القناتان العموميتان في المغرب متهمتان بتهميش الأغنية العصرية مع بداية ثلاثينات القرن الماضي بدأت تتبلور في المغرب حركة نغم جديدة استطاعت أن تنهل من التراث الموسيقي الشعبي والأندلسي، ووظفته في إبداع روائع من الأغاني المغربية الحديثة وسميت منذ ذلك الحين «بالأغنية المغربية العصرية» التي تناغمت مع الأنسام المشرقية التي هبت عليها، وعرفت فترة ازدهار دامت زهاء ثلاثة عقود من منتصف الخمسينات إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي ثم أخذت تتراجع، فما هي أسباب هذا التراجع؟ محمد الغاوي حسب الفنان، محمد الغاوي، فإن أزمة الأغنية العصرية هي أزمة مفتعلة من قبل الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارة الثقافة والإذاعة والتلفزيون، بسبب توقف دعم الأغنية العصرية، إضافة الى توقف المهرجانات الداعمة للأغنية العصرية منذ الثمانينات من القرن الماضي، وهو ما أدى الى تراجع إنتاجات أسماء فنية كبيرة مع غياب التشجيع والمنافسة. وأوضح الغاوي ان الفنانين ينتجون أغاني من مالهم الخاص ويتحملون تكاليف الملحن والكلمات والموسيقى والتسجيل ليكون مصيرها الوضع في رفوف الإذاعة والتلفزيون المفروض فيهما التسويق للإنتاجات الغنائية الجديدة، كما أبدى أسفه لغياب شركات لإنتاج الأغنية العصرية. وقال في معرض حديثه : «لم تتبق أي شركات لإنتاج الأغنية العصرية المغربية بل فقط شركات لدعم الأغنية الساقطة»، مشيرًا الى أنه جرى تمييع الذوق العام من خلال الأغاني الشعبية التي تتضمن كلمات لا يمكن سماعها داخل الأسر المغربية. لطيفة رأفت نفس الرأي دافعت عنه الفنانة، لطيفة رأفت، التي أشارت إلى أن القناتين التلفزيونيتين العامتين في المغرب (القناة الأولى والقناة الثانية) إلى جانب القنوات الفضائية المغربية لا تسوق سوى للأغاني الشعبية، علمًا إن هناك جمهور للأغنية المغربية العصرية وهناك إنتاجات في هذا اللون الغنائي لكنها تحتاج إلى التسويق من خلال التلفزيون. وقالت في حديثها أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الأغنية العصرية بقدر ما تكمن في الإعلام العام وخصوصًا القناتين المذكورتين اللتين تستدعيان – حسب لطيفة – فنانين أجانب ينالون الأجر الذي يطلبونه أو بعض الفنانين الشباب الذين يشتغلون في الملاهي الليلية، لكن حين يتعلق الأمر بالأغنية العصرية يتذرعون بعدم توفر إمكانات العمل، منتقدة عدم حضور كاميرا التلفزيونين لتصوير سهراتها. كما أكدت وجود أصوات جيدة إلى جانب ملحنين وكتاب كلمات أكفاء، وأضافت في حديثها: «حين أقوم بسهرة في اسبانيا يحضرها جمهور يقدر ب66 ألف، وهو عدد لا يمكن أن يجلبه إلا فريق برشلونة لكرة القدم، إضافة إلى سهراتي في المغرب التي يحضرها جمهور كبير يظل يهتف ويردد أغاني لطيفة، فهذا دليل على أن الناس يعشقون الأغنية العصرية وهو الأمر الذي يجعلني أعدل عن فكرة اعتزال الغناء». البشير عبدو الفنان البشير عبدو هو الآخر يرى أن المشكلة تكمن في عدم توفر شركات لإنتاج الأغنية العصرية، مبديًا حاجة الفنانين إلى دعم متكامل للأغنية العصرية المغربية لحنًا وكلمات وأداءً، إضافة إلى تخصيص نسبة 70 إلى 80 في المائة لمشاركة الفنانين المغاربة في المهرجانات الوطنية الخاصة بالأغنية، مشيرًا إلى أن وزارة الثقافة المغربية سبق لها إن خصصت دعمًا لمساعدة الأغنية المغربية لم يتوصل به الفنانون لحدود الآن، داعيًا إلى تحقيق الإنصاف في توزيع الدعم المخصص للأغنية المغربية. وقال في حديثه إن وزارة الثقافة ووزارة الإتصال ووزارة الداخلية بإمكانها خلق فضاءات لإبراز إبداعات الفنانين المغاربة المحترفين منهم والجدد. وتمنى الفنان البشير أن تحقق الحكومة المغربية الجديدة مطالب الفنانين التي تخدم أيضًا مصالح الجمهور المغربي، كي لا تظل الأغنية المغربية محدودة في نطاقها الجغرافي المحلي وتحقق الإنتشار في العالم العربي. مولاي أحمد العلوي من جهته، تطرق الملحن المغربي، مولاي أحمد العلوي، لمشكلة قرصنة انتاجات الفنانين، الأمر الذي عمَّق ازمة الأغنية المغربية، إلى جانب عزوف شركات الإنتاج عن إنتاج الأغنية العصرية بذريعة كونها لا تلقى الرواج، وكونها غير مربحة، داعيًا إلى حماية شركات الإنتاج من طرف الدولة وإرغامها على إنتاج الأغنية المغربية العصرية. كما تناول في حديثه تراجع دور الإذاعة الوطنية في دعم ونشر الأغنية المغربية العصرية، حيث كانت الإذاعة تتوفر على مجموعة من الأجواق والتي كانت رهن إشارة المبدعين، إلى جانب فتح الأستوديوهات بالمجان في وجه الفنانين وهي المكاسب التي أصبح يفتقدها الفنانون. كما أشار مولاي أحمد العلوي إلى غياب إنتاج للأغنية العصرية من طرف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، علمًا أنها ملتزمة وفقًا لدفتر التحملات بإنتاج 60 أغنية سنويًا. وقال في حديثه إن برنامج استوديو دوزيم بالقناة التلفزيونية المغربية الثانية كان من الممكن أن يخلق حركية ودينامية ورواجًا للأغنية المغربية العصرية، نظرًا لتوفره على جميع الإمكانات الضرورية عبر احتضان المواهب الشابة في مجال الغناء، وفتح آفاق أمام جميع الملحنين وجميع الكتاب، واختيار الأجود وما هو مناسب، ومنح هذه المواهب الشابة الإمكانيات لتسجيل أغاني على مستوى ما يريده الجمهور وما تحتاج إليه الساحة الفنية، لكن الأمور سارت عكس ذلك، مشيرًا إلى أن هناك حرب شعواء على الأغنية المغربية وعلى الإبداع الغنائي المغربي، علمًا أن الشعوب – يقول الملحن مولاي أحمد العلوي – تقاس بمستوى موسيقاها وثقافتها، داعيًا إلى الإرتقاء بالثقافة والفنون المغربية، ومنح الفنان والمبدع المغربي المكانة التي يستحقها حتى نكون في مستوى النظرة التي ينظر إلينا بها الآخر.