الرهان الحقيقي ومسؤوليات الرفيقات والرفاق المؤتمرين تفصلنا أيام قليلة عن المؤتمر الوطني التاسع لحزب التقدم والاشتراكية المرتقب التآمه ببوزنيقة أيام 30، 31 ماي وفاتح يونيو 2014 تحت شعار «مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية». ولا شك أن الرأي العام الحزبي والوطني والدولي يترقب ما الذي سيفرزه هذا المنتدى الحزب وماذا سيتمخض عنه من نتائج سياسية وتنظيمية. ومساهمة مني في كسر جليد الصمت، وانطلاقا من تجربتي النضالية المتواضعة ومن موقعي كعضو الديوان السياسي، أجد نفسي ملزما أخلاقيا بالمساهمة التحليلية في البحث عن أجوبة لأسئلة المؤتمر. أعتقد أن كل من ينتمي لحزب التقدم والاشتراكية يطمح إلى أن يشكل مؤتمرنا التاسع عرسا نضاليا حقيقيا، تسوده حرارة لقاء مناضلات ومناضلين يدركون أن الهدف المحوري للحزب هو المزيد من التجذر في المجتمع المغربي، كما يدركون أننا في بداية المشوار لبناء مجتمع ديمقراطي عادل تسوده الكرامة والمساواة والتوزيع العادل للخيرات. ومن أجل هذا نحن كلنا مدعوون لتوفير كل الظروف ليكون مؤتمرنا منتدى حزبيا ينتفي فيه كل ما هو سلبي لفائدة نقاش رفاقي راق تسوده القيم المتعارف عليها في صفوف حزبنا. ومن البديهي التذكير ببعض البديهيات ومن بينها مهام المؤتمر الوطني لحزبنا والتي تتمثل في مهمتين أساسيتين: المهمة الأولى: تدارس مشاريع أطروحات الحزب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشروع القانون الأساسي الذي يؤطر عمل الحزب والمصادقة عليها، باعتبارها، ستشكل، بعد تبنيها، خارطة الطريق وجدول أعمال الحزب للأربع سنوات القادمة. المهمة الثانية: انتخاب الأجهزة الوطنية للحزب وهي اللجنة المركزية ثم الأمانة العامة للحزب ثم المكتب السياسي، وهي الأجهزة التي ستوكل إليها مهام تدبير الحزب وقيادته ابتداء من 2 يونيو 2014 إلى 2018 موعد الحزب مع مؤتمره الوطني العاشر. بخصوص المهمة الأولى، فمؤتمرات حزب التقدم والاشتراكية لم تكن في يوم ما ترفا فكريا، أو محطات روتينية أو مواسم احتفالية. بل إن مؤتمرات حزب التقدم والاشتراكية كانت وستظل منتديات جادة تتميز بروح المسؤولية التي وسمت وتسم تربية مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية. ومن المؤكد أن المؤتمر الوطني التاسع سيشكل ورشا فكريا جماعيا سيتدارس من خلاله مناضلو ومناضلات الحزب المؤتمرون مشاريع الوثائق التي تم إعدادها عبر مسلسل استغرق بضعة شهور بدأ من مرحلة الإعداد مرورا بعرض هذه المشاريع على اللجنة المركزية للحزب ثم بعرضها على كل مناضلات ومناضلي الحزب وعلى كافة مكونات الرأي العام الوطني عبر المنتديات التي نظمها الحزب لهذا الغرض. وتأسيسا على هذا، سيشتغل رفيقاتنا ورفاقنا الذين ستنتدبهم تنظيماتهم للمساهمة في هذا الموعد السياسي والنضالي الهام. ونأمل جميعا أن نساهم في أن يكون مؤتمرنا التاسع فرصة أخرى للتأكيد على أن حزبنا يعتبر قوة اقتراحية حقيقية وأنه منشغل بعمق بأوضاع بلادنا وشعبنا وبمستقبلهما. والرفاق والرفيقات المؤتمرون