محمد الطيب الناصري «إصلاح القضاء ورش كبير ويتطلب وقتا وتفكيرا وليس هناك زر للإصلاح فالمسطرة جد طويلة» أكد وزير العدل محمد الطيب الناصري أن وزارة العدل أحالت كل الملفات المتعلقة بالفساد المالي الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات على النيابة العامة التي تتخذ القرار المناسب بشأنها بعد إجراء بحث وتحقيق، قائلا «لا يوجد أي ملف يخص الفساد المالي يرقد بوزارة العدل». هذا التأكيد جاء خلال المبادرة التواصلية الجديدة وغير مسبوقة في تاريخ وزارة العدل حيث أقدم محمد الطيب الناصري وزير العدل على خلع رداء سياسة الانغلاق الذي كانت تسم الوزارة فاتحا أبوابها أمام وسائل الإعلام عبر عقد لقاء صحفي أول أمس الأربعاء تم خلاله تقديم ما تحقق على درب إصلاح القضاء وذلك منذ الخطاب الملكي ل20 غشت 2009 الذي شكل أساس خارطة طريق هذا المسار الإصلاحي. وأوضح الناصري أن الوزارة تمكنت فيما يخص تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد من معالجة 172 قضية من قضايا الفساد المالي منها 17 قضية تمت إحالتها من قبل المجلس الأعلى للحسابات وتم توجيه كل ذلك إلى النيابة العامة بالمحاكم لمباشرة الأبحاث بشأنها. وأبرز المسؤول الحكومي في هذا الصدد بأن البث في قضايا الفساد يتطلب معرفة وتقنيات خاصة بالمالية والحسابات والمحاسبة العمومية والخاصة وطرق تسيير المجالس الجماعية والصفقات العمومية، معلنا أن الوزارة في إطار إعمال التنظيم القضائي الجديد الذي سيدخل حيز التطبيق ابتداء من شهر شتنبر القادم ستعمل على إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف، بالرباط والدارالبيضاء وفاس ومراكش للنظر في الجنايات المتعلقة بالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والغدر وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها، مشيرا أن هذه الأقسام تشتمل على غرف للتحقيق وغرف للجنايات وغرف للجنايات الاستئنافية ونيابة عامة وكتابة للضبط وكتابة للنيابة العامة، وهو ما سيمكن هذه الأقسام من كافة الموارد البشرية المتخصصة والمؤهلة التي ستمكنها من أداء مهمتها على الوجه الأكمل من أجل تخليق الحياة العامة وحماية المال العام. وأكد المسؤول الحكومي أن إصلاح القضاء ورش كبير، وأن جوانب الإصلاح التي ترتبط بتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم وتأهيل الموارد البشرية والتي لا تتطلب تدخلا خارجيا من مثل دراسة ومصادقة الحكومة والبرلمان ،قد تم إنجازها من طرف الوزارة،قائلا»إن الإصلاح يتطلب وقتا وتفكيرا، وليس هناك زر للإصلاح، فالمسطرة جد طويلة لإعداد القوانين المؤطرة لتنفيذ مسار الإصلاح الذي أسس له الخطاب الملكي ل20 غشت 2009». وفي ارتباط بالجانب الخاص بالتخليق أفاد الوزير الذي كان مرفوقا بعدد من مسؤولي ومدراء بالوزارة خلال هذا اللقاء الصحفي الذي حمل عنوان «منجزات على درب الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة» والذي يمكن القول أنه ثمرة لحالة الرضا التي تتملك مسؤولي العدل على ما تحقق لحد الآن في مسار إصلاح القضاء، (أفاد) أن الوزارة قامت بتكثيف التفتيش العام والتسلسلي كوسيلة للإطلاع على مجريات تصريف القضايا من خلال التفقد الدقيق والحرص على توحيد العمل والبحث على مكامن الخلل التي تحتاج إلى دعم الإدارة المركزية. وأبرز في هذا الإطار أن المفتشية العامة للوزارة قامت في الفترة الممتدة من سنة 2008 إلى منتصف السنة الجارية2011 بما مجموعه 116 تفتيشا عاما و327 بحثا في إطار التفتيش الخاص، أسفرت عن إحالة عدة حالات على المجلس الأعلى للقضاء صدرت بشأنها عقوبات خلال السنتين الأخيرتين تمثلت في 8 حالات عزل و43 عقوبات أخرى. كما تم تنفيذ برامج لتفتيش صناديق المحاكم وتتبع أقسام قضاء الأسرة، ليمتد فتح المساطر الزجرية إلى المهن القضائية حيث تم القيام بذلك سنة 2010 في حق المحامين حيث سجل فتح 31 مسطرة، و59 مسطرة خلال هذه السنة،وكذا طالت