رغم ما بذل في مجال محاربة الرشوة، يسجل المهتمون استمرار ضعف آليات الردع وفرض مقتضيات التخليق. وحسب عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، هناك نواقص جوهرية في الجهود المبذولة في مجال محاربة الرشوة على مستوى غياب المقاربة المندمجة لإنفاذ القانون، وفق ما استنتج من تشخيص أنجزته الهيئة.وأوضح أبودرار، في حوار خص به مؤخرا وكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة اليوم الوطني لمحاربة الرشوة، أن ذلك ناجم عن «محدودية نجاعة آليات المساءلة، وظاهرة الإفلات من المتابعة والعقاب، وضعف مناعة الجهاز القضائي الناتجة عن محدودية الالتزام بقواعد الشفافية، وغياب التجاوب مع تمظهرات الفساد المختلفة، والاستجابة لرهانات التأهيل والتخصص. وتجدر الإشارة، أن وزارة العدل سبق أن أعلن في غشت في الماضي عن إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف في كل من الرباط، والدار البيضاء، وفاس، ومراكش لتسريع البت في قضايا الفساد المالي. وأوضح أن إحداث هذه الأقسام يدخل في إطار مراجعة قانون التنظيم القضائي، لمواجهة تراكم وطول المدة التي يستغرقها النظر في قضايا الجرائم المالية، بما فيها تلك التي تمت إحالتها من قبل المجلس الأعلى للحسابات، خاصة بعد توزيعها على مختلف محاكم المملكة إثر إلغاء محكمة العدل الخاصة. وبما أن هذه القضايا تتطلب معرفة وتقنيات خاصة بالمالية والمحاسبة وتسيير المجالس الجماعية والصفقات العمومية، فقد أعلن الأستاذ محمد الناصري، الوزير السابق، بأن الوزارة تعتزم في هذا الصدد تكوين 50 قاضيا من النيابة العامة وقضاة التحقيق والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف داخل المغرب وخارجه لكي يتمكنوا من الإلمام بكل ما يتعلق بجرائم الأموال. وفي أكتوبر صادق المجلس الحكومي على مرسوم إحداث الأقسام المختصة بالجرائم المالية لتوفير قضاء متخصص، تطبيقا لمقتضيات الفصل السادس من الظهير الشريف رقم 338-74-1، الصادر في 15 يوليوز 1974، المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 10-34، والذي أحدث أقساما للجرائم المالية في عدد محدد من محاكم الاستئناف للنظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول إلى 256 من القانون الجنائي وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها. وتم التأكيد على أن إحداث الأقسام المختصة بالجرائم المالية يهدف إلى توفير قضاء متخصص يعمل في إطار القواعد العامة ودون إدخال أي إجراءات استثنائية، مع ضمان تأهيله ومده بالإمكانيات المادية والبشرية المتخصصة والمؤهلة، وهو ما سيسهم في إيجاد الحلول للإشكاليات القانونية والتقنية والمعروضة على هذا النوع من القضاء للبت في آجال معقولة، مما يمكنه من أداء مهمته على الوجه الأكمل، ويكون في مستوى مواجهة ما يتطلبه تخليق الحياة العامة، وحماية المال العام من حزم وفعالية. ولتعيين عدد محاكم الاستئناف المختصة للنظر في الجرائم المذكورة أعلاه، تمت مراعاة عدد القضايا المعروضة على محاكم المملكة، وأهميتها، وتجربة الأطر القضائية بها، كما تمت مراعاة البعد الجغرافي عند تحديد دوائر نفوذ هذه المحاكم. ويرى أبو درار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، إن ضمان موقع مؤثر للقضاء في أي إستراتيجية لتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد يمر عبر نظام قضائي متخصص قادر على التجاوب الموضوعي مع تفاعلات الفساد وتمظهراته المختلفة وتميز خصوصياته، وكذا بإنشاء محاكم متخصصة للنظر في جرائم الفساد. وأشار، في استجوابه المذكور، إلى أن هذا الأمر يتطلب ملاءمة مسطرة التحري والبحث والتحقيق ،بما يراعي خصوصيات جرائم الأموال، وإحداث شرطة قضائية مختصة في هذا الشأن، مع اعتماد نيابة عامة متخصصة تسهر على تسيير أشغالها، وتوجيه قضاء التحقيق نحو اعتماد محاضر ضباط الشرطة القضائية المتخصصة مع تبني تقارير الخبرة أو التفتيش التي قد يطلبها منهم، مؤكدا أن ذلك رهين باعتماد قضاء حكم متخصص في البت في قضايا الفساد والنهوض بالتكوين وبناء القدرات واكتساب الخبرات لمواكبة مختلف المستجدات. وأكد على ضرورة الإسراع بإحداث مرصد الإجرام الذي سيساعد على تعميق المعرفة بظاهرة الفساد، والإحاطة الشاملة بمختلف مظاهره، ويمكن من تطوير الترسانة التشريعية الجنائية وتحيين آليات اشتغال القضاء المتخصص في جرائم الفساد. ويؤكد قانونيون أن مكافحة الجرائم المالية والوقاية منها يتطلب مجموعة متكاملة من الإجراءات ذات الطابع القانوني والمؤسساتي، وفق مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومن أولويات ذلك وضع آليات لتنزيل مبادئ الدستور كربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع قواعد واضحة لشفافية تدبير المال العمومي، ودعم جهود المؤسسات المستقلة للمراقبة، وتأهيل مختلف الجهات المشاركة والمساعدة في العمل القضائي، كالضابطة القضائية والخبراء، وتشجيع ودعم آليات الرقابة الشعبية من مكونات المجتمع المدني وسائل الإعلام.