قدم محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يوم السبت الماضي 18 يونيو 2022، تقرير المكتب السياسي أمام الدورة التاسعة للجنة المركزية، وذلك في إطار التحضير لإنجاح المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، تحت شعار "من أجل تجسيد البديل الديمقراطي التقدمي". وفيما يلي نص التقرير: 1- سياق وإطار الدورة الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛ السيدات الفضليات والسادة الأفاضل، نساء ورجال الإعلام؛ ها نحن نجتمع في إطار الدورة التاسعة للجنة المركزية، في حرص على انتظام اجتماعات هيئتنا التقريرية هذه. من تحليل الأوضاع المترتبة عن الانتخابات إلى تحضير المؤتمر الحادي عشر وإذا كنا قد خصصنا الدورة الثامنة السابقة، التي عقدناها يوم 30 أكتوبر 2021، غداة الانتخابات العامة، لتحليل الوضعية السياسية المترتبة عن الانتخابات، وتوصيف المرحلة وتدقيق المهام السياسية لحزبنا، فإننا سنخصص هذه الدورة التاسعة، أساساً، لإعطاء الانطلاقة لعمليات تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزبنا. أيضا، في الدورة السابقة، كنا قد تناولنا سؤال "ما العمل؟ وخارطة الطريق بالنسبة للحزب". وأتبعنا ذلك ببلورة وثيقة "في أفق تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر: مداخل للتفكير والنقاش"، ونظمنا حولها نقاشاتٍ موضوعاتية وعلى صعيد الفروع. وسيقدِّمُ، اليوم، الرفيق عبد الصادقي بومدين تقريراً حول هذه النقاشات. ونشكرُهُ، والرفيق محتات الرقاص، على قيامهما بمهمة إعدادِ تقرير حول خلاصات هذا النقاش الداخلي. والآن، نصل إلى مرحلة إعطاء الانطلاقة الفعلية لعمليات تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر. وسنعود إلى تفاصيل هذا الموضوع الأساسي الذي يُشكل محور هذه الدورة. الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛ إشعاع قوي للحزب وحضور متميز لفريقه النيابي ومنتخباته ومنتخبيه خلال السبعة أشهر ونصف، التي تفصلنا عن آخر دورة للجنة المركزية، وقعت، كما تعلمون، تطورات دولية، واستجدت مستجدات على الصعيد الوطني. وظل المكتب السياسي مواكبا، حاضرا ومُعَبرا عن مواقف الحزب، بجرأة ومسؤولية، كما كان دائما، وكما سوف يظل. وبالخصوص، ظل الحزبُ مُتابِعاً لأداء الحكومة، من موقع المعارضة الوطنية الديموقراطية والتقدمية، المسؤولة والبناءة. وبهذا الصدد، لا بد من أن نُنوه بالعمل الكبير الذي يقوم به فريقنا النيابي، وأن نهنئ رئيسَهُ الرفيق رشيد حموني وكافة نائبات ونواب الحزب على مجهوداتهم الهائلة، لإسماع صوت حزبنا على واجهة النضال المؤسساتي، من موقع المعارضة التي يُسهمُ فريقنا في تنشيطها بشكلٍ وازن. وهي مناسبة، كذلك، لنتوجه بالتحية إلى كافة الرفيقات والرفاق، عبر كامل التراب الوطني، رؤساء الجماعات الترابية والمنتخبات والمنتخبين، على ما يبذلونه من مجهوداتٍ، نُقَدِّرها ونسعى إلى مواكبتها، خدمةً لقضايا المواطنات والمواطنين، وإعلاءً لمكانة حزبنا. 