ظل على طول الخط المدافع عن الهوية المغربية وعلى الطرب المغربي باعتباره شكلا موسيقيا عالميا أجمعت مختلف الشهادات التي استقيناها حول رحيل الفنان الموسيقي الأصيل صالح الشرقي على الموقع المتميز الذي يشغله في ساحتنا الفنية. فقد درس السولفيج بفرنسا، وانضم في مطلع الخمسينات إلى الجوق الموسيقي العصري الوطني الأول، وقد برز طموحه لتفعيل الحركة الفنية ببلادنا منذ هذه الفترة، حيث بادر في أواسط الستينات إلى تأسيس نادي ثقافي بمدينة سلا، وسمه بنادي المستظرف، وتكتل داخل هذا النادي مبدعون في مجالات فنية متعددة. وتميز الشرقي بصفة خاصة بعزفه المتقن على آلة القانون، إلى حد أنه كلما ذكرت هذه الآلة، تبادر الذهن إليه. وبالنظر إلى أن طموحه كان كبيرا في إعطاء إشعاع للموسيقى المغربية؛ فقد بحث فيها وألف حولها عدة كتب، منها: «القانون في الموسيقى المغربية»، وكذلك «أضواء على الموسيقى المغربية». ولم يكتف بتأليف هذه الكتب التوثيقية والنظرية، بل أكد من خلال عدة مؤلفات أخرى على درايته العميقة بقواعد الموسيقى، من قبيل: «الإيقاع والمقامات»، إلى جانب «المستظرف في قواعد الفن الموسيقي»، وقد كانت هذه الكتب غير مسبوقة في التأليف المغربي الخاص بهذا الفن، مما يؤكد على ريادته على أكثر من صعيد. وفي سياق مؤلفاته المتعددة، لا ينبغي إغفال الإشارة إلى كتاب متميز، يتعلق الأمر ب»جل تر المعاني»، الذي دون فيه بشكل مفصل مختلف الجولات التي قام بها بالعديد من دول المعمور، والتي كان منطلقها الأساسي هو البحث في المجال الموسيقي والثقافي بصفة عامة. وكانت له إسهامات في مجال التلحين، وتعد أغنية «يا رسول الله خذ بيدي» التي أسند أداءها لسيدة الطرب أم كلثوم، من بين الروائع الخالدة. وقد اتسمت مختلف إنتاجاته اللحنية بطابعها الديني والصوفي. ويؤكد المطرب عبدالهادي بلخياط الذي سبق له أن أدى أغنية من ألحان صالح الشرقي، وهي «هذا الميعاد»، على أن هذا الفنان الأصيل قد «خلف أثرا فوق هذه الأرض، في ميدان الموسيقى، يشكر عليه، حيث ساهم بعزفه المتقن على آلة القانون، داخل الجوق الوطني، ورغم أن الإدارة قد تعاملت معه بصفته مجرد موظف بأجر بسيط، غير أن عطاءاته كانت كبيرة». ويضيف بلخياط في هذه الشهادة التي أدلى بها لبيان اليوم، أن صالح الشرقي «نوعه حيوي، كان يبحث في مجال الموسيقى ولم يكن يكتفي فقط بالعزف، إنه فنان حاذق، له ابتكارات في هذا الميدان، حيث استطاع المزج بين اتجاهات موسيقية مختلفة. مع الأسف أن الجوق الموسيقي الذي كان يشتغل فيه، اضمحل، بالنظر إلى أنه لم يتم العناية بالخلف، وهذا انعكس بشكل سلبي على الحركة الغنائية المغربية، فقد كان كل مبدع يفجر عطاءاته في هذا الجوق، لكن اليوم هل سيبحث المبدع عن العازفين في الكاباريهات؟». وأكد المطرب محمود الادريسي بدوره على أن المرحوم صالح الشرقي فنان كبير «ضعنا فيه، وضاع فيه المغرب ككل، إنه ملحن كبير، له أغاني عديدة ذات بعد صوفي وديني، وهذا الطابع جيد جدا، استطاع أن يحتل مكانته في ساحتنا الغنائية، كما هو الحال بالنسبة لأغنية»يا رسول الله خذ بيدي». ويضيف الإدريسي في شهادته التي أدلى بها لبيان اليوم، أن الفنان المرحوم شجعه منذ الصغر وتعامل معه كثيرا على المستوى الفني، على سبيل المثال: «يا من ترى ما في الضمير ويسمع»، و»وقفت ببابك يا ذا الفتى»، و»خاتم الرسل». وأشار الإدريسي كذلك، إلى أن صالح الشرقي «ألف عدة كتب في مجال الموسيقى، وأنه يتميز بغيرته على هويته المغربية، ويتسم بأخلاق فاضلة، إنه رجل ذو وزن ثقيل من الناحية الأخلاقية والإبداعية على حد سواء». وأشار الفنان نعمان لحلو إلى أن المرحوم صالح الشرقي «موسيقي كبير، وهو أول عازف على آلة القانون ببلادنا، وقد ساهم في تأسيس الجوق الموسيقي العصري في عهد المغفور له محمد الخامس». وتابع نعمان قائلا في هذه الشهادة التي أدلى به لبيان اليوم: «ما حز في قلبه، أنه خرج مغبونا من الجوق الإذاعي، بعد تلقيه تلك الورقة التي تفيد إحالته على التقاعد. وفي اعتقادي أنه لم ينل حظه من الاعتراف بقيمته الفنية، لا أقصد هنا الاعتراف المادي بل المعنوي، وبالمناسبة أدعو إلى ضرورة الاهتمام بالمبدعين الرواد، كما أطلب من الحكومة الجديدة، أن تفكر في إطلاق اسم الراحل على معهد موسيقي أو شارع أو ما إلى ذلك. لقد سافر الشرقي كثيرا - يضيف نعمان- وقام بالتعريف بالفن المغربي في كل الأقطار التي قام بزيارتها، وكان ثمرة هذا السفر، مؤلفه المتميز جل تر المعاني. سيظل رحمه الله في وجداننا. لقد مات جسديا، لكنه لم يمت باعتباره رمزا إبداعيا كبيرا». ومن جهته قال الفنان الموسيقي عبدالفتاح النكادي، إن صلاح الشرقي يعد فنانا عصاميا على عدة مستويات: العزف والبحث والتأليف والتوثيق. وأضاف في هذا التصريح الذي أدلى به لبيان اليوم، أن المرحوم «قاوم وكون انطلاقا من لا شيء أشياء كبيرة. زار عدة بلدان في العالم، وساهم خلال ذلك في التعريف بآلة لم يكن لها وجود في المغرب. وضع ألحانا، لها قيمة فنية كبيرة، وتميز بالخصوص بإبداع الأغاني ذات الأدوار المنفردة، صحبة الجوق الوطني. وظل على طول الخط المدافع عن الهوية المغربية، وعلى الطرب المغربي باعتباره شكلا موسيقيا عالميا».