ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية (بوزنيقة 30 ماي 2014)
نشر في بيان اليوم يوم 01 - 06 - 2014

الحقوق الاجتماعية السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية والبيئية هاجس محوري في هوية الحزب
تشييد مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية حاضر باستمرار في الكفاحات التي يخوضها الحزب بل ومتصدر لهذه الكفاحات
مسار الإصلاح مرتبط تاريخيا ونضاليا بالأحزاب الديمقراطية والتقدمية والحركة النقابية والحقوقية الجادة وسائر القوى الحية في المجتمع الحاملة لمشروع
قرر الحزب بشكل ديمقراطي المشاركة في الحكومة حرصا منه على الدفع بعجلة التغيير قدما ومباشرة الإصلاحات الكبرى الضرورية وتأمين استقرار البلاد
حضرات السيدات والسادة،
ضيوفنا الكرام،
رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء، بعد مسار تحضيري مكثف، في أجواء من الجدية والتعبئة والحماس، وفي ظل النجاح الكبير الذي كللت به أشغال المؤتمرات الإقليمية والجموع العامة للقطاعات السوسيو مهنية واجتماعات المنظمات الموازية وتنظيمات الحزب القائمة خارج أرض الوطن، وعلى إيقاع الصدى الطيب الذي خلفته عشرات التجمعات الجماهيرية واللقاءات التواصلية الحاشدة، ومنتديات النقاش العمومي حول مشاريع وثائق المعروضة على المؤتمر، بمشاركة كفاءات حزبية وفعاليات حكومية وأكاديمية ومدنية، من مختلف المجالات السياسية والنقابية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والاعلامية؛
أقول: بعد هذا المسار، وفي إطار احترام مؤسسات الحزب ومقتضيات قانونه الأساسي، والحرص على إعمال الديمقراطية الداخلية، والاستناد إلى التفكير الجماعي وما يستتبعه من تدبير تشاركي.. ها هو ذا المؤتمر الوطني التاسع لحزبنا يلتئم في وقته المحدد قانونا، ويلمنا جميعا تحت شعار «مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية»، أي 4 سنوات، بالتمام والكمال، بعد المؤتمر الوطني الثامن، الذي انعقد، هنا بالذات، تحت شعار «جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديمقراطية».
لقد انطلقت المرحلة التحضيرية لمؤتمرنا هذا، عمليا، في ظروف جيدة، مبشرة، وعلى نطاق واسع، بتزامن مع الذكرى 70 لتأسيس حزبنا، ذكرى أعطت زخما قويا لأنشطة الحزب، محليا ووطنيا، وعلى مستويات موازية وقطاعية، من خلال لقاءات جماهيرية حاشدة مكنت الحزب من التواصل، في مناطق مختلفة، بما فيها تلك التي لم يسبق للحزب أن كان له تنظيمات فيها، مع عشرات آلاف المواطنات والمواطنين، وعبر مبادرات وفعاليات وتظاهرات احتفالية أخرى، وضمنها الندوة التكريمية لمسار من حمل عاليا ولأزيد من نصف قرن راية اليسار والتحرر والتقدم والاشتراكية بالمغرب، صاحب الحياة النضالية العامرة والحافلة، فقيد الوطن والشعب، الأمين العام الأسبق للحزب، وقائده التاريخي منذ بدايات الحزب الشيوعي المغربي قبل نحو سبعة عقود، الرجل الذي كان رجلا، طيب الذكر الرفيق علي يعته.
فبانعقاد الدورة الثالثة عشرة للجنة المركزية للحزب، في 14 دجنبر 2013، تم إطلاق عملية التحضير الفعلي للمؤتمر الوطني التاسع للحزب، حيث انكبت لجن مختصة، اشتغلت خلال أزيد من شهرين متتاليين، على إعداد مشاريع الوثائق المعروضة على هذا المؤتمر، وتمكنت، بعد نقاشات مطولة وجدية، من صياغة هذه المشاريع التي أقرتها، بالإجماع، الدورة الرابعة عشرة للجنة المركزية للحزب المنعقدة يومي السبت والأحد 15 و 16 مارس 2014. ويتعلق الأمر، كما تعلمون، بمشروع الوثيقة السياسية واستراتيجية عمل الحزب، مشروع الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشروعي القانون الأساسي للحزب والقانون التنظيمي للمؤتمر.
وأعقب ذلك عقد مؤتمرات الفروع المحلية والإقليمية، والمهرجانات العمومية، اللقاءات التواصلية والندوات الفكرية بمشاركة عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين: مهرجانات جماهيرية حاشدة في مختلف أرجاء الوطن، في الجبال والسهول، المدن والأرياف، في المناطق القريبة والنائية، وفي بلدان أجنبية حيث تتواجد تنظيمات حزبية لرفيقات ورفاق من مغاربة العالم (فرنسا، بلجيكا، هولندا، ايطاليا وألمانيا).
كما تم تنظيم منتديات للنقاش نوعية ومتنوعة، بمشاركة فعاليات مجتمعية مختلفة، حول جملة من القضايا والملفات الكبرى، بارتباط مع مشاريع الوثائق المعروضة على المؤتمر الوطني التاسع للحزب، وخاصة مشروع الوثيقة السياسية واستراتيجية عمل الحزب ومشروع الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد تميز هذا المسلسل التحضيري، الذي اتسمت مختلف أطواره بأجواء من الحماس والتعبئة والجدية، بالشفافية والديمقراطية، في ظل الإعلان عن تعددية الترشيحات للأمانة العامة للحزب، وإفساح المجال أمام الرفيقات والرفاق أعضاء اللجنة المركزية لتتبع أشغال مؤتمرات الفروع الإقليمية، وذلك في نطاق احترام مؤسسات الحزب القائمة، من لجنة مركزية وديوان سياسي وهيئات الفروع الحزبية.
حضرات السيدات والسادة،
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
إن المحددات المؤطرة لعمل حزب التقدم والاشتراكية، تقوم على شقين أولهما نظري، وينبني على الثوابت المتجددة في المرجعية التأسيسية، التي بمقتضاها برز الحزب، في شكله الأول كحزب شيوعي، ثم باسم حزب التحرر والاشتراكية، فحزب التقدم والاشتراكية، حيث خرج الحزب، في كل المحطات التاريخية التي مر منها، أقوى مما استهدفه من قمع ومنع، ليظل حزبا وطنيا، يساريا، اشتراكيا، تقدميا، حداثيا وديمقراطيا، حزبا مرتبطا بالطبقات والفئات الكادحة والمستضعفة، وبمنتجي الثروات المادية والفكرية. وبذلك، تبقى البصمات الاجتماعية حاضرة، بقوة، في هوية الحزب، الذي يجعل من مسألة الحقوق الاجتماعية، إلى جانب الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية والبيئية، هاجسا محوريا في هذه الهوية.
أما الشق الثاني لهذه المحددات، متمثلا في الممارسة، ضمن علاقتها الجدلية مع النظرية، فإنه يتعلق بالانفتاح وروح المسؤولية، والبناء على ما راكمه الحزب، باعتباره مدرسة سياسية ممتازة ومتميزة، من تجربة وتموقعات، طيلة سبعة عقود من الكفاح، جعلته ينبذ الانحرافات الانتهازية والجمود الفكري والتحجر العقدي، ليبقى متشبثا، أشد ما يكون التشبث، بمكوناته الهوياتية، وبممارسة منفتحة على الآخر، ما دام أنها لا تزيغ عن الدفاع عن القضايا الكبرى للوطن والشعب.
وانطلاقا من هذه الثنائية، المتلازمة، يتمحور النهج النضالي لحزب التقدم والاشتراكية في إطار حرص شديد ودائم على استقلالية القرار، وبعد تحليل معمق، وتشاور ديمقراطي نزيه بين أعضائه، من خلال المؤسسات التسييرية المنتخبة ديموقراطيا حول العناوين الاستراتيجية التالية:
الثبات في حمل مشعل الدفاع عن الوحدة الترابية والذود عن السيادة الوطنية، ووضع المصالح العليا للوطن والشعب فوق كل اعتبار.
الثبات في الدفاع عن الحقوق السياسية والسوسيو اقتصادية والثقافية لأوسع الفئات الاجتماعية، وفي مقدمتها الطبقات الكادحة والمستضعفة.
الثبات في الكفاح على نهج تعميق الإصلاحات في كافة الميادين.
إن حزب التقدم والاشتراكية، وهو يواصل السير على هذا الدرب النضالي، يدرك، تمام الإدراك، أن مرحلة الانتقال الديمقراطي المعقد، التي نحن بصددها حاليا، تتطور بنجاحاتها وإخفاقاتها، في حركية مد وجزر، مما يضع على عاتق حزبنا مهمة سياسية صعبة للغاية، إذ يتطلب منه الوضع، المعقد دوليا وجهويا ووطنيا، التحلي بكثير من بعد النظر القائم على التشبث بالثوابت المبدئية، وتدبير التناقضات السياسية، مع التمييز بين الأساسي والثانوي منها، كي يظل الهدف الأسمى، أي تشييد مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية، حاضرا، باستمرار، في الكفاحات التي يخوضها الحزب، بل ومتصدرا لهذه الكفاحات.
