يحرص المغاربة على تخليد مولد الرسول (ص) كل سنة، عبر طقوس احتفالية تعم كامل المملكة، حتى صارت مميزا أساسي للهوية الدينية للبلاد، رغم تصاعد المد السلفي الوهابي أساسا، والذي يعتبر أن الاحتفال بمولد الرسول تقليد للغرب في احتفاله بمولد عيسى بن مريم، كما يرفض الاحتفال به لما لصق به من بدع، في هذا العيد يفرح الأطفال بملابس العيد الجديدة، وتعد فيه العائلات أنواع مختلفة من الحلويات ويقع فيه التزاور بين الناس، ولد الرسول كما هو مؤكد يوم الاثنين 12 ربيع الأول، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات، ولهذا كان ليوم مولده مكانة خاصة لدى المؤمنين، الذين يرون أن الاحتفال به وإدخال السرور على الناس فيه من أهم مظاهر الفرح، متى بدأ المغاربة يحتفلون بهذه المناسبة الدينية؟ وكيف دخلت إلى ربوع المملكة؟ أسئلة وأخرى تحاول هذه الدراسة التاريخية الإجابة عليها من خلال هذا الجرد التاريخي الموثق. يؤكد الراحل محمد المنوني في الصفحة 285 من كتابه «ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين» أن الاحتفال بالمولد النبوي ظهر وانتعش في المشرق منذ عهد الفاطميين بمصر وتونس ضمن احتفالهم بستة مواليد وهي: مولد الرسول الأعظم (ص)، ومواليد آل البيت عليهم السلام علي ابن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر. على أن مكةالمكرمة كانت تحتفي بعيد مولد الرسول(ص)، حيت ينقل لنا الرحالة الأندلسي ابن جبير في رحلته إلى الديار المقدسة (579 ه /1183م) والمسماة «تذكرة بالإخبار عن اتفاقات الأسفار، ص 87-88» أن مشهد مولد الرسول (ص) بمكة يفتح في شهر ربيع الأول يوم الاثنين تحديدا، فيدخله الناس كافة، ذلك أن الولادة كانت في نفس هذا التاريخ، ويضيف أبو العباس العزفي في كتابه «الدر المنظم في مولد النبي المعظم» أن يوم المولد يتخذ عطلة عامة بمكةالمكرمة، وإذا كان بعض الباحثين يؤكد على القرنيين السادس والسابع الهجريين باعتبارهما تاريخ ظهور الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فإن غيرهم يؤكد «أن العباسيين احتفلوا به طوال مختلف عهودهم وأن العلويين والشيعة قد احتفلوا به حتى قبل قيام الدولة العباسية « وممن احتفل بالمولد النبوي خلال القرن 7ه الملك مظفر الدين بن زيد الدين صهر صلاح الدين أمير أربل (توفى عام 630 ه/ 1232م) وعند زيارة دحية السبتي أحد كبار علماء المغرب في عصر الموحدين لهذه المدينة رأى ولع هذا الملك بالمولد النبوي فألف له كتاب «التنوير في مولد السراج المنير» كما جاء عند عباس الجراري في كتابه «الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه». ومن جهة ثانية ظل هذا الاحتفال غائبا عن بلاد المغرب إلى حين حلول الأشراف الصقليين بسبتة في منتصف القرن 12م ( محمد القبلي، مساهمة في تاريخ التمهيد لدولة السعديين) إذ نسجل أول ظهور سياسي- اجتماعي لشرفاء المغرب في هذه الفترة ويتعلق الأمر بهؤلاء الأشراف السبتيين بالضبط، ذلك أن التغيير لم ينتج عن مبادرة من طرف هؤلاء الأشراف، إنما ترتب عن سياسة حكام المدينة الذين أصبحوا يحتفلون بعيد المولد النبوي منذ منتصف القرن 13 م، لأول مرة في تاريخ سبتة وتاريخ المغرب الإسلامي كله، وذلك على يد أبو العباس أحمد بن القاضي ومحمد بن أحمد اللخمي، ثم على يد العزفي السبتي المتوفى سنة 633 ه /1236م، حيث ذكر في مقدمات كتابه «الدر المنظم في مولد النبي المعظم» الأسباب التي دفعته الى الدعوة لهذا