سيدي يا رسول الله خذ بيدي مالي سواك ولا ألوي على أحد فأنت نور الهدى في كل كائنة وأنت سر الندى يا خير معتمد وأنت حقا غياث الخلق أجمعهم وأنت هادي الورى لله ذي السدد يا من يقوم مقام الحمد منفردا للواحد الفرد لم يولد ولم يلد تحظى هذه الأغنية، في شهر رمضان المبارك باهتمام خاص، من طرف عشاق الأغاني الدينية لطابعها الروحي، ولاعتبارها الأغنية الدينية المغربية الوحيدة، التي غنتها كوكب الشرق أم كثلوم لملحن مغربي أثناء زيارتها للمغرب سنة 1968، فمن هو ملحن هذه الأغنية؟ وكيف بدأ مساره الفني؟ إنه الملحن وعازف القانون المغربي الشهير صالح الشرقي، الذي ولد سنة 1923 في مدينة سلا، حيث عاش طفولة صعبة، بعدما عانى اليتم. بدأ حياته الفنية منذ منتصف الأربعينيات، بفضل عازف الكمان المعروف أحمد زنيبر، الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي، لصالح الشرقي الذي كان نزيلا بإحدى دور الأيتام. أخذ الشرقي عن زنيبر دروس الموسيقى والعزف على آلة العود، وانضم إلى المجموعة التي كونها إلى جانب عدد من العازفين المهرة من أمثال عازف العود المعروف عمر الطنطاوي، وعازف الناي علي كاعب، وعازف الفيولونسيل عبد العزيز السباعي، وعازفي الكمان محمد سميرس ومصطفى الحريري.. سنة 1944، أصبح عازفا على آلة القانون، بعدما استهوته هذه الآلة العجيبة بشكلها وكثرة أوتارها ورحابة أنغامها، رغم أنه بدأ بالعزف على آلة العود، التي لم تتجاوب مع إحساسه الفني بصفة متكاملة. في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، التحق الشرقي بأول جوق موسيقي عصري للإذاعة المغربية، الذي كان يضم نخبة من خيرة الفنانين من أمثال الفنان عبد النبي الجيراري، الذي يعود له الفضل في تكوين أول جوق عصري حقيقي، وعبد القادر الراشدي، وإسماعيل أحمد، وأحمد البيضاوي، الذي أخذ عنه الشرقي مبادئ الموسيقى الشرقية، وآخرين، ومنذ 1952 بدأت رحلته المنتظمة مع أنغام آلة القانون، التي عايش من خلالها وعلى امتداد أزيد من نصف قرن من الزمان، العديد من النجوم في عالم الغناء والطرب. التقى صالح الشرقي بمشاهير الفن العربي وعلى رأسهم الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1967 في القصر الملكي، حيث قابل الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يشجع الفنانين المغاربة من خلال تنظيم لقاءات تجمعهم بنظرائهم الشرقيين، وكان إلى جانبه محمد عبد الوهاب، حيث استأذن الملك وعبر له عن رغبته في تأليف كتاب"المستظرف" وشجعه عبد الوهاب، فطبع الكتاب بأمر من جلالة الملك الحسن الثاني. في عام 1968 التقى سيدة الطرب العربي الفنانة أم كلثوم، أثناء حلولها ضيفة على المغرب، في إطار الجولة، التي قامت بها في شمال إفريقيا، فأقام الأمير الراحل مولاي عبد الله حفلا استدعى إليه أعضاء الجوق الوطني لتنشيطه موسيقيا، من خلال تقديم بعض الموشحات، فاقترح الفنان إبراهيم القادري موشح "يا رسول الله خذ بيدي"، الذي كتب كلماته عبد القادر الجيلاني ولحنه صالح الشرقي تلبية لرغبة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وما إن بدأ الجوق في ترديد الموشح حتى بدأت كوكب الشرق تنصت إلى الأغنية باهتمام كبير واستدعت أحد أعضاء المجموعة الصوتية ليسمعها كلمات القصيدة، ليفاجأ أعضاء الجوق الوطني بقيام أم كلثوم واندماجها في الأداء، ما كان مفاجأة بالنسبة لصالح الشرقي، الذي يقول وهو يتذكر تلك الأيام إنه ارتبك وهو يرى السيدة أم كلثوم بتاريخها الفني تغني قطعة من ألحانه، لتظل ذكرى يفتخر بها هذا الملحن الكبير، لأنها تعكس قدرة الفنان المغربي على الإبداع وعلى إقناع كبار مشاهير الغناء في الوطن العربي بأصالة وروعة اللحن المغربي. ساهم صالح الشرقي لسنين طويلة، إلى جانب رفاقه القدامى في جوق الإذاعة والتلفزيون، في وضع الأسس الأولى للأغنية المغربية، بمواهبه المتعددة وطموحاته وحبه للموسيقى والفن، من خلال تأليف العديد من الكتب التي أغنت المكتبة الفنية المغربية والعربية. ورغم الصعوبات المادية والمعنوية، التي واجهته، إلا أنه تمكن من نشر ما يناهز سبعة كتب تؤرخ لتطور الحركة الفنية في المغرب، منها كتاب "القانون في الموسيقى المغربية"، الذي يحتوي على تعريف كامل لآلة القانون، وأهم الخصائص، التي تمتاز بها وكذلك أساليب العزف عليها، والكتاب الثاني "المستظرف في قواعد الفن والموسيقى"، الذي أصبح مرجعا أساسيا لطلاب المعاهد الموسيقية، وكتاب"أضواء على الموسيقى المغربية" الذي يحكي عن البدايات الأولى لرواد الأغنية المغربية، كما ألف كتاب "الموسيقى المغربية" الذي يعتبر مرجعا أساسيا مهما وسجلا توثيقيا للموسيقى المغربية بمختلف أوزانها وإيقاعاتها. ومن إصداراته، أيضا، كتاب "الثلاثي، الرباعي، الخماسي" وهو كتاب يجمع عددا من المقطوعات الموسيقية القديمة والحديثة وهي مدونة بالنوتة بشكل دقيق. بهذا التاريخ الفني المشرف، ستبقى صورة سيد القانون المغربي صالح الشرقي محفورة في الذاكرة المغربية، كما سيبقى اسمه متألقا، من خلال معزوفاته المتميزة ومؤلفاته الموسيقية الرائدة، التي ساهم بها في خدمة الفن المغربي والعربي الأصيل.