إصلاح عميق وجوهري ينتظر مدونة الأسرة تحت رعاية ملكية سامية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        أخبار الساحة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصبحون على نفط
نشر في هسبريس يوم 21 - 05 - 2011


وجهة نظر مواطن خليجي مفترض
في البدء: تحيّة خليجية
أبشر، مواطن خليجي أنا! لكنّني لا أحسن الكشكشة .. وإن أصبح حلال عليّ نفطكم .. وبملء الفم ارتوى وحش الظما : نخبكم يا سادة ، سأثمل نفطا ! لا تنتظروا مني لبس "الدشداشة" و اعتمار "الغثرة" أو المشي الهوينى.. لا تجعلوا هواي يتغيّر، حتى لا أعشق لبس "الشّحّاطة" و"الكندرة" في السّلم والحرب.. وحتّى لا أميّز في زماني المهدور نكات الفصول الأربعة .. سأجبرك ابن عمّي الجديد ، على سماع الغرناطي والملحون .. ولبس الطربوش الأحمر.. وأكل الكسكسي بلا استحياء .. ولا أكون لرغباتك منفى .. سأسمح لزخّات المطر أن تغمر محيّاك قليلا .. وبلّ الصبا يمسح عن وجهك أثر المحول .. سأعلّمك التّزحلق على جليد أطلسي .. سأطلق سراح الباز المعلول .. وأدجّن صقورك البشرية .. كم هي مغامرة جميلة، أن يدنو الرمل من الأرز.. ويحاط الطربوش بالعقال .. لا تخافوا، أنا طيّب ؛ لكنّني في الملمّاتي ضاري .. خليجي أنا، من يدري؟ غدا سينضب نفطي.. وأتعرّى من شدّة البؤس وشظف العيش .. وذكريات لا تنفع المشردين .. خليجي أنا ، صدّق أو لا تصدّق ! ولكنّي تعودت التّمسّح بالمطر وأكل الثلج .. و ركوب الخيل والجبل .. تزكمني رائحة النفط كلما دنوت من محطّات البنزين ومصانع تكرير النفط اليتيمة، في بعض مدني المهجورة .. سأجبر هذا الخليج أن يأتيني .. لعلّي أذيقه من كأس محيطي.. خليجي أفترض نفسي .. لكن من وجع هذه السهوب نبت إسمي.. قديم كنت في تاريخ كان يوم لم تكونوا .. سل عنّي هدهد سليمان وحكاية الطّير الحيران .. سل عنّي الرّوم والوندال والقرطاج وأطياف الغزو والأرتال .. سل عنّي الترك والكركون لمّا استرقوا السّمع على مشارف حدودي .. حين قامت في هذا الرّبع قيامة البرتغال.. حين ذبح الإمبراطور سيبستيان .. عادوا إلى الوراء يجرّون أذيال خوازيقهم .. ليشهدوا على الاستثناء .. قديم أنا قدم المعنى .. تعرفني الدهور ويذكرني المكان. . قديم في عمر الجيولوجيا وفي عمر التّمرد.. هو ذا الاستثناء إن كنت جاهله .. لا تستحيي أن تبوح به للبحر.. أجل ، خليجيّ أنا مفترض ، فافهم هويّتي .. واقرأ صحائف تاريخ ينضب نفطك ولا ينضب .. أمضيت وعدا بالحرّية .. وقلبي بركان من غضب .. لا تستسهلني أو حتى تروم شرائي .. فكلّ ما في هذا الربع ، مهما هان، لا يثمّن بثمن .. هيئوا يا سادة يا كرام أنفسكم .. وتعوّدوا على ثورتي الأطلسية كل مساء .. ما أجمل أن ننسيكم جبروت هذا النّفط اللّعين .. حين نفطمكم على حليب نوقنا.. عساكم تتذكّروا أنه ذات دهر مرّ من هنا عربيّ أصيل .. أصيل، أصيل .. قبل أن يقضي كما تقضي الطيور الشّقية في بقع النفط.. كلّما تلوّث المكان واسودّت شواطئنا .. وغدا خليجك هندي : لا عربي ولا فارسي .. ائتني من دون نفطك يا هذا ، سأستقبلك بالأحضان عربيّا .. والله أنت من دون نفطك عزيز .. ورغم خطاياك، أكرهك كره الأخ لأخيه.. لكنّي لا أطيق أن أكون شاهد زور على مهلكك .. ولا أنافق نفطك فأنت عندي مثل ابن العتاهية .. وقصيدك أكبر من تفعيلة النّفط .. كن محيطيا أو أكن خليجيا .. كن بنفط أو بدون نفط .. المهم أن أرى فيك العربي الصحيح من دون خطا .. لا يحزنك حكاية أن تستفيق يوما على آبار خاوية على عروشها.. فحين ينضب نفطك سيغلى ثمن وجودك الأصيل .. وحينها ستسكن كل قلب .. وينتشر امتدادك الجميل .. سيشتري العالم أصالتك بأغلى من بالوعات النّفط .. قال لي صاحبي وهو يحاورني، ليت نفطك ينضب .. قلت ولم؟ قال: كي تنزع عنك رداء العجرفة .. وتكتشف في صمت صحرائك هدير معناك .. طلبت منّي الانضمام إلى بيتك المخملي.. والتّفضّل إلى خليجك الهنديّ.. وصلتك رحم ابن عميّ .. ومع ذلك أمهلني بعض الوقت كي أفكر ثم أقدّر في هويّتي الجديدة، عسايا أفهم .. وحتى ذلك الحين، أقول لكم: تصبحون على نفط!
المغرب ومجلس التعاون الخليجي:أي علاقة، أيّ رهان؟
لا حديث اليوم في المنطقة العربية إلاّ عن التغيير. أصبح واضحا أنّ موضوع التّغيير وهو العنف السياسي قد برح المكان لشكل آخر منه: عنف المفارقة! فرضت سرعة الأحداث على جميع الدول وتيرة من العمل لم تشهدها المنطقة من قبل. حتى أكثر الدول شهرة في الجمود والبطء تشهد دينامية سياسية فائقة. مثلا، وعلى هامش الثورات التي تجتاح البلاد العربية ، تشهد بلاد الخليج التي لم تكن مستثناة من موجة التغيير ، حراكا لا مثيل له في تاريخها. ليس آخر تلك المفاجآت الدعوة التي جاءت في البيان الصادر عن اللقاء التشاوري الثالث عشر للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض ( 7 جمادى الآخرة 1432ه الموافق 10 مايو 2011م)، إلى فتح المجلس أمام أعضاء جدد من خارج النّادي النّفطي والجغرافيا الخليجية، بناء على طلب من المملكة الأردنية الهاشمية وبناء على اتصال بالرباط لدعوتها إلى الانضمام إلى المجلس. وإذا كان من إيجابيات هذا النوع الجديد من الروابط (السوبرا إقليمية)، تهيئ النّفوس وتهذيب الخواطر لاستقبال أشكال جديدة من الأحلاف، إذ يمكن على إثر ذلك أن يقدم غدا الاتحاد المغاربي دعوة لأي دولة خليجية كي تنظمّ إليه، كما لن يبقى أيّ مانع لانضمام كلّ من تركيا وإيران وباكستان وغيرهما إلى جامعة الدّول العربية. أن تكون خليجيا هذه الأيام لا يفرض أن تكون منتجا للنفط ولا حتى أن تلبس "دشداشة" وتعتمر "عثرة وعقال". هل نحن إزاء إحياء فكرة خرجت موّارة من جوف أحد أبناء الخليج: أن الخليج ليس نفطا فقط؟! التحليل النفسي لجغرافيا المكان يعكس هنا قلقا يفوق المعتاد. ثمة بلا شكّ إحساس عارم بضيق المكان الخليجي. لكن التّطلع إلى ما يتعدّى المطلوب لن يرفع رهاب ضيق المكان. بالنّسبة إلى سوبرفيل كما استوقف باشلار ذات مرّة، يكون " انفساح المكان أكثر مما يجب يشعرنا بالاختناق أكثر من المكان الأضيق مما نحتاج". لقد عرف مجلس التعاون الخليجي منذ نشأته حتى اليوم تطوّرا موسميّا ملحوظا. وهو التطوّر الذي يأتي غالبا على إثر أحداث استثنائية على صعيد المنطقة تفرض استحقاقات وتحدّيات على المنظومة الخليجية . كما أنّ التطوّر يتركّز بشكل أساسي على الجانب العسكري والأمني. وتظل سائر أنشطة اللجان داخل المجلس مجرد مكمّلات لا ترقى إلى أهمّية الجانب الأمني في سياسات المجلس، حتّى وإن جاء في البند الرّابع من النّظام الأساسي للمجلس ، بأن أبعاد التعاون والتنسيق تطال كافة القطاعات الاقتصادية والمالية ، والتجارية والجمارك والمواصلات ، وفي الشؤون التعليمية والثقافية ، والاجتماعية والصحية ، والإعلامية والسياحية ، والتشريعية ، والإدارية ، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية ، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة ، وتشجيع تعاون القطاع الخاص. ففي الخامس والعشرين من ماي 1981م أسفر اجتماع ست دول خليجية ب (أبو