يدركون دقة مهمتهم وجسامة رسالتهم واللتين تتمثلان في إغناء مشاريع وثائق المؤتمر بآرائهم ومقترحاتهم وتجاربهم وبدائلهم وهي الآراء والمقترحات والبدائل والتجارب المستقاة من عمق مجتمعنا. ونعتبر أن رفيقاتنا ورفاقنا المنتدبين للمؤتمر يعرفون أكثر من غيرهم، بحكم قربهم من كل فئات شعبنا وانصهارهم مع تطلعاتها، آلام وآمال وانتظارات أفراد شعبنا في مدنهم وقراهم وأحيائهم ومداشرهم، يعرفون أكثر من غيرهم هواجس وحاجيات المواطن المغربي في مختلف ربوع الوطن. فبعد المصادقة على مشاريع الأطروحات هذه ستصبح ملزمة للجميع وستشكل جدول الأعمال الذي سيؤطر الفعل النضالي لمناضلات ومناضلي الحزب حتى سنة 2018 وما ستعرفه هذه الفترة من استحقاقات تمثيلية وتشريعية وسياسية حاسمة. ففي انتظار المصادقة النهائية على مشاريع الوثائق هذه من لدن المؤتمر، لا بأس من التذكير ببعض الملاحظات: لقد تم إعداد هذه الوثائق في مناخ ميزته روح المسؤولية والجدية المعهودين في مناضلات ومناضلي الحزب من جهة، والمقاربة المنفتحة والمشاركاتية لكل مناضلات ومناضلي الحزب من جهة ثانية. يمكن القول إن هذه الوثائق مكنتنا، بفضل الكفاءات التي يزخر بها الحزب والمعرفة الدقيقة للأوضاع ببلادنا من الإلمام والإحاطة الشموليين بمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهم بلادنا ومحيطها الجهوي والدولي. ج. لقد عرضت هذه المشاريع على اللجنة المركزية في دورتها الرابعة عشر التي كانت لها الفرصة للمزيد من التمحيص والتدقيق والتي انتهت بالمصادقة بإجماع أعضائها على هذه المشاريع. فما هي إذن خلاصة هذه المرحلة من الإعداد للمؤتمر الوطني التاسع لحزبنا؟ الخلاصة الأولى هي أن مشاريع الوثائق هذه استطاعت أن تستوعب كل الجهود الفكرية وكل التلوينات. الخلاصة الثانية هي أن وحدة حزب التقدم والاشتراكية ليست إفرازا لمهادنات سطحية أو لمجاملات ظرفية، بقدر ما هي وحدة حقيقية طالما أن حزب التقدم والاشتراكية يضم في جوانحه مناضلات ومناضلين آثروا مصلحة شعبنا ووطننا على أية مصلحة ضيقة وطالما أن هؤلاء المناضلات والمناضلين ليس لهم هم غير هم وضع الوطن والشعب فوق كل اعتبار. فليس إذن هناك أي اختلاف بخصوص تحاليل الحزب ومواقفه وهويته ومرجعيته الفكرية وهذا تحصيل حاصل. أما المهمة الثانية التي سيضطلع بها مؤتمرنا التاسع فهي المرتبطة بانتخاب الأجهزة الوطنية للحزب. وهنا سأتقدم ببعض الآراء والمقترحات، والتي لا تلزم أحدا غيري. وهي آراء شخصية ومستقلة تماما عن أي إملاء أو إيحاء، ولا أروم من خلالها مقصدا ولا أبتغي من خلالها مأربا، هي آراء أحد مناضلي هذا الحزب يستحضر ما قدمه الرعيل الأول من قيادييه «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» من تضحيات جسيمة من أجل أن يبقى حزبنا شامخا طوال 71 سنة، يشق طريقه بإصرار من أجل أن ينعم وطننا بالاستقرار والطمأنينة والرقي وشعبنا بالعزة والكرامة، هي آراء أحد المناضلين عاش داخله لمدة أربعة عقود ونيف، تمتع خلالها، على غرار كل الرفيقات والرفاق، بلحظات