مدينة الرياح تنفتح على الاختلاف وتحتفي بالموروث الحضاري الأفرو / أمازيغي تنطلق اليوم الدورة الخامسة عشرة لمهرجان كناوة في حاضرة موغادور، بما يرافقها من مظاهر البهجة والاحتفال واستعراض الفرق الكناوية المشاركة بين دروب المدينة العتيقة، باختلاف أزياءها وألوانها واختلاف اللوحات الفنية التي تستعرضها. قبل سنوات آمن القليلون بأن يصير لمدينة الصويرة هذا الحجم الثقافي وهذا الانتشار العالمي وهي المدينة الصغيرة المعزولة، قبل سنوات كذلك لم يكن الفنان الكناوي يعتقد أنه سيأخذ حجمه الذي يليق به كفنان يشتغل على الموروث، ويحظى بالصفة، وينتظم داخل جمعية فاعلة كجمعية يرما كناوة وقبل سنوات كان السؤال كيف تكون الثقافة رافعة للتنمية. تنطلق اليوم فعاليات الدورة السادسة عشرة لمهرجان الصويرة الدولي لكناوة وموسيقى العالم. محطة جديدة هي الخامسة عشرة من عمر هذا الحدث الذي يمزج بين الإيقاعات المغربية والإفريقية والعالمية ويذكرنا كمغاربة بعمق انتماءنا «لإفريقيا أم الدنيا»، مهد البشرية الأول التي تحاول لملمة جراحها وإصلاح أعطابها المتكررة. ....رغم كل شيء،هناك دائما مناسبة لكي تقرع الطبول. والطبول التي ستقرع بداية من مساء اليوم،في مدينة الرياح ، طبول عيد وأعراس متواصلة، يواكبها استعراض رسمي للفرق الكناوية وضيوفها من فناني إفريقيا والعالم التي جابت أطراف المدينة العتيقة. المهرجان وليست هذه التظاهرة، كما قال أندريه أزولاي، الرئيس المؤسس لجمعية «الصويرة موكادور»، الجهة المنظمة للمهرجان، الوحيدة التي تتفرد بها الصويرة، لكنها «الأهم من حيث الصيت وإقبال الجمهور». و لعل مرد ذلك إلى كون مهرجان كناوة لا يقوم على الموسيقى، فقط، بل على القيم أيضا، قيم التشارك والانفتاح والحداثة، ليقدم بالتالي، وبسخاء نادر، لحظة سعادة في حضرة تراثنا وثقافتنا التي تفتح ذراعيها ومسالك أرشيفها لمن يرغب، مغربيا كان أو أجنبيا، في فهم سر قوتنا كمغاربة وقوة مهرجاناتنا مقارنة بباقي دول العالم. وليس من باب المبالغة أن يصف أندري أزولاي مدينة الرياح ب» عنوان المغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عقد.. المغرب المتجذر في هويته وقيمه مع وفاء كبير للذاكرة، ومن دون تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق». هذه السنة أيضا يتزامن مهرجان كناوة مع عيد الموسيقى، الذي يحتفل به أزيد من 116 بلدا عبر المعمور، وكالعادة لن يمر عيد الموسيقى بعيدا عن الصويرة، فالمدينة ستنضم إلى مجموعة المدن التي تحتفل بعيد الموسيقى. وهو التخليد الذي بدأته فرنسا في سنة 1982، وما فتئ يعرف تطورا عالميا ملحوظا، ليمتد، بداية من سنة 1985 ، السنة الأوروبية للموسيقى، إلى القارات الخمس في ظرف زمني لم يتجاوز الخمسة عشرة أقل سنة. المهرجان سيلبي، خلال هذه الدورة، طلب الجمعية الفرنسية للتنمية والإبداع، من خلال انخراطه للمرة الثانية على التوالي في الاحتفال بعيد الموسيقى عبر العالم كموعد قار للاحتفاء بالموسيقى بجميع أطيافها، من «الجاز» إلى «الفيزيون»، مرورا ب«البلوز» و«السول». ويتوقع المنظمون أن تستقبل الصويرة مئات الآلاف من عشاق الموسيقى، من كل الأطياف وكل الشرائح والأعمار، لتقاسم لحظات جميلة تهيمن عليها الروح الإفريقية بإيقاعاتها القوية المحملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم والمشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والأمازيغي. ولا يقتصر المهرجان