ظبي) عن بيان تأسيس مجلس التعاون الخليجي الذّي سيتحوّل إلى منظمة إقليمية ذات أهداف أمنية وتجارية وعسكرية، مقرّها الريّاض. لكن مع كل ذلك ظلّ المجلس حالة استثنائية مغلقة على نفسها، إذ لم تفتح مجال العضوية حتّى أمام الدّول التي تشاركها الروابط نفسها والجوار نفسه الذين قام على أساسهما مجلس التعاون. فقد ظلّ العراق الذي اعتبر خلال سنوات من الحرب العراقية الإيرانية بمثابة البوّابة الشرقية لمنطقة مجلس التعاون الخليجي، مجرد مرشّح للانضمام إليه. والأمر نفسه بالنسبة إلى اليمن. لكن ظل للعراق واليمن عضوية مجتزئة في بعض اللّجان الثانوية في المجلس مثل الرياضة والصحة والثّقافة. وقد تركزت أهداف المجلس على تحقيق شكل من الترابط والتنسيق الكامل بين الدول الخليجية السّت و تعميق الروابط بين مواطني دول المجلس. ظلّت كل بيانات المجلس منذ التأسيس لا سيما القانون الأساسي تتحدث عن خصوصية الرّوابط التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية بما فيها الروابط الأسرية بين الدول الأعضاء. كما استمرّ المجلس منذ بداية الثمانينيات منغلقا على نفسه إقليميا، مكرسا استثنائيته حتى في إطار العمل العربي المشترك بدعوى خصوصية الروابط الاجتماعية والثقافية والجغرافية التي تربط دول الخليج ببعضها دون سائر الدول العربية. وبدا منذئذ أن تكريس الخصوصية الخليجية في مقابل سواها مبررا لقيام هذا الحلف، وهي الخصوصية التي كانت تسعى لخلق الاستثناء داخل العمل العربي المشترك ولتمكين نفسها من الّتحلل من الكثير من التزاماتها حياله بدعوى الخصوصية الخليجية. ومن جهة أخرى كان لعامل الجغرافيا دورا كبيرا في تعزيز هذه الخصوصية. اليوم بات واضحا أن مجلس التعاون وبطريقة مفاجئة فتح العضوية الخاصة لدول لا تشاركه النفط ولا الجغرافيا. فالمجلس حسب البيان التأسيسي لم يكن سوى استمرار لهذه الرّوابط التّاريخية والثّقافية. غير أنه أيضا هو اليوم استجابة ملحّة لما سمّوه بالتحدّيات الأمنية والتنموية. ولتبرير جدوى تأسيس منظمة إقليمية منافسة للجامعة العربية، اعتبر المجلس أنّ هذا التنسيق يخدم الأهداف السامية للأمّة العربية، وأنّه جاء أيضا استجابة لنوع من الوحدة العربية الإقليمية حين تعذّر تحقيقها على المستوى العربي الشامل. منذ تأسيس المجلس حرص قادة الدول الأعضاء فيه على أن يحتفظوا بصلة وصل بالجامعة العربية وتنسيق الكثير من الجهود بل اعتبروا عمل المجلس يصب في العمل العربي المشترك وسياسة الجامعة العربية. لكن تبدو اليوم دعوة دول عربية عضو في الجامعة العربية للانضمام إلى حلف جهوي بناء على روابط ملتبسة يثير تساءلا حقيقيا حول طبيعة العلاقة المتوقعة بين المجلس والجامعة العربية في المسقبل المنظور. ثمّة إذن ما يؤكّد أن مجلس التعاون يعمل في سباق مع الزّمن لقطع الطريق على أي تطور داخل جامعة الدول العربية. وهو كما كان وكما يفعل الآن أكثر يشتغل في عرض الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وليس رافدا أو مسندا لها. فخروج مصر بواقع الثورة من محور الاعتدال العربي كان مقرّرا له أن ينعكس على مستقبل جامعة الدّول العربية. لا سيما بعد اختيار وزير الخارجية المصري السيد نبيل العربي أمينا عامّا للجامعة خلفا لعمرو موسى. وإذا كان المجلس قد برّر قيامه منذ النشأة والتّأسيس على أنه يسعى لتحقيق الأهداف السّامية لجامعة الدّول العربية ، وهو معني بتحقيق قدر من الوحدة في انتظار اقتدار الجامعة على تحقيق ذلك على الشّكل الموسّع، فما لم يفهم