في بداية الثلاثينات من القرن الماضي بدأت تتبلور في المغرب حركة نغم جديدة. تذكرنا بمثيلتها في مصر على عهد سيد درويش. تنشد لنفسها الحداثة والتمايز عن الموسيقى التقليدية. بشقيها الشعبي والأندلسي. دون أن تقفز على الرصيد الزاخر لهذا التراث الأصيل. بل وظفته في إبداع روائع أغنية مغربية حديثة. سميت منذ نشأتها “بالأغنية المغربية العصرية” تناغمت مع الأنسام المشرقية التي هبت عليها بفضل انتشار الحاكي ثم على أمواج الأثير مع ظهور الإذاعة. فأثرت فيها تأثيرا واضحا. وعرفت الأغنية المغربية العصرية “فترة ازدهار دامت زهاء ثلاثة عقود. من منتصف الخمسينات إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي. ثم أخذت تتراجع وتتدهور إلى أن ساء حالها وأصبحت أزمتها حادة. في التسعينات ولا زالت تراوح مكانها إلى اليوم. فكيف نشأت الأغنية المغربية العصرية؟ وما مسيرها؟ وما طبيعة أزمتها؟ يواجه الباحث في تاريخ الموسيقى المغربية صعوبة منهجية بالغة. نابعة من ندرة المصادر والمراجع. وشح المعطيات المتعلقة بخاصة ببداياتها. وتزداد وعورة مسالك البحث. كلما توغلنا في تاريخ الموسيقى المغربية العريق. فيواجهنا الغموض الذي يكتنف ما قبل الفتح الإسلامي في شمال إفريقيا. ويشق الحديث عن بداية اتضاح صورة الموسيقى المغربية. قبل توافد هجرات العرب على المغرب في العصر الإسلامي التي كان لها أثر واضح في إغناء الموسيقى المغربية. حيث حمل المهاجرون العرب الموسيقى اليمنية وموسيقى الخليج العربي. مع تأثيرات الموسيقى الفارسية. رفقة القوافل التجارية والحملات العسكرية. وقد عرفت الموسيقى المغربية فترات ركود. ولحظات تطور. حسب ما كانت تمليه تقلبات الأوضاع التاريخية واختلاف الدول المتعاقبة على المغرب. وتباين رقعها الجغرافية وامتدادها السياسي وتفاوت قوة فعلها الثقافي. حملت هجرات الأندلسيين إلى المغرب التراث الموسيقى الأندلسي الزاخر وخاصة بعد سقوط غرناطة سنة897ه/1492م وهي آخر معقل عربي “بالفردوس المفقود”. وكان لهذا الفن الرفيع أثره في إعادة صياغة ملامح الموسيقى والغناء في المغرب. فامتد تأثير الموسيقى الأندلسية إلى الغناء الشعبي القائم على الزجل حتى أخذ يقترب في قالبه الشعري من القصيدة الفصحى. وخاصة في “فن الملحون”. وبفضلها اغتنت الموسيقى المغربية بألحان وموازين جديدة. نتيجة ابتكار مقام “نوبة الاستهلال” في دنيا الألحان والمقامات. وابتكار إيقاع الدرج كما يسجل ذلك عبد العزيز بن عبد الجليل في كتابه “مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية” صادر ضمن سلسلة عالم المعرفة عدد 65 لسنة 1983 ويعتبر هذا الكتاب إنجازا مهما في مجال التاريخ للموسيقى المغربية. وهو مجال يحتاج إلى استنهاض جهود أكاديمية فاعلة. تحيط بجوانبها وتضيء عتمتها. وتستجلي الغموض الذي يكتنفها في الكثير من لحظات الماضي القريب والبعيد على حد سواء. تتكون الموسيقى المغربية التقليدية من قسمين كبيرين: القسم الأول يتمثل في الموسيقى الشعبية ذات الألوان المختلفة. كالملحون والعيطة والﯕناوي والمرساوي والعلاوي والدقة المراكشية والطقطوقة الجبلية واحيدوس وأحواش وأجماك والدرست وهوارة والغنوج وإزران. وأغاني الروايس والهيت وأسكا.. وغير ذلك كثير. أما القسم الثاني/ فيتمثل في الموسيقى الأندلسية التي انتشرت في حواضر المغرب التي استقر بها المهاجرون الأندلسيون. وخاصة بفاس والرباط ووجدة وتطوان. وهي موسيقى النخبة والفئات المدينية الميسورة. وتتوزع إلى ثلاث مدارس: 1-مدرسة الآلة الأندلسية 2- مدرسة الطرب الغرناطي 3- مدرسة المألوف. وهذه الأخيرة لم يعرفها المغرب وانحسر تواجدها في تونس وشرق الجزائر. ويمكننا أن نلمس الأهمية التي حظيت بها الموسيقى الأندلسية في المغرب. ولا تزال إلى اليوم. كتراث فني أصيل ورفيع. من خلال اعتناء المغاربة بها وصيانتها والحفاظ عليها. بتعاطيهم