كالعادة على الإيقاع الكناوي، بل يتضمن برنامجه فقرات مهمة من التراث الموسيقي الوطني والعالمي، يجمع بينها قاسم مشترك واحد انحدارها من إفريقيا وستتميز هذه الدورة بمشاركة أحد أمهر العازفين على الساكسفون وموسيقى «الفانك» الأمريكي، ماسيو باركر، كما ستحضر بقوة موسيقى «الجاز» كجزء لا يتجزأ عن التظاهرة، حيث يحضى بمكانة بارزة ضمن قائمة فقرات المهرجان، هذه الدورة أيضا ستتميز بمشاركة عمر سوزا وويل كالون وريتشارد بونا وموكومبا، وغيرهم من الفنانين العالميين الذين سيؤثثون هذا العام فضاء منصات مهرجان كناوة موسيقى العالم. وإلى جانب معلمي كناوة، سيكون الفن المغربي ممثلا بأنواع موسيقية مختلفة وراسخة في تراث البلد، إذ ستحضر الموسيقى الكلاسيكية والحسانية والعصرية، مع مشاركة الفنانة أوم حيث ستطرب ماجدة اليحياوي محبي الملحون، هذا الفن الجميل إلى جانب «المعلم» عزيز باقبو، كما سيستمتع الجمهور بإيقاع نغمات ناي رشيد زروال وموسيقى الصحراء مع محمد بايعة. المنتدى: حركيات المجتمعات، شباب العالم إذا كان الفضاء الاجتماعي والسياسي في البحر الأبيض المتوسط استحوذ خلال العامين الماضيين على اهتمام العالم، فإن ذلك راجع في جزء كبير منه، إلى صحوة الشباب في الضفتين، واختيارهم مسار الاحتجاج الاجتماعي والسياسي. في الجنوب، كان التحدي الرئيسي هو إنهاء الجمود السياسي الطويل، ومحاولة إعادة بناء ميثاق اجتماعي. بينما في الشمال، انكب الاحتجاج خصوصا على سخط الشباب الرافضين أن يكون مستقبلهم محل مساومة من قبل السياسات العمومية العاجزة عن التعامل مع الآثار المترتبة على الأزمة المزمنة. هذه بعض الأسئلة الإستراتيجية التي يطرحها منتدى الحوار الذي ينعقد بالتزامن مع البرنامج الموسيقي في مدينة الصويرة مركزا على قضايا مرتبطة بضرورة توفير برنامج تربوي يتمتع بمعايير الجودة، والاندماج الاقتصادي، والمشاركة السياسية، وتعزيز مشروع المجتمع الديمقراطي، والانفتاح، واحترام حقوق الإنسان. منتدى الصويرة الذي سيعرف مشاركة علماء اجتماع، ومؤرخين، وخبراء سياسة، وخبراء في الاقتصاد السياسي، وكذا فاعلين اقتصاديين، واجتماعيين، و سياسيين، سيحاول فتح نقاش جماعي حول القضايا الرئيسية التي يطرحها شباب البحر الأبيض المتوسط على المجتمعات والباحثين ووسائل الإعلام. ويسمح برنامج الدورة بمتابعة أشغال المنتدى خلال النصف الأول من اليوم بينما يبقى المساء مفتوحا على الإبداع الفني وكل هذا ما كان ليتأتى لولا وجود جنود الخفاء الذين يشتغلون دون انقطاع خلف الكواليس. تقول نايلة التازي مديرة المهرجان إن هذا الأخير وبمناسبة الاحتفال بالدورة 16 من هذا الحدث الثقافي الفريد، وتجديد اللقاءات الانصهارية، « أود تكريم جل النساء والرجال الذين يكافحون ويناضلون لتجاوز العقبات ويعملون بشغف في كل دورة، من أجل توفير الشروط الملائمة، والأرضية الخصبة للزائرين المغاربة والأجانب لتسهيل سبل اللقاء بينهم، في جو من التواصل الموسيقي. نعدكم بأن تعيشوا مرة أخرى أحاسيس موسيقية خاصة في تناغم تام مع المدينة والناس، ما يجعل من هذا الحدث الفني الكبير مهرجانا لا مثيل له». إذن، مهرجان كناوة وموسيقى العالم مازال حاضرا متجددا ومستمرا في عطائاته بعد كل هذه السنوات. وهو يضرب لنا اليوم موعدا قارا وسط أجندة بلدنا الثقافية سيلتقي خلاله الجميع مع عشاق الموسيقى من كل حدب وصوب، من كبار المعلمين الكناويين وضيوفهم الموسيقيين من جميع أنحاء العالم.