هو أنّ المجلس بات يستقطب من داخل أعضاء الجامعة العربية ويخلق واقع اصطفاف في صلب العمل العربي المشترك، بل تتّجه ديناميته الجديدة عكس المأمول من جامعة الدّول العربية نفسها. بل في اتجاه شلّها أو تحويلها هي نفسها إلى مقابل اصطفافي كسائر الاتحادات الجهوية. لقد كان واضحا أنّ تأسيس المجلس جاء في سياق الأحداث التي شهدتها المنطقة. كان هاجس الدوّل المذكورة من خطر تصدير الثورة الإيرانية وانعكاسات الحرب العراقية الإيرانية كبيرا. بل لقد ظلّ ذلك الهاجس هو نفسه منبع كل هذه الدّينامية الموسمية للمجلس ، بعد أن فشل في احتواء الثورة وبعد أن فشل العراق في تحقيق رغبة دول المجلس في القضاء والإطاحة بالثورة الإيرانية. كما جاء الحديث عن الإستراتيجيا الدفاعية لدول المجلس الذّي أقرّه المجلس الأعلى في دورته الثلاثين بالكويت (ديسمبر 2009م) ، كاستجابة لتحدّيات أمنية جديدة. وبدأت منذئذ التهيئة لاستجابة جديدة في سياق التّمكين لما يعرف بدول الاعتدال مقابل دول محور الممانعة من خلال إجراءات كثيرة ، تراجع الاهتمام بها تحت طائلة الثّورات والاحتجاجات التي عرفتها دول عربية فرضت تغييرا في المفاهيم والأسس والاستراتيجيات. لكن سبق حديث حينها عن دعم هذه الدّول وتسخيرها في حرب قادمة ضد إيران لإجبارها على التّخلي عن برنامجها النّووي . وفي هذا السيّاق سيتمّ التصريح رسميا من واشنطن عن انعقاد أكبر صفقة سلاح في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بين واشنطن والرّياض ، تقدّر بستّين مليار دولار. وأضافت الثّورات العربية وتداعياتها تحدّيات أخرى على مجلس التعاون بعد أن فقد أقوى حلفائه العرب: مصر. ستتغيّر استراتيجيا مجلس التعاون حسب التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة العربية. وهي كما يبدو تحوّلات يذكيها الهاجس الأمني أكثر من أي هاجس آخر. وتشكل دعوة المغرب من قبل المجلس للانضمام إليه، مفاجئة مثيرة حتى وإن كانت لها خلفية يسهل هضمها على مفارقاتها الجغرافية والسياسية. فقد تحدّث البيان الصادر عن اللقاء التشاوري الثالث عشر للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض :
" انطلاقا من وشائج القربي والمصير المشترك ووحدة الهدف ، وتوطيداً للروابط والعلاقات الوثيقة القائمة بين شعوب ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية . وإدراكاً لما يربط بين دول المجلس والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية. واقتناعاً بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها لا يخدم شعوبها فحسب ، بل يخدم الأهداف السامية والأمة العربية جمعاء . وتمشياً مع النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق جامعة الدول العربية اللذين يدعوان إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى . وتوجيهاً للجهود إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية . وبناءً على طلب المملكة الأردنية الهاشمية الانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية . فقد رحب قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بهذا الطلب وكلفوا المجلس الوزاري بدعوة وزير الخارجية الأردني للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك . وبناء على اتصال مع المملكة المغربية ودعوتها للانضمام ، فقد فوض المجلس الأعلى المجلس الوزاري لدعوة وزير خارجية المملكة المغربية للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك".