لها في المناسبات والأعياد والأفراح. وتشكيل فرق موسيقية وأجواق إذاعية. وجمعيات تعنى بممارستها وتلقينها للأجيال الصاعدة ومن بينها جوق محمد لبريهي. أحد أبرز أعلام الموسيقى الأندلسية. وفي هذا الإطار جاء تأسيس جوق الخمسة والخمسين في بداية الثلاثينات من القرن الماضي على يد الملك الراحل محمد الخامس. وهي فرقة موسيقية نحاسية استعراضية متخصصة في أداء النوبات الأندلسية. وسميت على العدد 55 وهو حاصل إحدى عشر نوبة مقام مضروبة في الموازين الخمسة الأندلسية 55 = 5 ففي كل نوبة من نوبات الموسيقى الأندلسية الإحدى عشر خمس حركات إيقاعية. فيكون مجموع الأجزاء اللحنية- الإيقاعية فيها بالتالي هو خمسة وخمسين جزءً. وكان ممن عين بفرقة الخمسة والخمسين بأمر ملكي. عبد السلام الرفاعي. أحد أبرز أعلام الموسيقى الأندلسية بالمغرب. وهو والد عباس الخياطي والغالي الخياطي وكلاهما يعد من أقطاب الأغنية المغربية العصرية التي جاءت متميزة عن الموسيقى التقليدية. باعتمادها على الإبداع في التأليف والتلحين والأداء بأسلوب حديث. دون أن يعني ذلك إحداث القطيعة مع الفن التقليدي. بل شكل اللونان الشعبي والأندلسي رافدين كبيرين من الروافد التي نهلت منها الأغنية العصرية. ويتضمن مفهوم التميز الذي نشير إليه مقولتي التمثل والتجاوز. فقد نجحت الأغنية المغربية العصرية. في عهدها الزاهر. في تمثل مختلف المشارب الفنية التقليدية والحديثة. وإبداع فن راق وأصيل في آن معا. بحيث تضافرت الروافد الشعبية والأندلسية وكذا المشرقية بروح عصرية أكسبت هذه الموسيقى سماتها الحديثة. والحداثة بالطبع. لا تعني التغريب. بل الانسجام وروح العصر من منطلق الأصالة والخصوصية. ويرتبط الحديث عن البدايات الرسمية للموسيقى المغربية العصرية. بمبادرة أخرى للملك الراحل محمد الخامس. في بداية الثلاثينات من القرن العشرين. تمثلت في تأسيسه ل”الجوق الملكي للموسيقى العصرية”. وأسند رئاسته للموسيقار المصري الكبير مرسي بركات وكانت هذه المبادرة خطوة مهمة لمرحلة جديدة ستشهدها الأغنية المغربية العصرية. وبرز “الجوق الملكي للموسيقى العصرية” كأحسن فرقة موسيقية إلى حدود تلك الفترة. ضمت أمهر العازفين والمطربين. وتألقت من خلال عروضها. في مناسبات مختلفة منها عيد العرش لسنة سبعة وثلاين وذاع صيتها في مختلف أرجاء المغرب فلمعت بفضل إشعاعه أسماء أصبحت وازنة في الساحة الموسيقية المغربية. كالموسيقار أحمد البيضاوي. رائد القصيدة. وصاحب الصوت الندي. ومحمد فويتح. والأخوان الخياطي. وظهر تأثر أحمد البيضاوي واضحا بالأسلوب الشرقي بينما نهل الخياطي من الموسيقى الأندلسية. وكان قد حل في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي. عدد من الفنانين المصريين على المغرب. لما وصلتهم أصداء انتشار الموسيقى الشرقية في أواسط الجمهور المغربي. والمكانة الرفيعة التي تحتلها لدى الأسر المغربية. ومن أبرزهؤلاء: محمد المصري. طاهر المصري. مرسي بركات وسامي الشوا عازف الكمان البارع. وكانت لهم علاقات طيبة مع أعلام الطرب الأندلسي أمثال الفقيه محمد البريهي .. كما حل بالمغرب في نفس الفترة بعض الفنانين التونسيين أمثال خميس ترمان ولويزة التونسية. وهما من أبرز الأصوات التونسية آنذاك. وكذا بعض الفنانين الجزائريين مثل الشيخ العربي التلمساني. وابنه رضوان. والشيخ محمد بن قدور بن غبريط ... وقد دخل الغناء المشرقي حلبة التنافس مع الغناء الأندلسي. فاحتل الغناء الشرقي مكانة الصدارة حتى صار اللون الغنائي المفضل. كما يسجل ذلك صالح الشرقي؛ أحد رواد الموسيقى المغربية. وأحد أبرز عازفي آلة القانون. في كتابه “الموسيقى المغربية شكل انعقاد مؤتمر الموسيقى العربية الأول سنة 1932 بالقاهرة الذي شارك فيه المغرب بوفد موسيقي غلب عليه الطابع الأندلسي مناسبة هامة للتعرف عن كثب على التقدم الذي أخذت تنجزه الأغنية الشرقية