الحديث عن الأنواع الجديدة للفنون الحربية أصبح مدعاة للتهكم، بل أصبح كمثل سلع الصابون أو الشامبوان أو التيد، ذلك أنَ الكم الهائل من الأنواع فرض منافسة غير شريفة، وخلق أجواء أشبه بتسمم المناخ للفنون الحربية وانعكس هذا الوضع في تردي المستوى العام للممارسة الحربية وتدني قيمة بعض الشواهد!!.. فادعاء اختراع أنواع جديدة من الرياضات الحربية بين الفينة والأخرى، شيء يدعو للتوقف! فلقد أصبحنا نشهد ميلاد أجنَة ميتة لرياضات لا تمت للفنون الحربية بصلة. وفي زحمة هذه الأنواع، نلاحظ أنَ بعض المخترعين الجدد، هم بمثابة فقاعات ليس إلا، والتاريخ عرَاهم في الماضي ولم يستفيدوا من دروسه، بل استغلوا العهد الجديد، ونزلوا للحلبة يعرضون سلعتهم التي هي عبارة عن أنواع رياضات لفنون حربية هي أشبه بخليط حلوة «كعب الغزال»، فمن كل فن طرف. هذه هي القاعدة الاختراعية التي تبنَاها بعض أنصار موضة الأنواع الجديدة للرياضات الحربية، فمن كل رياضة حربية ينتزع أصحاب المقامات الدولية طرقاً وأساليباً ويخلطونها ليبدعوا لنا رياضة جديدة، وبقدرة قادر يلبسونها لباس العالمية والأولمبية... فقد أصبحنا نفيق كل مَرة على زلات بعض الأشخاص ويمطروننا بوابل من الدبلومات الجديدة تحمل إسم لرياضة ميتة قبل أن تولد، لأنها ببساطة لا يوجد لها أب. فأي رياضة يشترط فيها المنبت والموطن والأصل وطرق الممارسة الأصلية ثم الاعتراف الدولي بها. لكن وأمام هكذا وضع، فإننا للأسف أصبحنا أمام واقع أراد بعض الدخلاء أن يفرضوه على ساحة الفنون الحربية بالمغرب، فلا يعقل أن تتأسس ببلادنا رياضات جديدة هي بمثابة الثلج عندما يذوب يظهر المرج. هذا الأمر أصبح يفرض نفسه، فالخطر أصبح يهدد سمعة بعض أنواع الفنون الحربية، فالأنواع كثرت، والجامعات احتضنت أكثر... إنَ تحمل مسؤولية تأسيس هذه الرياضات الجديدة من قبل أشخاص يطرح أكثر من علامة استفهام، فلابد من الاعتراف أنَ بعض المؤسسين جاوزتهم السنين، بل منهم من قذفته مجموعة من الجامعات، وأصبح مثل رقَاَص الساعة. هذه الشَطحات أصبحت مألوفة عند البعض، وأصبحت مثار تقليد عند البعض الآخر، فأصبحنا نشهد تنافساً في الاختراع الرياضي للفنون الحربية وتجاوزنا كوريا واليابان والصين!. وما يثير الضحك حقاً، هو تمثيل بعض الأشخاص لأنفسهم وادعائهم بعالمية ودولية رياضتهم وبالتالي فالدبلومات التي يحملونها تترجم مستواهم التقني وكفاءتهم، وغاب عن أذهان هؤلاء، أنَ العالم قرية صغيرة، ويمكن أن تحصل على ما تريد من معلومات وأنت جالس قرب جهاز الأنترنت. نقصد بهذا، أنَ هذه الدبلومات بمثابة خردة، لا قيمة لها، مشكوك ومطعون في مصداقيتها، لاتحمل المواصفات والمقاييس الدولية. وإذا كان بعض الناس مرضى الدَرجات والدبلومات فهم واهمون، لأنَ أي نوع رياضي لابدَ له من محتضن دولي يرعاه، هذه الرعاية لا ترتهن على تأسيس زمني حديث، بل يضرب في التاريخ وله جذور. ومادمنا في إطار الحديث عن الدبلومات والشواهد... فأصحاب الرياضات الجديدة يعملون على نشر هذه الهرطقات الرياضية عبر توزيع مادي لهذه الشواهد، فبعض المخترعين يقيم تداريب أشبه بالطلاسم لمجموعة من الممارسين، وفي النهاية يتسلَم كل من أدَى ذعيرة المشاركة، لأنَ هذا الاصطلاح لائق أكثر من غيره، فكيف يمكن أن نطلق على تدريب صفة لا يحملها؟. إنَ حضورنا الدَائم في العديد من التظاهرات والتداريب... يجعلنا نقيّم الأمور بشكل تقني محايد نرمي به إلى دق ناقوس الخطر، فالذي أصبحنا نلمسه هو الرغبة في الكسب والتجارة، بدليل انتشار الدبلومات، وعلى الباحث أن يزور قاعات الجمعيات. لقد أصبحت هذه الشواهد