2 – أهم سمات الوضع الدولي تقلبات عالمية حادة ومخاضٌ يُنبئ بميلاد عالم جديد الرفيقات والرفاق؛ لا شك في أن تداعيات جائحة كورونا لا تزالُ قائمة. وهي التي زعزعت، ولا تزال، كثيراً من التوازنات والمقاربات والعلاقات الدولية. وقد اصطدمت محاولاتُ مختلف بلدان العالم الخُروجَ بأقل الأضرار من انعكاسات الجائحة، باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ذات التأثيرات الخطيرة على العالَم بأسره، وعلى كافة الأصعدة، ولا سيما على السلم العالمي. وهي فرصة لكي نؤكد على موقف حزبنا الرافض لخيار الحرب، ولتناقضات وأطماع الأقطاب المختلفة للرأسمالية. وعن رفضنا لمحاولات فرض عالمٍ تَسودُهُ الأحادية القطبية. وذلك في مقابل مناداتنا إلى انبثاق نظامٍ عالميٍّ بديل متوازن وعادل، انطلاقاً من انتصارنا لقيم السلم والأمن والتضامن بين الشعوب. إنَّ هذه الحرب الجارية بصدد تخليف مآسي إنسانية ومادية. كما أن لها انعكاسات خطيرة، اقتصاديا واجتماعيا. وبلدُنَا تطالُهُ الأضرارُ أيضاً، متجسدةً في غلاء الأسعار، وتلاعب المضاربين والاحتكاريين. وبالتالي تدهور القدرة الشرائية للمواطن، لا سيما بالنظر إلى ارتباطنا الكبير بتقلبات السوق الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمواد الطاقية. وتنضاف إلى كل ذلك عواقبُ وآثار الجفاف. وفي المُحَصّلَة، نحن بصدد مخاضٍ عالمي يُنبئ بميلاد عالمٍ جديد مغاير، وتحولاتٍ في موازين القوى العالمية، وفي التموقعات الجيو استراتيجية، حيث تبرزُ قوىً صاعدة، وتُصَارِعُ أخرى لأجل الحفاظ على مواقعها ونفوذها، في ظل تنامي قيمٍ جديدة، وتصاعد أنماط جديدة للإنتاج، واتساع نطاق الاعتماد على الرقميات. الشعوب هي من يؤدي فاتورة الاضطرابات العالمية أيضاً، من أهم سمات الأوضاع العالمية الراهنة: سيادةُ اللايقين؛ وأزمة السياسة؛ وصعوباتُ وانحرافات الديموقراطية التمثيلية؛ وتَحَوُّلُ قوى الرأسمال الصناعية إلى قوى مالية؛ والمنافسةُ الشرسة على قيادة العالم؛ والنزاعاتُ المسلحة؛ وهشاشةُ النموذج الاقتصادي الرأسمالي؛ علاوةً على انبعاث مفهوم السيادة والأمن الاستراتيجي للدول؛ واتساع التناقضات الطبقية والفوارق الاجتماعية؛ وتفاقم الفقر حتى في بلدانٍ غنية. وذلك دون أن ننسى تسجيل الإقرار المتنامي بالأدوار الاستراتيجية للدولة، وانبثاق جيل جديدٍ من الحركات النضالية التي تسعى، بطرق مختلفة، نحو مواجهة السياسات الهيمنية والرأسمالية. ومن الواضح أنَّ الأوضاع العالمية المضطربة الحالية تؤدي فاتورتَها الشعوبُ، حيث ارتفاعُ نِسب الفقر والهشاشة والبطالة؛ وازدياد الشعور باللااستقرار؛ وتفاقم المؤشرات الاقتصادية السالبة، لا سيما بالنظر إلى إصابة عددٍ من البلدان بالتضخم المصحوب بالركود الاقتصادي stagflation، مع صعوبة الولوج إلى المواد الأولية والاستهلاكية، والارتفاع المهول في أسعار الطاقة، واختلال سلاسل الإنتاج والتوريد، بما يُفضي إليه كل ذلك من نُشوب أزمة غذائية عالمية، البلدانُ والفئات الفقيرة ضحيتها الأولى. هذا، مع تسجيل انتعاشٍ للصناعات الحربية، وتهديدٍ لسلامة الدول واستقلالها وسيادتها، وتراجعٍ في الاهتمام بالقضايا العادلة للشعوب كقضية فلسطين. موقف ثابت في دعم القضية الفلسطينية ففي الوقت الذي ينشغل فيه العالَمُ بهذه التطورات، تُمْعِنُ إسرائيل في غطرستها وجبروتها، وتزيدُ في اعتداءاتها وتقتيلها ضد الشعب الفلسطيني الأبِيّ، وتُواصل سياساتها الاستيطانية العنصرية. وفي هذا السياق، نؤكد على أنَّ حزبنا سيظل متضامنا مع الشعب الفلسطيني في نضالاته ضد الغطرسة والعنصرية وجرائم الحرب الصهيونية، وآخرها اغتيال شهيدة الصحافة شرين أبو عاقلة، وذلك حتى تحقيق مطالبه المشروعة، وعلى رأسها بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. 