لقد تم اختيار هذا الموضوع المهم ، وكانت في النفس غايات كثيرة تركت مجموعة من التساؤلات حيثما انتهى سؤال برز آخر غيره ، ابتدأت من عمل هذه الآلة الجهنمية التي تسمى اختصارا بالحركة الصهيونية منذ تاسيسها الرسمي عام 1897 مرورا باساليب عملها وادواتها التنفيذية من تنظيمات ومؤسسات سرية وعلنية واجهزة امنية وعسكرية ووسائل اعلام وغيرها مرورا بتوظيفها للادب العبري لخدمة اغراضها وغاياتها وانتهاء بما حققته من اهداف عدوانية وعنصرية .. ولما كان الادب وسيلة مهمة لتنوير حياة الفرد والجماعة وتغييرها نحو الافضل والكشف والتبشير بقيم ومباديء نبيلة من خلال طروحاته الانسانية عبر مختلف اغراضه من شعر وقصة ورواية ومسرحية ومقالة الى غيرها ، فانه كان وما يزال في نفس الوقت ، يشكل واحدا من اهم السجلات المعرفية التي يمكن الاستناد اليها في استحصال المعلومات عن أي مجتمع ، والتي يصعب قي كثير من الاحيان رصدها عبر المصادر المعرفية المباشرة من كتابات سياسية واجتماعية وفلسفية وما شاكلها .. لكن حين يكون الحديث عن الادب العبري فان الامر يبدو مختلفا تماما ، ذلك لان هذا الادب تشبّع منذ بداياته الاولى بافكار الحركة الصهيونية وأن الأدباء العبريين ، الذين تبنَّوا هذه الأفكار وروّجوا لها ، لا يمكن أن يخرجوا من بوتقة المباديء العنصرية التي رسمتها الدعاية الصهيونية ودعت إلى تحقيقها دونما التفات إلى أي وسيلة (1)..وفي هذا الصدد يقول الشاعر العبري ( يهودا عميحاي )(2) : ( في بلادنا لا يمكن إلا أن نكتب الشعر السياسي ، شعر الحب عندنا أيضا شعر سياسي )(3) .. إن أدباءً كهؤلاء ، لا يمكن أن يترجموا أحاسيسهم إلا بما زُجَّ في نفوسهم صغارا وشبّوا عليه فتيانا ومارسوه كبارا … من هنا يمكن القول أن تجربة الأدب العبري الحديث والمعاصر هي التجربة الأولى من نوعها في التاريخ تسير بخط معاكس، حيث يستخدم الفن بجميع أشكاله ومستوياته للقيام بأكبر عملية تضليل وتزوير واستهانة بإنسانية الإنسان، سواء جاء ذلك عبر تعبئة الفرد اليهودي بكل مشاعر الحقد والاحتقار للآخرين أو جاء ذلك عبر تزوير التاريخ والمشاعر ونشر الخرافات والأساطير وتهديم جماليات الأشياء بما فيها جماليات الفن نفسه، فادى كل ذلك وغيره إلى نتائج في منتهى الخطورة كانت من أهمها عملية غسل دماغ جماعي في كثير من دول العالم، لدعم الاغتصاب وتبرير الوجود اللاشرعي للكيان الإسرائيلي في فلسطين (4) .. الحركة الصهيونية والادب العبري 1 . لقد قام الأدب العبري بتنفيذ مهمة لم يقم بها أدب غيره، فكان رأس الرمح في معركة طويلة قادتها الحركة الصهيونية منذ تاسيسها الرسمي في العام 1897 وقبل هذا التاريخ ، ابتدأت من زمن ولا زالت مستمرة تحارب في آن معا على جبهات متعددة تنطوي على متناقضات لا سبيل لحصرها أو حلها أو المواءمة فيما بينها، ابتدأت من فراغ كلي يكتنف جميع المقولات والمفاهيم التي تشكلت عليها قاعدة ادعاءاتها، عدا أنها تنهض على أساس غير خلقي ولا إنساني ، فكان عليها أن تحدد مهامها في اتجاهين متوازيين (5) : اولا : اتجاه يلغي واقعا ماديا قائما وهو وجود الشعب العربي في فلسطين.. ثانيا : واتجاه وهمي مفترض لا وجود له، باعتباره وجودا فعليا قائما حقا وهو الوجود اليهودي الاستيطاني الإحلالي .. 2 . يرى محللون ومختصون أن الوسائل التي استعملها الفكر الصهيوني للوصول إلى أهدافه كثيرة، لكن من أهم الوسائل توظيف التاريخ لخدمته وصولا إلى أغراض سياسية محددة، فالتاريخ بالنسبة لهذا الفكر هو التوراة والديانة اليهودية ابنة هذا التاريخ ، والديانة اليهودية والتاريخ ألتوراتي هما عكازتا الحركة الصهيونية اللتان لولاهما لظلت تزحف على بطنها دون أن تستطيع الوقوف والمشي(6) .. 3 . استمد الفكر الصهيوني جانبا من فلسفته من التراث الديني اليهودي الذي يقوم على أساس من عزل اليهودي عن غير اليهودي، وقد تم هذا العزل من خلال مجموعة من المفاهيم الدينية التي فسرت تفسيرا عنصريا قوميا، ومن أهم هذه المفاهيم خصوصية الإله وخصوصية العهد والاختيار الإلهي ، وخصوصية الخلاص الإلهي(7) .. 4 . وقد أدت الترجمة العنصرية للمفاهيم الدينية إلى تحويل اليهودية إلى ديانة قومية خاصة والى تكوين صورة سلبية للآخر غير اليهودي تصل في قمتها إلى التعبير عن الرغبة في دماره وإبادته لان الخلاص الخاص الذي يحققه الرب لجماعته الخاصة يقابله دمار شامل لأعداء الرب ويمثل هؤلاء الأعداء بقية البشرية ، فالبشر ينقسمون إلى يهود وغير يهود ، إلى أهل عهد مع الرب وبقية البشر ليسوا من أهل العهد ، إلى مختارين وغير مختارين ، وفي النهاية إلى مخلصين وغير مخلصين أو هالكين(8 ) .. 