موضة، فكل ممارس أو مدَرب... لابدَ في تصوره من التزود والحصول عليها لأجل التباهي بها. والشاذ في الموضوع أن تتوزع الدَرجات العليا دون رقيب أو حسيب تحت ذريعة نشر الفن الحربي الجديد. إنَ هذه الرياضات الجديدة التي ابتلي بها مشهد الفنون الحربية، أصبحت مثار جدل، لكن المتفق عليه هو أنَها تسهم في قطع شرايين بعض الأنواع الحربية الأصيلة، وتشوش على الممارس الذي أصبح تائهاً بين رياضة نشأ عليها ويفهم تقنياتها إلى رياضة غريبة عنه، لكنَه مجبر على التعامل مع طلاسمها لأنَ في ذلك مكسب له أو لأنَ الجامعة أرادت ذلك. وهنا لابدَ من القول أنَ إضافة أنواع جديدة للفنون الحربية بشكل سليم متعارف عليه، شيء صحي. لكن أن نشهد سوقاً لهذه الرياضات تتعدد أسمائها وتتشابك انتماءاتها ولا يفصلها بين الواقع والخيال إلا شعرة معاوية، فهذا غير صحي. فلا يعقل أن تتأسس أنواعاً جديدة لرياضات حربية من قبل أشخاص فاشلون ولا يملكون لا الموهبة ولا الكفاءة ولا التجربة؟! وأجد نفسي كالذي يحرث في الماء. وللقارئ أن يستنتج: نوع جديد لفن حربي جديد، مؤسسه، حزامه الأسود حصل عليه بطلوع الروح، تجاربه معدومة، مؤهلاته مخدومة. هذا الكائن نفيق ويفاجئنا بأنَه أصبح الممثل الشرعي الوحيد لرياضة جديدة؟. لقد تعددت اللجان الوطنية وكثرت الرياضات وتنوعت، وتشابهت وأصبحنا كالطرشان في الحفل. فبعض الرياضات أثبتت وجودها وفرضت حضورها الوطني والدولي وشرَفت سمعة الفنون الحربية المغربية، لأنَها قائمة الذات ولها تاريخها ومشهود لها بالدولية ومعترف بها في جميع المحافل. بينما أنواع كثيرة بقيت تائهة بين الجمعيات المحلية لم تخرج عن المدينة، بل بقيت محاصرة من رياضات أصيلة، فظلَ مخترعوها حبيسي قاعاتهم. والمبكي في الأمر، أنَ نجد أحد المؤسسين يعطي لنفسه درجة السادسة أو التاسعة وهو لايتوفر على قاعة !؟ ولبعض مريديه درجات عالية، لو علم بها أهل الخبرة لشلَت تقنيَاتهم للأبد. هذا ما يسيء إلى الرياضة بعامة ورياضات فنون الحرب بخاصة. لقد تناسلت الرياضات الحربية كالطفيليات وراحت تبحث عن موقع لها داخل الجمعيات وفي غياب القانون أو قطاع وصي يعيد الأمور إلى نصابها تفاحشت ظاهرة الاتحادات الدولية بالمغرب التي تدعي أنَها تمثل فروعاً لاتحادات وجامعات وفدراليات دولية، وأعطت لنفسها الحق في تمثيل رياضات حربية لا وجود لأصلها، وتسابقت لتوزيع الشواهد وبمبالغ محترمة. وقد شجَع هذا الوضع اتحادات دولية تضع مواقعها الالكترونية رهن إشارة أي شخص يرغب في شراء دبلوم ودرجة عالية لكن بمبالغ مدفوعة سلفاً وبالعملة الصعبة ولا يهمُ الحضور أو التباري أو اجتياز الاختبارات، والشاذ في الموضوع أنَ بعض المدربين الأجانب وبخاصة من كوريا يسيؤن إلى رياضات حربية لها قيمتها الدولية، حيث يتاجرون بالشواهد مقابل مبالغ تتراوح بين 1000 درهم و 2000 درهم. وهذه الدبلومات التي يمنحونها رغم كتابتها بالكورية والتوقيع عليها إلاَ أنَها مفبركة، وأهل العلم يعلمون أنَها لا تساوي في سوق الدبلومات ثمن الطابع المختومة به. وفي زحمة الجمعيات والعصب والجامعات، تعددت أنواع الفنون الحربية، فالتكواندو أنجب الزن كواندو والتكواندو مودو والصانك سودو... والنانبودو بدوره أنجب فن إيبون شوبو.. أمَا الكراطي فحدث ولا حرج... وهكذا أصبحت اللجان الوطنية تفرخ أنواعاً مختلفة من الرياضات الحربية، وحتَى لا نبقى نتحدث في الفضاء، فعلى الأرض توجد أنواع لا حصر لها، نذكر منها مثلا: الايكي جيتسو، الطاي جيتسو، الكي تشين طاي جيتسي، الكوانكيدو، اليوسيكانبيدو، الهابكيدو، الكيدو الأيكيبدو، الكيندو، الجيتكيدو، الايكيدو، السافاط، الكينبو، الطاي