العربية والمصرية بالخصوص. على يد روادها الكبار أمثل محمد عبد الوهاب والقصبجي والشيخ زكريا أحمد وأم كلثوم .. استمرارا للريادة الأولى وخاصة انجازات محمد أبو العلا وسيد درويش .. مما أذكى الوعي الفني لدى الموسيقيين المغاربة بضرورة تطوير الأغنية المغربية لتواكب العصر. ومن أسماء الجيل الأول للأغنية المغربية العصرية. إضافة إلى أحمد البيضاوي والأخوين عباس الخياطي والغالي الخياطي. وعبد الوهاب أﯖومي وعبد النبي الجراري. نذكر ﯕنون. محمد تويزي. محمد الكغاط. بوشعيب ولد المؤذن. قاسم العلوي. محمد كحزيزي. محمد القزوي. حماد برادة. والتوأم الحسن والحسين والتهامي بن عمر. الحسين بلمكي. أحمد بناني. محمد بن عبد الله. محمد زنيبر. المعطي البيضاوي. عبد القادر راشدي وإدريس القانونجي. ويعتبر الموسيقار الراحل عبد الوهاب أﯕومي أول موسيقي مغربي أحرز على أعلى تكوين موسيقي في ذلك الوقت من ضمن الموسيقيين المغاربة. إذ بعد دراسته في كلية فؤاد الأول للموسيقى بالقاهرة بين سنة 1945و1953 اتجه نحو فرنسا ليستكمل تكوينه بمدرسة “نورمان” العليا للموسيقى. فحصل منها على شهادة التأليف العالمي للموسيقى. وعاد إلى المغرب سنة 1955 ليشتغل بالتعليم الموسيقي. ثم أسند إليه منصب مدير المعهد الوطني للموسيقى والرقص والفن المسرحي بالرباط بين 1958 و 1974 ليشغل بعد ذلك منصب المستشار الفني بوزارة الشؤون الثقافية. وخلال إقامته بالقاهرة سجل عبد الوهاب أﯕومي للإذاعة المصرية والإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدنى وراديو دلهي. ألوانا من التراث الموسيقي المغربي وظهر في شريط المنتقم” مع أحمد سالم. ونور الهدى. ثم شارك مع يوسف وهبي في أوبرا “العباسة أخت هارون الرشيد”. وإلى جانب نشاطه الفني ساهم في التعريف بالقضية المغربية في دار المجاهد الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة. وفي باريس ألقى عدة محاضرات عن الموسيقى العربية. وغنى في مسارحها. عبد الوهاب أﯕومي هو أول من انشأ أركسترا سمفونياً بالمغرب شكلها من طلبة المعهد الوطني للموسيقى ودار الأيتام بالرباط. وقام بوضع توزيع بوليفوني لبعض صنعات الموسيقى الأندلسية. ومن أهم قصائده الغنائية “التائه قالت لخلها ثريا” “بري” وأغاني أوبريت “المجلد الخالد” وأغاني فيلم “عنترة العبسي” من بطولة سراج منير وأمينة رزق ملحمة “لن تقف المسيرة”. في الموسيقى البحتة والتصويرية “قافلة الصحراء” و”دمعة في الليل” و”رقصة الغزلان” “موكب الربيع” و”رقصة الحبايب” و رقصة العيد” ومقدمة أوبريت “موكب الوطن” التي شارك في تلحينها أحمد البيضاوي والعربي الكواكبي وعبد القادر راشدي وعبد الوهاب الدكالي. وقد أورد عبد الله رمضون سيرة عبد الوهاب أﯕومي وأحمد البيضاوي وسعيد الشرايبي وعبد السلام عامر ومحمد بلخياط وآخرين من رواد الموسيقى المغربية وخاصة في آلة العود بالمغرب في كتابه القيم “آلة العود في المغرب واجه الرواد المؤسسون للأغنية المغربية العصرية معارضة الإتجاه المحافظ الذي رأى في هذا التجديد خروجا عن الأصالة المغربية وضربا من التغريب. كما واجهوا قمع السلطات الاستعمارية التي توجست من انبعاث فن غنائي رفيع في المغرب. قد يجيش له الوجدان الجمعي. فيكون عاملاً محركاً يساهم في إذكاء الوعي الوطني لدى الشعب. وفي ظروف صعبة تشكلت بعض الأنوية الموسيقية من عدد من الفنانين في بعض المدن. على رأسٍ كل منها علم من أعلام الموسيقى المغربية العصرية الناشئة في تلك الفترة. وهكذا تأسست في الدارالبيضاء نواة محمد زنيبر والمعطي البيضاوي وفي الرباط نواة عبد النبي الجراري الذي يرجع إليه الفضل في اكتشاف العديد من الأصوات الغنائية الجيدة. من أبرزها صوت المطرب المقتدر عبد الهادي بالخياط وفي فاس تأسست نواة محمد فويتح. واتجهت كل نواة إلى تشكيل فرقتها الموسيقية. فظهرت الأجواق التالية: - جوق الميتم