عاش الليبيون، أول أمس السبت، يوما تاريخيا، حيث شهدت البلاد أول انتخابات برلمانية منذ أزيد من نصف قرن، وبعد أقل من سنة واحدة عن مقتل القذافي والإطاحة بنظامه، وبرغم بعض التجاوزات والخروقات هنا وهناك، وبعض التوترات وأعمال العنف، فإن الاستحقاق مر بصفة عامة بسلام، بحسب الكثير من المراقبين. في اقتراع أول أمس كان يحق لأزيد من اثنين فاصلة ثمانية مليون ناخب ليبي الإدلاء بأصواتهم، وبحسب التوقعات، فقد يكون أزيد من نصف هؤلاء توجه فعلا إلى صناديق الاقتراع وساهم في التصويت، وذلك من أجل اختيار 200 عضوا للمؤتمر الوطني العام، الذي سيتولى انتخاب مجلس ورئيس للوزراء، قبل تمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية كاملة العام المقبل في ظل دستور جديد. المعطى البارز إذن على هامش انتخابات ليبيا، وهو يشكل في نفس الوقت تحديا مركزيا للسلطات، يتعلق بعقلية المحاصصة المناطقية في المؤتمر الوطني العام، خصوصا بين المناطق الكبرى ذات الثقل القبلي والاقتصادي والتاريخي (برقة/ الشرق؛ طرابلس /الغرب؛ وفزان /الجنوب)، وصلة بهذا المعطى المناطقي والقبلي، فإن انتشار الأسلحة واستمرار الميليشيات، يجعل التحدي الأمني بدوره مطروحا، ويمثل الامتحان الأكبر للسلطات الليبية الجديدة، حيث أن إقامة المؤسسات السياسية وهياكل الدولة يستوجب أولا فرض الأمن والاستقرار في البلاد، وبالتالي جعل أجهزة الدولة هي المتحكمة في الأمن وفي السلاح وفي السهر على إعمال القانون. من جهة ثانية، فقد تنافس في الانتخابات الليبية 2639 مرشحا فرديا، و1202 آخرين ترشحوا على لوائح الأحزاب والتكتلات السياسية، وقد بلغ عدد هذه القوى 347، ولعل المعطى الذي يستشف من هذه الأرقام، يبقى هو تقدم مرشحين باسم أحزاب وتكتلات سياسية، وهذا أمر لافت في بلد عاش أزيد من أربعة عقود على أيديولوجية تعتبر «من تحزب خان». وبالرغم من أن الكثير من المحللين يرجحون فوز حزب العدالة والبناء، وهو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، إلى جانب حزب الوطن، وهو جماعة إسلامية بزعامة القيادي الإسلامي عبد الحكيم بلحاج، وبالتالي أن تفرز نتائج الانتخابات الليبية ذات المؤشرات والوقائع التي أفضت إليها العملية الانتخابية في مصر وتونس بالخصوص، فإن التحدي السياسي الكبير يبقى هو أن تنجح كل الأطراف في الاتفاق على قواعد مشتركة للعمل السياسي المدني في البلاد، وعلى محددات المرحلة القادمة، فضلا على قدرة القوى والحساسيات السياسية الليبرالية والمدنية والديمقراطية على التنظيم الذاتي، وعلى توحيد الصفوف، وبلورة بديل ديمقراطي مدني راسخ وسط الشعب. إن نجاح الانتخابات الليبية سيتجسد من خلال القبول الجماعي بنتائجها، والاتفاق على شرعيتها، والسعي المشترك من لدن كل الأطراف لتقوية الأمن والاستقرار في البلاد، وبناء مؤسسات الدولة وتفعيل الحياة الديمقراطية، وبذلك ستكون البلاد قد طوت فعلا صفحة عهد القذافي، ودشنت مرحلة جديدة في تاريخها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته