يستقبل المغاربة اليوم شهر رمضان الكريم بنفس المشاعر التي ألفوا بها تخليده كل سنة، وتبرز عادات الأسر المغربية وتقاليدها في كل مظاهر الاستعدادات، وتخيم الأجواء الإيمانية والاجتماعية نفسها، وهذه الفرحة الشعبية التلقائية لا تشوش عليها سوى تجليات الأزمة الاقتصادية المتفشية والمركبة. الإقبال الشعبي على الأسواق والمتاجر هذه الأيام يقابله بروز غلاء واضح في أسعار بعض المواد الأساسية، كما أن معظم الأسر تستقبل رمضان وهي بلا أي ادخار مالي لمواجهة متطلبات المناسبة، وذلك نتيجة الغلاء والتضخم وتدهور القدرة الشرائية. من المؤكد أن شهر رمضان هو موعد ديني سنوي للعبادة والتقرب إلى الله، وهو مناسبة أيضا يجلها المغاربة، كما باقي المسلمين في العالم، ولشعبنا تقاليد متميزة في قضاء أيام وليالي الشهر الفضيل، ولكن رمضان كذلك هو شهر كامل من الإنفاق الإضافي، أي أنه يجسد كلفة اقتصادية ومالية تضاف إلى انشغالات الأسر، وهنا دور الحكومة لتساهم في التخفيف من حدة هذه الكلفة. دور الحكومة لا يكمن فقط في توفير المواد الاستهلاكية المطلوبة أو ضمان تموين الأسواق، ولكن أساسا في مراقبة الأسعار، ومحاربة الغلاء والمضاربات والاحتكار، وإبداع أشكال دعم مبتكرة لمساندة الأسر في مواجهة متطلبات هذا الشهر. معظم فئات شعبنا استمرت معاناتها طيلة السنوات الثلاث الأخيرة جراء الجفاف والتضخم والغلاء، ورمضان يحل ضمن تداعيات هذه السنوات الصعبة، وهو ما يتجلى في التراجع الكبير لقدرتها الشرائية، ومن المؤكد سيؤثر على مستويات الاستهلاك، وسيجعل الخيبة والإحباط يخيمان على الكثير من الأسر، وتبعا لذلك، سيتأثر أيضا مستوى وحجم الرواج التجاري الذي يتيحه عادة شهر رمضان. وحيث إن شهر رمضان يعتبر شهر استهلاك بامتياز، وتكرس ذلك عادات المغاربة في هذه المناسبة، وهو ما يفرض تغيير الأنماط الاستهلاكية التي دأبت عليها الأسر المغربية، وإعمال التحسيس والتوعية بهذا الشأن؛ فإن دور السلطات العمومية هو إعمال سياسة عمومية تجاه السوق ومنظومة التجارة الداخلية، والسعي لحماية القدرة الشرائية لشعبنا وتطويرها، ومحاربة الغلاء والتضخم والمضاربات والاحتكار، وإبداع إجراءات وبرامج مبتكرة للدعم الاجتماعي، وذلك بشكل جذري وعميق وموضوعي. إن أجواء رمضان لا يجب أن تبقى منحصرة في طقوس العبادات والمظاهر الخارجية لدى الأفراد، ولكن أساسا في تمثل وإعمال القيم والفضائل في السلوك اليومي والعلاقات داخل المجتمع، أي في نبل السلوك وتبادل الاحترام وإعمال التسامح، وفي تمتين التعاون والتضامن والمودة. كما أن شهر رمضان يجب أن يكون مناسبة لإعلاء قيمة العمل، والالتزام الفردي والجماعي بكون "العمل عبادة"، وليس شهر إخلاء المكاتب وترك مصالح المرتفقين معلقة بحجة رمضان والصيام وسوى ذلك، أي أن هذا الشهر لا يجب أن يكون شهرا لوقف عمل الإدارات وشل الحركة الاقتصادية بالبلاد، حيث إن التحديات المطروحة لا تحتمل شهر فراغ وشلل. شهر رمضان فرصة ليعود الجميع إلى ضميره، وليستحضر مسؤولياته وواجباته تجاه بلاده وشعبه، ولنفكر كلنا في واقع بلادنا ومستقبلها، وفي ضرورة إعمال انطلاقة متجددة من أجل التنمية والتقدم ومحاربة الفساد، ومن أجل تحقيق تطلعات شعبنا في العيش الكريم والعدالة والمساواة. رمضان كريم... محتات الرقاص