3- الأوضاع على الصعيد الوطني الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء؛ إنَّ الأوضاع الدولية البالغة التعقيد والسريعة التحول تُساءل بلادَنا حول أفضل السبل لتتموقع جيداً وسط هذه الزوبعات الدولية. تصاعدٌ لمكانة بلادنا عالميا بما يخدم قضية وحدتنا الترابية وتظل، في هذا الإطار، قضيةُ وحدتنا الترابية تتصدر الأولويات. وهي مناسبة للإشادة بمجهودات الديبلوماسية الوطنية ونجاحاتها المتوالية، تحت قيادة جلالة الملك، مما يُعزز مكانة وموقع بلادنا عالميا وقاريا وجهويا. حيث نُشير هنا إلى التطور الذي عرفته مواقف إسبانيا وألمانيا وهولندا، وغيرها. وهو ما نُنَوِّهُ به ونتطلع إلى مواصلته وتكريسه، بنفس الفعالية. وفي السياق، لا بد من الوقوف عند التشنج، بل التهور، الذي يَطبع تعامل النظام الجزائري إزاء بلادنا، وردود فعله الخرقاء والخطيرة، والمتنافية تماماً مع منطق العقل والحكمة، ومع مستلزمات بناء المغرب الكبير. هذا، ويظل تمتينُ الجبهة الداخلية لبلادنا هو صمام الأمان الأقوى من أجل صون وحدتنا الترابية. صعوبات الأوضاع وطنيا لا يوازيها التحرك المطلوب من الحكومة من جانبٍ آخر، فالتأثيرات الحادة للاضطرابات الدولية الجارية على اقتصادنا الوطني، تطرحُ علينا، من جديد، مسألة الأمن الطاقي والغذائي والدوائي لبلادنا. كما تطرح مسألة الجفاف والخصاص المائي، بحدة، قضية الأمن المائي الوطني. وهي قضايا أساسية تقتضي اتخاذ إجراءاتٍ ناجعة فورية، بالإضافة إلى القرارات والبدائل ذات المدى المتوسط والبعيد، من أجل تأمين المخزون الاستراتيجي، طاقيا ومائيا وصحيا وغذائيا. وبكل موضوعية، فإنَّ هذه الأسئلة والتوجهات، وغيرها من الإصلاحات الهيكلية الضرورية، واردة في وثيقة النموذج التنموي، لكن دون أن نجد لها حدا أدنى من الوجود والأثر في السياسات العمومية والمقاربات الحكومية الحالية التي صرحت أنها تعتمد هذه الوثيقة مرجعاً أساساً لبرنامجها. في هذا السياق، فإنَّ الحكومة الحالية، التي حلَّلْنَا بمناسبة الدورة الثامنة للجنة المركزية كُنْهَها وطبيعتها الطبقية، وموقفنا وموقعنا إزاءها، جاءت مُعلنةً أنها ستنفذ توجهات النموذج التنموي الجديد. كما جاءت تحمل شعاراتٍ عالية السقف، من قبيل الدولة الاجتماعية، رغم بُعدها الإيديولوجي والسياسي عن هذا المفهوم. كما أنها رفعت سقف الالتزامات والانتظارات، وقدمت وعوداً ديماغوجية لمختلف الفئات الاجتماعية. ومن باب الموضوعية نُقِرُّ بأن الحكومة اتخذت بعضَ إجراءاتٍ لفائدة بعض القطاعات والفئات، من قبيل السياحة وأرباب النقل، و"برنامج أوراش" و"برنامج فرصة"، وأخرجت 22 مرسوماً في إطار تفعيل القانون الإطار للحماية الاجتماعية. وأيضاً المقاربة الإصلاحية المعتمدة في التعليم، والتي تتأسس على الشروع في معالجة إشكاليات الموارد البشرية. حيث نؤكد، تحديداً، على ضرورة معالجة مسألة "التعاقد" بناءً على حُسن نية الجميع. لكنها إجراءاتٌ محدودة الأثر، وضعيفة جدًّا، مقارنةً مع حجم التحديات والالتزامات والطموحات. كما أنها لا تندرج ضمن تصور متكامل، بقدر ما هي مجرد مبادرات قطاعية معزولة. وهذا ما يؤكد أن الحكومة التي تنعتُ نفسها بأنها "سياسية وقوية"، وأنها حكومة