لا شيء مفاجئ في أن تتقدم المملكة الهاشمية الأردنية بطلب الانضمام إلى المجلس نظرا لاشتراكها مع بعض دول المجلس بحدود جغرافية، لكن المفاجئ هو القفزة الجغرافية التي انطلقت من الخليج إلى المحيط ، في دعوة من المجلس إلى المغرب للانضمام إليه من دون طلب من هذا الأخير كما هو الحال مع الأردن. وقد يفهم من ذلك أنّ الأمر يتعلق بمجرد ترسيم علاقات قائمة أصلا لا تستثني مجالا من مجالات التعاون لا سيما المجالين الأمني والعسكري. كما قد يفهم منها نوعا من الوفاء والتعويض لبلد واجه الكثير من المتاعب تضامنا مع هذه البلدان. وقد يفهم منها أنها تكريس لتحالف المغرب مع مجلس التعاون في محاولة استباقية لاستقطابات سيكشف عنها المستقبل العربي لا سيما بعد أن خسر مجلس التعاون دولا مثل العراق و مصر وتونس وأخرى في الطريق كاليمن. وقد يفهم منها أيضا أنها استنجاد بالموارد البشرية والخبرات العسكرية والأمنية المغربية لمواجهة تحدّيات أمنية تفرضها وضعية الديموغرافيا الخليجية نفسها. وثمة الكثير مما قد يفهم من هذه الدّعوة التي يجب أن لا تفهم على أنها بريئة وكريمة، مادام لا وجود لهذا النوع من البراءة والكرم في العلاقات الدّولية. ولا نريد أن نفتح من خلال هذه التساؤلات شهية التحليل وفق نظرية المؤامرة. لكن قبل كل هذا لا بد من إظهار الجوانب المفيدة والايجابية لمثل هذا الانضمام. لكي يسهل إحداث مقارنة مع مجمل الأضرار المترتّبة عليه. أي أن الحديث هنا لا ينفي وجود إيجابيات ومصالح وراء انضمام المغرب لهذا المجلس، لكن النقاش هنا يجري حول مدى إمكانية تغليب منسوب المصالح على منسوب الأضرار.
فوائد معطاة لكنها غير كافية
تسعى السينما الخليجية هذه الأيام إلى توسيع فضاء الممارسة الدرامية باستدخال عناصر جديدة. بما أن البطولة وجب أن تظل حقا من حقوق المخرج، فهي تبحث عن كومبارس يشاركها في قليل من الأشياء، لكن تعيّن أن يتذكّر دائما حدوده. وها هنا من المجدي أن نتساءل: هل يمكن الحديث عن مواءمة حقيقية تعقب أو تسبق قرار انضمام المغرب إلى مجلس التّعاون الخليجي؟ ما هي حدود ومديات المواءمة؟ وكيف سيتم التعديل وما هو الحد الأدنى من الوضوح في مثل هذه العضوية؟ وإلى أي حدّ سيحظى المغرب بالمساواة داخل المجلس ؟ والى أي حد سيستفيد المغرب اقتصاديا من هذا الانضمام؟ وهل هي عضوية حقيقية أم عضوية كومبارس؟ هل هي عضوية مفيدة أم توريط؟ هل سيكسب المغرب ما يساعده على المضي بعيدا في مساره الديمقراطي أم سيعيقه عن مساره وربما يجهز على بعض مكتسباته السياسية؟ هل لمكتسبات المغرب وسمعته ورمزيته ثمن؟
لا تعدم هذه الخطوة فوائد يمكن أن يجنيها المغرب من خلال انضمامه إلى مجلس التعاون، ويبقى للمغرب أن يدرس الفارق بين ما يمكن أن يستفيده من هذا الانضمام وما يمكن أن يخسره أيضا. وسنرجئ الحديث عمّا سيخسره المغرب ، لنتناول موارد الاستفادة . يجب التذكير هنا أيضا على عمق الرّوابط بين المغرب والمملكة العربية السعودية. وهذا هو العنصر الأهم في علاقة المغرب بسائر دول مجلس التّعاون. ومن غير الصّحيح