برئاسة محمد زنيبر – جوق الاتحاد الرباطي برئاسة عبد النبي الجراري - جوق الشعاع برئاسة محمد فويتح، ومن العروض الإذاعية التي كان لها وقعها حينئذ: الحفل الذي أحياه جوق الاتحاد الرباطي سنة 1947. وبثته الإذاعة الوطنية على أمواجها. وتلى نجاح هذه الفرق. ظهور فرق موسيقية أخرى كفرقة الكواكب التي تشكلت في الدارالبيضاء من طرف المعطي البيضاوي والمختار المذكوري. “وفرقة التقدم الرباطي” برئاسة عبد القادر راشدي. وهو عازف من أقدم أعضاء فرقة الاتحاد الرباطي. تولى رئاسة الجوق الوطني. وله عدد من الألحان من أشهرها معزوفة لأطلسية. وكان شقيقه محمد الراشدي الذي توفي في شهر أبريل 2004 ممن التحقوا للعمل بالقصر الملكي منذ فجر الاستقلال إلى آخرأيام حياته. وهذا التعدد في الأجواق. خلق نوعا من المنافسة البناءة بين الفرق الموسيقية وبين المطربين. وحفز على الإبداع والرقي بالموسيقى المغربية العصرية. فكثرت التظاهرات الفنية. وبرزت فيها العديد من الأصوات الغنائية الجيدة. مما أزعج السلطات الاستعمارية التي كانت تسعى بكل ما أوتيت إلى دحر النهضة الموسيقية في المغرب. فأمرت بمنع العروض الموسيقية التي بدأت في تنظيمها تلك الأجواق في عدد من المدن كالرباطوالدارالبيضاءوفاس. مخافة تأجيج الحماس الوطني لأن الاستعمار كان يدرك جيدا الخطر الذي يشكله عليه الفن الرفيع إذا ما انتشر بين أفراد الجماهير. لأنه يرقي الذائقة الجمالية. وينمي نشدان الحرية والعزة. ويقوي الإحساس بالذات الفردية والجماعية فيصير طاقة هائلة لاستنهاض الهمم وتقوية العزائم من أجل التحرر والإنعتاق من ربقة الحجر والوصاية والسيطرة. اجتهد الموسيقيون المغاربة للتخفيف من الطابع الشرقي للأغنية المغربية العصرية الناشئة. وتغليب الطابع المحلي الخالص عليها. فهم إن ولعوا بالنغم العربي المشرقي الرفيع فإنما كان ولعهم به لأصالته الإبداعية. فأرادوا أن يكون إبداعهم العصري أصيلا أيضا يعكس الروح المغربية. وفي سنة 1952 تأسس أول جوق إذاعي عصري يحمل اسم “جوق راديو المغرب للطرب العصري التابع لدار الإذاعة المغربية”. برئاسة الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي هو من الفنانين الذين تشبثوا بالقوالب الموسيقية المشرقية الموروثة. كما ساهم في تطوير الموسيقى المغربية وارتبط اسمه بتلحين قصائد الشعر القديم خصوصا قصائد الشاعر الأندلسي ابن زيدون. ومن ألحانه “أضحى الثنائي”. و”قل لمن صد وخان” و”يا صاحب الصولة والصولجان و”حبيبي تعال” و”البردة”... بالإضافة إلى عدد هائل من الألحان الغنائية. أوبرتات وملحمات وأناشيد وطنية. ناهيك عن مجموعة من السماعيات التي تعتبر مرجعاً لطلبة المعاهد الموسيقية. وقد توفي سنة 1989. ويعتبر الجوق الوطني حاليا الامتداد الطبيعي ل”جوق راديو المغرب للطرب العصري”. وقد توالى على رئاسته بعد أحمد البيضاوي كل من عمر طنطاوي وعبد القادر راشدي وحاليا عبد العاطي أمنا وتمثلت الانطلاقة الفعلية للمرحلة الثانية من تطور الأغنية العصرية المغربية في تنظيم الإذاعة الوطنية للحفل الموسيقي الأسبوعي. فوجدت بعض الفرق الموسيقية طريقها إلى الجمهور من خلال الإذاعة. وكانت تنتمي إلى الرباط وسلا والدار البيضاءوفاس ومراكش. فاشتدت المنافسة بينها في تقديم الجيد من الأعمال الغنائية التي أسهمت بقوة في الدفع بالأغنية المغربية إلى آفاق رحبة. وهكذا كان للإذاعة دور مهم في جمع الفنانين المغاربة. وبفضل الاحتكاك المباشر. والعمل اليومي في هذا الفضاء الإعلامي الجديد ظهرت طاقات باهرة وعطاءات فنية صادرة عن كفايات عالية. خاصة وأن كل البرامج الإذاعية كانت تنقل مباشرة على الهواء. مما انعكس إيجابيا على تطوير الأغنية المغربية واستفادت الفرق الجديدة من تجربة الجوق الملكي في الحرص على الإبداع وتطوير الأداء وتكوين الفنانين الشباب. وكانت فرقة أحمد البيضاوي بالإذاعة تضم رواداً