لا مجال للمزايدة على الحزب في شأن اصطفافه في خندق اليسار أو الكتلة الديمقراطية، والجميع يعلم أن الحزب لم ولن يفرط في هذا الاصطفاف مرحبا بتعدد الترشيحات إذا كانت تعتمد على تصورات وبرامج واضحة وتسهم في تعميق النقاش الديمقراطي داخل الحزب ومقارعة الفكرة بالفكرة والبرنامج بالبرنامج ينطلق اليوم المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية، ما هي الرهانات المطروحة على هذا المؤتمر من وجهة نظركم؟ ربما هناك ثلاثة رهانات أساسية، الرهان الأول هو أن الحزب على المستوى السياسي، بما لذلك من انعكاسات على مستوى مرجعيته، اختار، بين المؤتمر الوطني الثامن والمؤتمر الوطني التاسع، أن يشارك في حكومة يتزعمها حزب العدالة والتنمية، وعلى هذا الأساس يتعين أن نثبت ما حصل حوله شبه إجماع، من خلال هذه التجربة التي خضناها في الحكومة، وهو ما قامت به، عمليا، الوثيقة السياسية والفكرية التي اعتمدتها اللجنة المركزية كوثيقة مرجعية للمؤتمر بالإجماع. مع ما يستتبع ذلك من تأكيد لاصطفاف الحزب في هذا الموقع الحكومي إلى حدود نهاية الولاية. اللهم إلا إذا طرأ طارئ أساسي، من شأنه أن يغير موقف الحزب. كل ذلك بالطبع مع تأكيد الهوية اليسارية والتقدمية والاشتراكية لحزبنا، وكذلك تسجيل عدد من المقاربات الاقتصادية والاجتماعية التي تميزنا والتي نؤثر من خلالها على القرار الحكومي. الرهان الثاني، وكان بودي شخصيا، أن يكون رهانا أساسيا وأولوية خلال هذا المؤتمر، لو لا عدد من الحسابات الموازية التي جعلتنا في نهاية المطاف، نغيب عمليا هذا الجانب، وبعبارة وجيزة، الأمر يتعلق، بالرهان التنظيمي. حيث لا يمكن لأحد اليوم أن يجادل في كون الحزب أضحى يحتل موقعا متميزا على صعيد الفضاء السياسي المغربي، بل هناك رصيد إيجابي واضح المعالم يسجل لفائدة القيادة الحالية وهو المرتبط بتوسيع الحضور السياسي لحزب التقدم والاشتراكية على امتداد التراب الوطني، وما نجاح عشرات التجمعات الجماهيرية التي نظمتها الفروع الحزبية والقطاعات السوسيو- مهنية، وأحييها على ذلك، إلا تأكيد لهذا الحضور الوازن للحزب في المشهد السياسي الوطني، لكن ينبغي الإقرار بأن الحضور التنظيمي الحزبي، لا يعكس نفس مستوى النجاح السياسي. كنت أتمنى، شخصيا، أن نجعل من هذا المؤتمر محطة تقييمية واقتراحية في نفس الوقت لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها الحزب على هذا المستوى. بالطبع هناك رهان ثالث، وأتمنى أن يساهم فيه الجميع، إيجابيا، وهو الرهان المرتبط بفرز وانتخاب قيادة وطنية جديدة للحزب، وأملي كبير بأن يتم ذلك في جو من الحرية والجدية والشفافية والنزاهة الفكرية والأخلاقية بما يخدم المصلحة العليا لحزبنا، ويحافظ على وحدته واستقلالية قراره. ورغم ما قلتم فإن عددا من المراقبين يؤكد أن كون اللجنة المركزية للحزب صادقت في دورتها الأخيرة على مختلف الوثائق التحضيرية بالإجماع، سيجعل رهان المؤتمر تنظيميا بالدرجة الأولى، ما هو رأيكم بهذا الخصوص؟ التصويت الأخير للجنة المركزية، كان من المفروض أن يؤدي بنا إلى أن نجعل المؤتمر الوطني التاسع محطة تعالج أساسا قضايانا التنظيمية وأداءنا على المستوى النضالي، لكن مع الأسف الأجواء التي عمل البعض على أن يحدثها، بارتباط مع مسألة الأمانة العامة، غيبت هذا الجانب الأساسي، لتعوضه، بشكل مؤسف، بالإشاعات والأقاويل والأكاذيب في بعض الأحيان، وهو ما يساهم في تلويث الأجواء دون فائدة، فمثلا عندما يطرح أن الأمين العام عليه أن يتوقف عن أي عمل تعبوي لفائدة الحزب من خلال تنشيطه لمهرجانات شعبية حاشدة، يحق لنا أن نتساءل عن مدى جدية هذا الطرح، وهل هذا من المعقول؟ والحال أن الأمين العام يظل قائما ومنتخبا إلى حدود انتخاب الأمين العام جديد. أو عندما يتم التأثير، سلبيا، على الرفاق بالقول إن هناك لائحة مسبقة للمكتب السياسي المقبل تروج هنا وهناك، بهدف إثارة غضب الرفاق والسعي إلى استمالتهم، والحال أن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، وهو محض افتراء واختراع مطلق وأكذوبة أكبر مما نلجأ إليه في فاتح أبريل، وقس على ذلك. بالنسبة لبعض الممارسات التي تعاكس الخطابات التي نستمع إليها في شأن الممارسة الديمقراطية، وحزب المؤسسات، والاعتماد على مقاربات حديثة وتحديثية.. نلاحظ مثلا، والجميع يعلم ذلك، أنه من الإشكالات الكبرى التي كان علينا أن نعالجها ونقدم اقتراحات بشأنها، هي نوعية وحجم اللجنة المركزية وعدد أعضائها وطريقة إفرازها، وتظل هذه القضية قائمة، لأنه عوض الاهتمام بصلب الموضوع، بكل تجرد وموضوعية، هناك من فضل أن نترك هذه القضية غامضة، ليتم التموقع في شأنها حسب السياقات المرتبطة بالأمانة العامة. يتساءل اليوم كثير من المتابعين للشأن السياسي الوطني عما إذا كنتم ستترشحون للأمانة العامة للحزب أم لا، خصوصا أنكم لم تعلنوا عن ذلك لحد الآن، رغم وجود خمسة أعضاء لحد الآن أعلنوا عن ترشيحهم، هل يمكنكم الإفصاح اليوم عن قراركم؟ مرحبا بتعدد الترشيحات، طالما أنها تعتمد على تصورات وبرامج واضحة، ومرحبا بها كذلك إذا كانت تسهم في تعميق النقاش الديمقراطي داخل الحزب ومقارعة الفكرة بالفكرة والبرنامج بالبرنامج، مع العلم أني أميل، شخصيا، أن يكون أي ترشيح مرتبطا بأرضية سياسية متكاملة، وهذا غير موجود في حالتنا، لكن الجسم الحزبي، أقر بالتعدد، فليكن. فيما يتعلق بشخصي المتواضع، أكرر بأن التربية الحزبية التي تلقيناها في حزب التقدم والاشتراكية تجعل أن الأمين العام يتعين أن تفرزه إرادة جماعية حزبية واسعة، يتم تأكيدها فيما بعد بالتصويت الحر والديمقراطي. لذلك لا يمكن أن أخالف هذه التربية الحزبية بالاعتماد على نزعة شخصية محضة. المؤتمر يفتتح أشغاله اليوم، وستعمل هذه الإرادة الجماعية الواسعة على إقرار من تريده مرشحا للأمانة العامة. هل يشهد حزب التقدم والاشتراكية، عشية انطلاق مؤتمره التاسع، اختلافات داخلية جوهرية وكبرى في القضايا السياسية والفكرية، وفي التحالفات والمشاركة في الحكومة الحالية؟ فيما يتعلق بالتباينات الممكنة، هناك مفارقة بين وثيقة سياسية تمت المصادقة عليها بالإجماع، وبين من يقول بأنه حصل حولها توافق، فقط؛ وبين من يتنكر لذلك.. لكن يتعين الإقرار أن هذا التوافق تم على أساس التوجه الرسمي للحزب والتموقع الحالي الذي يحتله في الساحة السياسية، بالإضافة إلى أن هذه المقاربة التوافقية تم التصويت عليها بالإجماع. المفارقة تكمن في أن هناك أصواتا تجهر بذلك، أو في بعض الأحيان تهمس بذلك خلف الستار، لتعبر عن اختلاف ما يتعلق بمشاركة الحزب في الحكومة، وبالائتلاف الذي يشكله داخل هذه الحكومة إلى جانب حزب العدالة والتنمية، أو هناك كذلك من يزايد على الحزب في شأن اصطفافه في خندق اليسار أو الكتلة