الاحتفال، وتتمثل في حث أهل بلده على ترك بدع الاحتفال بأعياد النصارى وما يأتونه من المناكر والشنائع في أعياد النيروز والمهرجان ومولد عيسى بن مريم، حيت تشبعت ذهنيتهم بالطقوس النصرانية، فباتوا يسرفون في الاستعداد لهذه الاحتفالات وتعظيمها، إذ يبيحون المحرمات ويأتون الفواحش التي نهى عنها الشرع، من وجهة نظر العزفي المتشبع بالذهنية الفقهية، فدفعه هذا إلى أن يفكر فيما يشغل الناس عن هذه البدع، فوقع في نفسه أن ينبه أهل زمنه إلى الاعتناء بمولد الرسول (ص)، ورأى أن نشر دعوته لن تتم إلا عن طريق بثها في ذهنية الأطفال الصغار»لأن ذلك أنجح وأنفع» على حد قوله، أخد العزفي يطوف على الكتاتيب القرآنية بسبتة ويشرح لصغارها مغرى هذا الاحتفال حتى يسري ذلك في آبائهم وأمهاتهم بواسطتهم، كما دعا إلى تعطيل تعليم الصبيان في هذا اليوم. وهنا يطرح سؤال أساسي مفاده، لماذا ركز صاحب الدر المنظم على أطفال الكتاتيب القرآنية؟ يظهر أن هذا التركيز كان يرمي إلى تهيئ ذهنية جديدة في المجتمع السبتي الصاعد، لإيمانه بصعوبة تغيير ذهنية الكبار، وبما أن تغيير الذهنيات يعتمد أساسا على التعليم والإعلام، ولوعيه بدور هذين العنصرين جاء تأليفه لكتاب «الذر المنظم» وتلقينه للجيل الصاعد وسهره على القيام بنشر أفكاره بين صفوفهم، وهو ما أكد عليه السعيد لمليح في «قضية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من خلال ورقات للأستاذ العلامة محمد المنوني» في مجلة دعوة حق العدد 372. وبالتالي فقد نشأ هذا الاحتفال لمقاومة التقليد الديني للمسيحيين وهو الذي كان أحد عوامل ضعف الشخصية الأندلسية، ومن إنجازات أبو القاسم العزفي عند توليته إمارة سبتة تحقيقه رغبة والده في الاحتفال بالمولد النبوي من أول ربيع بعد إمارته سنة 684 ه /1250م حتى وفاته سنة 677 ه /1279م. ويصف ابن عذاري المراكشي صاحب البيان هذا الاحتفال قائلا «ومن مآثره العظام، قيامه بمولد النبي عليه السلام من هذا العام، فيطعم فيه أهل بلده ألوان الطعام ، ويؤثر على أولادهم ليلة يوم المولد السعيد بالصرف الجديد من جملة الإحسان عليهم والأنعام ، وذلك لأجل ما يطلقون المحاضر والصنائع والحوانيت، يمشون في الأزقة يصلون على النبي عليه السلام، وفي طول اليوم المذكور يسمع المسمعون لجميع أهل البلد مدح النبي عليه السلام، بالفرح والسرور والإطعام للخاص والعام، جار ذلك على الدوام، وفي كل عام من الأعوام». ومن أعماله كذلك في هذا الصدد قيامه بتكميل كتاب والده «الدر المنظم في مولد النبي المعظم» وأهدى نسخة منه للخليفة الموحدي عمر المرتضي في إطار توسيع مجال هذا الاحتفال بالمغرب ككل، حيث أصبح المرتضى يقيم ليلة المولد بمراكش على حد تعبير صاحب البيان خير قيام، ويفيض فيه الخير والإنعام، مسجلا بذلك تباعدا واضحا مع المهدوية، ولأن السلطة الموحدية كانت آنذاك في طور الاحتضار فإنها لم تتمكن من تحقيق طموحات العزفي، والتي ستلتقي فيما بعد مع الطموحات السياسية والأيديولوجية للدولة المرينية عند وصولها للحكم بالمغرب، كما يؤكد ذلك السعيد لمليح. وبذلك يكون الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف تكريس واضح للوضعية الممتازة للشرفاء بالمدينة، خاصة في علاقاتهم مع حكام «أكرموهم وصاهروهم» كما جاء عند بن خلدون، فبفضل هذه العناية أخد نفوذ الأشراف في المجتمع يتقوى، ولم تمضي إلا فترة قصيرة حتى باتوا يحتلون مكانة بارزة في المجتمع السبتي ويتمتعون