تركوا بصماتهم واضحة على الموسيقى المغربية أبرزهم: عبد القادر راشدي، عبد الرحيم السقاط، المعطي بلقاسم، أحمد شجعي والمعطي البيضاوي.. بالإضافة إلى عدد من السوليست البارعين منهم في آلة القانون: صالح الشرقي ويعد أبرز عازف مغربي على هذه الآلة يشارك بالعزف في العديد من بلدان العالم ويتسم أسلوبه بالنفحة الروحية، وفي آلة الكمان برز محمد بن هاشمي، محمد سميرس وعباس سميرس. وفي آلة الفيولونسيل: المكي الرايسي وفي الإيقاع عبد الكريم بوهلال. وظهرت أربعة اتجاهات تتجاذب الطرب المغربي: اتجاه أول نهل بالدرجة الأولى من التراث الشعبي، واتجاه ثان انطلق من الموسيقى الأندلسية، وثالث بقي وفياً للطابع الشرقي، وآخر رابع انفتح على التراث المغربي والروح الشرقية معا. وقد خط لنفسه منحىً حداثياً فنجح في اكتساح الساحة الفنية بإبراز الطابع المغربي من خلال الزجل والإيقاعات المحلية وأساليب الصياغة اللحنية المتسمة بالخصوصية دون إغفال المقامات والإيقاعات العربية وتوظيفها بشكل خاص في قالب القصيدة الذي يتطلب الإبداع فيه مستوى عال من الكفاية الموسيقية واللغوية والأدبية؛ فبدأت الأغنية المغربية تتطور وتتألق بفضل جهود مبدعيها. ومن الأسماء التي صنعت مسار هذا الغناء المغربي العصري من تلك الاتجاهات: الحسين السلاوي وهو فنان من الرواد الأوائل نهل من الموسيقى الشعبية ونظم بنفسه كلمات أغانيه وصاغها في قالب لحني جميل ومعبر وأعطاها من صوته ما حببها إلى نفوس الجماهير الشعبية ويعتبر أطول باعاً وأثراً. وقد امتد به العمر حتى بداية العقد السادس من القرن الماضي وما تزال أغانيه المسجلة تذاع بين الفينة والأخرى على موجات الإذاعة المغربية، وبعض الإذاعات الأجنبية. وكان الحسين السلاوي صاحب روح متفتحة يؤمن بالاختلاف ويتجاوب مع الأصناف الموسيقية على تعدد مشاربها. استقى موضوعاته من صميم الواقع المغربي وصلب الأحداث المستجدة في البلاد، فغنى عن الأمريكان في الحرب العالمية الثانية عندما نزلت جيوشهم بشواطئ الدارالبيضاء، وتحدث عن دهاء البدوي في أغنية “العروبية مطورين”، وهو إلى جانب ذلك عبر عن جمال الطبيعة المغربية والمدن التي عزلها الاستعمار بحدود وهمية فغنى لطنجة عروس الشمال المغربي أغنية “طنجة يا العالية”. أيضاً عبد السلام عامر: وهو فنان عصامي موهوب تشرب الموسيقى الشرقية فأثرت بقوة في إسهامه البارز في مسار الأغنية المغربية. اشتغل بالإذاعة المغربية بين 1959 و 1979. وكانت أعماله وراء نجاح العديد من الأصوات الغنائية المغربية مثل عبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط، عبد الحي الصقلي، إسماعيل أحمد، رذاذ الوكيلي وليلى الشنا. وتركزت أهم ألحانه في القصيدة ومنها: آخر آه، حبيبي، ميعاد، القمر الأحمر، واحة العمر، الشاطئ، تعالي، راحلة، قصة الأشواق، حديث عينيك، موكب الخالدين، مواكب النصر، سبحان الإله، وطني يا قلعة الأسود، النخيل، وغنت لنا الدنيا ... توفي يوم 14 أيار (ماي) 1979 بعد معاناة مريرة من المرض عبد الرحيم السقاط: ولد سنة 1933. من أبرز الملحنين المغاربة الذين تركوا بصماتهم واضحة على الأغنية المغربية. عاش مناضلاً وطنياً وفناناً مرهف الحس. نال أعلى دبلوم في الموسيقى من جامعة فؤاد الأول بالقاهرة. سجل أول لحن له “علاش يا غزالي” مع المطرب الراحل المعطي بلقاسم. أبدع مجموعة من أجمل الأغاني المغربية الناجحة مع أشهر المطربين والمطربات المغاربة. فغنى له عبد الوهاب الدكالي. “وشاية” و بلغوه سلامي”. وفتح الله المغاري “كاس البلار” وعبد الهادي بلخياط “الهاتف” و”صدقت كلامهم” و”قطار الحياة”، توفي سنة 1985 ثم عبد الوهاب الدكالي: موسيقار مجدد، ومطرب متأنق ورقيق جمع بين الطابعين الشرقي والمغربي واستطاع أن يتغلب على مصاعب البداية بإرادة قوية. اشتغل في بداية مشواره الفني مطرباً معتمداً بالإذاعة الوطنية. لكنه ضاق