في الوقت الذي تتواصل فيه المناقشات داخل لجان البرلمان، وعلى مستوى القيادات الحزبية، وبين هذه الأخيرة ووزارة الداخلية حول مشاريع القوانين الانتخابية، وحول سبل جعل الاستحقاقات المقبلة مختلفة عن سابقاتها، ومنسجمة مع مقتضيات وأجواء العهد الدستوري الجديد، تنقل لنا الأخبار حكايات متعددة عن عودة لوبيات الفساد وتجار الانتخابات إلى عاداتهم القديمة... في اليومين الأخيرين مثلا نقلت الكثير من الصحف الوطنية أخبار عديدة من جهات مختلفة في البلاد عن حملات انتخابية سابقة لأوانها تمارسها بعض الكائنات الانتخابية المعروفة، وأحيانا يكون ذلك بإسناد من بعض مسؤولي السلطات الترابية في المناطق. فجأة أطلق العنان لتدشين مشاريع كانت متوقفة منذ سنوات، وفجأة صار بعض عمال الأقاليم يحرصون على أن يتولى بعض رؤساء الجماعات وبعض البرلمانيين قص شريط التدشين أمام الناس، وفجأة أيضا حل السخاء الحاتمي ببعض سماسرة الانتخابات، وباتوا يطوفون على المواسم الشعبية المقامة في أكثر من جهة هذه الأيام، ويوزعون الإعانات المالية والذبائح على الأضرحة والزوايا، وعلى فرق الخيالة، ويقيمون الولائم، وفجأة كذلك ظهر بعض هؤلاء وصاروا يكثرون من الزيارات الليلية والنهارية للبيوت، ويوزعون وعود التشغيل وحل المشاكل الاجتماعية، ويجمعون من الأسر أحيانا نسخ البطائق الوطنية لأبنائها على سبيل التطمين، ومنهم بعض رؤساء الجماعات يعدون لوائح العمال المقبولين للشغل في بعض الشركات التي فوض لها تدبير قطاعات النظافة في المدن مثلا... وبقدر ما أن كل هذه الممارسات لا تبشر بالخير، وتكشف كيف يتربص سماسرة الانتخابات بمستقبلنا الديمقراطي، ويصرون على إجهاض أحلام شعبنا في تنظيم انتخابات ذات مصداقية ونزاهة، وقادرة على إحداث التغيير في فضائنا المؤسساتي والسياسي، فإن سلوكات كهذه تهين المغاربة في آدميتهم وفي كرامتهم، وتجعل الواقع الميداني في واد، والحديث عن إرادة التغيير في واد آخر يبعد عن الأول بآلاف الكيلومترات. لقد حملت فعلا النصوص القانونية التي يجري تدارسها هذه الأيام، وأيضا الدستور الجديد، الكثير من الإجراءات المهمة في مجال محاربة الفساد الانتخابي، لكن مع ذلك فإن من واجب السلطات الإدارية المعنية مركزيا بتنظيم الانتخابات والسهر على نزاهتها أن تتحرك بسرعة وبحزم وبإشارات ملموسة وقوية في هذا الاتجاه، ومن الآن، لكي تقوي ضمانات النزاهة، ولكي تعزز ثقة شعبنا في الخطاب، وفي الإرادة المعلنة للتغيير.. ما تنشره الصحف الوطنية، وما تنقله التنظيمات المحلية والإقليمية للأحزاب الحقيقية، ليس كله تصفية حسابات، أو اتهامات مجانية، كما أن أجهزة السلطة لها ما يكفي من الوسائل والموارد للتأكد من كل هذه الأخبار، وتدقيقها، ومن ثم التدخل الحازم والقانوني لفرض احترام القانون، ومواجهة المفسدين بشكل ملموس. إن معركة النزاهة هي الرهان الأساسي للاستحقاقات المقبلة.