بنفوذ معنوي على مستوى الحياة السياسية للمدينة. بوصول المرينيين إلى سدة الحكم في المغرب واعتبارا لفقدانهم المشروعية التي حاولوا كسبها بطرق شتى، فالتقت فكرة العزفيين مع الطموحات السياسية والإيديولوجية للدولة الجديدة، الشيء الذي جعلها تتبنى الاحتفال بالمولد النبوي وتوليه عناية فائقة، وهو ما عبر عنه ابن مرزوق في «المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن» قائلا «هذه مكرمة خص الله بها المملكة الشامخة والسلطة المرينية ، وإن حكاها غيرهم، فما أشبه ولا أقرب أثار الفقيه العزفي رحمه الله صيدها، فصادوه، ونبه على الخير فمضوا عليه واعتادوه». وبما أن الدولة المرينية لم تقم على دعوة أو إصلاح ديني، كما هو الشأن بالنسبة لدولتي المرابطين والموحدين، فإنهم كانوا في حاجة ماسة إلى دعائم دينية «تزيد الدولة قوة على قوة العصبية» كما أكد على ذلك ابن خلدون نفسه. ومن تم اضطر المرينيون إلى القيام بمجموعة من التدابير على المستوى الاجتماعي والفكري والسياسي لكسب عطف المتصوفة، لكن فشلها في ذلك جعلها تهتم بفئة الأشراف للمكانة الدينية والاجتماعية التي حظي بها آل البيت داخل مجتمع فاس ومختلف جهات المغرب على العموم. وإلى جانب العامل الديني يشير محمد القبلي إلى عامل اقتصادي، تمثل في انتظام مجموعات من الأشراف على خط تجارة الذهب، كل هذه العوامل وغيرها دفعت الدولة المرينية إلى ادعاء النسب العربي القرشي من جهة وعملت على التقرب من الأشراف كما يقول محمد المنوني، ولعل البوادر الأولى لسياسة المرينيين تجاه الأشراف تجسدت كما ذكرنا في إقامة المولد النبوي الشريف كل سنة حيث أن أول من احتفل به من بني مرين هو مؤسس الدولة يعقوب بن عبد الحق (656-685 ه) الذي أقام ليلة المولد بفاس، ثم أحدث ابنه يوسف تعميم هذا الاحتفال في جميع جهات المغرب المريني سنة 691 ه /1292م، و بهذا صار يوم الثاني عشر من ربيع الأول عيدا مولديا عاما بالمغرب، وفي عهد أبي سعيد الأول أضيف إلى ليلة المولد الاحتفال باليوم السابع عشر منه، حيث كان يشرف عليه ابنه وولي عهده أبو الحسن ومن تم أخدت هذه الاحتفالات طابعها الكامل على عهد أبي الحسن وأبنائه من بعده، وقد كانت عادته أن يقيمها حضرا وسفرا «لا يشغله عن إقامتها شاغل». مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف خلال العصر المريني الأول أصبح يوم الثاني عشر من ربيع الأول عيدا مولديا عاما يحتفل به المغرب على مختلف المستويات، ففي سبتة كان مناسبة لتوزيع الطعام، وتعطيل الدراسة، وإغلاق الحوانيت والصنائع في هذا الإطار يقول محمد المنوني في الصفحة 270 من كتابه «ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين» «كان الناس يمشون في الأزقة يصلون على النبي عليه السلام، وفي طول اليوم المذكور يسمع المسمعون لجميع أهل البلد مدح الرسول (ص) بالفرح والسرور والإطعام للخاص والعام. وفي فاس صار هذا اليوم موعدا لدخول الصبيان للكتاتيب القرآنية، وكان البعض يأتي بهم في موكب صاخب بالبوق والطبل وأنواع الطرب، وسوى هذا فقد جعل المغاربة هذا اليوم موعدا لمهمات أشغالهم ومناسبة لختان أطفالهم» وفي هذا الصدد قدم بن مرزوق في كتابه المسند الصحيح الحسن، كما بين ذلك ماريا خيسوس بيغيرا صاحب الدراسة والتحقيق، قدم وصفا دقيقا للاحتفال بالمولد النبوي يتمثل فيما يلي: كان من العادة أن يتم الاستعداد للحفل بأنواع مختلفة من المطاعم والحلويات وأنواع الطيب والبخور، مع