فرح وانتشاء كلما أحرز حزبنا على نتائج تؤشر لتقدمه وتطوره، كما داق خلالها، على غرار كل الرفيقات والرفاق، مرارة بعض اللحظات كلما لاحظ أن هذا الحزب الكبير يستحق أحسن وأكثر مما هو عليه عدديا وانتخابيا وو .... وأن شيئا ما يحول دون ذلك. فبصرف النظر عما هو موضوعي والمرتبط بهويتنا ومن حيث أتينا... وبقطع النظر عن تعقد البنية الاجتماعية لمجتمعنا وعن ممارسات سابقة لم تأل جهدا من أجل محاصرة حزبنا وإبقائه في حجم يصعب معه التأثير على مجريات الأحداث، فقد لاحظتم معي عبر تجمعات وحركية وأنشطة حزبنا أنه لم يعد يفصلنا عن شعبنا أي حاجز. فشعبنا يعرف استماتتنا من أجل الدفاع عن حقوقه ومصالحه المشروعة. لقد تمكننا بفضل جهود رفاقنا ورفيقاتنا في تنظيماتنا المحلية وعلى مستوى قيادته الوطنية من أن ننصهر كليا مع هموم مواطناتنا ومواطنينا. لم يعد لنا أي مركب نقص طالما أصبح شعبنا يحتضننا كلما توجهنا إليه. فلماذا لا يترجم هذا الانصهار إلى نتائج عددية وانتخابية تبلور القوة المعنوية والسياسية للحزب؟ هذا هو مربط الفرس. وهذا هو، في اعتقادي، الرهان المطروح على المنتدبين والمنتدبات للمؤتمر الوطني التاسع لحزبنا، بل وهذه هي مسؤولياتهم وهذا هو السؤال الذي علينا جميعا أن نطرحه: لماذا لا يترجم هذا الانصهار الى نتائج عددية وانتخابية، وكيف لنا أن نحسن الأداء والنتائج؟ تكمن المشكلة، في اعتقادي وبناء على تجربة ميدانية ودراسات في التدبير التنظيمي لحزبنا، تكمن المشكلة في الأداة الحزبية، وفي وتيرة وصيغ اشتغال مختلف الأجهزة الحزبية سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الوطني. وهذا أمر بديهي يدركه الجميع. تكمن المشكلة في ربط المسؤولية بالمحاسبة وفي إرساء «ثقافة الحصيلة» La culture du bilan . بعبارة أخرى هل يقوم كل واحد وكل واحدة منا بما يجب أن نقوم به من أجل تحويل حزبنا إلى حزب وازن عدديا وانتخابيا؟ وهذه هي مسؤولية المؤتمرات والمؤتمرين أي انتخاب أجهزة وطنية تدرك وتعي بعمق ألا شيء ينقصنا سوى الانخراط الدؤوب واليومي في هذا الورش الضخم المتمثل في تحويل الحزب إلى قوة عددية حقيقية تقوي قدراته التفاوضية على كل المستويات وفي كل المحطات. وفي تقديري فإن مؤسسة الأمانة العامة تبقى المؤسسة المحورية في هذا الموضوع نظرا لطبيعة الوظيفة التدبيرية تنظيميا لهذه المؤسسة. بخصوص اللجنة المركزية، على الرفيقات والرفاق المؤتمرين، وهم يدركون ذلك، أن يضعوا نصب أعينهم أن العضوية في اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية لا تمنح امتيازات ولا نياشين بقدر ما تستلزم أولا وقبل كل شيء التأكد من القدرة على الاستمرار في النضال اليومي وقبول مبدأ التقييم. فحزبنا في حاجة إلى لجنة مركزية أي جهاز تقريري ينتج الأفكار ويقدم الاقتراحات ويساهم في تحليل ما يدور حوله وفي تحقيق أهداف الحزب التنظيمية منها والانتخابية والإشعاعية. فأملنا أن يفرز مؤتمرنا الوطني التاسع لجنة مركزية أي قيادة وطنية قادرة على الانخراط في الورش التنظيمي الذي