الكفاءات وابتكار الحلول، بعيدةٌ كل البُعد على أن تكون فعلاً كذلك، في وقتٍ المغربُ فيه محتاج إلى أن تكون هذه الحكومةُ فعلاً سياسيةً وقوية. نعم، نعترف بأنَّ أيَّ حكومةٍ اصطدمت بهكذا ظروفٍ معقدة واستثنائية، كانت لتجد صعوبات. لكن هذه الصعوبات، ليس مقبولاً أن تتحول إلى مصدرٍ للتبرير، بل إنها نفسها هي ما يبرر الحاجة القوية إلى حكومة سياسية قوية، فعالة، ومبدعة للحلول. كما أنه ليس مقبولاً من الحكومة غَلْقُ الآفاق وإطلاقُ تصريحاتٍ مفادُها أنْ لا شيء يمكنها فعله للتخفيف من وطأة غلاء المعيشة على المغاربة. فالحكومة الحالية لم تُعطِ أيَّ مؤشراتٍ على أنها ستشرع في مباشرة الإصلاحات الهيكلية، من قبيل الإصلاح الجبائي، وإنقاذ صناديق التقاعد، وإعمال دولة القانون في المجال الاقتصادي. والإصلاحُ الوحيدُ الذي تتقدم فيه، تنظيميا فقط، هو ورش الحماية الاجتماعية الذي ننخرط فيه، بكل قوة، بالنظر إلى أنه شَكَّلَ دائماً بالنسبة إلى حزبنا أحد مبررات الوجود، حيث إنه مدخل لوضع الإنسان في صلب الاهتمام. لكن إذا توفرت لهذا الورش أسبابُ اكتمال النجاح، لا سيما شروط التمويل، وضمان التعميم الفعلي، والانكباب على إصلاح المنظومة الصحية، بما في ذلك توسيع العرض الصحي وتأمين شروط عدالته المجالية، والنهوض بالمستشفى العمومي، ومراقبة المصحات الخاصة، مع إصلاح صناديق التقاعد والتأمين الصحي، وتعزيز السياسة الدوائية، ومراجعة منهجيات وأدوات الاستهداف الاجتماعي في اتجاه ضمان حكامتها ونجاعتها. المنتظر من الحكومة هو إجراء الإصلاحات وليس الركون إلى التبرير وفي الواقع، ليست المعارضة، فقط، من يتساءل عن إجراءات وقرارات هذه الحكومة، بل أوساط مختلفة في المجتمع. فالحكومة التي كان يُفتَرَض أن تكون جزءً من الحلول صارت جزءً من المشاكل، بِضُعفها وصمتها وغيابها. فالآن، ينضاف عاملُ ضعفِ الحكومة إلى العوامل الموضوعية الصعبة، مما يزيدُ في تعقيد أوضاع المقاولة، وأوضاع الشغل، وتدهور القدرة الشرائية، وتَعَمُّقِ الفقر والهشاشة. بالمقابل، نجدُ حكوماتِ بلدانٍ أخرى، تعيش نفسَ الظروف، قد اتخذت حزمة قراراتٍ وإجراءات، في شكل مخططات متكاملة على أساس رؤية شمولية، للتخفيف من وطأة الأزمة على الناس. ولقد صبرنا، كمعارضة، على الحكومة، في الشهور الأولى التي تلت تنصيبها. لكن اليوم ليس لديها أيُّ مبرر لعدم إجراء الإصلاحات واتخاذ القرارات الضرورية؛ ولا حق لها في الاختباء وراء التبريرات. إنها، فعلاً، حكومة ماهرةٌ في فنِّ التبرير، تارة بتقلباتِ الوضع الدولي، وتارة بإرث الحكومات السابقة. في حين أن الحقيقة تكمن في كون الحزب الذي يقود الحكومة الحالية كان جزءً من هذا الإرث، بإيجابياته وسلبياته، وكان، أكثر من ذلك، مصدراً أساسيا للقرارات الاقتصادية والمالية الرئيسية على مدى سنواتٍ عديدة. فأيُّ مسؤوليةٍ هذه !؟ وحتى لو افترضنا جَدَلاً أن الحكومات السابقة جانبت الصواب في أمورٍ بعينها، فما الجدوى من الحكومة الحالية إذا لم تُبادر إلى تصحيح المسار، عوض التباكي والتَّشَكِّي!؟ ولا نعرف، اليوم، إلى متى سيطول انتظارُ الرأي العام للحكومة من أجل أن تُفصح عمَّا تنوي القيام به، اقتصاديا واجتماعيا. ولا متى ستشرع في تنفيذ النموذج التنموي الجديد الذي محاورُهُ الاستراتيجية للتحول هي: اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة؛ ورأسمال بشري مُعَزَّز وأكثر استعدادًا للمستقبل؛ وفرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي؛ ثم مجالات ترابية قادرة على التكيف وكفضاءات لترسيخ أُسس التنمية. حكومة يخترقها تضارب المصالح لكن، دَعُونا نكونُ واقعيين: هل يجدرُ بنا أن نتوقع الإصلاح من حكومةٍ تصطفُّ في صف اللوبيات المالية على حساب البسطاء !؟ حكومة يخترقها تضاربُ المصالح، بشكل صريح، لا سيما في مجال المحروقات. ودليلُنا، من بين براهينَ أخرى، رفضُ الحكومة، بشكلٍ عمدي وممنهج، لكل النداءات والأصوات، ونحن منها، والتي تدعو إلى إعادة تشغيل لاسامير وتقوية قدراتنا التكريرية والتخزينية. وإذا كنا ندافع عن لاسامير، فلأنَّنا نَحمل هاجس أمننا الطاقي الذي تكمن فيه المصلحة الوطنية. ولأننا نسعى إلى تفادي استيراد المواد البترولية مكررة بفاتورة طاقية أغلى، ولأننا نريد تأمين المخزون الذي يمكن أن نستورده في حالات انخفاض الأسعار، ولأنَّ الجميع يُدركُ أنَّ أسعار الطاقة تؤثر في كافة أسعار المواد الاستهلاكية الأخرى. وهنا نتساءل، أيضاً: لماذا ترفض الحكومة المساس بالضرائب المفروضة على استهلاك المحروقات، وهي التي صارت تذر على الخزينة موارد إضافية كبيرة ترفض الحكومة مناقشة سُبُل ووجهات إنفاقها، في حين عمدت دول أخرى إلى تخفيض هذه الضرائب !؟ ولماذا رفضت الحكومة التدخل لفرض اعتدال شركات المحروقات في هوامش ربحها الفاحش والمُقَدَّر بعشرات الملايير من الدراهم؟! إنَّ كلَّ شيء واضح الآن. فالحكومة التي تَدّعي تبنيها لشعار"الدولة الاجتماعية" غير مبالية، في الواقع، بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث المواطنات والمواطنون يئنون وحدهم تحت وطأة الغلاء وفقدان الشغل وندرته، وتحت وطأة الجفاف الذي يَضربُ تحديداً المجالَ القروي في الصميم. تغييب شبه تام من الحكومة للبُعد الديموقراطي والحقوقي ويا ليتها كانت هذه الحكومة تتواصل وتفسر، على أضعف الإيمان! أما الموضوع السياسي والديموقراطي والحقوقي فهو يكاد يكون مُغَيَّبًا تماما من أجندة الحكومة، منذ التصريح الحكومي وحتى يومنا هذا. ونتساءل هنا حول أحزاب الأغلبية، ومنها من كان في المعارضة سابقا، وأين اختفى خطابُها المتعلق باستعادة الثقة في السياسة، والمصداقية للمؤسسات المنتخبة، وضرورة توطيد المسار الديموقراطي، وتوسيع فضاء الحريات! وماذا تفعل مكونات الأغلبية الآن من أجل تحقيق ذلك، ومن أجل التفعيل الديموقراطي للدستور، ومن أجل الحكامة الجيدة، ومن أجل الجهوية واللامركزية، ومن أجل إخراج أو إصلاح القوانين وإنعاش الحياة السياسية والمدنية؟! وسنقولها من جديد: اهتمامنا بالسؤال الديموقراطي، ليس تَرَفاً فكرياًّ وليس أمراً ثانويًّا، بل هو جزءٌ من اهتمامنا بالعدالة الاجتماعية وتقوية الاقتصاد الوطني، لأن الديموقراطية وحقوق الإنسان توجد في قلب عوامل التنمية. كما أننا ننبه إلى السؤال الديموقراطي حتى لا يفقد الفضاء السياسي ما تبقى له من مصداقية، وحتى لا يَعُمَّ الفراغ والصمت. فالمجتمع الذي لا يُعبر هو مجتمع ميت. والمجتمع الذي لا يُؤَطَّرُ بجميع الأشكال الديموقراطية والمؤسساتية هو مجتمع مفتوحٌ على جميع الانزلاقات. 4- الحاجة إلى البديل الديموقراطي التقدمي التوجهات الكبرى لبديلنا الديموقراطي التقدمي الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛ سنعود، بتحليلٍ أكثر استفاضةً، إلى كل هذه الأوضاع الدولية والوطنية، بمناسبة إعداد أطروحة المؤتمر المقبل لحزبنا. لكننا نعتز بتوفر لدينا جزءً غيرَ يسير من الأجوبة والبدائل التي تتضمنها مختلف الوثائق التي أنتجناها مؤخرا، في حفاظٍ تام على هويتنا ومرجعيتنا، واستقلالية قراراتنا، وعلى قوتنا الاقتراحية البناءة والمنفتحة. مِن وثيقة المؤتمر الأخير، إلى وثيقة التعاقد السياسي الجديد ومقترحات الحزب لتجاوز تداعيات الجائحة، مروراً بمساهمة الحزب في إعداد وثيقة النموذج التنموي، وبرنامجنا الانتخابي، وتقارير اللجنة المركزية، وبلاغات المكتب السياسي، وتدخلات فريقنا النيابي: كلها وثائقُ مرجعية تتضمن تصوراتنا واقتراحاتنا، والتي نحنُ مُطالبون بتحيينها وتكييفها وإثرائها، بشكلٍ دؤوب. وبصفة عامة، تنبني توجهاتنا على أساس مرتكزات ثلاثة: – أولا: بلورة مخطط اقتصادي للإنعاش؛ بما يتضمنه من ارتكازٍ على دورٍ استراتيجي للدولة، واعتماد تطويرٍ صناعي وطني يتأسس على دعم الصناعات المعدنية والميكانيكية والإلكتروميكانيكية، ومباشرة إصلاح جبائي منصف، ودعمٍ للمقاولة للحفاظ على مناصب الشغل، مع الاعتماد على الإنتاج الوطني، واعتماد البعد الإيكولوجي، مع تموقع بلادنا في مهن المستقبل، وإعمال الحكامة في المجال الاقتصادي. وذلك دون إغفال أهمية النهوض بالقطاع الخصوصي المهيكل، ودعم المقاولة المواطِنة، ومعالجة فضاءات الاقتصاد غير المهيكَل. – ثانيا: القضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية والنهوض بالثقافة؛ بما يعنيه ذلك من حمايةٍ اجتماعيةٍ شاملة وفعلية، وإقرارٍ للعدالة الاجتماعية والمجالية، وتوزيعٍ مُنصفٍ لخيرات البلاد، واستثمارٍ في المدرسة العمومية والتكوين المهني والبحث العلمي، وارتقاءٍ بالصحة العمومية والمستشفى العمومي، واستثمارٍ في الثقافة والإبداع، مع النهوض بأوضاع الشباب. وهنا، لا بد من التأكيد على أهمية وأولوية إصلاح التعليم، والقضاء النهائي على الأمية، باعتبار التعليم مدخلاً لنجاح كل باقي الإصلاحات. وهو ما يتطلب أولاً تعبئة موارده البشرية، من أجل التمكن من المُضيِّ قُدُماً في إصلاحٍ شاملٍ للمناهج والبرامج، حتى نحقق مدرسة الجودة والانفتاح والتفوق وتكافؤ الفرص. – ثالثاً: تعميق المسار الديموقراطي والبناء المؤسساتي؛ بما يقوم عليه هذا المُرتَكَز من تفعيلٍ ديموقراطي للدستور، وتوسيعٍ لمجال الحريات، وتقويةٍ للمجال الحقوقي، والنهوض بالمساواة، والارتكاز على الديموقراطية الترابية اللامركزية والجهوية المتقدمة، فضلاً عن تسريع إصلاح الإدارة والقضاء. ضرورة تجميع كافة قوى وأنصار اليسار، إلى جانب تقوية آلتنا الحزبية ولأن حزبنا دائماً ما اعتبر مسألة الإصلاح قضيةً جماعية تتطلب التفاف كافة قوى التغيير والديموقراطية، فإننا مُطالَبون، اليوم، بتقوية اتصالات حزبنا بكافة مكونات الحركة الاجتماعية المواطِنة، وبفعاليات الحركة النضالية الحقوقية والنسائية والشبابية والنقابية والمدنية، والتواجد في قلب معارك المجتمع من أجل مناهضة غلاء الأسعار، وحمل كافة القضايا الأخرى. وذلك بهدف إبراز وإفراز البديل الديموقراطي التقدمي، ليس على المستوى الاقتراحي فحسب، وإنما على الصعيد الميداني أيضاً، ليتحول هذا البديل إلى قوة مادية مؤثرة للتغيير. إنه عمل نضالي لا يَهُمُّ القيادة الوطنية فقط، بل كافة المناضلات والمناضلين، والفروع والقطاعات والمنظمات. ومن هذا المُنطلق، فإنَّ رهان إبراز البديل الديموقراطي التقدمي الذي نحمله لبلادنا، هو ما يجب أن نحرص على جعل مؤتمرنا الحادي عشر يُرَكِّزُ عليه. حيث نريد لهذا المؤتمر أن ُيشكل حدثا سياسيا بارزا، ونقطة تحولٍ إيجابي في مسار حزبنا. فالأساسي في المؤتمر هو مضمونه وأفقه الاستراتيجي. وهو ما تناولته الوثيقة الداخلية الأخيرة "في أفق تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر: مداخل للتفكير والنقاش"، والتي تمحورت حول الأبعاد الهوياتية والسياسية، والتنظيمية بأفقٍ استراتيجي، والقانونية، والتواصلية، ثم الإدارية والمالية. ذلك أنَّ تقوية آلتنا الحزبية، فكريا وسياسيا وتنظيميا وانتخابيا وإشعاعيا، هو سبيلُنا من أجل أن نلعب دوراً مجتمعيا أساسيا. فحزبنا له مكانة في المجتمع، وفي التاريخ والحاضر والمستقبل، والحاجة إليه؛ حزبا قويا موحدا اقتراحيا وفاعلا ومؤثراً في محيطه، قائمة بشدة. كما أنَّ قناعتنا راسخةٌ في كون اليسار هو البديل، بشكلٍ عام، على الرغم من مظاهر ضعفه التنظيمي حاليا. ونحن مؤمنون بأنَّ لِلْيسار في بلادنا أنصاراً بالملايين، لكن على تنظيماتنا اليسارية أن تنفتح على بعضها البعض، وعلى الحركة الاجتماعية المواطنة، بدون استعلاءٍ، وَلاَ مُركَّباتِ نقص، إن نحن أردنا فعلاً تعبئة "شعب اليسار" وتحويل هذا اليسار إلى قوةٍ فاعلة في مُجريات الأحداث. فلقد حان الوقت لتتكاتَفَ جُهودُنا من أجل تجميع جميع الطاقات اليسارية الموجودة داخل وخارج أحزاب اليسار، حيث يتعين الإقرارُ بأنَّ غالبية "شعب اليسار" توجد، من دون شك، خارج الأحزاب اليسارية. 5- مسلسل التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب تركيز على المضمون والبديل في تحضير المؤتمر الحادي عشربانفتاح على المجتمع الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛ باجتماعنا هذا، نعطي الانطلاقة الفعلية لتحضير مؤتمرنا الوطني الحادي عشر، على جميع المستويات السياسية والتنظيمية والمادية. ولقد تأخرنا قليلاً عن موعد التئامه، ببضعة شهور، بالنظر إلى ظروف الجائحة التي دامت حواليْ سنتين، وهي لا تزال قائمة، ونظرا لظروف الانتخابات العامة التي أرهقت معظم الفروع. وأمامَنَا، الآن، حواليْ خمسة إلى ستة أشهر من أجل أن نُهيئ لهذا المؤتمر، حسب القياس الذي قمنا به مقارنة مع تحضير المؤتمرات الوطنية السابقة. في هذا الإطار، سيتقدم إليكم، بعد قليل، الرفيق رشيد روكبان، بمشروع المقرر التنظيمي، لمناقشته وعرضه على المصادقة. ومن الضروري أن نؤكد على أنه يتعين علينا أن نجعل من كافة عمليات التهييئ للمؤتمر، ومن الجموع العامة المحلية والمؤتمرات الإقليمية، محطاتٍ للنقاش الفكري والسياسي، عبر لقاءاتٍ وندواتٍ وموائدَ مستديرة، ليس بيننا فقط، ولكن، وأساساً، مع المواطنات والمواطنين، وجميع الفاعلين المجتمعيين. حيث من الطبيعي أن تكون محطةُ المؤتمر، وما يسبقها من تحضيرات، فرصةً للانفتاح على الطاقات التي يزخر بها مجتمعنا، ولتوسيع صفوف الحزب. وبالموازاة مع التحضير السياسي للمؤتمر، وطنيا وعلى صعيد الفروع، على كافة الفروع أن تشرع، منذ الآن، في تجديد بطائق الانخراط، وإطلاق حملات الانخراط الجديدة. مع تنظيم لقاءات وحفلات تعبوية، واستقبالات للمنخرطات والمنخرطين الجُدد، كما دأب على ذلك حزبُنا على مَرِّ تاريخه النضالي. عمل مكثف ينتظر لجان تحضير المؤتمر الوطني الحادي عشر في نفس الوقت، ندعوكم، اليوم، جميعاً، من أجل أن يُسجل كلُّ واحد منكم اسمه في لجنةٍ من اللجان التي تريدون الاشتغال فيها، مع الحرص على أن يتمثل كلُّ فرعٍ إقليمي في كل لجنة. على أساس أن تشرع كل اللجان في الاشتغال منذ الأسبوع المقبل. وسيكون آخرُ أجلٍ لتقديم نتائج أعمال اللجان التحضيرية هو بداية شهر شتنبر 2022، بأفق عقد آخر دورة للجنة المركزية، والتي تسبق المؤتمر، مباشرة بعد ذلك. وهي دورة اللجنة المركزية التي من المقرر أن تتم خلالها المصادقةُ على جميع جوانب المؤتمر الوطني، وعلى جدول أعماله، وعلى مشاريع الوثائق. على أساس أن ننظم المؤتمر في منتصف شهر نونبر من السنة الجارية 2022. في هذا السياق، نعرض عليكم، قصد المصادقة، اقتراحات بأسماء المسؤولات والمسؤولين عن مختلف لجان المؤتمر: اللجنة التحضيرية الوطنية: الرئيسان: عبد الرحيم بنصر وثوريا الصقلي المقرران: خديجة الباز ومحمد صلو لجنة الوثيقة السياسية: الرئيسان: عزوز صنهاجي وعائشة لبلق المقرران: عبد الصادقي بومدين ودليلة الوديي لجنة القانون الأساسي: الرئيسان: رشيد روكبان وماجدولين العلمي المقرران: فاطمة الزهراء برصات ومحمد حجيوي لجنة الانتداب: الرئيسان: مصطفى عديشان ونادية تهامي المقرران: إدريس الرضواني ولبنى الصغيري لجنة التواصل: الرئيسان: كريم تاج وخديجة أروهال المقرران: محتات الرقاص و ليلى داكيري لجنة اللوجستيك والمالية: الرئيسان: سمية منصف وكمال الشرايطي المقرران: فوزية الحرشاوي وأنس الصبيحي الرفيقات العزيزات، والرفاق الأعزاء؛ إنه من الضروري أن نؤكد لكم أن الجموع العامة للفروع المحلية يُشرع في عقدها منذ الآن. وحتى المؤتمرات الإقليمية يمكن الاستمرار في تنظيمها دون انقطاع، بشرط عقد مؤتمرات إقليمية إلزاماً قبل المؤتمر الوطني، من أجل مناقشة مشاريع وثائق المؤتمر، وانتداب المؤتمرات والمؤتمرين، وتحضير مشاركة الفرع المعني في المؤتمر الوطني. وهي مناسبة، لكي نتفق، منذ الآن، على أنَّ الجموع العامة المحلية والمؤتمرات الإقليمية، وعدد المؤتمِرات والمؤتمرين، ومعايير اختيارهم، كلها أعمال تحضيرية يتعين أن تخضع لأقصى درجات الجدية والموضوعية والاحتكام إلى معايير العمل والعطاء والحضور والالتزام والكفاءة والانفتاح على الطاقات، من أجل أن نصل إلى مؤتمر وطني نوعي يسوده النقاش الفكري والسياسي العالي. وفي هذا الإطار، نقترح عليكم أن يكون عدد المؤتمِرات والمؤتمرين ما بين 800 و1000. في نفس الوقت، نعلم جيداً أن عدداً من الفروع توجد في وضعية لا تسمح لها قدراتُها التنظيمية بمواجهة محطة المؤتمر. لذلك ندعو الحاضرين من منتخبينا، الذين فازوا في الاستحقاقات الوطنية أو الجهوية أو الإقليمية أو المحلية، وندعو أيضا الطاقات التي ترشحت باسم الحزب، إلى الانخراط في عمليات التحضير، وأن يكون لها دورٌ، لنجعل من مؤتمرنا مؤتمرًا ناجحا للجميع. كما ندعو جميع الهياكل الحزبية إلى الحرص الشديد على القيام بهذا المجهود الإدماجي الجوهري والأساسي. وفي الأخير، نناشد كافة المناضلات والمناضلين، من أجل التعبئة القصوى، لنجعل من مؤتمرنا الوطني الحادي عشر حدثا سياسيا وطنيا بارزا. وشكرًا.