بو، الملاكمة الشطرنجية، الصاندا أو السانشهو، الووشو كونغو، اللوان كودودجي، البوشيدو... هذه أمثلة لبعض الأنواع الحربية، وما خفي كان أعظم. لهذا فعلى الممارس أن يحذر من التقليعات الجديدة للرياضات التي لا جذور لها ولا تقنيات تحتكم إليها، نريد أن تبقى الفنون الحربية مشرقة، والدبلومات لها قيمتها من الجامعات المعترف بها وطنيا ودولياً... أمَا دبلومات وشواهد الماسترز وأحزمة الوهم والخرافة، فعلى الجامعات الوصيَة والقطاع المشرف على الرياضة أن يعمل على إيقاف سوق المزاد العلني لتجارة الدبلومات الدولية، ويغلق بوابة هذا السوق الدولي الغير مرخص له من قبل الجامعات الشرعية، كما أن على بعض الجامعات المغربية أن تتقي الله في بعض الأنواع التي تحتضنها وأن تراقب اللجان الوطنية التي تكاثرت وأصبح بعضها يمارس التجارة ويتخذ من رياضة فنون الحرب سلعة يتاجر بها مادامت العصب نائمة نومة أهل الكهف. فلا يجب أن يقتصر دور جامعات وعصب الفنون الحربية على دور القباض أي تتسلم حصتها من التأمين والجوازات والإنخراطات لجمعيات واتحادات ولجان وطنية... بل دورها الطبيعي يكمن في المحافظة على قيم وأعراف وتقنيات وأصالة رياضات فنون الحرب التي للأسف نخرها فيروس التجارة وهبط مستواها بعدما أصبحنا نشاهد دكاكين رياضية يطلق عليها تجاوزا جمعيات... تضم كل الأنواع الحربية، المألوفة وغير المألوفة، واشتدت المنافسة بين المدربين حول من يحمل أكبر الشواهد وأكثر الأحزمة في أنواع عديدة من الرياضات... فغابت التقنيات وتاه الممارس وضاع في زحمة الكوكتيل الحربي. اختلط الكراطي بالتكواندو، والفول كونطاكت بالهاب كيدو، والجيدو بالنانبودو، والأيروبيك بالزك واندو... وهلم جراً. لقد ميّع بعض الذين يدعون زوراً وبهتاناً أنهم مخترعون وممثلون لمدارس حربية، ميّعوا الحلبات، وأفسدوا الرياضات، وتتحمل بعض الجامعات مسؤولية هذا الوضع المبلقن، إذ تسابقت لإحتضان أكبر عدد من اللجان الوطنية والإتحادات و... وفرت مناخ الممارسة دون التأكد من الكيف التقني... فجاء احتضانها لبعض الرياضات الحربية كاحتضان الرمال للنعامة. فمن المعروف في رياضات فنون الحرب، أنها تتبع لجامعة تتقاسمها نفس التقنيات وتشترك معها في خصوصيات موحدة وإن وجد الفرق فيضفي غنى وثراء... لكن الملاحظ في بعض جامعاتنا، أنه لا يجمعها ومن تحتضنه إلا الخير والإحسان، التضاد والنفي... وكم يحز في النفس أن نتعايش مع أناس ليست لهم خبرة ولا دراية ومع ذلك يحملون الدرجات ما فوق الرابعة... وأستغرب لبعض رِؤساء العصب كيف تدرجوا وأصبحوا يفتون وهم لا يفقهون. لكن الدراهم مراهم. إننا من خلال إثارة هذا الموضوع نهدف إلى إضاءة الكهوف المظلمة، ونقصد تسليط الأضواء على المواقع والمنافع، الممارسة والمتاجرة، الرياضات الدخيلة والأصيلة، الكفاءات والطفيليات... هذه الإصطلاحات والمرادفات تحمل دلالات، لابد من الوقوف عندها، وتشريح جسد رياضات فنون الحرب. فالجلدة اللعينة كرة القدم، استحوذت وابتلعت إعلامياً كل الرياضات، وهذا في نظري أكبر خطأ، إذ تركت الساحة فارغة ليصول ويجول بعض حملة الأقلام ويزيفوا الحقائق، ومن كان قلمه مأجوراً كان ضميره مستتراً... وأخيرا وليس آخر، إن تخليق الرياضة مسؤولية الجميع، فعلى الجامعات والعصب أن يتواصلوا بفكر جديد، يواكب العصر والعهد الذي نعيشه، وأن يختاروا لتأثيث مكاتبهم رياضيون متخلقون، قادرون على العطاء والإبداع، فقد مل الممارسون من سطوة الشيوخ والعجزة وأصحاب المصالح الخفية والمعلنة... فمتى ينتهي مسلسل المحاباة والمجاملات وسياسة وافق ترافق؟؟