ذرعاً بأسلوب العمل فيها. وكان يحس وقتها بضيق الأفق إذ فرض عليه ضرورة التقيد بألحان غيره من الملحنين المعتمدين بالإذاعة. فاستقال منها بعد استشارة مديرها آنذاك. عالم المستقبليات الكبيرة حالياً- الدكتور المهدي المنجرة. وقد أشار عليه أن يقوم بالخطوة التي يراها مناسبة لمسيرته الفنية فانطلق يخوض غمار التلحين لنفسه. ولقيت تجربته نجاحاً كبيراً. وتمكن من إبراز طاقاته الإبداعية كملحن ومطرب وتميزت الكثير من أعماله بتجاوز الإطارات العاطفية الضيقة إلى فضاءات رحبة للحب على خلفيات فلسفية وثقافية وقيمية ذات أبعاد عميقة بصياغات لحنية وإيقاعية فيها الكثير من الذاتية والحميمية وقد توج سنة 2001 عميداً للأغنية المغربية في حفل تكريم أقيم له من طرف النقابة الوطنية للموسيقيين المغاربة. ومن روائعه:”مرسول الحب”، “كان يا مكان” “مونت بارناس”، “الله حي”، “سوق البشرية”، “هذه الغيبة طالت”، و”ثقب في الفضاء”. وأيضاً عباس الخياطي: تميزت أعماله بالطابع الأندلسي إذ اعتمد على طبوع وموازين الموسيقى الأندلسية في وضع ألحانه ومنها: “منية الروح”، “رقصة غرناطة”، “منك وإليك”، “فجر الأندلس”، “ليالي إشبيلية”، “عتاب”، “غزلان البيد”، “دعا القلب داع”، و”الجمال الساحر” اشتغل في التدريس الموسيقي بالمعهد الموسيقي الوطني بالرباط. وبالمعهد البلدي للموسيقى والرقص والفن المسرحي بمدينة القنيطرة الذي أسسه بنفسه. وكان أول مدير له منذ 1966 إلى أن أحيل إلى المعاش سنة 1984. ودرس به مادة الصولفيج. والموسيقى النظرية وطرب الآلة الأندلسية. وعاش عباس الخياطي بين 1920 و 8 شباط (فبراير) 2004. وكان نموذجاً للفنان المتميز بنكران ذات عالية وعطاء وفير أثرى المكتبة الموسيقية للإذاعة المغربية بالكثير من التسجيلات القيمة دون أن تنال حظها الكافي من البث. كذلك محمد بلخياط : ولد محمد بلخياط في 11 غشت سنة 1951 تابع دراسته الموسيقية بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط. فحصل على الجائزة الشرفية في آلة العود سنة1976 والجائزة الأولى في مادة الصولفيج. ثم الوسام الأول في مادتي تآلف النغم والطباق اللحني. كما حصل على جائزة تقديرية من فرقة المنصور للفن المسرحي لسنة 1974. وعلى جائزة أحسن لحن للشباب من عمالة الرباط سنة 1977 ثم جائزة شرفية من جمعية الأمل العربي للمعوقين سنة 1983. واختير من سنة 1978 إلى سنة 1981 رئيساً لفرقة أنغام. ويعمل حالياً أستاذاً لآلة العود بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط. وهو أيضاً عضو بالمكتب الوطني لأساتذة المعاهد الموسيقية. محمد بلخياط فنان مقتدر. يملك رصيداً موسيقياً من الألحان الغنائية التي ألفها لمجموعة من المطربين والمطربات المغاربة. كما ألف العديد من السماعيات واللونغات التي تعتبر مرجعاً هاماً لطلبة المعاهد الموسيقية. وهناك أسماء كثيرة ساهمت بقوة في مسيرة الأغنية المغربية من بينها: الملحن القدير محمد بن عبد السلام. وتنهل أعماله من الموسيقى الشعبية. وعبد الله عصامي: وعرف بقدرته على تغيير أسلوبه في الصياغة اللحنية حسب ما يقتضيه النص الغنائي. وعبد الرفيع الشنقيطي وتتميز ألحانه بالطابع الغربي. وعبد الصادق شقارة رائد الأغنية الجبلية وإلى جانب هؤلاء نجد: عبد العاطي أمنا، عبد الحميد بنبراهيم، عبد الحميد بوجندار، لحبيب الإدريسي، حسن القدميري، أحمد العلوي، أحمد الغرباوي، عز الدين منتصر، عبد القادر وهبي، شكيب العاصمي وعدد كبير من المطربين والمطربات من أبرزهم المعطي بلقاسم، وإسماعيل أحمد، وعبد الهادي بلخياط، ومحمد الحياني، ومحمود الإدريسي، وفتح الله لمغاري، وعبد المنعم الجامعي، ومحمد الغاوي .... وقد دفع هؤلاء الموسيقيون بالأغنية المغربية العصرية إلى آفاق جديدة، تألقت في سمائها أصوات مطربين ومطربات أحرزوا نجاحات باهرة فتبلورت الأغنية المغربية بشخصيتها الموسيقية المغربية