت أياما قليلة قبل الذكرى الحادية عشر لعيد العرش. غير أن مسلسل الإصلاح القضائي، كما وصفه جلالته ب»الشاق والطويل»، لا يزال مفتوحا على مصراعيه، وكان أول قرار لجلالته هو تثبيت عبد الواحد الراضي، وزير العدل حينئذ، في منصبه لغاية استكمال أعمال مشروع إصلاح القضاء، وتحقق للراضي الذي هو الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، طلبه بإعفائه بعدما قدم للملك مشروعه الإصلاحي. وكانت سمة هذا العام أيضا، قيام جلالته بإجراء تعديل في حكومته بإدخال وزراء جدد أبرزهم وزير العدل الجديد محمد الناصري، المنوط به استكمال الورش الإصلاحي، ووزير الداخلية مولاي الطيب الشرقاوي، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، إدريس لشكر، ووزير السياحة ياسر الزناكي، كثاني تعديل يدخله الملك على حكومة عباس الفاسي. وبعدها، أجرى جلالة الملك أيضا، حركة واسعة في صفوف الولاة والعمال، عدت من الأكبر من نوعها في السنين الأخيرة. وكل ذلك، بات مفهوما أنه يأتي في سياق المشاريع الإصلاحية التي أطلقها جلالته ضمن منظوره لمفهوم الحكامة الجيدة، والتي تحددت في العام الحادي عشر، في ورش إصلاح القضاء.