انتقل إلى عفو الله، بعد ظهر أول أمس الاثنين، الفنان الكبير صالح الشرقي في إحدى مصحات الرباط عن عمر يناهز 88 عاما. وشكل الفنان، في رأي العديد من الباحثين، ظاهرة فريدة في المجال الفني بالنظر إلى ما قدمه للوسط الفني من ألحان وتوثيق وتطوير الأغنية المغربية؛ هذا إلى جانب أنه كان يعد أحد أمهر العازفين على آلة القانون في المغرب. ارتبط اسم الفنان الراحل صالح الشرقي بما عرف ب«جيل الرواد المؤسسين لصرح الموسيقى المغربية» الذي ضم هامات من أمثال أحمد البيضاوي وعبد الوهاب أكومي والمعطي البيضاوي والعباس الخياطي وعبد النبي الجيراري وعبد القادر الراشدي ومحمد فويتح وإبراهيم العلمي والعربي الكواكبي ومحمد بن عبد السلام وعمرو الطنطاوي وغيرهم. رأى الفنان الراحل النور في مدينة سلا سنة 1923، حيث قضى بها فترة من عمره، قبل أن تقرر العائلة الانتقال إلى مدينة الدارالبيضاء. وتشكل سنة 1945 السنة التي برزت فيها ملامح الفنان المغربي الشاب صالح الشرقي، وقد تلقى أصول وقواعد الفن على يد أستاذه الراحل أحمد زنيبر، فالأخير هو الذي لقنه العزف على الآلات الوترية وغير الوترية، إلا أن وَلَهَ الفنان الراحل جرّه إلى آلة القانون، مما جعله يعكف على تعلم هذه الآلة إلى أن أصبح متخصصا فيها. انتمى الراحل صالح الشرقي سنة 1951 إلى الجوق العصري الأول، التابع للإذاعة والتلفزة المغربية، الذي كان يضم آنذاك أمهر العازفين في المغرب، واستطاع الفنان الشرقي، في السنة ذاتها، أن يبتكر أسلوبا متميزا في الموسيقى يقوم على قواعد علمية متطورة، قبل أن يقرر في سنة 1957 التوجه إلى العاصمة الفرنسية باريس لدراسة «الصولفيج» تحت إشراف وتوجيه الأستاذ مارتينوت الذي لقنه مبادئ وأصول الموسيقى الغربية الكلاسيكية والعصرية، واختير سنة 1963 عضوا في الأوركسترا السمفونية بالمعهد الموسيقي في الرباط، كما أسس سنة 1964 ناديا فنيا في سلا سماه «المستظرف» الذي أراده أن يشكل ملتقى وفضاء لكل الفنانين. وإلى جانب تجربته في العزف والتلحين، خلف الراحل العديد من المراجع الأدبية الفنية، من بينها كتاب «القانون في الموسيقى المغربية» (1965)، وهو مجموعة تعاليق حول آلة القانون وخصوصياتها الموسيقية، و«المستظرف في قواعد الفن الموسيقي» (1972) و«أضواء على الموسيقى المغربية» (1975) و«الإيقاع والمقامات» (1994) و«ثلاثي-رباعي-خماسي» (1996) و«جل ترى المعاني» (1997) وهو سيرة ذاتية للراحل، كما مثل المغرب في العديد من التظاهرات الإقليمية والدولية. وساهم الفنان الراحل صالح الشرقي في إثراء الخزانة المغربية باشتغاله مع العديد من الفنانين وأهدى للمغاربة أجمل الألحان، من بينها قطعة «يا رسول الله خذ بيدي»، وهي من كلمات مولاي عبد القادر الجيلاني، التي أثارت إعجاب سيدة الطرب العربي أم كلثوم فغنتها خلال زيارتها للمملكة سنة 1968.