ذات الطابع العصري إلا أنها عانت من نقص في الارتكاز إلى البحث العلمي وغياب الأصوات النسائية في بداية عهدها. وإذا كانت الأصوات النسائية قد ظهرت وتكاثرت فإن مشكل الدراسة العلمية لا يزال مطروحاً. ومن الأصوات النسائية المعروفة: الأختان بهيجة إدريس وأمينة إدريس، ولطيفة الجوهري، وفاطمة الشرادي، وسعاد حاجي، وخديجة اليوسي، وشموس ... وبرزت فيما بعد أسماء أخرى منها: نعيمة سميح، وسميرة بنسعيد في بداية مشوارها الفني، ونعيمة صبري، ونعيمة السالكي، ورذاذ الوكيلي، وليلى الشنا، وبهيجة شناوي، وعائشة علوي، وعزيزة جلال، وفاطمة مقدادي ولطيفة رأفت، وغيثة بن عبد السلام، وماجدة عبد الوهاب، وعتيقة عمار، ورجاء بلمليح، وحياة الإدريسي وكريمة الصقلي ... وأخريات. وساهم في مسيرة الأغنية المغربية الشعراء وكتاب الكلمات أبرزهم في القصيدة عبد الفتاح قباج، ومحمد حكم، وعلال الفاسي، ومحمد بن عبدالله، وإدريس الجاي، وعبد الهادي التازي، ومحمد بنونة، وقادي بنعبد الله، الحاج عبد الرحمان الدكالي، ومحمد الطنجاوي، ومحمد البوعناني ومهدي زريوح، ومحمد الغربي، وعبد الرفيع جواهري،. وفهمي صلاح، وعلال الخياري، ومحمد الخمار الﯕنوني .. وفي الزجل: بشير لعلج، وأحمد الطيب العلج، وعبد القادر بن سليمان، ومحمد المزﯕلدي، ومصطفى أمل، وعبد القادر صالح، وعبد الرحمن العلمي، وإدريس علام، وحمادي التونسي، والعربي بن تركة، وفتح الله لمغاري، والطاهر سباطة، وعلي الحداني، وعبد الرحمن العلمي، وأبو بكر لمريني، ومحمد العلمي، مصطفى بغداد.. وقد طور هؤلاء الشعراء العامية المغربية وارتقوا بها إلى مستوى لغة إبداعية جميلة تقترب كثيراً من اللغة العربية الفصحى. ومن أشهر القصائد: “القمر الأحمر”، “الشاطئ”، “راحلة”، يا”، “الأمس القريب”، “حبيبي تعال”، “حبيبي لما عاد آخر آه”، “حبيبي”، “واحة العمر”، “وطني يا قلعة الأسود”، “النخيل”، “موكب الخالدين”، “مواكب النصر”، “يا صاحب الصولة والصولجان”، “يا غزالاً”، “التائه”، و”برئ”.. ومن أشهر الأغاني الزجلية: “علاش يا غزالي”، “كاس البلار”، “في قلبي جرح قديم”، “يا بنت لمدينة”، “أومالوا له”، “آش اداني”، “يا الغادي في الطوموبيل”، “يا بنت بلادي”، “جاري يا جاري”، “جريت وجاريت”، “على غفلة”.. أصبحت الأغنية المغربية التي عاشت فترة ازدهار وتألق. طوال ما يناهز ثلاثة عقود. تعاني من أزمة حادة. منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي. شأنها في ذلك شأن الأغنية العربية عامة. فدخلت دوامة خطيرة تراجع فيها الإبداع ولا تزال اليوم تنحدر إلى مزيد من التردي بالرغم من بعض المحاولات الجادة لكنها محدودة التأثير للأسف. ويمكن إجمال عوامل تلك الأزمة في صنفين كبيرين: 1-عوامل ذاتية: تتعلق بعناصر وبنيات العمل الغنائي كالنص واللحن والإيقاع والتوزيع والأداء. 2-عوامل موضوعية: وترجع إلى موقع الفن الموسيقي في الاقتصاد والإنتاج ووضعية الفنان ومستوى تنظيم المهن الموسيقية - وحدود فعالية النقد الموسيقي المتخصص ومدى الاهتمام بالتعليم الموسيقي والتربية الموسيقية من طرف الدولة والمجتمع. وهناك من يصنفها إلى: عوامل داخلية وعوامل خارجية بالنسبة لبنية العمل الموسيقي. كما في بحث لرشيد الماحي (غير منشور) بعنوان “الأغنية المغربية واقع وآفاق” أعده لنيل الجائزة الأولى في مادة الصولفيج بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط سنة 1996، لقد ساء حال الأغنية المغربية عندما تراجع الاهتمام بالقصيدة كماً وكيفاً وافتقدت الكلمات ذلك الزخم الإبداعي الذي يرقى بلغتها إلى مستوى شعري رفيع وانحصرت مضامينها في نطاق ضيق لا يتجاوز المفاهيم التبسيطية للحب فغاب عنها الهم الإنساني وبهتت فيها صورة العلاقات الإنسانية. فصارت شاحبة النظرة إلى العالم ضحلة الدلالة تعوزها فلسفة الحياة والرؤية العميقة إلى الوجود الإنساني أما الصياغة