5 . كما انتقل هذا الفكر الديني ( القومي ) وفلسفته إلى الصهيونية الحديثة واصبح دعامة أساسية من دعائم الاستراتيجية الإسرائيلية بجوانبها العسكرية والسياسية والثقافية، ومع إن الصهيونية الحديثة قامت- غالبا- على أكتاف اليهود العلمانيين وان هذه الصهيونية كانت تمثل مرجعيتهم الأولى، فقد تم توظيف الرافد التراثي الديني لخدمة المصالح القومية للصهيونية وبخاصة الجناح السياسي- وأداته العسكرية- والذي لم يؤمن بالمعطيات التراثية الدينية لكنه وظفها لخدمة المشروع الصهيوني وأهدافه ( القومية ) . . 6 . والشيء الآخر الذي يود الباحث الإشارة إليه في نفس السياق، هوأن الفكر الصهيوني وفلسفته هما وليد الفكر القومي الغربي وفلسفته ، حيث نشأت المشكلة اليهودية كرد فعل للاتجاهات القومية التي اكتسحت أوربا، وتم طرح التساؤل القوي حول وضع اليهود داخل القوميات الأوربية فيما يشبه الاتفاق على التخلص من اليهودي وتصدير المشكلة اليهودية إلى خارج أوربا وبداية التفكير في إنشاء وطن قومي لليهود .. ويقر برهان غليون بان: ( الصهيونية فشلت في تطبيع وضع اليهود، ولكنها نقلت المسألة اليهودية من أوربا إلى المشرق العربي وقامت بإعادة إنتاج العلاقة المتوترة والمتنافرة- تماما كما كانت هناك- عبر استبدال الأوربيين المسيحيين بالعرب المسلمين )(9) .. الصهيونية والنظريات العرقية 1 . لقد استخدمت الصهيونية النظريات العرقية الغربية لتبرير نقل اليهود المنبوذين من أوربا وتبرير إبادة السكان الأصليين، وقد وضعت أوربا اليهود والغجر في أدنى السلم العرقي عن أوربا، وبالنسبة للشعوب غير الأوربية فقد اعتبرتهم النظرية الغربية متخلفين حضاريا وعرقيا، واختلقت ما سمي بعبء الرجل الأبيض والذي يفرض عليه غزو الشعوب الأخرى لإدخالها في الحضارة، وهكذا اخذ الفكر الصهيوني بهذه النظرية العنصرية وطبقها حرفيا في طرح برامج التعامل مع العرب، وبرر غزو فلسطين وطرد سكانها الاصليين منها أو إبادتهم بنفس النظرية التبريرية الاستعمارية ، وتكونت الرؤية اليهودية ( ببعديها الصهيوني والإسرائيلي ) للعربي الفلسطيني وللعربي عموما من عنصرين : الأول: يعتبر العربي عضوا في الشعوب الشرقية الملونة المتخلفة .. والثاني: يرى في العربي ممثلا للاغيار، ووفق هذه الرؤية ، فان العربي شخصية متخلفة يجب نقلها إلى المدنية والحضارة على يد الصهيونية التي ترى اليهودي عضوا في الحضارة الغربية منتميا إلى الجنس الأبيض وموضع القداسة، وقد عبرت الكتابات الأدبية العبرية العديدة عن هذه النظرية الصهيونية ورؤيتها للعربي المتخلف كمقابل لليهودي الأبيض، وقد وردت تعبيرات كثيرة لهذا التصور في كتابات المفكرين والادباء الصهيونيين الاوائل امثال موسى هس وثيودور هرتزل وحاييم وايزمان وجابوتنسكي ودافيد بن غوريون وغيرهم(10) .. 2. إن إسرائيل، حسب غليون، مضطرة إلى الاختيار بين الاستعمار الاستيطاني كهوية وتصبح دولة عنصرية رسمية يقوم نظامها على التمييز العنصري أو التخلص من الآلية والروح الاستعمارية والاستيطانية ، ويشير التوجيه الإسرائيلي الحالي إلى تأكيد وضع الدولة العنصرية بشكل رسمي من خلال سيطرة اليمين اليهودي المتطرف، الذي تبنى الأيديولوجية العنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب وينمي العقيدة العنصرية النظامية من خلال تطوير نظرية لا سامية العرب وإسقاط اللا سامية الأوربية على العرب(11) .. 3 . إن بناء الأيديولوجية الصهيونية يستمد براهين إثباته ويكتسب قوة تصديقه في المجتمع اليهودي/ الاسرائيلي عبر الصياغة الفكرية الخاصة لوقائع الصراع مع العرب وأحداثه، سواء فيما يتعلق بمقولة معاداة السامية التي تجد في التفسير الخاص للعداء العربي إثباتا لصوابها أو فيما يتعلق بمقولة الشعب اليهودي الواحد التي تجد في الهجرة متعددة الأجناس برهانا على صدقها أو فيما يتعلق بمقولة الأرض التاريخية التي تجد في الاستجابة الجغرافية العربية الرخوة لعمليات الاحتلال الإسرائيلي مصداقا لصوابها، وهي المقولات الثلاث الأساسية التي تكون البنية الجوهرية للأيديولوجية الصهيونية(12) .. 