ومن هذا المنطلق، تحديدا، ينظر حزب التقدم والاشتراكية إلى الأحداث والمستجدات الحاصلة خلال الفترة الممتدة بين مؤتمره الوطني السابق، المنعقد قبل أربع سنوات والمؤتمر الوطني التاسع، الذي ينعقد في ظروف، دولية ووطنية، تظل ضمنها قضية وحدتنا الترابية في صدارة الاهتمامات ومقدمة الأولويات.
قضية الصحراء المغربية: قضية وطنية مصيرية
أجل، إن قضية الوحدة الترابية للمغرب تظل قضية مصيرية تحظى بإجماع وطني راسخ، إجماع يلح حزب التقدم والاشتراكية على ضرورة الدفع به إلى أبعد مدى، على اعتبار أنه يشكل الصخرة العنيدة التي عليها تتحطم مناورات المتربصين بالوحدة الترابية لبلادنا، وتتكسر أطماع الخصوم التوسعية في المنطقة. ففي التفاف كل مكونات الشعب المغربي حول القضية الوطنية يكمن مصدر قوتنا، الذي ينبغي تعزيزه بكل ما من شأنه أن يجعل بلادنا تكبر في عيون أبنائها، ويعطي بالتالي لقضيتنا الوطنية الأولى، وللوطن الغفور الرحيم، جاذبية تتزايد على مر الأيام، وإشعاعا يتعاظم سنة بعد أخرى.
إن حزب التقدم والاشتراكية، الذي له، على امتداد أزيد من سبعة عقود، تاريخ حافل بالكفاح من أجل التحرر الوطني وفي سبيل استكمال الوحدة الترابية للبلاد والذود عن سيادتها الوطنية، سيواصل إدراج القضية الوطنية في صلب مهامه المركزية، الملحة والمستعجلة، خاصة في مواجهة التزايد المتلاحق لمعاكسات الخصوم والجهات المتواطئة معهم، بعد أن تمكن المغرب من استرجاع زمام المبادرة في الساحة الدولية، بشأن إيجاد تسوية سلمية، عقلانية، نهائية لهذه القضية، عبر مقترحه الجريء، القاضي بتخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا موسعا، في إطار السيادة المغربية، والذي لقي ترحيبا دوليا واسعا، باعتبار هذا المقترح مبادرة جدية وذات مصداقية، ويمكنها أن تفضي إلى حل مشرف لجميع الأطراف، حل يضع حدا للنزاع المفتعل، حل يحفظ المستقبل ويجنب المنطقة المغاربية مخاطر الاضطرابات وزعزعة الاستقرار، ويضمن للجميع الأمن والأمان.
وإذ يشدد حزب التقدم والاشتراكية على ضرورة التحلي بأقصى درجات الحذر واليقظة لمجابهة ما يحاك ضد قضيتنا الوطنية من مؤامرات ومناورات، فإنه يثني على المقاربة التي تميز بها خطاب جلالة الملك محمد السادس إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في الاتصال الهاتفي الذي أجراه جلالته مع السيد بان كيمون خلال الشهر المنصرم (السبت 12 أبريل 2014)، محذرا الأمم المتحدة من مغبة الإجهاز على مسلسل المفاوضات في حال استبعاد معايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، وداعيا إلى الحفاظ على الإطار والآليات الحالية لانخراط الأمم المتحدة في هذا الملف، و»تجنب المقاربات المنحازة والخيارات المحفوفة بالمخاطر» والانزلاقات.
ولعل أحد أهم أوجه الحذر واليقظة، في هذا الباب، إشراك القوى الحية، من أحزاب سياسية ومجتمع مدني وفعاليات محلية ووطنية، في هذا التدبير الجديد، على أن تتحمل جميع الأطراف المعنية، كل من موقعه، مسؤولياتها كاملة، مع العمل أيضا، إلى جانب الارتقاء بمستوى الأداء الديبلوماسي الرسمي، على تفعيل الديبلوماسيتين الشعبية والبرلمانية.
وأمامنا، في هذا الصدد، فرصة ثمينة ينبغي حسن اغتنامها، للإسهام في ترجيح موازين القوى لصالح ترسيخ مكانة بلادنا، على الصعيدين الجهوي والدولي. وهي فرصة تتمثل في ما اكتسبه المغرب من صورة إيجابية، يمكن أن يكون لاستثمارها فوائد ديبلوماسية ومنافع اقتصادية.
ولا يسعنا، في هذا المضمار، إلا أن نعرب عن ارتياحنا للزخم التصاعدي الملحوظ في العلاقات المغربية الإفريقية، منوهين بالمبادرات الملكية التي يعود لها الفضل الأكبر في تحقيق تقدم كبير في اتجاه حماية مصالح المغرب الحيوية في مجاله الإفريقي، واسترجاع المغرب لأدواره السياسية، الاقتصادية والتجارية، وإشعاعه الثقافي والديني في القارة السمراء.
من جهة أخرى، يبدو من الضروري الانتباه إلى أن الإجماع الوطني حول قضية وحدة بلادنا الترابية، المتجسد في تعبئة المجتمع المغربي، بكل قواه الحية، وجميع شرائحه الاجتماعية، من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية، القضية المصيرية الأولى لكل المغاربة، من سبتة ومليلية إلى الكويرة وامتدادا إلى حيث يقيم مغاربة العالم، هو إجماع على المبدأ، وليس على طرق تدبير الملف.
وتبعا لذلك، أضحى من اللازم إعادة النظر، بصورة شاملة، دقيقة، موضوعية وبناءة، في الكيفية التي دبرت وتدبر بها الشؤون ذات الصلة بالقضية الوطنية، خاصة في الأقاليم الجنوبية، وذلك في أفق استدراك ما يمكن استدراكه، وتصحيح ما ينبغي تصحيحه، انطلاقا من أن الواجهة الداخلية أصبحت تستدعي اعتناء جديدا، ومجددا، لتدبير ما ينتصب في المنطقة من المطالب ذات الأصل الاجتماعي، والتي تحاول أن تركب عليها الجماعات الانفصالية، مستغلة أجواء الحريات والانفتاح والديمقراطية، في محاولة منها لتأجيج النعرة القبلية.
في سياق ذلك، يرى حزب التقدم والاشتراكية ضرورة إعادة طرح المطالب الاجتماعية المشروعة، في سياقها الوطني، وفي الإطار المؤسساتي والقانوني، وذلك من خلال إعمال مبدأ المساواة بين الجميع، في الحقوق والواجبات، وإتاحة الفرص، دون امتيازات أو تمييز، والتصدي الجدي لممارسات وأساليب اقتصاد الريع الذي استفاد منه بعض المنتفعين، والحرص على تجنب الاختلالات، أيا كانت مظاهرها، وحماية المال العام، والتوزيع العادل للثروات، واتباع سياسة إدماجية في مختلف المجالات، بعيدا عن كل نعرة قبلية أو تصلب إقليمي، وفي منأى عن كل ما من شأنه أن يتخذ شكل عناصر للتفرقة.
وهذا يفرض، من حيث تدبير ملف القضية الوطنية ككل، عدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية، وهي ضرورية لحماية أمن المواطنين، إذ لابد من أن يتم أيضا استحضار المقاربة السياسية الإدماجية، بأبعادها السوسيو اقتصادية، والتنموية، والحقوقية، الثقافية، البيئية والتواصلية، أي المقاربة الشمولية المستندة إلى منظور متكامل، والتي تبقى وحدها الكفيلة بضمان سير الأمور في مجراها الطبيعي، والقمينة بتمكين الساكنة المحلية، والشباب على وجه الخصوص، من مقومات الكرامة التامة، والمواطنة الكاملة، والثقة الواعية تجاه الدولة، على أن يكون ذلك كله، من خلال تدبير أكثر نجاعة للموارد والثروات المحلية والوطنية، في منأى عن كل أشكال اقتصاد الريع، وفي نطاق الالتزام بالقانون، وبما يتيح تحقيق ما يلزم من إنصاف ومصالحة في أقاليمنا الجنوبية المسترجعة.
حضرات السيدات والسادة،
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
ونحن نستعرض، بتركيز، أهم الأحداث والتطورات الحاصلة بين مؤتمرينا الوطنيين، السابق والحالي، لابد وأن يسترعي الانتباه واقع أنه بعد المؤتمر الوطني الثامن للحزب، الذي لقي نجاحا باهرا وكان تمرينا ديمقراطيا متفردا، لم يكن للحزب ما يجوز اعتباره عطلة سياسية، حيث واصل اجتماعاته التنظيمية على مختلف المستويات، ونظم أنشطة إشعاعية مكثفة، تمحورت، أساسا، حول التعريف بنتائج المؤتمر الوطني الثامن للحزب، وبالجيل الجديد من الإصلاحات الذي يدعو إليه الحزب.