يعتبر قطب الرحى وحجر الزاوية لتحسين أداء حزبنا وتطوير إشعاعه وتوسيع حضوره مجاليا واجتماعيا. أملنا أن يفرز مؤتمرنا الوطني الثامن لجنة مركزية تستوعب التحديات الكبرى التي يواجهها حزبنا، بدء من انتخاب أمين عام وجهاز تنفيذي (مكتب سياسي) قادرين، هما بدورهما، على بلورة اختيارات وقرارات مؤتمرنا الوطني ولجنتنا المركزية. إذن فلنجعل من المؤتمر الوطني التاسع لحزبنا محطة إقلاع جديد لتحقيق انتظارات شعبنا، محطة تساهم في تبويئ حزبنا المكانة اللائقة به. وما ذلك على مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية بعزيز. بخصوص الأمانة العامة، لا بد من التذكير أننا نعتز بكون حزب التقدم والاشتراكية انخرط منذ سنوات في تقوية الديمقراطية الداخلية وأعطى الدليل القاطع في مؤتمره الثامن على أن مهمة الأمين العام لم تعد حكرا على شخص دون آخر أو على فئة من المناضلات والمناضلين دون أخرى وأن تعدد الترشيحات لمهمة الأمين العام أمر سليم بل ومستحب في مبدئه. فالأمر يتعلق بانتخاب الأمين العام لحزب قطع أشواطا هامة لكن أمامه مهام جسيمة تستوجب، بخصوص الترشيح لمهمة الأمين العام، الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يخدش كرامة هذا الحزب ومناضلاته ومناضليه وعن كل ما من شأنه إسقاط الحزب في نوع من الابتذال La banalisation. فدون انتقاص من قدر أي رفيق أو رفيقة ومن كفاءته (ها) في قيادة الحزب، أذكر أنه بالنظر لطبيعة المرحلة السياسية ببلادنا وللوضع التنظيمي لحزبنا ولمنظماته الموازية، وهو وضع راكمناه منذ زمن، وبالنظر للرهانات الانتخابية المرتقبة (الجهوية والمحلية والوطنية)، أعتقد أن الأمر يتعلق بأوراش ضخمة بل ومصيرية بالنسبة لحزبنا، تستلزم مجهودا جماعيا كبيرا. وإرادة قوية للانخراط فيها وبلورتها إلى نتائج ملموسة. وهناك مجموعة من المعايير الموضوعية القمينة بتسهيل الفصل بين المترشحين (ات) ومن بينها أساسا: الحصيلة التدبيرية للولاية المنتهية، أي حصيلة المترشحين (ات) كل من موقعه، أي ما الذي قدمه كل مترشح (ة) لحزبه (ها) خلال الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الثامن والتاسع القدرة على تكريس وتقوية وحدة الحزب بعيدا عن الذاتية. القدرة على قيادة الورش التنظيمي المستقبلي الهام للوصول إلى حزب يحتل المكانة اللائقة به في المشهد الحزبي والسياسي في البلاد. القدرة على الإنصات لكل الرفيقات والرفاق دون تمييز أو تصنيف، والاستجابة لانتظاراتهم (هن) والجواب على تساؤلاتهم (هن). وبناء على هذه المعايير وغيرها من المعايير الموضوعية، فليتنافس المتنافسون الذين لنا اليقين أنهم سيستحضرون الروح الرفاقية والتنافس الشريف من جهة، وسيقدمون الدليل القاطع لكل المتربصين بحزبنا أن حزب التقدم والاشتراكية حزب كبير، وأن انخراطه في مسلسل الديمقراطية الداخلية لا يعني البتة التصادم والعداء. وإلى العمل من أجل إنجاح مؤتمرنا الوطني والانكباب ابتداء من 2 يونيو 2014 على ربح الرهانات المطروحة على حزبنا. *عضو المكتب السياسي للحزب