4 . فالأدب العبري، وغير العبري في إسرائيل، يتعامل في مجموعه مع وقائع وأحداث الصراع مع العرب وملابساته المتطورة على أساس المقولات الفلسفية الصهيونية ولا ينفصل عنها .. من هنا فان معيار التعامل العربي الجدي مع هذا الأدب لا بد ان يخضع لشرطين رئيسين : الاول : الرؤية الشاملة ، ذلك انه يستحيل إجراء التحليل النقدي لأي عمل ادبي عبري دون ملاحظة درجة تشابكه مع البناء الأيديولوجي الصهيوني أو إحدى الظواهر الاجتماعية الواقعة تحت سيطرته وقدراته على الضبط(13) .. الثاني : الموقف الفلسفي ، فليس لباحث أن يقوم على دراسة مثل هذا الادب الذي يستند في غالبيته العظمى على مفاهيم فلسفية ، سياسية وعسكرية دون أن يحوز هذا الباحث على قدر من المعرفة الفكرية او الفلسفية الوافية بمدارس التفكير الفلسفي المختلفة كي يكون قادرا على رصد المقولات الفلسفية الأصولية وما يتفرع عنها في الأدب العبري ومن ثم التصدي لها ، خاصة وان المفاهيم الفلسفية الصهيونية تعبر ، في الغالب ، عن نفسها في الشكل الأدبي على نحو مستتر وغامض الأمر الذي يتطلب دراسة المفهوم الفلسفي المجرد في حد ذاته بالإضافة إلى مقدرته على استخلاصه من ثنايا المواقف والصور التي يتعين عليها في العمل الأدبي(14) .. خلاصات وشواهد على عنصرية الادب العبري وعدوانيته 1.إن الحديث عن تاريخ اليهود- فكرا وثقافة وتراثا- هو في الواقع حديث عن فلسفة التاريخ ، ولذلك عمل قادة الفكر الصهيوني وفلاسفته على عدم تفسير هذا التاريخ بمعزل عن الجوانب الاقتصادية والقومية والدينية والجيوبوليتيكية التي تهم اليهود فعمدوا الى تحويل العقيدة الدينية إلى نظرية سياسية تطالب بحق تاريخي مزعوم في ارض فلسطين وتستند إلى وعد الهي ( مصطنع )، وبهذا كان الدين اليهودي هو الأساس الذي ارتكز عليه الفكر الصهيوني ، الذي اتخذه دعاته ، حجة للمناداة بالقومية اليهودية وسندا للمطالبة بتحقيق هذا ( الوعد ) وصكا لملكية الأرض ( الموعودة )، ويعني هذا أن الفكر الصهيوني حدد إن الدين اليهودي هو الرابط بين تراث اليهود وماضيهم السحيق وبين تطلعاتهم الراهنة وأحلامهم المستقبلية ، وفي هذا يقول الاديب العبري ( اسحاق شيلاف ) : (علينا ان نعلم الشباب على اساس ارض اسرائيل الكاملة وهذا الامر لا بد ان يتم بواسطة الادباء ورياض الاطفال والمدارس والشبيبة والقائد في الجيش وغيرهم )(15) ثم يضيف : ( لكن الادب العبري تمكن من تأدية هذه المهام افضل بكثير من هؤلاء ) (16) .. 2.استنادا إلى هذه المفاهيم بنى الفكر الصهيوني فلسفته وخطط قادته منذ البداية على بناء جبهة الصراع الفكري والثقافي قبيل الصدام العسكري مع العرب إدراكا منهم إن مجال المواجهة الثقافية هو الأخطر في مداه والأعمق في تأثيره ولذلك أخذت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها الرسمي عام 1897 على عاتقها رسم الأسلوب وصياغة الوسيلة لتحويل ( الحلم ) إلى ( واقع ) باستباحة ارض فلسطين، وما جاورها من أراضٍ عربية أخرى وتفريغها من سكانها العرب عن طريق الحرب والعنف والإرهاب واستخدام الأدب العبري كإحدى الوسائل الفاعلة لتحقيق هذه الستراتيجية .. ويحدد الاديب ( اهارون ميجد )(17) أهمية الحرب بالنسبة لوحدة نسيج المجتمع الاسرائيلي فيقول : ( لقد نقلتنا الحرب الى دولة في حالة انجذاب مثل الصوفية ولكن عندما تنتهي سنسقط في حالة انهيار ، ولحسن الحظ أن الذي يجعل هذه الدولة أشد التصاقا هي اللحظات التي نتقارب فيها من اجل هدف واضح للدفاع عن وجودنا )(18) .. 3.إن الغاية التي توختها هذه الفلسفة هي إثارة الغرائز العدوانية لدى اليهود من جهة والتقليل من تأثير القدرات الإنسانية والتراث الإنساني من جهة ثانية، وبذلك شكلت العدوانية والعنصرية والحقد والأنانية سمات خطيرة في الشخصية اليهودية بوجهيها الصهيوني والإسرائيلي، حتى أصبحت لا تحفظ عهدا ولا تراعي حق جوار ولا تكترث للآلام التي تسببها للآخرين عند ممارستها العدوان والظلم ضدهم، وما نراه اليوم من تصرفات عنصرية وعدوانية صهيونية إلا محصلة لتلك الكراهية التي أوصلت الشخصية اليهودية إلى أن تصبح أيضا فاقدة الإحساس، ليس بمظهر اللامبالاة وحسب، وإنما أيضا بمعنى الشخصية المجردة من كل حس لكونها أنانية الطبع ونرجسية النزعة ونيتشوية الفلسفة. 4.إن قراءة متأنية لتاريخ العنف اليهودي ونماذجه تؤكد إن إسرائيل منتج للعنف بحكم طبيعتها الصهيونية وتكوينها البنيوي ولا يمكن لها أن تتخلى عن العنف حتى لو أرادت ذلك. 5.هناك ثلاثة أنواع من العنف جسدتها الفلسفة اليهودية هي ( العنف المادي والعنف الرمزي والعنف الفكري ) وهذه الأنواع الثلاثة تجسد عمليا فلسفة العنف والحرب عند اليهود وتجسد تعبيراتها وانعكاساته بشكل واضح في الأدب العبري الحديث. 6.أما الإرهاب فهو عمل رمزي لا يستهدف الضحية في ذاتها وحسب، بل النظام والجماعة التي تنتمي إليها أيضا، وهو بهذا المعنى في الفكر الصهيوني يشكل مع العنف وجهان لفلسفة عسكرية إسرائيلية واحدة موجهة ضد العرب باستخدام شتى الأساليب كالحصار والعزل وهدم البيوت والتجريف والعقوبات الجماعية والاغتيال والتخريب... الخ. 7.