منذ بزغت البعثة المحمدية، وسطعت شموس الأنوار الأحمدية ارتضى المغاربة طرّا الإسلام دينا، ومنذ تأسيس دولة الأشراف الأدارسة أشرب المغاربة بحب هذا الدين وتفانوا في الذب عنه وأصبحوا من دعاته الوفياء... وما احتفال المغاربة بعيد المولد النبوي إلا دليل على تعلقهم بالدعوة المحمدية وتشبثهم وتطبيقهم للشريعة الإسلامية. إن الاجتماع لأجل المولد النبوي هو من العادات الخيرة الصالحة التي تشتمل على منافع كثيرة وفوائد جمة على خلق الله تعالى. قال العارف بالطريقة والحقيقة أبو عبد الله بن عباد نفعنا الله به: "أنه عيد من الأعياد المسلمين وموسم من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور... واختار جماعة من العلماء الفطر في يوم المولد؛ لأنه يوم سرور والتوسيع على العيال بما أمكن من الميسور ولا يستقيم فيه الصيام لأنه يوم عيد"، وقد كرم الله نبينا فقال "اَلم نشرح لك صدرك ووضعا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك" [سورة الشرح، الآيات: 1-4]. فنحن حينما نحتفل برسول الله صلى الله عليه وسلم لا نزيد له تشريفا أو تكريما، وإنما نطلب التشريف لنفسنا بالحديث عن رسول الله، ومعرفة شمائله ومعجزاته لتزداد محبتنا له بإظهار الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم، ووضع الولائم، وإطعام الطعام، وإكرام الفقراء، والاجتماع للذكر هو الشكل العملي الذي يرضي الله... الفرح بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" بسورة يونس، الآية: 58]، فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة، قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [سورة الاَنبياء، الآية: 107]. وفي هذا الإطار يقول السيوطي رحمه الله: "هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم". وأول من احتفل بعيد المولد النبوي من بني مرين يعقوب بن عبد الحق، ثم أحدث ابنه يوسف بن عبد الحق تعميم هذا الاحتفال في جميع جهات المغرب سنة 691 ه بإشارة من الفقيه أبو طالب عبد الله بن أبي القاسم العزفي الذي كان أميرا على سبتة، ولما انبعثت الحركة الوطنية ممزوجة بالحركة السلفية، كانت تقام التجمعات للتحدث عن شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وما لاقاه وصحبه من تضحيات في سبيل تبليغ الدعوة وخدمة قضية الإسلام.. وكان لا ينتهي الجمع إلا ويعتقل العلماء والزعماء الوطنيين. إن الاحتفال بالمناسبات مبدأ مقرر ومفيد في عالمنا، وفرصة نبحث فيها حديث الذكريات ليعلم المعاصرون حسن الإقتداء بالصالحين الذين سبقوا بإحسان، وأدوا للإسلام كبرى الخدمات. فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الكامل للإنسان، وهو القدوة العليا في الحياة، والحق تبارك وتعالى يقول: "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة" [سورة الاَحزاب، الآية: 21]، ويقول: "يا أيها النبي اِنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا اِلى الله بإذنه وسراجا منيرا" [سورة الاَحزاب، الآيتان: 45-46]. و يقول: "لقد جاءكم رسول من اَنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم" [سورة التوبة، الآية: 128]، ويقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [سورة الاَنبياء، الآية: 107]. والاحتفال بالمولد النبوي عادة حسنة أراد بها الذين يخلصون المحبة لرسول الله أن تكون فرصة طيبة لتذكر شخصية الرسول وسيرته وأخلاقه وسنته، قال بعض الفضلاء من علماء المغرب "لاشك أن المسلك الذي سلكه العزفي مسلك حسن، والمستعمل في هذه الليلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والقيام بإحياء سنته ومعونة آله ومساهمتهم وتعظيم حرمتهم والاستكثار من الصدقة وأعمال البر وإغاثة الملهوف وفك العاني ونصر المظلوم..". ويكفي ما قاله رب العزة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فهو رحمة في المعاملات حيث قال: "رحم الله سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى". وهو رحمة في الاجتماعيات، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "تبسمك في وجه أخيك صدقة وإغاثة ذا الحاجة والملهوف صدقة ورد السلام صدقة وكف الأذى عن الناس صدقة"، وهو رحمة في الحوار حيث طبق قوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن"، وهو رحمة في الحروب والغزوات فكان يوصي أصحابه ألا يؤذوا طفلا ولا شيخا ولا امرأة وألا يفسدوا في الأرض...