يحل شهر رمضان الفضيل، وتستعد الأسر المغربية لتجديد اللقاء بأجوائه الروحية والاجتماعية المتميزة، وتكتسب الحياة كلها إيقاعا خاصا وعادات هي دائما مرتبطة بالشهر الكريم. وبما أن رمضان هو شهر العبادات والمودة، فإننا نأمل أن يحل على الشعوب المسلمة بالأمن والسلام والاستقرار، خاصة أن المنطقة هي أكثر المناطق اليوم اشتعالا وسخونة في العالم كله، وندعو بالمناسبة نفسها لشعبنا وبلادنا باستمرار الاستقرار المجتمعي، وبالنجاح في تحقيق الإصلاحات، وتمكين مواطناتنا ومواطنينا من الهناء والعيش الكريم. الشهر الكريم يرتبط أيضا بعادات خاصة في الاستهلاك، ما يساهم في بروز ممارسات غير قانونية من لدن التجار والمضاربين والسماسرة، ويؤدي إلى إنهاك القدرة الشرائية للفئات الفقيرة من شعبنا، وهذا يقود إلى مطالبة السلطات المختصة، محليا وإقليميا ومركزيا، بتقوية اليقظة وتشديد المراقبة بما يجعل كل المواد والسلع متوفرة في الأسواق، ويمنع الزيادات غير المشروعة والمضاربات، وبالتالي الحرص على تطبيق القانون ضد المخالفين. رمضان يحل أيضا، وعلى غرار السنوات الأخيرة، مباشرة بعد اختتام الموسم الدراسي وبداية موسم العطل، ما سيجعل مصاريفه ومتطلباته المادية تضاف إلى ما سيأتي من مصاريف العطلة بعد عيد الفطر، ثم مصاريف الدخول المدرسي عقب ذلك مباشرة، وكل هذا سيمثل عبئا إضافيا على ميزانيات الأسر، ويفرض استحضاره، والعمل على التخفيف من حدته على الأقل من خلال مراقبة الأسعار ومنع المضاربات غير القانونية. وفي حين أن رمضان هو في المبدأ شهر التضحية وبذل الجهد، فإنه يتحول عمليا لدى الكثيرين إلى شهر التراخي والكسل والغش في العمل، ولهذا لابد من الوعي بحاجة بلادنا إلى تعبئة أكثر لإنجاز الإصلاحات، وإلى العمل المكثف في ميادين ومجالات مختلفة لكي لا يتم تضييع الوقت، وبالتالي يجب اليوم محاربة هذه السلوكات السلبية، وجعل صفاء الذهن في أيام رمضان حافزا لبذل جهد مهني أكبر، سواء كأفراد أو كمؤسسات وإدارات، بغاية خدمة بلادنا وتسريع وتيرة إنجاز الإصلاحات والبرامج المطلوبة. وحيث إن الإيقاع الرمضاني يتميز أيضا بسمره الليلي وأمسياته العائلية، فهو بذلك يتيح الفرصة لتفعيل برامج توعوية وفكرية، سواء من خلال مبادرات الجمعيات والأحزاب أو من خلال مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام السمعية البصرية، ما يفرض استثمار مثل هذه المناسبات لإنماء حوار فكري وديني وسياسي رصين ووازن وسط شعبنا وشبابه ونخبه حول القضايا ذات الصلة بتقدم المجتمع وقيم العقل والتنوير والتحديث والديمقراطية، وتصحيح المغالطات الملتصقة بالدين، ومواجهة التطرف والتعصب، وبالتالي جعل تميز النموذج المغربي واقعا له امتداداته الفكرية والسلوكية على الأرض وسط الناس. لقد نصت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية على ارتباط رمضان بالصوم والعبادة، وأيضا بالتراحم والتوادد بين الناس وبأفعال الخير، ولقد عاش المغاربة طيلة تاريخهم هذا الشهر الكريم باعتباره شهر الفضائل كلها، واليوم وجب استحضار هذه الدلالات القيمية والرمزية والسلوكية من لدن الناس يوميا، وتفادي مظاهر التوتر والمشادات التي تشهدها شوارع وأحياء وأسواق مدننا بين الصائمين، وتحويل الجهد، بدل ذلك، نحو العمل وخدمة المحيط العام. الغاية من كل هذا التأمل هو الدعوة إلى جعل مناسبة شهر رمضان فرصة لتمتين العمل لمصلحة بلادنا وشعبنا، وتفادي تحويل شهر كامل إلى وقت ضائع من مسيرة العمل والإصلاح، بالإضافة إلى ضرورة تجاوز سلوكات فردية سلبية باتت مستشرية في السنوات الأخيرة. رمضان كريم.