إن البناء الصهيوني هزيل لا يعرف العمق وسطحي ساذج يعتمد على المغالطة والرياء والتلفيق التاريخي والتزوير ولتغطية هذه الثغرات أسست الصهيونية كيانها على التشبع بالروح العسكرية ووضعت اقتصادها وسياستها ومؤسساتها الاجتماعية في خدمة التوجه العسكري، فضعفت عند اغلب اليهود ذاتهم البشرية واصبحوا آلة بيد الجيش وعكسوا فكرهم وثقافتهم ليصبحا فكرا للعسكرية وثقافة للقلق والاستنفار، حتى الأدب تشبع هو الآخر بهذه الروح العسكرية واصبح أدبا عسكريا مباشرة أو تلميحا، ومع ذلك فقد أفرزت هذه الفلسفة العسكرية داخل إسرائيل آراء مختلفة منها ما يؤيد الحرب ومنها ما يرفضها، منها ما يطلب السلام على طريقته الغامضة أو المغالطة ومنها ما يتغنى بإراقة الدماء، غير إن الجميع يسيرون في الاتجاه الذي يقود إلى المحافظة على كيان إسرائيلي مهما كان شكله أو طموحاته، حتى لتجد المرء يقرأ كلمات الاحتجاج صارخة لكن يشم من خلالها رائحة الدم والحزن والقلق. 8.إن الثقافة اليهودية أسلوب في الحياة والتفكير اكثر مما هي تراث ( قولي ) وهذا الأسلوب قوامه تقسيم العالم إلى يهود ( أقلية ) وامميين اغيار ( أكثرية ) أينما وجدوا، وبذلك أصبحت بسرعة اول ثقافة سالبة في التاريخ، بمعنى إنها ليست فعلا مؤثرا بقدر ما هي رد فعل على المؤثرات الخارجية. 9.تسعى فلسفة الحرب اليهودية الإرهابية إلى محاولة إقناع الشعوب بأنه لا يمكن العيس بسلام دون الاعتراف بالسيف اليهودي المسلط على الرقاب وتحقيق ذلك لا يأتي عن طريق المفاوضات السلمية الجدية إنما من خلال أساليب الردع والتلميح باستخدام العنف أو الحرب. 10.إن المغالاة ( أو التطرف ) نزعة متأصلة فبي الفكر اليهودي- الصهيوني ولكنها كامنة ولا تبلغ حد الخطر إلا إذا استخدمت في أغراض جماعية خصوصا عند وضع حد فاصل بين اليهودي وغير اليهودي ( الاممي ). 11. إن ثقافة السلام الإسرائيلية ثقافة من طرف واحد، فإسرائيل ترغب في أن يتغير العقل العربي ويتخلى عن المقاومة، وفلسفة هذه الثقافة هي نوع من غسيل الدماغ يجريه مخططو السياسة الإسرائيلية في المنطقة لتحقيق هذين الهدفين. 12.تهدف التربية اليهودية إلى جعل الإنسان اليهودي رائدا طلائعيا، وهناك ثلاث غايات رئيسية لهذه التربية في إسرائيل: ( تكوين مجتمع عضوي موحد من أشتات اليهود وبناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية والمحافظة على التراث اليهودي ونشره وتعميقه بين الناشئة اليهود وتحويلهم ليصبحوا مركز الاتصال بين يهود العالم أينما وجدوا ). 13. تأثر كثير من الأدباء والمفكرين والفلاسفة اليهود بآراء داروين في التطور الطبيعي وحاولوا تطبيق هذا المنهج على التطور الاجتماعي والتاريخي لليهود، فقد فسر هؤلاء التيه في سيناء على انه التطبيق الرباني لنظرية الاختيار الطبيعي وبذلك لا يكون هذا التيه عقابا لليهود على كفرهم وفسادهم وإنما يصبح محاولة من جانب الرب للقضاء على الضعيف من بينهم حتى لا يدخل ارض كنعان سوى الأقوياء والأصحاء. 14.أما بالنسبة إلى التاريخ اليهودي والشخصية اليهودية فقد تأثر الفكر اليهودي بتأثير فكرة الفيلسوف الألماني نيتشة الذي يرى إن ما حدث لليهود قديما من أحداث لا بد أن يؤدي إلى ظهور ( السوبرمان ) والى ظهور ( أمة مختارة ) من هذا النوع من الرجال الذين يمثلون القوة والعنف. 15.إن عبارات القتل والإفناء والاستئصال تتكرر في الأسفار التوراتية عند كل حديث عن حرب أو قتال أو احتلال لمدينة أو قرية وتعد التوراة عدد الملوك الذين قتلهم يشوع وأفنى شعوبهم بواحد وثلاثين ملكا، وليس غريبا أن يعمد الأدباء العبريون إلى التذكير الدائم بهذه القصص التوراتية وتصويرها على إنها بطولات يمكن استعادتها بقالب عصري حديث، بل ويجري تلقينها للأطفال، لا كأساطير بل كوقائع وكتاريخ يجب تمثله والاستفادة من عبره ودروسه. 16.يعتبر التلمود المصدر الديني الثاني- بعد التوراة- لفلسفة الحرب اليهودية وقد ركز اليهود على تعاليم التلمود فاتبعوها اكثر مما اتبعوا ما جاء في التوراة وذلك لان علماء اليهود وحاخاماتهم اعتبروا التلمود كتابهم المقدس الأول وجعلوا التوراة في المقام الثاني، وقد جاءت نصوصه اشد عدوانية من نصوص التوراة، ومن بعض نصوصه القاسية إن الخارج عن دين اليهود حيوان على العموم فسمه كلبا أو حمارا أو خنزيرا، وفي نص آخر يقول: اقتل الصالح من غير الإسرائيليين ومحرم على اليهودي أن ينجي أحدا من باقي الأمم، ولليهود أعيادا لا تتم طقوسها إلا بتناول الفطير الممزوج بالدم البشري، ولكن أمر هذا الدم واستخدامه سرا موقوفا على الحاخامات وحدهم. 