الديمقراطية، والحال أن الجميع يعلم أن الحزب لم ولن يفرط في هذا الاصطفاف، أو غير ذلك من التباينات، وأكثر من ذلك، هناك من يروج، بشكل غير مسؤول، لفكرة انعزال القيادة الحالية عن المؤسسات، بل وهناك من يقوم باتصالات مع رفيقات ورفاق ليشيع ويفتخر بأن هناك جهات معينة تسانده، وكل ذلك كذب وبهتان، وسلوك غريب تماما عن الثقافة الحزبية، فعلى هؤلاء جميعا أن يتناغموا مع أنفسهم وينسجموا مع تصويتهم لصالح الوثيقة السياسية والفكرية، وكذلك الشأن بالنسبة للوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إذا كان الهدف هو عدم الكشف عن وزن كل واحد داخل الحزب، فعلى أي حال، لقد دقت ساعة معرفة ما يحظى به كل واحد من دعم ومن قوة داخل حزبنا، وما أتمناه، هو أنه عند هذه اللحظة، أن يمتثل الجميع للإرادة الديمقراطية الفاصلة بأعلى هيئة في الحزب، ألا وهي المؤتمر الوطني. وهل يمكنكم، ترتيبا عن ذلك، أن تقدموا لنا أنتم الأمين العام للحزب أبرز ما يميز مضامين مشاريع وثائق المؤتمر، وأيضا أهم ما ميز حصيلة ولايتكم المنتهية على رأس الحزب؟ موضوعيا، وهذا رأيي، أعتبر أن رصيد التجربة الحالية للقيادة الوطنية المجسدة في المكتب السياسي واللجنة المركزية، رصيد إيجابي جدا، على عدة مستويات؛ منها أولا ما يتعلق بالقفزة السياسية الهائلة التي قام بها الحزب، والتي جعلته بالنظر إلى اختياره المشاركة في الحكومة الحالية، يحتل مواقع داخل الحكومة وخارجها، وفي مختلف أقاليم البلاد، لم يصل إليها في أي فترة من تاريخه المجيد. ثانيا من حيث حجم ونوعية الانخراطات التي تقاطرت على حزبنا في هذه الفترة... حيث توافدت وتتوافد على حزبنا آلاف الانخراطات من فئات مختلفة، ومن ضمنها نخب انتخابية وازنة جعلت الحزب يتموقع ويتحرك اليوم في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق لم يكن موجدا فيها أبدا. وثالثا، على صعيد الحضور السياسي والإعلامي للحزب، الذي أصبح لافتا للانتباه، رابعا، طورنا بشكل كبير القدرات التنظيمية والتدبيرية والإدارية والمالية للحزب بشكل لا مجال لمقارنته مع ما كنا عليه قبل أربع سنوات. والحزب أصبح اليوم يتوفر على ممتلكات تؤمن مستقبله، من مقر مركزي حالي ومشروع مقر وطني ضخم يليق بحزب التقدم والاشتراكية، بالإضافة إلى مقرات إقليمية مقتناة في إطار مقاربة جديدة على هذا المستوى. كان بودنا، أن نحقق أكثر، ويتعين أن نقر باستمرار نقائص وسلبيات خاصة على مستوى الأداء التنظيمي والنضالي للحزب، بكافة هياكله، من الأمانة العامة إلى الفروع المحلية، لكن الرؤية واضحة والإرادة قوية للانكباب على هذه النقائص. كيف تنظرون إلى مستقبل حزب التقدم والاشتراكية بعد المؤتمر الوطني التاسع، وما هي أبرز مهامه للمرحلة القادمة؟ الوثيقة السياسية واضحة على هذا المستوى، هناك ضرورة الحفاظ على الاستمرارية والدخول بإرادة قوية وإمكانات متينة إلى الاستحقاقات الانتخابية المبرمجة سنتي 2015 و2016 ليتمكن الحزب من تثبيت المكانة السياسية التي أضحى يحتلها. إرادتنا كذلك، راسخة في أن نتمكن من إحياء عملنا المشترك مع الفصائل الديمقراطية واليسارية في أفق تدعيم التفعيل الأمثل للدستور ومواصلة نهج الإصلاحات على شتى المستويات. أتمنى كذلك، أن تكون هذه المدة، بين المؤتمر التاسع والمؤتمر العاشر للحزب، فترة النهوض بأوضاعنا التنظيمية أكثر مما تم القيام به لحد الآن.