يتوجه اكثر من مليوني ناخب ليبي الى صناديق الاقتراع في اول انتخابات تجرى منذ اربعين عاما، لانتخاب مئتي نائب من بين مرشحي مئة حزب تتصدرها احزاب اسلامية واصولية وليبرالية. حزب الاخوان المسلمين الذي يحمل اسم 'العدالة والبناء' قد يكون الاوفر حظا في هذه الانتخابات، على غرار ما حدث في كل من مصر وتونس، ولكن في ظل غياب كامل لاستطلاعات الرأي في بلد عاش لاربعة عقود تحت حكم ديكتاتور كان يجرم الحزبية ويحظر الانتخابات، فانه من الصعب الجزم في هذا المضمار. المحاصصة المناطقية هي العنوان الرئيسي الذي يحدد هوية هذه الانتخابات، فقد تم اعطاء الغرب النصيب الاكبر من المقاعد (100 مقعد) بينما اعطي الشرق الذي انطلقت منه شرارة الثورة ستين مقعدا، بينما انحصرت حصة الجنوب في اربعين مقعدا. هذه المحاصصة المناطقية، شكلت اكبر قضية خلافية في هذه الانتخابات، حيث اعترض اهل المشرق (عاصمة بنغازي) على منحهم مقاعد اقل من المناطق الغربية (طرابلس)، وانعكس هذا الاعتراض في احداث عنف تمثلت في حرق مقر انتخابي، وشن هجوم على محطة تصدير للنفط. المحاصصة هذه تعيد ليبيا الى ما كان عليه الحال عام 1943 بعد هزيمة المحتل الايطالي في الحرب العالمية الثانية، ووقوع البلاد تحت حكم الحلفاء وتقسيم ليبيا الى ثلاث فيدراليات هي برقة (الشرق) طرابلس (الغرب) وفزان (الجنوب). المنطقة الشرقية حيث توجد في جوفها معظم الاحتياطات النفطية بدأت تشهد تحركا انفصاليا قويا، جسده اجتماع قبلي يطالب بتحويل برقة الى اقليم منفصل يتمتع بالحكم الذاتي برئاسة السيد احمد السنوسي، وهو مطلب رفضته احزاب عديدة، وطالب انصار الفيدرالية بمقاطعة الانتخابات، وعمدوا مساء الخميس الماضي الى اقفال مرافئ نفطية احتجاجا على 'اهمال' السلطات لمطالبهم بعدد اكبر من المقاعد في المجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت) الذي ستتمخض عنه هذه الانتخابات. التحدي الامني هو الاختبار الاكبر الذي يواجه الحكومة الليبية المركزية، وهناك مخاوف من حدوث اعمال عنف اليوم السبت في ظل انتشار السلاح، وهيمنة الميليشيات وغياب وجود جهاز امني قوي. ولعل ابرز المخاوف تتمثل في احتمالات قيام انصار النظام السابق باعمال عنف بهدف تخريب اجواء الانتخابات، فقد جرى اتهام هؤلاء باقتحام مطار طرابلس وتعطيل الملاحة فيه الشهر الماضي، وكذلك مهاجمة قنصليات بريطانية وامريكية في مدينة بنغازي. نجاح هذه الانتخابات سيشكل خطوة كبيرة على صعيد تعافي ليبيا وتعزيز استقرارها الهش، واعادة الحياة الديمقراطية اليها التي ازدهرت في عهد الملك ادريس السنوسي. السؤال الكبير سيكون في مرحلة ما بعد الانتخابات في حال سير الامور في الاتجاه الصحيح من حيث القبول بنتائجها اولا، والتعايش بين ممثلي الاحزاب والمناطق في المجلس التأسيسي، وبما يؤدي الى تشكيل حكومة قوية تضبط الاوضاع المتفجرة في البلاد وتنزع الاسلحة من الميليشيات. توجه الليبيين الى صناديق الاقتراع هو انجاز كبير دون شك ونقلة كبيرة انتظروها طويلا بعد عقود من القمع والفساد، والمأمول ان تأتي النتائج مبشرة بعهد جديد من الامل والاستقرار.