17.وبروتوكولات حكماء صهيون التي هي المصدر الثالث لفلسفة الحرب عند اليهود تتفق جميعها على توجيه حركة الإنسان اليهودي وسلوكه بمطالبه أو نزعات الاستغلال التي تسيطر على وجدانه تجاه غيره من البشر، وهي تبين بوضوح وجود علاقة لليهود بكل ما يجري في العالم من وقائع وأحداث كبرى سياسية أو عسكرية أو تخريبية أو تدميرية وتوضح مواقف اليهود تجاه غيرهم من الشعوب والأمم على ضوء المشروع السياسي والعقائدي المرسوم في المعطيات الدينية التي يتلقونها من المرجعيات الدينية الثلاث ( التوراة- التلمود- البروتوكولات )، وخلاصة هذه البروتوكولات تعني العمل وفق خطة سياسية واقتصادية وأخلاقية للسيطرة على مقدرات الإنسانية للتمكن من قيادة العالم وتسخيره لخدمة اليهود. 18.أفرزت الأصول الدينية والتاريخية لفلسفة أدب الحرب العبري أخلاقيات حرب تجعل كل جريمة يرتكبها اليهود، هي عمل شرعي وقانوني من اجل تحقيق وعد رب اليهود ( يهوه ). 19.عمدت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى استخدام منهج ثقافي تربوي تنصهر فيه كل الشوائب العالقة بالمستوطنين اليهود والناتجة عن الاختلافات في اللغة والثقافة والعادات والتقاليد ومستوى المعيشة، منهج صهيوني له سمات محددة وشخصية عسكرية مميزة يلعب أدب الحرب العبري دورا في الترويج له عبر النتاجات الأدبية المختلفة من شعر وقصة ورواية ومسرحية وفلم سينمائي ومقالة سياسية. 20.لقد انفتح الأدب العبري الحديث اكثر فاكثر مع مر السنين على اتجاهات وتقاليد أدبية وفلسفية متباينة حتى أصبحت التعددية اليوم هي علامته المميزة، وبالإضافة إلى هذه التعددية فان غالبية هذا الأدب وينابيعه الأساسية نجدها في الحقيقة مستوحاة من الدين اليهودي والأساطير الشعبية، فنذكر على سبيل المثال، قصة استير التي تعتبر نموذجا للأدب اليهودي السوداوي، الذي كرس مفهوم الشر والرذيلة، فالأدباء العبريون، الذين رضعوا لبن الصهيونية، ليس في مقدورهم أن يخرجوا من بوتقة مبادئها التي تؤمن بتميز الجنس اليهودي، تغذي العنصرية وتدعو إلى تحقيق الغاية دون الالتفات إلى الوسيلة، وبذلك تبنى الأدب العبري، بسلوكيته المطروحة وغايته المنشودة، الفلسفة الميكافيلية وتخلى عن واجبات الأدب الضرورية كالحق والخير والجمال. 21.الأدب الصهيوني عبارة يمكن استخدامها للإشارة إلى الأعمال الأدبية ذات المضمون الصهيوني الواضح بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الحضاري أو اللغوي للمؤلف، ولا يصف مصطلح الأدب الصهيوني شكل الأدب ولا محتواه ولا حتى لغته وإنما يصف اتجاهه العقائدي العام تماما مثل الأدب الرأسمالي أو الأدب الاشتراكي. 22.إن تمثيل اليهود لدور الضحية العالمية جعلهم اكثر تعودا على العنف والتعذيب تنفيسا عن مشاعر الكراهية المكبوتة تجاه جميع الشعوب والأمم، لكن الضحية هنا تفوقت على جلادها وتفننت في استخدام مختلف وسائل العنف. 23.لكونها كانت الحرب الأولى بالنسبة لإسرائيل ضد العرب فقد أصبحت حرب عام 1948 نقطة تحول في الأدب العبري الحديث ولعبت دورا مهما في حياة ونتاجات الأدباء العبريين، وتعد فترة هذه الحرب من المراحل التي برز خلالها أدب الصابرا ( أي أدب الجيل الذي ولدوا في فلسطين )، ويتميز أدب 1948 بالتعبير عن القلق والبحث عن الهوية الإسرائيلية من خلال التمرد على مظاهر العزلة والعنف في المجتمع. 24.عكس أدب حرب 1967 موقفان، الأول يرى إن هذه الحرب قد منحت اليهود الأمان والثقة بينما يرى الآخر إن الانتصار في هذه الحرب لم يغير من الموقف الأساسي شيئا، بل زاد من تخبطاتهم، أي إن التوجيه في الأدب يجب أن يستمر كي لا ينسيهم ( نشوة النصر ) والإحساس بالأمان، فالتوسع، حسب هؤلاء، هو حلم توراتي و لا يتم تحقيقه إلا من خلال توجيهات أخرى وحروب جديدة. 5.أما بعد حرب 1973 فقد عمت الحياة الثقافية العبرية ظاهرة تقض ما كان مصورا عن القدرة العسكرية الإسرائيلية، فكان أن وضعت الادعاءات الإسرائيلية في قفص الاتهام، وراحت النتاجات الأدبية تعبر عن سخطها إزاء العجز الإسرائيلي في تحقيق انتصارات كالتي اعتاد عليها الجيش الإسرائيلي، وظهرت احتجاجات صارخة تدعو إلى ما يمكن التعبير عنه: بان يسير الأديب أمام الجندي لا كما سار الجندي أمام الأديب في حرب 1967. 26.أما في حرب 1982 ضد لبنان وبعدها، فقد ظهر أدب سياسي احتجاجي انصرف عن الهموم الفنية الخالصة إلى هم مخاطبة الجمهور بشكل مباشر من اجل التأثير على وعيهم السياسي ودفعهم باتجاه اتخاذ مواقف محددة من الحرب، ونشير هنا إلى إن ظهور ما سمي بأدب الاحتجاج لدى بعض الأدباء العبريين كان سببه العمود الرائع للمقاتلين الفلسطينيين في بيروت، والأمر الآخر الذي يود الباحث التنويه إليه هو إن أدب الاحتجاج هذا لم ينطلق أساسا من فكرة خدمة الحق الفلسطيني أو العربي، بل من محاولة تعديل صورة إسرائيل الملوثة أمام العالم. 27.وبالنسبة لردود فعلل الأدب العبري على الانتفاضة الفلسطينية فتؤكد معظم المصادر العبرية إن هذا الأدب استسلم في إسرائيل منذ اندلاع هذه الانتفاضة لسبات مريب حيال جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتطلب الأمر انقضاء فترة طويلة حتى قرر عدد من الأدباء والكتّاب الإسرائيليين المعروفون ( أمثال عاموس عوز وابراهام يهوشواع ) الخروج عن صمتهم السلبي وتسجيل شيء من الاحتجاج على ذلك، إن هذا التغيير في الأدب العبري هو، من دون شك، تعبير عن جدلية الحياة الثقافية والاجتماعية في إسرائيل، هذه الجدلية هي، في أساسها نتاج حالة الحرب والعنف الدائمة التي يعيشها الأديب العبري- والمستوطنون بشكل عام- وما تعززه من انعكاسات متباينة على المجتمع الإسرائيلي. 28.يعتبر أدب الحرب العبري واحدا من أهم المصادر المعرفية التي يمكن الاعتماد عليها في استحصال المعلومات من التكوينات الداخلية للمجتمع الإسرائيلي والتي يصعب في أحيان كثيرة متابعتها وكشفها من خلال المصادر المعروفة والمباشرة من كتابات سياسية واجتماعية وفلسفية.. الخ وذلك لان الكتابات الأدبية العبرية تزودنا بالمعلومات المطلوبة في اتجاهات ثلاث: الأول: التعرف على الواقع الاجتماعي والأنماط النفسية والاجتماعية السائدة في المجتمع اليهودي. الثاني: الوقوف على طبيعة الحالة العسكرية وروح العسكريتاريا لدى المستوطنين اليهود داخل فلسطينالمحتلة. الثالث: استقراء القيم الرسمية الإسرائيلية التي تبثها الأيديولوجية السائدة في لأعمال الأدبية العبرية بشكل عام، الأمر الذي يمكننا من دراسة واقع الصراع المهيمن على المجتمع الإسرائيلي من كافة جوانبه من ناحية وعلاقته بالطرف العبري من ناحية ثانية. وبناء على ما تقدم تم اختيار نماذج أساسية من صور أدب الحرب العبري لتكون موضحة للاتجاه الفلسفي الصهيوني في عموم هذا الأدب وهذه الصور هي: ( الحرب عمل مقدس وحتمي- الانتقام- البطولة- العودة إلى فلسطين وإحياء اللغة العبرية وصورة الإنسان العربي ) بالإضافة إلى صور أخرى وردت في سياق الشرح والتحليل أو إن الأمر يحتاج إلى بحثها بشكل اكثر تفصيلا في دراسات خاصة مستقلة، ومن هذه الصور: الاضطهاد، الجيتو،الهجرة، الاستيطان والقومية اليهودية.. الخ وقد تم تناول هذه الصور بالشرح والتحليل والنقد بمختلف أشكالها الأدبية من شعر وقصة ورواية ومسرحية ومقالة. 29.لقد أصبحت الحروب بمثابة تجسيد عملي وضرورة حتمية وعمل مقدس بالنسبة للشخصية اليهودية في جانبيها الصهيوني والإسرائيلي مهم حاول الفكر اليهودي- وأداته الأدب العبري الحديث- أن يلبسها من أردية الشرعية المختلفة، وقد اصبح المجتمع اليهودي في حالة من التعود على حقيقة إن الحرب، وان كانت تنطوي على العديد من المخاطر، إلا إنها تنطوي في نفس الوقت على مصدر طاقة لكثير من الأمور التي اقتنع بأنها تخدم استراتيجية تنفيذ المشروع الصهيوني التوسعي ولو على مراحل، ويرى أصحاب هذا الرأي إن العرب فعلوا حسنا عندما لم يوافقوا على مشروع التقسيم لعام 1947 وفرضوا الحرب على إسرائيل عام 1948- حسب ادعائهم- ويضيفون: بان اليهود، وبسبب هذه الحرب، وصلوا إلى إنجازات كبيرة إقليمية وتكنولوجية وغيرها، وان محاولة تخيل إن تاريخ إسرائيل دون وجود نزاع عربي إسرائيلي ربما كان يضع أمامهم صورة لدولة ذات إنجازات اقل بكثير من إنجازات إسرائيل التي فرضها عليها النزاع والعداء والحروب. 30.تتمحور فلسفة الانتقام في أدب الحرب العبري حول اعتبار أي سلوك مخالف لمنطلقات المشروع الصهيوني- حتى لو كان صادرا من اليهود أنفسهم- على انه مشاركة في تقوية الآخر- أي العربي- وزيادة درجة خطره على الأمن والاستقرار، من هنا تصبح سلوكيان التطرف في قمع هذا الآخر والانتقام منه ( مبررة دائما ) بل تصبح قضية عادلة وتعبير عن حسن اندماج الفرد اليهودي ووطنيته، ففلسفة الانتقام اليهودية إذن تعتمد على آلية الإسقاط كعملية تعرضية يلجأ إليها اليهود ضد العرب الذين يتحولون إلى أهداف لكراهيتهم يسقطون عليهم مشاعر الغضب والانتقام والتي تتحول من خلال التبريرات الدينية إلى فعل شرعي ومقدس كما حصل مع غولدشتاين الذي تحول إلى ( بطل ) بعد قيامه بمجزرة الحرم الإبراهيمي. 31.وبالنسبة للبطولة في الأدب العبري نجد إن هذا الأدب سعى، في إطار التضليل والمخادعة، بتصوير الأنا والبطولة اليهودية وما يسميها بالروح الخارقة للعادة على إنها من خصائص الشخصية اليهودية المحاربة والأصلية ورسم صورة أسطورية على غرار أبطال الأساطير اليونانية وحدد إن ( الجندي اليهودي يتحلى بوعي قومي عالٍ وحب للأرض والوطن وقدرة على التضحية وروح قتالية عالية وجرأة وشجاعة ) وما زال الأدب العبري يبرز البطل الذي لا يقهر ويؤكد انتماءه الأبدي لإسرائيل والإشادة والتغني بعودة العصر الذهبي لأورشليم الموحدة وبانتصار داود ( المقاتل اليهودي ) الذكي النحيل الجسم على جوليات العملاق. 32.أما عن صورة الارتباط بفلسطين وإحياء اللغة العبرية فقد حاول قادة الفكر اليهودي وأدباؤه أن يعطوا لشعار الأرض واللغة العبرية مضمونا ليستمد قوته من التراث الديني اليهودي ومن أساطير الماضي ثم كيف إن الابتعاد عن هذه الأرض هو الذي دفع باليهود إلى الشتات والمنفى وكان الحل بنظرهم هو العودة إليها من اجل ( إحياء العهد القديم ) وبعث الأمة اليهودية من جديد، وكانت الحركة الصهيونية النتيجة التي آلت إلى تحقيق هذه الأفكار المثالية بقوة السلاح واستخدام الأدب العبري، الذي بقي يحن إلى ( ارض الميعاد ) مصورا إياها بالجنة تارة والأرض الجرداء تارة أخرى. إن العودة إلى ارض فلسطين وإحياء اللغة العبرية حظيا باهتمام قادة الفكر الصهيوني من خلال تبني فلسفة خاصة اعتنقها اليهود تقول بضرورة أن تتم السيطرة على العالم بشكل تدريجي تبدأ بالسيطرة على ارض فلسطين ومن ثم ارض العرب لتكون منطلقا نحو تحقيق المشروع الصهيوني الأشمل، وهو السيطرة على أمم الأرض جميعا، وفي هذا يقول بن غوريون: ” إن ارض إسرائيل سوف تفك رهان اليهود واليهود سوف يفكون رهن الارض ومن ثم سيذهب اليهود ليفكوا رهن الأمم “، إن هذه الصورة تعتبر من أهم صور أدب الحرب العبري لجيل 1948 من حيث ارتباطهم بفلسطين وقد اعتبر هؤلاء افضل من عبر عن البيئة الفلسطينية من خلال وصفهم للطبيعة والمجتمع الجديد في الكيبوتس. إن اهتمام جيل أدباء 1948 والذين جاءوا بعدهم بتوسيع دائرة استخدام اللغة العبرية هو استمرار لجهود الأدباء العبريين الأوائل بالمسائل الفكرية، واللغة العبرية هي إحدى هذه الوسائل، وبتحول هذه اللغة من لغة دينية إلى لغة التكلم في الحياة اليومية وإحيائها كلغة حديث وأدب على يد اليعزر بن يهودا ومن ثم تحولها إلى لغة سياسية وقومية على يد الأديب احاد هاعام وآخرين حتى تغير المضمون أيضا واصبح أبطال الروايات والقصص الذين تمتعوا سابقا بصفات التصوف والاستقامة أبطالا سياسيين أو أبطالا تختلط فيهم صفات الحاخام والسياسي والقائد العسكري، وبتدخل الصهيونية السياسية لاستغلال المظهر الديني للغة العبري في مهمات لا دينية، بإثارة العوامل الدينية، تزايدت دعوات أدب الحرب العبري بالتأكيد على ارض فلسطين لإقامة ( الوطن القومي ). 33.وفيما يخص صورة الإنسان العربي في أدب الحرب العبري نشير إلى تصريحات الحاخام اليهودي عوفاديا يوسف العنصرية التي أدلى بها في نيسان من عام 2001 ووصف فيها العرب بأنهم أولاد ( أفاعي ) وان الله ندم لأنه خلقهم وبالتالي فان الواجب قتلهم، هذه التصريحات أثارت موجة من الاستنكار العربي إلى حد إن أحد المواطنين الأردنيين خصص جائزة مقدارها مليون دولار لمن يقتل هذا الحاخام، ومثل هذه الأقوال هي نموذج من كم هائل من الأدبيات اليهودية الصهيونية التي رددها رواد الفكر الأوائل ومن بعدهم الكثير من المسؤولين والمثقفين والأدباء اليهود مستندين في ادعاءاتهم تلك على النصوص التوراتية والتلمودية وسائر الأدبيات التراثية والدينية والأيديولوجية الصهيونية التي تشكل العمود الفقري في مناهج الدراسة والتعليم والثقافة اليهودية، ومن تلك المقولات والأدبيات: ( العربي الجيد هو العربي الميت ) وقول موشيه دايان: ( قتل العرب هو قدر جيلنا )، وفي إطار فلسفة الفكر الصهيوني بالدعوة إلى إنشاء دولة يهودية مستقلة ومنفصلة عن بيئة المشرق العربي فقد تم تطبيق استراتيجية واضحة المعالم ترمي إلى تشويه صورة الشخصية العربية لتبرير كراهيتها مستخدمة في ذلك أساليب النمطية أو القولبة للعرب ولإسقاط الصراعات الشخصية على هذه القوالب، ولدعم وإسناد هذه القوال تم استخدام وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية مثل الروايات والقصص القصيرة والشعر والمسرحيات والصحف