وأقف هنا، على سبيل المثال لا الحصر، عند ثلاث محطات بارزة ودالة:
خوض الانتخابات الجزئية بالمنطقة الشمالية، وتمكن الحزب من الفوز بمقعد في مجلس المستشارين، بالإضافة إلى التحاق عدد كبير من رؤساء الجماعات والمنتخبات والمنتخبين بتنظيمات الحزب بهذه المنطقة، علما بأن ظاهرة التحاق عدد من رؤساء الجماعات والمنتخبين الجماعيين بالحزب شملت مناطق من مختلف جهات البلاد.
وفي شتنبر من الصيف ذاته تم وضع خارطة طريق تؤطر وتنظم مقاربة من أجل تحسين الأداء الحزبي والارتقاء به في كافة المجالات، وتقوية الحضور السياسي للحزب، وسبل تفعيل القرارات التنظيمية للمؤتمر الوطني الثامن، وتحسين الحكامة الحزبية من خلال التكامل والتفاعل بين مختلف القطاعات الحزبية، وضبط العلاقات بين الهيئات القيادية الوطنية للحزب وهيئاته القطاعية والموازية والجهوية والإقليمية والمحلية، مع تحديد جدولة للأنشطة الحزبية في أفق التحضير الأمثل لما كان منتظرا من انتخابات تشريعية.
وقد شكلت خارطة الطريق هاته مرجعا أساسيا لإعداد مشروع وثيقة استراتيجية عمل الحزب المعروض على المؤتمر الوطني التاسع للحزب.
عقد لقاء تواصلي حول القضية النسائية، في سيدي بوزيد، بهدف إعداد برامج عمل تتبنى منهجية مبنية على مقاربة النوع، وتعزيز مبدأ المساواة، وتقوية مكانة المرأة في الأجهزة والهياكل الحزبية. والواقع، كما يعلم الجميع، أن هذه القضية شكلت دوما بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية هاجسا مركزيا، بل، إذا جاز التعبير، يمكن القول بأن مسألة العمل على إعلاء شأن المرأة في الحزب والمجتمع هو من مميزات «الجينات الأيديولوجية والفكرية» للحزب، وجزءا لا يتجزأ من حمضه النووي السياسي ADN politique.
إن قضية المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، مع إعمال آليات التمييز الإيجابي في اتجاه إنصاف المرأة، بعيدا عن أي نزعة ضيقة أو ذهنية هيمنية، قضية تشكل أحد المرتكزات الثابتة في المشروع المجتمعي، والمسار النضالي، لحزب التقدم والاشتراكية، على امتداد تواجده، منذ أزيد من 70 سنة في الحقل السياسي المغربي، كما اتضح ذلك جليا من خلال الانخراط النضالي الدائم لمناضلات الحزب ومناضليه، سواء على صعيد المجتمع المدني أو في مستوى المؤسستين التشريعية والحكومية.
ولذلك فإن انتصار الدستور الجديد لمبدأي المساواة والمناصفة لا يمكن إلا أن يكون محل ترحيب وارتياح واعتزاز بهذا الإنجاز الكبير ليس فقط بالنسبة للمرأة المغربية وإنما أيضا للمجتمع والدولة ككل. على أن الحزب لا يكتفي بتسجيل هذا «الفتح المبين»، وإنما يلتزم بحشد كل طاقاته من أجل العمل على تجسيد هذا المكتسب الدستوري الثمين من خلال، كما تنص على ذلك الوثيقة السياسية المعروضة على مؤتمرنا هذا، العمل على التعجيل بإقرار تأويل ديمقراطي للمضامين الدستورية في هذا الشأن، روحا ونصا، وذلك بدءا بإقامة هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز ضد النساء، وصولا إلى تمتيع المرأة المغربية بكل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي هذا الإطار وجب التأكيد، مجددا، على أن حزب التقدم والاشتراكية يلتزم، قولا وفعلا، بالعمل الجاد، المثابر، والمتكيف مع الواقع والوقائع بما يتيح تجاوز كل العقبات والمطبات، من أجل تطبيق كامل لمقاربة النوع على مختلف مستويات نشاطه السياسي والتنظيمي، عسى أن يتجسد الدور الطلائعي التاريخي لحزبنا، في هذا المضمار، بما يوازيه من قوة وحضور تنظيميين واسعين للنساء في صفوف الحزب.
أيها الحضور الكريم،
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
إن التطورات التي عرفتها بلادنا خلال الأشهر القليلة التي أعقبت انعقاد مؤتمره الوطني الثامن، كانت مناسبة للحزب، كما هو مدون في تقرير الدورة الثالثة للجنة المركزية ( 18 و19 دجنبر 2010) ليتخذ مواقف جريئة بشأن ما ينبغي اتخاذه من إجراءات لتعزيز الجبهة الداخلية دفاعا عن قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية، التي لن يتم استكمالها إلا باسترجاع سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، وكذا الإجراءات اللازمة لإنجاز ما دعونا إليه من جيل جديد من الإصلاحات التي تحتاجها بلادنا، والكفيلة بضمان مضي المغرب، قدما، نحو مجتمع الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية.
وقد أكدنا، في حينه، على أنه إلى جانب الإصلاحات الدستورية الضرورية، يتعين إنجاز الإصلاح السياسي بما يمكن من «توسيع وتحصين فضاء الحريات العامة، الجماعية والفردية، مع صيانة حرمة الأشخاص وكرامتهم، والإقرار بحقهم في اختيار قناعاتهم الفكرية والسياسية دون إكراه، وتطوير مفهوم حقوق الإنسان ليشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق النساء في المساواة، وضمان حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وإرساء قواعد نظام تمثيلي أكثر مصداقية ونجاعة، وتوفير جو سياسي سليم، واحترام إرادة الناخبين، والابتعاد عن محاولات صياغة خريطة سياسية بأساليب منافية للتطور الديمقراطي الطبيعي»، كما شدد حزبنا على أن قوة المغرب ومناعته تكمن في ديمقراطيته، وفي تفعيل مؤسساته، وفي تفرده في المنطقة بضرورة السير، بخطى حثيثة وواثقة، في اتجاه بناء مجتمع ديمقراطي حداثي وتقدمي.
هذا غيض من فيض مواقف عبرنا عنها قبل حلول سنة 2011، التي شهدت ما شهدته من حراك سياسي واجتماعي كان ، دون شك، حدثا مفصليا أفضى، من بين نتائج أخرى، إلى إقرار دستور جديد بمضامين متقدمة تمت صياغتها وفق مقاربة تنظيمية إشراكية، وما تلاه من انتخابات تشريعية غير مطعون في نزاهتها وتمخض عنها تشكيل حكومة تستند، في تعيين رئيسها، إلى إعمال ملكي للمنهجية الديمقراطية، وتقوم على ائتلاف رباعي يشارك ضمنه حزب التقدم والاشتراكية، بقرار ديمقراطي اتخذته لجنته المركزية بأغلبية واسعة جدا، وذلك بعد نقاش جدي، مستفيض ومتسم بالعمق والمسؤولية.
ولعل هذا الحدث وتداعياته من أهم علامات الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الوطنيين الثامن والتاسع للحزب. ولذلك حرصت الوثيقة السياسية المعروضة على المؤتمر الوطني التاسع، المصادق عليها بالإجماع، على أن تتفحص، بما يلزم من دقة وموضوعية، هذا الحراك السياسي والاجتماعي، ضمن الإطار العام لما بات يعرف بالربيع الديمقراطي في المنطقة العربية والمغاربية، وذلك من خلال تقييم مسار الإصلاح، المرتبط، تاريخيا ونضاليا، بالأحزاب الديمقراطية والتقدمية، والحركة النقابية والحقوقية الجادة، وسائر القوى الحية في المجتمع الحاملة لمشروع الإصلاح، وتثمين القيمة المضافة لحركة 20 فبراير، وإبراز التميز المغربي عبر تعاطيه الإيجابي مع هذا الحراك السلمي المثمر.
ففي ظل تعقيدات الوضعية الدولية ومساراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتكنولوجية، وكذا مخاضاتها الفكرية والثقافية المستقبلية، وموجات التحولات المتعاظمة والجارفة في كل الاتجاهات القارية، الجهوية والإقليمية بما لها من انعكاس وتأثير على أوضاعنا المحلية الوطنية؛ وفي سياق التحولات الكبرى بالمنطقة العربية والمغاربية، التي أنهت مرحلة تاريخية كاملة وأدخلت شعوب المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع السياسي؛ شهد المغرب، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بما له من مقومات خاصة وفي نطاق مسار ومآل متميزين، تطورات هامة، وإيجابية على العموم، لعل أبرزها أن مطالب الإصلاحات السياسية العميقة والهادفة، أساسا، إلى تكريس الخيار الديمقراطي، مجسدا في الحرية والديمقراطية والتقدم والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي رفعت لواءها أجيال متلاحقة من المناضلين الذين أخصبوا التربة المغربية طيلة عقود وعقود من الكفاح، هي إصلاحات عرفت عودة قوية إلى الساحة السياسية، من خلال شباب حملوا المشعل للإسهام في مواصلة المشوار واستكمال المسير، وقدموا إضافة نوعية للتراكمات النضالية للقوى التقدمية والديمقراطية، وشحنة جديدة لثقافة الاحتجاج السلمي، في فضاء سياسي قادر على احتضانها بفضل ما تم انتزاعه من مكتسبات ديمقراطية لا يستهان بها.