إظهار الزينة والتأنق في إعداد المجالس. جلوس الحاضرون في مكان الاحتفال حسب مراتبهم في أحسن زي. تلاوة القرآن الكريم والصلاة على سيد المرسلين وإنشاد قصائد المديح وتقديم التهاني بليلة المولد. اقتسام الفقراء والمعوزين ما فضل من البخور والشموع وغيرها. جلوس الكتاب لتوزيع الهدايا والكسوة على الأشراف والأعيان، والفقهاء في صباح سابع المولد. ونجد أن هناك ثلاثة نماذج من احتفالات بعض المؤسسات الشعبية بهذه المناسبة: عند المتصوفة دأب المتصوفة إلى جانب العامة على المساهمة في الاحتفال حيث يهتمون به اهتماما كبيرا، وهو ما يفسر الانتشار السريع لظاهرة الاحتفال بعيد المولد النبوي كافة ربوع البلاد، يؤكد محمد الشريف في دراسته عن «سبتة الإسلامية، دراسات في تاريخها الاقتصادي والاجتماعي، عصر الموحدين والمرينيين» أن الولي السبتي أبو مروان عبد الملك الريفي كان يقيم المولد النبوي بمنزله بسبتة، فيصنع الطعام لمريديه ويقيم ليالي السماع، وينير المكان بقناديل الزجاج والشموع، كما ورد في المعيار سؤال عن جماعة منقطعين بمكان إلى العبادة ويجتمعون في المولد وشبهه للوعظ والتذكير، وربما أنشد لهم منشد أشعارا في المديح النبوي وما يناسب ذلك مما يحث على الطاعة وكان السائل القاضي أحمد بن العجل الوزروالي والمجيب هو الإمام عبد الله بن محمد بن موسى العبدوسي، وكلاهما كانا يعيشان بفاس أواسط القرن التاسع للهجرة، أما عن جنوب المغرب فيشير محمد المنوني أن القسمطيني يذكر أن شهر ربيع النبوي لعام 769 ه/1367م. كان هو الميعاد الذي صادفه عقد «مؤتمر» صوفية المغرب الأقصى، وكان ذلك بدكالة على ساحل المحيط. عند الكتاتيب القرآنية كانت الكتاتيب القرآنية تزين لهذه المناسبة وتضاء بالشموع ويجتمع أطفالها لترديد الصلوات النبوية كما يتقدم أحدهم ممن حسني الصوت لترتيل عشرٍ من القرآن الكريم، ثم ينشد قصيدة في مديح الرسول(ص). ويصف الحسن الوزان في كتابه (وصف افريقيا، ص، 261) مراسيم هذا الاحتفال قائلا «ويحتفل هؤلاء الأطفال أيضا بعيد المولد النبوي، ويلزم آبائهم أن يرسلوا شمعة إلى المدرسة فيأتي كل طفل بشمعته، ويحمل بعض الأطفال شمعة تزن ثلاثين رطلا أو أكثر أو أقل، وهي شموع جميلة مزخرفة جدا مزدانة أطرافها بفواكه عديدة من شمع ، توقد في مطلع الفجر وتطفأ عند بزوغ الشمس. ومن عادة المعلم أن يدعو بعض المسمعين لينشدوا أمداحا نبوية وينتهي الحفل بمجرد طلوع الشمس، وهذا أحسن مورد لمعلمي المدارس، لأنهم قد يبيعون من الشمع ما قيمته مائة مثقال أو أكثر من ذلك بحسب عدد تلاميذهم، ولا يؤدي أحدهم كراء عن هذه المدارس لأنها أوقاف وصدقات جارية على أرواح الواقفين أما فواكه تلك الشموع وأزهارها فتعطى هدايا للأطفال والمنشدين. وحسب المنوني فإن هذا الشمع صارت له أهمية خاصة مع مر الزمن في المغرب الأقصى والأوسط. عند شعراء الملحون حسب ما ذكر الحسن الوزان دائما فإن هؤلاء الشعراء كانوا ينظمون كل سنة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف قصائد في مدحه (ص)، فيجتمعون في الصباح الباكر من يوم العيد في ساحة المحتسب ويصعدون إلى المنصة التي يجلس عليها، ثم يأخذ كل واحد منهم في إنشاد قصيدته أمام جمهورغفير من الناس، ومن قضي له منهم بالتفوق في النظم والإنشاد بويع أميرا للشعراء في تلك السنة، وفي عصر ازدهار الدولة المرينية كان الملك يدعو علماء المدينة وأدباءها إلى قصره للاحتفال بفحول الشعراء، ويأمر كل واحد منهم بإنشاد قصيدته المولودية بين يديه على منصة عالية، وحسب ما يقضي به رجال أكفاء يعطي الملك الفائز من الشعراء مائة مثقال وقرش وجارية ويخلع عليه الكسوة التي يكون لابسا لها، كما يأمر لكل واحد من الآخرين بخمسين مثقالا بحيث ينصرفون جميعا بهدايا، غير أن هذه العادة انقرضت منذ 130 عام بسبب انحطاط الدولة (من ومن تأليف الوزان لوصف إفريقيا). وبالتالي يمكن القول انطلاقا من هذه الطقوس والمظاهر الاحتفالية أن المرينيين كانوا يهدفون من ورائها إلى ترسيخ فكرة المولد النبوي في ذهنية الناس، وإلى خدمة أهدافهم الدينية والسياسية، ويبدو أن السلطة قد نجحت في ذلك إلى أبعد الحدود، اذ انتقلت الاحتفالات من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي. وبالإضافة إلى هذه الاحتفالات الشعبية فقد ظهر على المستوى الأدبي خلال الفترة المرينية بالمغرب ما يعرف بقصائد التهاني المولدية التي تلقى اُثناء الاحتفال، والتي تفتتح بالحنين إلى البقاع المقدسة، وتتناول مدح الجناب النبوي وذكر معجزاته، ثم تنتقل إلى مدح السلطان المريني راعي الاحتفال، مع التعرض لبعض الأحداث السلطانية القريبة العهد. وقد ظهر في نفس الفترة موضوعات مولدية منظومة ومنثورة من ضمنها ما يعرف بالمولديات، على حد تعبير محمد المنوني . موقف العلماء من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لم تتفق كلمة علماء المغرب حول الموقف من الاحتفال بالمولد النبوي، فقد كان فيهم من ينكر ذلك، غير أن الذين لم يعارضوه أوصوا بالاحتراس من تسرب البدع إلى حفلاته، كما رأوا فيه خيرا كبيرا، بذلا وعطاء للمحتاجين وإكراما للعلماء وطلبة العلم، والأهم دراسة متميزة لسيرة الرسول (ص)، والتنويه بمكانته وخلقه العظيم، ليقتدي به المسلمون، كما يذهب إلى ذلك عبد الرحمان طالب في كتابه «المؤيد في الاحتفال بالمولد» ويذكر السيوطي في رسالته «حسن المقصد في عمل المولد» أسماء ثلاثة أعلام من المغاربة الذين استحسنوا عمل المولد النبوي وهم: أبو الخطاب ابن دحية وأبو الطيب السبتي ومحمد بن محمد بن محمد ابن الحاج العبدري الفاسي، ومن الأدلة الشرعية للاحتفال بالمولد النبوي على سبيل المثال ما قام به أبو الفضل السيد أحمد بن حجر العسقلاني حيث أخرجه أصلا من السنة النبوية قائلا «أصل عمل المولد بدعة، ولم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى فيها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا» (عبد الرحمان طالب، المؤيد في الاحتفال بالمولد). ومع ذلك فإن المولد قد أثار معارضة بعض العلماء، باعتباره «بدعة» إلا أن هذه المعارضة لم تكن تنتقد سوى المظاهر الخارجية للاحتفال، وخاصة تلك المرتبطة بالممارسة الصوفية من رقص وسماع واستعمال آلة اللهو، وهناك من أنكره خفية وقوع «المناكر واختلاط النساء بالرجال» كما ورد في المعيار للونشريسي معقبا على ذلك حيث يقول «وما أنكر من أنكر ما يقع في هذا الزمان من الاجتماع في المكاتب للأطفال، إلا خيفة المناكر واختلاط النساء والرجال، فأما إذا آمن ذلك فلا شك في حسن ما يفعل من الاجتماع، وذكر محاسنه والصلاة عليه الرسول (ص) في سائر البقاع، ويحرم استعمال آلة اللهو عند الاجتماع في هذه الليلة، ولا يجوز تعظيم نبي الله تعالى إلا بما يرضيه ويرضي الله تعالى، بل تنبغي الصدقة في السر بما يعمل في تلك الأيام من الأطعمة، فان ذلك أسلم من فساد النيات، ومن حضور الجماعات. *طالبة باحثة في تاريخ المغرب الراهن