المسطرة 87 من العدول خلال سنتي 2008 و2011، وأكثر من 380 من المفوضين القضائيين، وخمس في حق النساخ، و32 من الخبراء، و2 من التراجمة، و91 مسطرة في حق الموثقين. ومن جانب آخر بدا وزير العدل منشرحا وراضيا بشكل تام حينما تحدث عن الورش الإصلاحي الخاص بإعادة تنظيم قضاء القرب والتنظيم القضائي للمملكة، ولعله يعتبره أحد أهم المنجزات التي حققها كمسؤول عن قطاع العدالة، إذ كرر مرات عدة خلال عرضه لمختلف أوجه التقدم التي تحققت في مسار الإصلاح، الحديث عن هذا الجانب من الإصلاح معتبرا أنه يندرج في سياق «اعتماد خريطة وتنظيم قضائي عقلاني مستجيب لمتطلبات الإصلاح» وكذا «إعادة النظر في قضاء القرب»، كما حث على ذلك صاحب الجلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة ذكرى 20 غشت 2009، مؤكدا أن إعادة التنظيم القضائي يرنو نحو تقريب القضاء من المواطنين ويتيح في ذات الوقت تبسيط المساطر وضمان المزيد من الشفافية في عمل الجسم القضائي. وأعلن في هذا الصدد، أنه في إطار هذا التنظيم سيتم إحداث أقسام لقضاء القرب بالمحاكم الابتدائية ومراكز القضاة المقيمين، كجهة قضائية محترفة، مؤهلة لمعالجة المنازعات والمخالفات البسيطة، وفق مسطرة مبسطة، مع تيسير سبل التبليغ والتنفيذ، بما يحقق تقريب القضاء من المتقاضين؛ كما يمكن عقد جلسات تنقلية بإحدى الجماعات الواقعة بدائرة النفوذ الترابي لقسم قضاء كما سيمكن هذا الإصلاح من وضع تصنيف للمحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائية زجرية القرب،كما سيصبح عليه الأمر بالنسبة لمحاكم الدارالبيضاء. كما سيتم إحداث غرف استئناف على مستوى المحاكم الابتدائية، تختص بالنظر في بعض الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عنها ابتدائيا، مبرزا أن هذا التعديل سيساهم في تقريب القضاء من المتقاضين، لاسيما بالنسبة للمحاكم الابتدائية البعيدة مقارها عن مقار محاكم الاستئناف، كما هو الحال بالنسبة لمدينة الداخلة التي كان المتقاضون فيها يضطرون إلى التنقل إلى مدينة العيون حيث محكمة الاستئناف. وفيما يتعلق بتأهيل الموارد البشرية أشار المسؤول الحكومي إلى ما تحقق على مستوى الارتقاء بالوضعية المادية لموظفي كتاب الضبط، وإعداد مراسيم لمراجعة الوضعية المادية للقضاة والموظفين، مبرزا بخصوص القضاة أن إعمال الترقية تعد وسيلة من وسائل تحسين وضعيتهم. هذا وكان مدير الشؤون الجنائية والعفو محمد عبد النبوي قد أكد في رده على أسئلة الصحفيين فيما يتعلق بالعفو أن وزارة العدل لا تتحمل أية مسؤولية بخصوص القرارات الصادرة، وأنه حق خاص لجلالة الملك يمارسه خلال بعض المناسبات وليس حق للمواطن، وأن عمل الوزارة يتحدد في تلقيها لطلبات العفو وترأسها للجنة المكلفة بالبث في الملفات دون أن تكون صاحبة القرار. وهذه اللجنة التي تبت في الملفات وفق معايير محددة ،تضم ممثلا عن الديوان الملكي، والرئيس الأول للمجلس الأعلى وممثل لوكيل الملك ومندوبية السجون، وممثل عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو، وضابط يمثل القوات المسحلة في حال ما تعلق الأمر بملف سجين من هذه الفئة،مشيرا أن الوزارة لا تتحمل مسؤولية كل طلب ورد عليها ،وأن هناك عفو يطال عددا كبيرا من السجناء خلال بعض المناسبات كما حدث في الذكرى العاشرة لتربع جلالة الملك على العرش. وبخصوص علاقة وزارة العدل مع الصحافة، شدد المسؤول على أنها علاقة محكومة بأن تكون منسجمة بل وقد تكون توأم ومرآته، «وعلى كل طرف أن يراعي طبيعة وخصوصية الآخر، على القاضي أن يراعي حرية التعبير ومهنة الصحافي وأن يحترم مصدر الخبر، وعلى الصحفي من جانبه أن يراعي أن القاضي لا يمكن أن يكشف عن أمور لأنها مرتبطة بسرية البحث والتحقيق، وخارج هذا يمكن أن يكون موضوع نقد لكن مع الوعي بالعمل على جعل القضاء يسترد هيبته ليكون سندا للحريات والحقوق، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي جعل القضاء سلطة مستقلة».