رشيد روكبان: لم نصل بعد إلى درجة الأزمة لكن الوضع مقلق واصلت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أول أمس الخميس، المناقشة العامة لمشروع قانون مالية 2013، حيث استكملت الاستماع لمختلف مداخلات رؤساء وممثلي الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية والاستماع لمداخلات باقي أعضاء اللجنة والنواب غير الأعضاء بها صباح أمس الجمعة. وتميزت هذه المداخلات باختلاف وتباين رؤى ومواقف ممثلي الفرق البرلمانية بشأن خلفيات وكيفية إعداد مشروع قانون مالية 2013 وكذا الفرضيات والتدابير الجديدة التي جاء بها. وفي هذا الصدد، أشار رشيد روكبان رئيس فريق التقدم الديمقراطي، إلى أن مشروع قانون مالية 2013 يأتي في ظل وضع اقتصادي «صعب ومقلق» يتمثل بالأساس في تقلص المداخيل وتراجع الاستثمارات واحتياطي العملة الصعبة، واستمرار اختلالات صندوق المقاصة. وذكر أن هذا الوضع ناجم بالأساس عن تأثيرات خارجية واختلالات هيكلية داخلية والتي لم تعالج بالقدر الكافي في السابق، مؤكدا أن شروط التحكم في الاقتصاد الوطني لا زالت قائمة «ولم نصل بعد إلى درجة الأزمة لكن الوضع مقلق ولسنا بعيدين أو في منأى عن الأزمة». وأبرز من جانب آخر جدية الفرضيات التي اعتمدها مشروع قانون مالية 2013 والتي يمكن اعتبارها فرضيات وأهداف في نفس الوقت من قبيل نسبة نمو 4.5 التي تعد هدفا وفرضية في ذات الآن. لكن، يضيف روكبان، تبقى هذه الفرضيات نسبية في وسط متغير وكل الاحتمالات ممكنة، «ولهذا نطالب أن تكون الحكومة يقظة وان تقوم بالتصحيحات الضرورية في حينها وإصلاح الاختلالات والرجوع إلى البرلمان كلما حدثت مستجدات». وفي هذا السياق، قال رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب عبد الله بوانو، إن مشروع قانون المالية تضمن تدابير إيجابية تخدم الاقتصاد الوطني، داعيا الحكومة إلى أن تتحلى ب»الجرأة» لتنفيذ مقتضياته على أرض الواقع، ورصد مدى تأثيرها على حياة المواطن. وأضاف أن المشروع، الذي يقوم على رؤية واضحة وعلى مؤشرات وأهداف ومقاربات حقيقية، يتسم بالاستمرارية، مثمنا بعده التضامني والبرامج المهمة التي جاء بها، واهتمامه بالمناطق المهمشة والفقيرة بالعالم القروي وبقطاع الشباب وسوق الشغل ومحاولته احتواء العجز التجاري. وسجل رئيس الفريق أن المشروع يتوخى تقوية النسيج الصناعي وإعادة النظر في بعض المخططات الاستراتيجية. في المقابل، آخذ بوانو على المشروع «إغفاله» لموعد الاستحقاقات القادمة وللنقاش حول الهوية المغربية ولوتيرة التنفيذ وللتدابير المتعلقة بالموارد لاسيما الاعفاءات الضريبية التي تناهز 36 مليار درهم والتي يتعين تقييم آثارها، ولاسيما في بعض المجالات كالسكن. وأبرز أن مشروع قانون المالية بني على «فرضيات معقولة وحذرة تتماشى ما هو معمول به إقليميا ودوليا»، داعيا الى «اعتماد منطق استهداف الفرد مباشرة وقياس تأثير السياسات الحكومية على معيشه اليومي». وذكر بأن المشروع الحالي، الذي يأتي أيضا في سياق دولي يتسم بأزمة عالمية حادة» لها تداعياتها الأكيدة على الاقتصاد الوطني، خاصة كلفة استيراد الطاقة وعائدات السياحة وتحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أعد في سياق وطني هام يتسم باجتياز المغرب لمرحلة دقيقة من تاريخه عرفت تحولا سياسيا جاء في إطار من الاستقرار، مبرزا أنه يتعين أن يكون لهذا التحول «انعكاس اقتصادي أيضا». من جانبه، قال رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نور الدين مضيان إنه يمكن اعتبار مشروع قانون المالية الحالي الأول الذي تقدمه الحكومة