والأشرطة السينمائية والراديو والتلفزيون، وقد اسهم هذا كله في تشكيل اتجاهات اليهود ضد العرب، لا بل في اتجاهات غير اليهود في أنحاء العالم كافة ضدهم والتي كانت في غالبيتها العظمى اتجاهات سلبية. لقد اتسمت الكتابات العبرية بالتعصب ضد العرب ووصفت العربي بالتخلف والوحشية والهمجية والنظرة المتعالية والاستخفاف واعتبار العرب- في احسن الأحوال- سذجا وبسطاء إلى غيرها من الأوصاف التي تعبر عن حقد أعمى واستهانة بالعرب إلى درجة فاقت كل تصور، فعلى سبيل المثال يقول الأديب يعقوب روئي ( العرب يفهم لغة واحدة هي القوة ) وسيطر على الكتابات الأدبية العبرية لفترة ما قبل 1967 اتجاه يقضي بإنكار الوجود الفلسطيني ذروته حين صرحت غولدا مئير: ( بأنه لم يكن هناك شيء اسمه الفلسطينيون ) وصورت النتاجات الأدبية العبرية خلال هذه الفترة العرب بأبشع صورة وبينت بوضوح إن اليهود ( المتحضرين )، أبناء الشعب المختار، يواجهون شعبا مجردا من كل قيمة وتسيطر عليه نزعات الشر والعدوان، فالعربي في معظم هذه النتاجات كابوس مزعج يهدد كيان إسرائيل وحضارتها، كما ألصقت به أسوأ الصفات، فهو قذر، جبان، مكار، متعطش إلى الدماء.. الخ، أما صورة العربي في فترة ما بعد 1967 فقد ركزت الكتابات العبرية على الإشارة إلى العرب وكأنهم وحدة سياسية واحدة يتبنون الاتجاه والأيديولوجيات السياسية نفسها، فهم أرادوا بذلك أن ينقلوا الصراع الى دائرة اكبر هي الدائرة العربية التي تريد القضاء على إسرائيل، كما ركزت كتابات بعض الأدباء العبريين في هذه الفترة على ما أسمته بجوانب العنف عند العرب فرسمت لهم صورة سيئة متوحشة فصورتهم على انهم مصاصو دماء وعطاشى إلى الثأر دائما ووصفت زعماءهم بالوحشية والهمجية وفي بعض الأحيان بالجنون، واخطر ما في الأمر محاولة بعض الكتّاب العبريين ربط العرب بالنازية، من جانب آخر يصف أدب الحرب العبري العرب بان لديهم شعورا بالكراهية العرقية ليس ضد اليهود وحدهم بل ضد كل الاقليات العرقية التي تعيش بينهم كالأكراد والمسيحيين وغيرهم ويدعي هذا الأدب إن هذه الاقليات لا تشعر بالأمن. والاستنتاج الآخر الذي نستخلصه من هذه الصور الأدبية العبرية لشخصية العربي هو إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة روجت بين أوساط الكتّاب والأدباء العبريين إن إسرائيل محاطة بالأعداء وليس أمامها غير البحر وعليها أن تحمي نفسها وتجابه ( أعداءها ) العرب بشتى الوسائل، وهناك نقطة مهمة نشير إليها في هذا المجال وهي إن النتاج القصصي والأدبي للأدباء العبريين قد انعكس على الاتجاهات الفكرية للأطفال اليهود وشبابهم واسهم في تحولهم إلى اليمين المتطرف في النظرة والتعامل مع الشخصية العربية. وأخيرا، أوصي بضرورة ترجمة الكثير من النتاجات الأدبية العبرية إلى العربية بغية دراستها وتحليلها والتعرف على أسلوب وفلسفة توجيهها المتلقي العبري لها، وذلك لتوسيع دائرة الكشف عن واحدة من اخطر أدوات تنشئة المستوطن اليهودي، كما أجد أن هناك ضرورة ملحة في دراسة الأدب الصهيوني عامة وحتى المكتوب باللغات الأوربية المختلفة، لان الاطلاع على ذلك وتيسيره أمام الباحث والقارئ العربي يكسف جوانب مهمة من كيفية تعامل الحركة الصهيونية مع هذا السلاح الثقافي والإعلامي في حربها مع العرب والوجد العربي في فلسطين بشكل خاص وتعرية الزيف الكبير للتاريخ والحقيقة الذي قام به الأدب العبري وما زال يقوم به حتى اليوم، كما أجد ضرورة أيضا في تقديم توصية للتصدي الثقافي العربي للموجة الثقافية الصهيونية وبسلاح الأدب الإبداعي نفسه وتشجيع الأدب الفلسطيني والإفادة منه في هذه الحرب الحضارية الطويلة. ***** تنويه : القسم الثاني من البحث ( الذي استغرق كتابته واعداده بضعة شهور ) سيشمل ان شاء الله ترجمة نماذج منتخبة من الادب العبري ( الشعر – القصة – الرواية – المسرحية – المقالة – السينما - ) لتعزيز الادلة والشواهد التي اشرنا اليه في سياق البحث ( وهي قيد الترجمة والتحليل حاليا ) واذا ما اكملنا ترجمة هذه النصوص وتحليلها ونشرها في القسم الثاني ان شاء الله سيكتمل البحث ليغطي ملامح الادب العبري وخصائصه واغراضه خلال مائة عام وسيكون هذا الجهد الفريد من نوعه ذي فائدة كبيرة للمثقف العربي ولدارسي اللغة العبرية خاصة وان هذه النماذج المنتخبة ستكون باللغتين العبرية والعربية .. والله من وراء القصد. الباحث والمترجم والأكاديمي العراقي الدكتور:عبدالوهاب محمد الجبوري "منتديات واتا الحضارية" ......................................................................