وفي هذا المضمار، كان التوجه العام لحزب التقدم والاشتراكية مع هذا الحراك الديمقراطي، هو دعم مطالب الإصلاحات، التي تعكس طموحات الشعب المغربي عامة وفئاته الشابة على وجه الخصوص، إذ بادر إلى تنظيم سلسلة من الملتقيات الشبابية، واللقاءات التواصلية العمومية، وجلسات الحوار الموضوعاتية، تحت عنوان «منتديات ربيع الديمقراطية، حاثا، في الوقت ذاته، مناضلاته ومناضليه، ومختلف هيئاته القاعدية ، ومنظماته الموازية، عبر أرجاء البلاد، وتقوية الالتحام بقضايا شعبنا، والاجتهاد لتنظيم وتأطير نضالاتها ومطالبها، والدفاع عنها بكل الأساليب والصيغ الديمقراطية.
أما على مستوى الدولة، فقد تميز المغرب، في مجال التعاطي مع هذا الحراك الديمقراطي، خلافا لما حصل في بلدان عربية ومغاربية أخرى، بسرعة تجاوب جلالة الملك مع مطالب الإصلاح، حيث جاء الخطاب الملكي، التاريخي، في 9 مارس 2011، ليفتح صفحة جديدة في المسار السياسي للمغرب، من خلال إعلان الملك للإطار المرجعي المتقدم لمحاور دستور جديد ومجدد، دستور خاض حزبنا حملة واسعة النطاق للتعريف بمضامينه المتقدمة والدعوة للتصويت عليه.
ثم جاءت الانتخابات التشريعية ليوم 25 نوبر 2011، وتعرض حزبنا خلالها لمضايقات شتى، حتى لا أقول لحرب شعواء. لكن رغم شراسة المعركة، وحدة المواجهة، تمكنا من تكوين فريق نيابي، ضدا على كل المعاكسات والمناورات الرامية إلى حرماننا من هذا الحق، خاصة خلال السنتين الأوليين. إلا أن كل المحاولات التي استهدفتنا باءت بالفشل الذريع، حيث لا نزال نحافظ على الفريق دون أن نحيد اعن مبادئنا وتوجهاتنا، وهو فريق فاعل ونشيط، فريق يستحق، بمعية فريقنا في مجلس المستشارين، كل التنويه والتقدير. تنويه وتقدير موصولان إلى شركائنا السياسيين في هذا الفريق النيابي العتيد، أقصد، طبعا، جبهة القوى الديمقراطية، حزب الوحدة والديمقراطية وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية.
وفي ضوء نتائج هذه الانتخابات، ودونما توغل في تفاصيل واردة في الوثيقة السياسية وقبلها في مختلف دورات اللجنة المركزية ذات الصلة، طرحت علينا مسألة المشاركة من عدمها في حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية، الذي كان له، في البدء، تصور يقضي بتشكيله للحكومة مع المكونات الأساسية للكتلة الديمقراطية، أي حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وهي صيغة لو كانت تحققت لأفضت، في تقديرنا، إلى مرتبة أعلى من المنجزات والمكتسبات.
من جهتنا، سعينا إلى ذلك بإصرار ومثابرة، خاصة وأنه في إطار تفعيل مقررات المؤتمر الوطني الثامن، وبقصد إعطاء نفس جديد للكتلة الديمقراطية، والتوصل إلى نتائج ملموسة ومتقدمة في مسألة الإصلاحات الأساسية، بمختلف أبعادها، كان حزبنا قد بادر، منذ صيف 2010 ، إلى مكاتبة قيادتي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، حيث دعونا إلى الانكباب، سوية، على ملفات الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، وأكدنا على أن حزب التقدم والاشتراكية «وضع دائما مسألة التحالفات مع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في صلب تحليله السياسي وبلورة استراتيجيته النضالية في أفق تحقيق المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي نعمل على بلورته معا» ، مشددين على أن المنحى المذكور « شكل توجها دائما ومستمرا لحزبنا، باعتباره ضرورة يفرضها التطور العام لبلادنا، وتحولات موازين القوى داخل المجتمع، ووجود قوى وطنية وديمقراطية وتقدمية تتقاسم قناعات ومواقف متقاربة ومشتركة» .
وللأسف الشديد، لم نفلح في مسعانا الوحدوي هذا. إلا أنه بالرغم من اختلافاتنا مع الإخوة والحلفاء نحرص دائما على الحفاظ على جودة الاتصالات، وعدم الإساءة إلى مستقبل العلاقات، معتبرين أن الاختلافات أمر طبيعي وتظل رحمة متى بقيت في حدود اللياقة ونطاق الاحترام، على أساس أن الأيام كفيلة بأن تساعد على عودة المياه إلى سواقيها الطبيعية، كما حصل أكثر من مرة، على نحو ما أسلفت، على عهد الرفيق الراحل علي يعته، الذي بقدر ما يتماهى اسمه مع تاريخ حزبنا المديد يظل مقرونا بل ومرادفا للعمل المتواصل، الصادق، والملحاح من أجل توحيد قوى اليسار ورص الصف الوطني الديمقراطي بالبلاد.
لقد كان بودنا أن ندخل الحكومة مجتمعين، كما فعلنا منذ بداية تجربة التناوب التوافقي. أما وقد حصل ما حصل، ودونما دخول في التفاصيل ولا تدخل في شؤون أحزاب أخرى، فقد تحمل حزبنا مسؤوليته، بكل حرية واستقلالية وديمقراطية داخلية، حيث اتخذت الدورة السابعة للجنته المركزية ( 10 دجنبر 2011 بسلا )، بأغلبية واسعة جدا، قرار المشاركة في حكومة ما بعد انتخابات 25 نونبر 2011، وكان قرارا صعبا وجريئا، انبنى على منطلقات موضوعية من بينها الحرص على مواصلة أوراش ومنجزات الحكومات السابقة التي كنا فيها جميعا، بدءا بحكومة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، آنذاك، الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ثم حكومة الأستاذ ادريس جطو فحكومة الأستاذ عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، وقتذاك. وهي مشاركة وازنة وفاعلة دأب الحزب على وضعها في ميزان المحاسبة خلال مؤتمراته الوطنية ومختلف الاستحقاقات الانتخابية.
وبالنسبة لمشاركة حزب التقدم والاشتراكية في أول حكومة تم تشكيلها في إطار الدستور الجديد، وجب لفت الانتباه، أولا، إلى تشابه مسوغات هذا القرار، من حيث الجوهر وبالرغم من اختلاف السياق والظرفية، مع تلك التي أدت إلى مشاركة حزبنا في حكومة التناوب التوافقي بقيادة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998، وهي (أي مسوغات قرار المشاركة) الحرص على الدفع بعجلة التغيير قدما، ومباشرة الإصلاحات الكبرى الضرورية وتأمين استقرار البلاد الذي بدونه لن تقوم لهذه الأخيرة قائمة.
فمن المعلوم أنه حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي أن طرحت فكرة التناوب التوافقي وقدم عرض رسمي مهم بشأنها، حيث اتخذ حزبنا، بقيادة أمينه العام آنذاك الرفيق المرحوم علي يعته، مواقف جريئة، لم يشاطرنا فيها حلفاؤنا في الكتلة الديمقراطية، وتبين لاحقا، بالملموس، صواب هذه المواقف، النابعة من اقتناع راسخ وتحليل موضوعي يستندان إلى تملك الحزب لاستقلالية قراراته، والتي أدت إلى محاولة عزل حزبنا، الذي عرف، على كل حال، كيف يتعامل مع الحلفاء على أساس أن الاختلافات عابرة، حتى عادت المياه إلى مجراها الطبيعي، وكان ما كان من تجربة حكومية مشتركة أنجزت الكثير، علما بأن العرض الرسمي الأول، الذي تحلى حزبنا بالشجاعة الكافية للانفراد بقبوله، كان الأهم من حيث أنه كان يضع في متناول أحزب الكتلة الديمقراطية معظم القطاعات الوزارية.
الاعتبارات التي أدت إلى المشاركة في الحكومة الحالية في الجوهر هي نفس الاعتبارات التي دفعت للمشاركة في حكومة اليوسفي سنة 1998
مشاركتنا في الحكومة لا تتعلق بتحالف إيديولوجي وإنما بائتلاف حكومي مبني على برنامج إصلاحات عميقة وشاقة تستلزمها الأوضاع وتطالب بها أوسع الفئات الشعبية والأوساط المتنورة
حزب التقدم والاشتراكية هو مؤسس الثقافة الوحدوية في بلادنا بامتياز
البديل التقدمي لمواجهة الأزمة يقوم على تبني رؤية شمولية وعلى جعل الاحتياجات الاجتماعية في صميم كل مشروع للإصلاح
ومشاركة حزبنا في تجربة التناوب هاته كانت مؤطرة، نظريا، بالأطروحة الصادرة عن المؤتمر الوطني الخامس للحزب، المنعقد بالرباط سنة 1995، والتي لم يرد فيها أي نص صريح عن إمكانية المشاركة في حكومة إلى جانب أحزاب كانت مكونات الكتلة الديمقراطية تنعتها بالإدارية، دون الحديث عمن أسندت له حقيبة الوزارة التي عرفت لسنوات بأم الوزارات. تماما مثلما هو الشأن بالنسبة لحكومة يقودها حاليا حزب العدالة والتنمية، حيث أن الاعتبارات التي أدت إلى المشاركة فيها هي، في الجوهر، نفس الاعتبارات التي دفعت للمشاركة في حكومة اليوسفي سنة 1998. فصحيح أنه ليس هناك نص صريح يتحدث عن إمكانية الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة والتنمية، لكن صحيح أيضا أنه في كلتا الحالتين تم الاستناد إلى مقررات المؤتمرين الوطنيين اللذين تركا للجنة المركزية، بوصفها أعلى سلطة حزبية بين مؤتمرين، صلاحية الاجتهاد في تصريف المواقف والتعامل مع المستجدات وفق مستلزمات تحقيق التغيير المنشود وإنجاز الإصلاحات الكبرى الضرورية.
وبالمناسبة، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن مشاركة حزبنا في حكومة التناوب التوافقي سنة1998، من خلال ثلاث حقائب وزارية تعنى بقطاعات ذات صلة بشؤون التربية الوطنية والبحث العلمي وقضايا المرأة والطفولة، لم تكن لمجرد كونه حزبا مؤسسا للكتلة الديمقراطية، وإنما جاءت هذه المشاركة على أسس موضوعية من بينها الحضور الفاعل للحزب في البرلمان بفضل فريق نيابي تمكن الحزب من تشكيله في إطار انفتاحه الواعي والإيجابي على فعاليات وكفاءات من آفاق اجتماعية ومجالية مختلفة، تظل صامدة إلى يومنا هذا في صفوف الحزب، ويحق لنا أن نعتز بها ونفتخر.
وبالعودة إلى الراهن، نجد أن مشاركة حزبنا في الحكومة برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران، بصيغتيها السابقة والحالية، والتي تمنح التجربة المغربية، في مسار ومآل الحراك السياسي والاجتماعي، نوعا من التفرد، هي مشاركة لا تتعلق بتحالف إيديولوجي وإنما بائتلاف حكومي مبني على برنامج إصلاحات عميقة وشاقة تستلزمها الأوضاع، وتطالب بها أوسع الفئات الشعبية والأوساط المتنورة .
وهكذا يبدو الائتلاف الحكومي الحالي كمنهجية تفرضها، فضلا عن مهام المرحلة، الخارطة السياسية، التي أفرزتها انتخابات تشريعية تعتبر نسبيا، الأسلم في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المغربية. وهو ائتلاف يقوم، بوضوح، على برنامج إصلاحي مشترك، وليس على محو الفوارق الإيديولوجية. وهي كلها قضايا تقدم الوثيقة السياسية بشأنها توضيحات ضافية ووافية.
إن مقاربة موضوع التحالفات من قبل حزب التقدم والاشتراكية مقاربة ديناميكية تقوم على مواقف مبدئية وتموقعات سياسية تأخذ بعين الاعتبار مستلزمات توطيد المسار الإصلاحي، وتتطلب، بطبيعتها، نفس القدر من الإرادة السياسية لدى كل فرقاء الصف الديمقراطي والتقدمي، في الاشتغال، سوية، على أساس أرضية توافقية متفق عليها. ومن البديهي بمكان أنه إذا غاب هذا الشرط الموضوعي والذاتي سيصبح التحالف المنشود مجرد ورقة شكلية ولا جدوى منها.
ويهمنا، هنا التأكيد، على أن لحزب التقدم والاشتراكية موقفا مبدئيا من ضرورة العمل على تثبيت الارتباط بالصف الديمقراطي والتقدمي وقوى اليسار، على أساس توفير شروطه السياسية، بعيدا عن الاختلافات المرتبطة بالظرفية، ومع المراعاة اللازمة للظروف المميزة للمرحلة التاريخية والمتغيرات التي يمكن أن يشهدها الحقل السياسي.
بهذا المنظور تعامل حزبنا مع الكتلة الديمقراطية، التي قدمت، ولاشك، خدمات جليلة لبلادنا، على مسار تحولاتها الديمقراطية، والتي لطالما سعى الحزب إلى بلورة مشروعها فوق أرض الواقع، وظل أشد تشبثا بها، ملحا على ضرورة مواصلتها لأداء رسالتها الوحدوية والنضالية، واثقا من حاجة البلاد الملحة إليها، ليس بالضرورة في صورتها الأصلية، وإنما، ربما، من خلال إبداع صيغ جديدة لعمل وحدوي مشترك، بما يتسع، أيضا، للأطراف الديمقراطية والإصلاحية الأخرى التي تتبنى المرجعية الكتلوية التأسيسية. وهذه كلها قناعات صادقة آمن بها الحزب دوما، وعبر عنها باستمرار.
لقد ظل هاجس وحدة القوى الديمقراطية في العمل السياسي ملازما لحزب التقدم والاشتراكية، منذ نشأته، مما جعل العديد من الملاحظين الموضوعيين يعتبرونه، بحق، مؤسس الثقافة الوحدوية في بلادنا بامتياز. وفي هذا الإطار، كان الحزب دائما، ولا يزال، حريصا، كل الحرص، على السعي إلى توحيد قوى اليسار بما يجعله حجر الزاوية في كل الجبهات النضالية، دفاعا عن قضايا الوطن والشعب.
ولن يفوت الحزب، وهو بصدد عقد مؤتمره الوطني التاسع، أن يعبر عن موقف مبدئي ثابت، بصرف النظر عن الاصطفافات الظرفية، وذلك من خلال التأكيد، مجددا، على أن وحدة قوى اليسار من شأنها أن تقدم خدمة جليلة لمسار التطور الديمقراطي والتقدمي للمغرب.
لكن حزبنا، الذي كان أول من حمل مشعل اليسار في المغرب ويظل جزءا أساسيا من العائلة اليسارية، يرى، أيضاً، أن من واجبه التشديد، في هذا الصدد، على أن وحدة اليسار لا يجوز التعامل معها على أنها مجرد موضوع إعلان مبادئ، بقدر ما تستوجب نقاشاً وحدوياً، جدياً، عميقاً، موضوعياً وشجاعاً، بمشاركة كل المعنيين بالأمر، انطلاقاً من مساءلة الذات، وبحث الأسباب العميقة للتراجع الاجتماعي والسياسي والتنظيمي لمختلف قوى اليسار، بعيداً عن الأحكام الجاهزة أو الهروب إلى أمام، ومن أجل توفير أسباب النجاح في تحقيق هدف أساسي ألا وهو جعل قوى اليسار في قلب عملية التغيير الديمقراطي والتقدمي، اجتماعياً و شعبيا، في نطاق الاحترام المتبادل.
واعتمادا على هذا، فإن حزبنا، الذي لا تعني مشاركته في الحكومة الحالية قطع حبل الاتصال وصلة الود مع باقي مكونات اليسار والكتلة الديمقراطية، يرفض أي مقاربة تقدم الفريق الحكومي الحالي على أنه «حكومة محافظة» يتعين على اليسار مقاومتها، انطلاقاً من مواقع إيديولوجية صرفة رغم مشاركة حزب التقدم والاشتراكية فيها. ذلك أنها حكومة قائمة، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، ليس على تموقع إيديولوجي يميني، وإنما على برنامج إصلاحي متقدم، اتفقت عليه مكونات الأغلبية، ويجد حزب التقدم والاشتراكية نفسه فيه، حيث صادقت عليه اللجنة المركزية للحزب، مكلفة برلمانيي الحزب بالتصويت على هذا البرنامج، ووزرائه بالعمل على تنفيذه من خلال مواصلة مهامهم على الواجهة الحكومية.
وعلى أي، فمهما كانت الظروف، ومحاولات إجهاض التجربة الحكومية الحالية، فإن حزب التقدم والاشتراكية، الذي ما فتئ يشدد على ضرورة أن يتحمل المعسكر الديمقراطي الحداثي مسؤولياته كاملة في نطاق تحصين الاستقرار المؤسساتي، يعرب عن يقينه بأن المصلحة العليا للوطن والشعب تقتضي حشد كل الإمكانات من أجل إنجاحها، لأننا حزب لم يراهن، أبدا، على تردي الأوضاع وتأزمها، وإنما يعول على تطوير المسلسل الإصلاحي في ظل ظرفية دولية وإقليمية شديدة التعقيد ومتعددة التحديات، وتتطلب من الفاعلين السياسيين قدرا هائلا من بعد النظر وروح المسؤولية، مرجحين مصلحة البلاد على أي اعتبار آخر.
الحضور الكريم،
الرفيقات والرفاق الأعزاء
لقد أبان الحزب، على امتداد الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الثامن والتاسع، عن قدرته الكبيرة على تكريس واحدة من المواصفات التي ميزته على الدوام، منذ نشأته حتى الآن، ألا وهي إنتاج الأفكار والعمل على تحويلها إلى تقدم. ويتجلى ذلك، على سبيل المثال، من خلال ما يلي:
أولا مذكرة حول الإصلاحات الدستورية
وهي المذكرة التي تم تقديمها للجنة المختصة في خضم العمل على صياغة الدستور الجديد، وتضمنت مقترحات جريئة تم الأخذ بمعظمها، مما أسهم في إقرار دستور بمضامين متقدمة جدا.
ويرى حزب التقدم والاشتراكية، في هذا الصدد، أن التوفر على دستور متقدم في محتوياته أمر هام للغاية، لكنه غير كاف في حد ذاته، لأن الدستور وثيقة حية لن تكون ذات جدوى بتجسيد متقدم لكافة مضامينها وأحكامها وروحها فوق أرض الواقع المؤسساتي، الأمر الذي يطرح ضرورة الاعتناء بالقوانين التنظيمية التي ينص عليها، والتي يفترض فيها أنها تمنحه أبعاده العملية، مما يجعلنا نؤكد على أن إخراج القوانين التنظيمية قبل انتهاء الولاية التشريعية الحالية أمر حيوي، مشددين على أن روح التوافق التي هيمنت على صناعة النص الدستوري في كل مراحل الصياغة، يجب أن تكون هي نفسها التي تسود، من جديد، على القوانين التنظيمية، لأنها امتداد عضوي للدستور، تثبت معانيه وتؤكد روحه.
وإذ يسجل حزب التقدم والاشتراكية، في هذا السياق، إقرار الدستور الجديد لمنظومة متكاملة من الحقوق والحريات تروم إرساء دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات، وتهدف إلى توسيع مجالات ممارسة هذه الحقوق والحريات، الفردية والجماعية، يثمن انخراط المغرب في منظومة الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، المدنية والبيئية الكونية، لاسيما في المتن الدستوري الجديد، يدعو إلى مواصلة تفعيل وأجرأة هذه الحقوق عبر سن سياسات عمومية مندمجة لتكريس المضامين الدستورية المجددة، وهذه مناسبة لنعرب عن ترحيبنا بإعلان المغرب، خلال الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت مؤخرا بمدينة جنيف السويسرية، عن قراره القاضي بالمصادقة على القرار الأممي حول حرية الدين والمعتقد، وهو أمر كان حزب التقدم والاشتراكية قد ضمنه مذكرته، المقدمة في 28 مارس 2011، للجنة المختصة، في إطار إعداد الدستور الجديد.
ثانيا مذكرة حول هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز:
وتقدم الحزب فيها بمقترحات تستحضر أحكام ومقتضيات الدستور التي تؤصل للمساواة بين الجنسين ومكافحة كل أشكال التمييز، وكذا حماية حقوق النساء والنهوض بها ومراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء، والتنصيص على سمو المواثيق الدولية. ويتعلق الأمر، على الخصوص، بفصول تؤكد على مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجال والنساء في الحريات والحقوق، ودور المجتمع المدني والمقاربة التشاركية، وحظر المساس بالسلامة الجسدية والمعنوية لأي شخص، والولوج المتساوي للنساء والرجال إلى الوظائف الانتخابية على المستوى الوطني وعلى مستوى الجهة، وإلزام الدولة بالعمل على تفعيل القوانين التي تضمن الحريات والمساواة بين المواطنين والمواطنات.
وفي هذا المجال، يدعو الحزب إلى إخراج هذه الهيئة إلى حيز الوجود، في أقرب الآجال، ملحا على ضرورة تحريك الملف المتعلق بمشروع القانون حول مناهضة العنف ضد المرأة، وتخصيص هذا القانون للمرأة فقط، وذلك اعتبارا لخصوصية العنف الذي تعاني منه النساء، وحرصا على ضمان تمتعهن بالكرامة والمواطنة الكاملة.
ثالثا مذكرة حول المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة:
وتتضمن رؤية الحزب ومقترحاته بخصوص هذا المجلس، حيث تجسد المذكرة القناعات القوية للحزب بأدوار وحقوق الأسرة والطفولة في بناء مجتمع متراص، قوي، عصري، متقدم ومتضامن، يؤدي فيه الأفراد، كما الجماعات، الدور الأساس في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
رابعا مذكرة إلى المجلس الأعلى للتعليم:
وتشمل مساهمتين، واحدة تتعلق بالتربية والتكوين، وأخرى تهم التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أكدنا على مواقف حزبنا في شأن هذه المسألة المصيرية والورش الوطني الكبير، بعيدا عن أي مقاربة سطحية قد تحصر، خطأ، الإشكالية المطروحة في جانب من الجوانب اللغوية.
وبطبيعة الحال، فإن للحزب تصورات ومقترحات من أجل التفعيل الأسلم لمختلف المضامين الدستورية المتعلقة بالجهوية، والأمازيغية، والشباب، والمغاربة المقيمين بالخارج، وإصلاح الإدارة والقضاء الخ.
السيدات والسادة الأفاضل،
الرفيقات والرفاق الأعزاء
من بين مشاريع الوثائق المعروضة على المؤتمر التاسع للحزب، تتقدم الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في ظل استحضار مميزات وآثار الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، بتحليل دقيق ومستفيض لواقع حال المغرب في المجالات الثلاثة المذكورة، بمختلف جوانبها وأبعادها. كما تستعرض الوثيقة، بإسهاب، مضامين البديل التقدمي الذي يقترحه حزب التقدم والاشتراكية سبيلا للخروج من الأزمة، وذلك انطلاقا من مرجعيته كحزب يساري، تقدمي واشتراكي، ومن تموقعه الطبقي كحزب لكل الشغيلة والفئات الفقيرة والمعوزة والطبقات المتوسطة والمثقفين لمتنورين.
فالوضعية الاقتصادية العالمية تظل مطبوعة باستمرار الأزمة العالمية وامتداد تأثيراتها، وهي في الواقع أزمة العولمة اللبرالية التي بدأت أصلا كأزمة مالية لتتحول إلى أزمة اقتصادية واجتماعية.
والظاهر أن الاقتصاد العالمي ما زال يعاني من المشاكل المرتبطة بأزمة المديونية العمومية وانفجار البؤر العقارية أو بوضعية النظام المالي، حيث أنه بالرغم من لجوء عدد من البلدان، وخاصة الأوروبية، لمواجهة العجز الميزانياتي وأزمة المديونية العمومية، إلى نهج سياسات تقشفية تتسم بتقليص النفقات الاجتماعية، والرفع من الضرائب التي تتحملها الفئات الشعبية، والضغط على الأجور والمعاشات، بل وتقليص تعداد الموظفين، فإن هذه « الحلول»، وانعكاساتها الاجتماعية، لم تمكن من الخروج من الأزمة، وبالتالي فإن مؤشرات استرجاع الاقتصاد العالمي لعافيته، تبقى، خاصة لدى شركاء المغرب الأساسيين، خجولة، ضعيفة، هشة، غير متساوية ولا متوازنة، مما ينبغي معه الاستمرار في توخي الحذر، واستبعاد أي تماطل في إنجاز الإصلاحات الأساسية التي يتعين على بلادنا مواصلتها بوتيرة أسرع فأسرع.
وكانت الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أقرها المؤتمر الوطني الثامن للحزب، قد أنجزت تحليلا معمقا للأزمة المالية العالمية لسنة 2008 وانعكاساتها على المغرب، حيث تبينت هشاشة اقتصادنا الوطني، نتيجة تراجع الصادرات وضعف مداخيل السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وانخفاض الاستثمارات المباشرة الأجنبية، فضلا عن تقهقر التوازنات الخارجية، مما كان له تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي، تجلى في تراجع المداخيل الجبائية، وموجات من التسريحات، وتقلص السيولة لدى الأبناك.
لكن ذلك لم يؤد إلى انهيار المغرب، الذي أبان عن نوع من القدرة على المقاومة ومواجهة الضغط، بفضل بعض الإصلاحات الأساسية في المجالين الاقتصادي والمالي، والتي انخرطت فيها البلاد، خاصة منذ مجيء حكومة التناوب سنة 1998، وبفضل تنويع نسيجه الاقتصادي والدينامية التي أتت بها الأوراش والمخططات القطاعية الكبرى، فضلاعن الجهود المبذولة في مجال تقوية التجهيزات الأساسية، من موانئ،مطارات، وطرق سيارة وغيرها.
وفي هذا السياق الإصلاحي، اتخذت الحكومة الحالية عددا من التدابير الجريئة في ترشيد النفقات العمومية، والتأسيس لتحسين الحكامة، ومراقبة التوازنات الماكرو اقتصادية، ومحاربة بعض مظاهر اقتصاد الريع، وتمكنت من تحقيق مجموعة من المكتسبات الاجتماعية، تطلبت اعتمادات مالية كبيرة، من قبيل تعميم المساعدة الطبية في اتجاه أن تشمل نحو ثمانية ملايين ونصف مليون نسمة، ورفع ميزانية الأدوية المخصصة للمستشفيات هذه الاحتياجات، مع تخفيض سعر الأدوية ضمن قائمة تضم مئات الأنواع منها، ورفع الحد الأدنى لرواتب التقاعد بالمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والمياومين، ومواصلة تنفيذ التزامات الحكومة بالمقتضيات المالية المرتبطة بالحوار الاجتماعي، وتوسيع الحماية الاجتماعية مع العمل على تحسين جودة خدماتها، وإخراج صندوق التماسك الاجتماعي إلى حيز الوجود، وتفعيل إجراءات الاستفادة من خدمات صندوق التكافل العائلي، واتخاذ تدابير عديدة مرتبطة بقطاع التعليم، ومن بينها إضافة 40 ألف طالب للاستفادة من المنحة التي عرفت قيمتها الإجمالية زيادة بنسبة 50 في المائة، ومضاعفة المخصصات الاجتماعية للطلبة، والتعويض عن فقدان الشغل، والرفع من الحد الأدنى للأجور، وكذا مراجعة ومواصلة المخططات التنموية القطاعية، والشروع في إصلاح القضاء، وإخراج عدد من القوانين التنظيمية إلى حيز الوجود تفعيلا للدستور الجديد... وكل هذا رغم ما عرفته هذه التجربة الحكومية من اضطرابات خارجية وداخلية أثرت على وتيرة أدائها، خاصة في السنة الأولى من ولايتها.
وتستمر مع ذلك مشاكل واكراهات بالرغم من الجهود المبذولة، سواء بالنسبة للاختلالات الماكرو اقتصادية أو مستوى الخصاص الاجتماعي، حيث وجدت الحكومة المنبثقة من انتخابات نونبر 2011 نفسها أمام وضعية صعبة استدعت مواجهتها اتخاذ جملة من الإجراءات المستعجلة.
وبإلقاء نظرة سريعة على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، يتضح أن هناك صعوبة في تجاوز عتبة جديدة من النمو، الذي بلغ نحو 4.7 في المائة سنة 2013، علما بأن معدلاته تظل رهينة بالتقلبات المناخية.
وعلى المستوى الماكرو اقتصادي، تم تسجيل انخفاض نسبي لعجز الميزانية « من 7.1 إلى 5.7 في المائة «، لكن في المقابل حصل ارتفاع للعجز التجاري وعجز ميزان الأداءات.
كما تم تسجيل ارتفاع طفيف في نسبة البطالة، لتتجاوز حاليا 10 في المائة، علما بأن الحكومة شرعت، مؤخرا، في إعداد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، بغية التوفر على إطار مندمج ومتكامل لمختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية من أجل النهوض بالتشغيل في بلادنا.
ومن جهة أخرى نجد أن الوضعية الاجتماعية تتميز، في ما تتميز به، بحصول تقدم في مجال الاحتياط الاجتماعي، حيث يناهز عدد المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مليونين و800 ألف أجير، لكن 33 في المائة فقط من المغاربة النشطين هم الذين يتوفرون على التقاعد أو على تغطية صحية.
وحصل تقدم، أيضا، في مجال توزيع بطاقات الاستفادة من نظام المساعدات الطبية « راميد «، لكن مع مشاكل في التدبير يجري العمل على تجاوزها، في حين أنه بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في مجال التغطية الصحية والولوج إلى العلاج، لا تزال هناك صعوبات خاصة بالنسبة للفئات المستضعفة.
وفي المقابل تم تحقيق تقدم في مجال صحة الأم والطفل، وكذا في مجال الولوج إلى الماء الشروب والكهرباء.
أما على مستوى التربية والتعليم، فتظل قائمة مشاكل هيكلية مرتبطة بمجال التمدرس والجودة. والتقييم نفسه ينطبق على مجال السكن، حيث تبذل جهود كبيرة، سواء لفائدة الطبقة المتوسطة أو بالنسبة للسكن الاجتماعي، مما أفضى إلى تقليص العجز في السكن، علما بأن السكن غير اللائق لا يزال مشكلا ضخما.
من جهة أخرى، وبالرغم من الجهود المبذولة والانجازات المحققة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لا يزال يتعين تحقيق تقدم كبير في مجال محاربة الفقر والهشاشة.
وإلى ذلك، هناك مخططات قطاعية محينة وايجابية، لكن يبقى من اللازم تحسينها في اتجاه التقائية أكبر مع ضرورة وضع الجانب الاجتماعي في صلب هذه المخططات.
في ظل هذه الوضعية، ، واقتناعا منه بأنه مهما كانت أهمية التوازنات الماكرو اقتصادية والتحكم في عجز الميزانية، يبقى لازما ضمان التوازنات الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، فإن حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره حزب التغيير والتحول الاجتماعي، ما فتئ يؤكد، داخل الأغلبية الحكومية،على ضرورة الحفاظ على القدرة الشرائية للمستضعفين وعلى إلزامية اتخاذ تدابير لإنعاش الاقتصاد، وكذا على خطورة المقاربة المحاسباتية والتقنوقراطية لمعالجة العجز الميزانياتي والمديونية.
وبحكم نظره دائما إلى القضايا المطروحة من زاوية تستحضر كل الأبعاد، يعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن الوضع يتطلب اعتماد مقاربة شمولية، تنفذ إلى أصل الداء وجذوره ولا تقف عند المظاهر والانعكاسات، وبالتالي وجب الإلحاح، مرة أخرى، على أن النموذج التنموي المغربي أصبح في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة بل وإلى إعادة نظر جدية ومجدية. وهذه رؤية يتقاسمها مع الحزب العديد من المؤسسات والمنظمات الوازنة، من بينها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
إن مقاربة حزب التقدم والاشتراكية، في هذا المضمار، تندرج في إطار تصور استراتيجي لأجل وضع أسس نموذج تنموي جديد، يستتبع نهجه، بالضرورة، إعادة تأهيل المكانة الإستراتيجية للدولة في التخطيط، وفق رؤية تعتمد على التنمية المستدامة وتهيئة المجال والجهوية، في نطاق الحفاظ على الاستثمارات العمومية في مستوى معقول مع تهيئة الظروف لتجويد فاعليتها وتوجيهها نحو الأولويات الوطنية، واستمرار سياسة الأوراش الكبرى، وتبني إستراتيجية وطنية لتعزيز القطاع الخاص على أساس المسؤولية الاجتماعية.
وحزب التقدم والاشتراكية مقتنع تماما بوجود بديل تقدمي حقيقي لمواجهة الأزمة، والذي يتميز بضرورة تبني رؤية شمولية، من جهة، وضرورة جعل الاحتياجات الاجتماعية في صميم كل مشروع للإصلاح، من جهة ثانية. وذلك في أفق إنعاش الاقتصاد والتحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية، وإصلاح نظام المقاصة، ونظام التقاعد، والنظام الجبائي، وذلك على أسس العدالة الجبائية وتشجيع الاستثمار المنتج والحرص على المزاوجة بين العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية، بما يمكن من السير قدما في اتجاه مغرب التضامن والعدالة الاجتماعية، مغرب قائم على تنمية مستدامة حقيقية في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، في طار جهوية متقدمة، حيث تقوم الدولة، وهي مستندة إلى قطاع عمومي قوي، بأداء دورها التنموي كاملا، ضامنة الانسجام الاجتماعي والمجالي للبلاد عبر مسلسل من التنمية الإدماجية، ومكافحة لكل أشكال تخريب الاقتصاد الوطني، خاصة منها الريع والرشوة والفساد، مع إرساء حكامة ديمقراطية حقيقية.
وهذا، بالذات، هو ما يفسر مبنى ومعنى الشعار الذي اختاره حزبنا لمؤتمر الوطني التاسع: « مغرب المؤسسات.. والعدالة الاجتماعية».
السيدات والسادة الأفاضل،
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
ونحن نلتقي في هذا العرس النضالي الكبير، الذي هو في الآن ذاته محطة مميزة لتقييم ومساءلة أربع سنوات من الممارسة التنظيمية والسياسية، من خلال مقاربة النقد والنقد الذاتي البناءين والموضوعيين، لابد من إطلالة سريعة على الأداء الحزبي، كما وكيفا، بما له وما عليه. وأقول إطلالة سريعة، حتى لا نثقل على الحاضرين في أمر لنا متسع من الوقت لمناقشته، في ضوء التقييم الوارد في مشاريع الوثائق المعروضة على أنظار المؤتمر، بعد المصادقة عليها بالإجماع خلال آخر دورة للجنة المركزية للحزب، وهو تقييم يتعين الإقرار بأنه إيجابي، ويستند إلى التقييمات الدورية المنتظمة التي كان نشاط الحزب يخضع لها داخل مؤسساته، المنتخبة ديمقراطيا، منذ مؤتمر الوطني الثامن.
فقد ظل الحزب في حركة سياسية دائبة وتفاعل دائم مع كل الأحداث والتطورات التي عرفها المغرب خلال السنوات الأربع الأخيرة، وكان حضوره قويا ومميزا في واجهة المشهد السياسي الوطني، وازنا في الحكومة، فعالا في البرلمان، وممتدا عبر مختلف أرجاء البلاد، حيث تعاظم إشعاعه بتزايد تجاوب الجماهير الشعبية معه، وتوسعت رقعته التنظيمية بفضل الإقبال الهائل على الانخراط في صفوفه من قبل مواطنين عاديين ومنتخبين، في الداخل والخارج، وبمختلف الجهات والمناطق، القريبة منها والنائية.
كما تميز نشاط الحزب وتفاعله مع المستجدات بالحرص القوي على إعمال الديمقراطية الداخلية، حيث لم تكن القرارات تتخذ إلا في إطار الأجهزة التقريرية ذات الصلاحية، موازاة إلى بذل جهود كبيرة ومتواصلة لتفعيل جميع المؤسسات الحزبية القائمة بما يتيح أن تؤدي الأدوار المناطة بها.
وإلى ذلك، حقق منتخبو الحزب نجاحات متعددة ومتنوعة، سواء على مستوى تسيير جماعاتهم، أو على صعيد البرلمان، وتقوى، نسبيا، الحضور الحزبي على صعيد علاقاته الدولية، بينما تم تحسين قدرات الحزب التدبيرية والمالية، وقطع أشواط مهمة في اتجاه تجويد أداء الإدارة الوطنية للحزب، وتحقيق تقدم ملموس في نطاق العمل المتواصل من أجل اقتناء مقرات للحزب بجهات مختلفة، مع قرب استكمال بناء مقر مركزي جديد يليق بحجم الحزب ووزنه ومكانته.
و بطبيعة الحال، فإن مكامن القوة هذه لا تحول دون الحزب وإدراكه لمواطن الضعف والقصور. وفي هذا الإطار، ورغم كل الجهود المبذولة، والتي يتعين عدم الاستهانة بها، يظل ورش الإصلاح والتقويم مفتوحا في عدد من المناحي المرتبطة بالتكوين، والمنظمات الموازية، وتقوية الحزب في أوساط النساء، والشباب، والطلبة، وعدد من القطاعات السوسيو مهنية، بالإضافة إلى تحسين الأداء الإعلامي والتواصلي للحزب.
الحضور الكريم،
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
إن حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره فصيلا أمميا، ومؤسسا لليسار، ومكونا أصيلا للحركة والوطنية الديمقراطية والتقدمية ببلادنا، لا يفوته، وهو يعقد مؤتمره الوطني التاسع، مستحضرا التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية والمغاربية، على الخصوص، أن يعرب عن تضامنه مع شعوب المنطقة، العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، مصر، تونس والبحرين، وغيرها من شعوب المنطقة.
والتضامن موصول، بشكل خاص، للشعب الفلسطيني، الذي تظل قضيته، بالنسبة للمغرب، بكل مؤسسات الدولة ومكونات الشعب، قضية مركزية لا تحتمل ادخار أي جهد في سبيل نصرة كافة الحقوق المشروعة لهذا الشعب الأبي.
إن حزب التقدم والاشتراكية إذ يجدد التأكيد على دعمه المطلق، وتضامنه الكامل، مع نضالات الشعب الفلسطيني البطل، وحقوقه المشروعة في بناء دولة فلسطينية مستقلة وموحدة عاصمتها القدس، وفي التصدي لسياسة الاستيطان وتهويد المقدسات، يثمن عاليا برامج ومشاريع للتنمية متعددة الأوجه، التي تنجزها مؤسسة بيت مال القدس، بتوجيهات من جلالة الملك رئيس لجنة القدس، والتي تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، بشكل عام، وقضية القدس الشريف خاصة.
كما أن حزبنا يدعو ، بإلحاح، إلى دعم الجهود الدبلوماسية الرسمية للدولة، من خلال تنشيط الدبلوماسية الموازية، بجميع مستوياتها، لتعزيز هذا المسار، وللمساعدة في التعريف بهذه القضية، وطنيا وإقليميا ودوليا، وبالتالي الإسهام في التأثير، وصناعة الرأي العام، بغية حشد الدعم والمؤازرة لعدالة القضية الفلسطينية، والتأسيس، مجددا، لكي تسترد هذه القضية مكانتها كقضية ذات أولوية قصوى، قضية يجب أن تتبوأ صدارة الأحداث، وأن يتم التعاطي مع تطوراتها ومساراتها على نحو يحول دون تمكن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم من عزلها ومحاصرتها، عبر استغلال الانشغالات الداخلية للدول العربية، أو النزاعات البينية القائمة.
وفي هذا السياق يعرب حزب التقدم والاشتراكية عن استعداده التام، والدائم، للإسهام، بتنسيق مع القوى التقدمية والديمقراطية المعنية، في تفعيل الآليات الناجعة لمساندة الكفاح الفلسطيني، بشتى السبل وعلى مختلف الواجهات، وفي العمل على إنجاح كل المبادرات التضامنية المشتركة، خاصة على الصعيدين العربي والمغاربي، وكذا في تعزيز وحدة الصف الفلسطيني وتماسكه، كأداة لامحيد عنها لبناء الدولة الفلسطينية الموحدة، والمضي قدما لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.
أيتها الرفيقات المندوبات العزيزات،
أيها الرفاق المندوبون الأعزاء،
بعد أن قطعنا، بنجاح باهر وبروح عالية من المسؤولية والمبادرة والمثابرة، أشواطا كبيرة في التحضير، لمؤتمرنا هذا، الذي هو بحق لحظة تاريخية ومحطة نضالية مميزة، ها نحن على مشارف استكمال عملية إنجاح المؤتمر، باعتبار ذلك هاجسنا الأساس ومهمتنا الآنية.
ولا أخالكم إلا تشاطرونني الرأي بأنه مع انتهاء المؤتمر، بعد إقرار مشاريع الوثائق المعروضة على أنظاره، وانتخاب القيادة الجديدة، سيبدأ مشوار جديد من النضال يتطلب تضافر جهود كل واحدة وواحد منا، ويحتاج فيه حزبنا لكل طاقاته النضالية، النسائية والرجالية، وخاصة منها الشبابية، حتى يتمكن من ربح ما ينتظره من رهانات ضخمة ومهام جسام، ولكي نؤدي نحن جميعا، فرادى وجماعات، الأمانة التي طوقنا بها الرفيقات والرفاق الذين انتدبونا من الفروع المحلية والإقليمية والقطاعات السوسيومهنية والمنظمات الموازية، ولكي نكون أيضا وصدى الاحتفالات الشائقة بالذكرى السبعين لتأسيس حزبنا لا يزال يشنف أسماعنا ويضبط نبضات أفئدتنا في مستوى الوفاء للرعيل الأول من المناضلات والمناضلين، الذين أسسوا الحزب، ورعوه، وحافظوا عليه، وضحوا بالغالي والنفيس من أجله.
ولتكن عزائمنا في إنجاح مؤتمرنا على قدر ما ينتظرنا، بعد المؤتمر، من معارك سياسية شاقة، عسيرة بل ومصيرية.. لنسهم، جميعا، في أن نضع، هنا والآن، مزيدا من اللبنات لتحصين وتعزيز حزبنا، الذي نجح سياسيا و ديمقراطيا، ويعيش توسعا جماهيريا هائلا، ويحظى بتجاوب شعبي متزايد.. حزبنا، الذي بقي وسيظل هو هو، من حيث كنه هويته اليسارية التقدمية الديمقراطية والاشتراكية، لكن بوجه أقوى، وطراز جديد، من حيث تفوقه السياسي وتوفقه في إعماله آليات الديمقراطية الداخلية.
فمزيدا من التعبئة، والبذل، والعطاء لنوفر لحزبنا أفضل الشروط، وأنسب الظروف، وأنجع الوسائل، لكي يتبوأ، دائما، ما يليق به ويستحقه من مكانة أساسية ومتقدمة في الحقل السياسي الوطني، وحتى يتأتى له أن يؤدي، أحسن أداء، الواجب الذي من أجله رأى النور، وفي سبيله ضحت أجيال متعاقبة من المناضلات والمناضلين الأفذاذ، واجب إرساء أسس مغرب الغد القريب: مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية..
وشكرا على حسن الانتباه والإصغاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.