اللحنية فقد أصبحت خاضعة لسلطة الإيقاع السريع المتسلط على الجمل الموسيقية التي سقطت في السطحية والتكرار والرتابة وخفت الإيقاع الداخلي الذي هو نبض النغم ولم يعد ينبع من داخل الألحان ليترجم الانفعالات الناظمة لأوتار وحركات التعبير اللحني وأصبحت الحركة السريعة معطىً جاهزاً يسبق الحياكة اللحنية، إضافة إلى نقص الطابع المونوفوني وغياب التوزيع الموسيقي المرتكز على مبادئ الهارموني بسبب اختزال مفهوم التوزيع في التجاوب الموسيقي الآلي من خلال إسناد أجزاء الجمل اللحنية إلى آلات معينة بالفرقة الموسيقية. ومن أخطر الظواهر التي استشرت في السنوات الأخيرة في الساحة الفنية بالمغرب بشكل غير مسبوق ظاهرة قرصنة المصنف الفني في قطاع الإنتاج السمعي والسمع- بصري مما حدا بالدولة للسعي إلى القضاء على هذه الظاهرة من خلال الحملات الإعلانية والإجراءات القانونية الزجرية وتجنيد حملة واسعة بتشكيل اللجان الدائمة برئاسة الوزارة الأولى وبعضوية ممثلين عن المكتب المغربي لحقوق المؤلفين ووزارة الاتصال وقطاعات ومؤسسات العدل والداخلية والمالية والصناعة والتجارة والمواصلات والدرك الملكي والأمن الوطني وإدارة الجمارك والمركز السينمائي المغربي والهيئات الإذاعية والتلفزة والمصلحة المستقلة للإشهار ووكالة المغرب العربي للأنباء والتنظيمات المهنية الموقعة على اتفاقية استخلاص حقوق المؤلفين ويعهد إلى هذه اللجان بعدد من المهام التي ترمي إلى محاربة ظاهرة قرصنة المصنف الفني التي كرس انتشارها التأخر الحاصل في مجال تنظيم القطاعات الفنية وحماية حقوق المؤلفين؛ فقانون الفنان حديث العهد (صادر في شهر يوليو - يوليوز) 2003. وسيتطلب تفعيله الكثير من الوقت والجهد كما تأخر تأسيس النقابات الموسيقية إلى عقد التسعينات ولا زال السجال قائماً بين موسيقيين في النقابة الوطنية للموسيقيين المغاربة واتحاد مبدعي الأغنية والنقابة الحرة حول طبيعة الحقل النقابي هل هو مجال للإشعاع الفني فقط، بإقامة المهرجانات وحفلات التكريم، أم هو أداة لتنظيم الشغيلة الموسيقية بهدف تحقيق مطالبها، وتحسين أوضاعها المادية والمعنوية معا؟! مما حدا بمجموعة من الفعاليات الفنية منها النقابة الوطنية للموسيقيين المغاربة واتحاد مبدعي الأغنية المغربية إلى تجميع عدد من الطاقات التنظيمية وتأسيس نقابة موسيقية توحيدية تحمل اسم “النقابة المغربية للمهن الموسيقية” وتوج الملحن أحمد العلوي نقيباً لموسيقيي هذه النقابة في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد بالدارالبيضاء يوم 6 ماي 2004 ونصت مقرراته على هدف أساسي يتمثل في “التكتل من أجل دعم المكاسب وتخليق الممارسة الفنية وتقنين المهن الموسيقية وضمان الحقوق والقيام بالعمل النقابي الصرف الكفيل بالدفاع عن الفن المغربي وصيانته والمحافظة عليه وعلى كل العاملين في المجال الموسيقي ولم شملهم وتوحيدهم في إطار نقابي مسؤول ومؤهل فنياً والنهوض بقطاع الموسيقى والغناء “خاصة وأن هناك تحديات ثقافية كبرى تتربص بالثقافة المغربية والثقافة العربية عامة في غمرة العولمة وآلياتها المرتبطة بفتح الحدود الأرضية والفضائية واتفاقيات التبادل الحر التي تتعدى نتائجها الوخيمة الاقتصاد إلى مختلف أوجه النشاط الإنساني المادي والفكري. ونرى أن انتشال الأغنية المغربية والعربية عامة. من الأزمة التي تتخبط فيها. مرتبط بتصور متكامل يتأسس على استراتيجية شاملة للنهوض بقطاع الموسيقى وبمختلف القطاعات الفنية كإحدى أهم واجهات الصراع من أجل الحفاظ على هويتنا الثقافية من خلال الإبداع الفني والثقافي، وتقوم هذه الاستراتيجية على شراكات قوية بين الدولة وكل الأطراف الفاعلة في المجالات الفنية من شركات ومؤسسات وفعاليات ونقابات وجمعيات وفنانين فرادى وجماعات بما يخدم أهداف بناء مجتمع ديمقراطي حداثي متفتح على قيم العصر وفي منأى عن التغريب والظلامية.