الحالية، وهو يتضمن مجموعة من المقتضيات التي جاء بها البرنامج الحكومي، وبالتالي فإن «المحاسبة الحقيقية للأداء الحكومي ستبدأ من هذه السنة». وأضاف أن المشروع الحالي جاء ليجسد على أرض الواقع التدابير والإجراءات التي تضمنها البرنامج الحكومي ولاسيما تلك المتعلقة بالشق الاجتماعي، مؤكدا أنه بدون النهوض بقطاعات التعليم والسكن والتشغيل لا يمكن بلوغ تنمية مجتمعية حقيقية، ليستحضر في هذا السياق ضرورة الاشتغال على برامج مجتمعة تعتمد على استراتيجية منسجمة ونظرة موحدة بين جميع القطاعات، وخاصة بالعالم القروي. وأبرز رئيس الفريق أن مشروع القانون، الذي وضع بناء على فرضيات معقولة من قبيل سعر برميل النفط (105 دولار)، وسعر صرف الدولار، وفي ظل تراجع عائدات القطاع السياحي وتحويلات المغاربة القاطنين في الخارج، يتسم ب»الواقعية»، مسجلا أن الحكومة استطاعت تدبير الأزمة رغم الظروف الاقتصادية المتأزمة التي تعصف باقتصادات شركاء المغرب التقليديين، وذلك بفضل التدابير التي اتخذتها، وقوة النظام البنكي الوطني. وأضح أن الحكومة بذلت مجهودا مهما على مستوى الاستثمارات العمومية في هذه الظرفية، غير أنها مطالبة بتقييم الآثار الاجتماعية والاقتصادية للاستثمارات السابقة لاستخلاص الدروس والتقويم المنهجي، كما أنه ينبغي عليها التوجه نحو أسواق أخرى غير تلك التقليدية التي تعاني من الأزمة، وذلك من خلال الانفتاح على الأسواق الإفريقية التي تزخر بمؤهلات واعدة. سياسيا، أكد مضيان أن الحكومة الحالية التي تتمتع لأول مرة بحماية دستورية، مطالبة بتسريع وتيرة الإصلاحات والعمل على خلق الثروات وإدامتها، دون الاعتماد على الضرائب التي تنهك كاهل المواطن، خاصة وأن مشروع القانون الحالي استهدف الطبقات الوسطى، ملاحظا أن الحكومة معنية بالإسراع بإصلاح صندوق المقاصة الذي يستنزف ملايير الدراهم التي من الممكن أن توجه للاستثمارات العمومية. وأكد النائب عرفات عثمون في مداخلته باسم الفريق الحركي، أن مشروع قانون مالية 2013 يجسد الالتزام بالتعهدات التي أتى بها التصريح الحكومي، ويستشرف آفاق التحولات الديمقراطية التي سيشهدها المغرب في باقي هذه الولاية من خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأضاف أن هذا المشروع يعتبر ثاني اختبار إجرائي للحكومة الجديدة وللبرنامج الحكومي الذي تقدمت به، وكذا إحدى منطلقات تنزيل الدستور الجديد من خلال الإجراءات الفعلية التي يتضمنها، والتي تعكس التطور الجديد لركائز الدولة الحديثة في شقها الاقتصادي والاجتماعي بالأساس. ومع ذلك، يضيف السيد عثمون، فلا يجب اعتبار هذا المشروع مستوعبا لكل حلقات الإصلاح التي تروم الحكومة تحقيقها في إطار مسلسل محكوم بنهج منطق التدرج ولكون المدة المخولة لتحضير قانون مالي غير كافية. وفي ما يتعلق بالضريبة، وبعدما ذكر بأنها يجب أن تكون وسيلة لتحديث القطاعات وآلية تضامنية لتحمل الأعباء، وإحدى أوجه الإعراب عن المواطنة، أكد على ضرورة وضع جميع القطاعات في نفس شروط التعامل الجبائي شريطة تأهيلها، إلى جانب الاجتهاد في إدخال القطاع غير المهيكل في دائرة التنظيم. وسجل من جانب آخر استمرار تخلف المجال القروي وحرمانه من الخدمات الأساسية رغم الجهود التي بذلت، مبرزا أهمية خلق أقطاب اقتصادية وصناعية في البادية وتنظيم الفلاحين ومدهم بالمساعدات، وكذا إشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة للانخراط في المجهودات الاستثمارية داخل الفضاء القروي. بالمقابل، أكد عبد اللطيف وهبي رئيس فريق الأصالة والمعاصرة أن الحكومة أعدت مشروع القانون المالي 2013 «بمنطق سياسي حزبي ضيق بعيدا عن المنطق الذي تسير به شؤون الدولة»، مشيرا إلى بروز ممارسات سياسية جديدة خلال مناقشة الميزانية تتمثل في أن «الأغلبية التي من المفروض أن تسير أمور الدولة تنتقد عمل الحكومة» وهو ما اعتبره «اختلالا في تطبيق المادة العاشرة من الدستور التي تتحدث عن الأغلبية والمعارضة». وتساءل وهبي عن الجديد الذي يحمله مشروع القانون المالي 2013 «مادام أن الحكومة قد سبق وقالت بأن القانون المالي السابق ليس قانونها» مثيرا في نفس الوقت «حقيقية الأرقام التي جاء بها القانون المالي الحالي ما دامت الحكومة قد تكلمت عن أرقام مغلوطة في الميزانية السابقة». ومن جهته، اعتبر سعيد اشباعتو في مداخلته باسم الفريق الاشتراكي، أن مشروع قانون المالية لا يعكس خصائص الحديث عن كون هذه الحكومة هي حكومة سياسية قوية منسجمة ولها جرأة للقيام بالإصلاحات الكبرى التي تخدم المواطن. وأشار في هذا الصدد إلى أن الحكومة عمدت أثناء تحضير الميزانية إلى جمع الاستراتيجيات القطاعية لوضع ميزانية أفقية «بينما الأفيد والمعروف في العمل السياسي هو القيام بانطلاقة سياسية تحدد توجهات سياسية كبرى ووضع ميزانية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار تحقيق بعض الأهداف وفي نفس الوقت تحقق التعاضدية المجالية والتعاضدية بين الفئات والأجيال الحالية والمقبلة». كما أشار إلى غياب عنصر الديمقراطية في تحضير المشروع لكون الحكومة لم تشرك المعارضة في إعداد ه وكذا غياب الإشارة إلى المخطط التشريعي في مشروع قانون المالية، مسجلا عدة ملاحظات على المشروع منها على الخصوص زيادة الضريبة على الفئات المتوسطة وإثقال كاهل الأجيال القادمة بالديون. وقدم اشباعتو من جانب آخر بعض المعطيات المرقمة بخصوص حصيلة حكومة تجربة التناوب التوافقي والحكومة الحالية بعد مرور سنة على بدء عملهما رغم اختلاف السياق السياسي. ومن جانبه، اعتبر الشاوي بلعسال رئيس فريق الاتحاد الدستوري، أن مشروع قانون مالية 2013 كان يفترض فيه أن يشكل بديلا للوصفات الاقتصادية والمالية والاختيارات التنموية السابقة التي سعت قدر الامكان أن تتفاعل مع تلك اللحظات التي أفرزتها. وبعدما تساءل عما إذا كان المشروع يتعاطى مع واقع الأزمة بشكل إيجابي ويشكل منعطفا بتصورات جديدة أم أنه ينهل من نفس الاختيارات السابقة والنماذج المألوفة، عبر عن اقتناعه بأن المشروع الحالي «لا يشكل قطيعة ولا منعطفا جديدا بل يندرج في منطق الاستمرارية». وأبرز أن هذه التدابير الاستعجالية تهم تقليص ميزان الأداءات بالحد من الارتفاع المتسارع للواردات وتفعيل آليات الحماية التجارية، بينما تروم التدابير الهيكلية تعزيز ودعم تنافسية الاقتصاد الوطني وتنويع صادراته وإعادة النظر في الاستثمارات العمومية. وخلص إلى أن ميزانية 2013 هي ميزانية «تدبير الأزمة وبدون طموحات كبيرة وتكرس هشاشة التوازنات وهشاشة الفرضيات». بدوره، أشار النائب محمد الهلالي عن المجموعة النيابية الوسط، إلى أن مشروع قانون المالية الحالي يأتي في غياب إصلاحات جذرية في بنية الميزانية العامة من قبيل الاصلاح الجبائي وإصلاح صندوق المقاصة وأعداد قانون تنظيمي جديد للمالية. واعتبر أن نسبة النمو التي تضمنها المشروع غير واقعية بالنظر الى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أوربا الشريك الاقتصادي للممكلة وكذا لارتباط النمو بالتساقطات المطرية، منتقدا أيضا ارتفاع الحسابات الخصوصية وكذا تكاليف المؤسسات العمومية. وأشار من جانب آخر إلى أن المشروع تضمن عدة تدابير إيجابية خاصة في الشق الاجتماعي.