التّنكر للدّعم الذي تقدّمه السعودية للمغرب في قضايا مختلفة. وعليه، بات منطقيّا أن تشرك السعودية باقي دول المجلس في تبنّي التعاون مع المغرب لأنه تعاون مع تلك الأقطار في ظروف صعبة. بينما كان بعض من تلك الأقطار أكثر شحّا من بعضها في مجال تقديم المساعدات للمغرب. وكان المغرب قد اختار مساندة المملكة العربية السعودية بعد غزو صدّام للكويت على الرّغم من أنّ العراق كانت له علاقات مميّزة مع المغرب ومساعدا للمغرب في مسألتين: قضية الصحراء وضخّ النّفط بأسعار تفضيلية. وفي تلك الأثناء التي اتهم صدّام الكويت بصنوف التّهم ، منها البخل، جاء في خطاب الملك الحسن الثّاني قبل ساعات من بدء معركة الحلفاء ضد صدّام في عملية تحرير الكويت، بأنّ الكويت كانت حقّا بخيلة بعض الشّيء . وعليه، بات مؤكّدا أن دعوة المغرب للانضمام إلى المجلس كانت بمثابة تعويض عن الحليف المصري. كما أنّ الاستراتيجيا الجديدة للمجلس وضعت بعين الاعتبار الزّج بحلفائها في التزامات المجلس لضمان تعاون جادّ وحقيقي ومستمر، حتى لا يبقى حلفاؤها مجرد حلفاء غير ملزمين بكل أجندات المجلس وسائر رهاناته الأمنية. لقد ساندت السعودية المغرب في أوقات صعبة ، مساندة لا غبار عليها، تأتي في مقدّمتها مساندته في قضية الصحراء. كما لا ننسى تدخّل السعودية في موضوع صفقة الميراج الفرنسية الشهيرة ، حيث تبنّت السعودية صفقة 18 طائرة من نوع رافال بمبلغ مليارين دولار لفائدة المغرب، كما أهدت المغرب في وقت سابق 20 طائرة من نوع F16 و 40 طائرة من نوع ميراج حسب مجلة الدفاع )21 العدد الثامن عشر (. كما دعمت ترشيح المغرب لاستقبال مونديال 2010م كرة القدم، كما ضمنت إنشاء البنية التحتية الرياضية في حال فاز المغرب بتنظيم المونديال قبل أن يتحقّق الفوز لجنوب أفريقيا. وهذه مجرد أمثلة قليلة على عمق تلك الرّوابط. وكان المغرب قد وجد نفسه في مواجهة تحدّيات حقيقية ، بعد أن أصبح الصراع بينه والجزائر فاق كونه صراعا طبيعيا. فقد استعانت الجزائر بإمكاناتها المالية التّي يؤمّنها ريع الغاز بعد ارتفاع سعر برميل النّفط في سياسة تسّلح تفوق المعتاد، حيث تأكّد أن الغرض منها كان دائما هو استنزاف إمكانات المغرب في سباق تسّلح لا معنى له في المنطقة. وكانت ليبيا تساهم بدورها في تعميق النّزاع حول الصّحراء. وفي تكامل مع تلك الأدوار ، كانت إسبانيا تسعى جهدها لتأزيم الوضع الدّاخلي للمغرب. ومع أنّ المغرب أكّد من جهته على أنّ دراسة انضمامه لمجلس التعاون لا يتعارض مع مشروع الاتحاد المغاربي ، إلاّ أنّ تبعات هذا الانضمام في ظلّ إصرار المجلس على ثوابته الاستراتيجية ، من شأنه أن يضعف الاتحاد المغاربة أكثر مما هو عليه الآن. وجدير بالذّكر هنا أن لا حرج على المغرب في اختياره هذا. إنّ النتيجة المنطقية لفشل قيام اتحاد مغاربي هو نفسها مفارقة " مغرب خليجي" مفترض. فالاتحاد المغاربي كان دائما مطلبا مغربيا حقيقيا. لكن ثمة من فضّل اللّعب على عصب قضية الصحراء، وهو عامل كافي لإفشال قيام هذا الاتحاد إلى الأبد. ذلك لأنّ قضية الانفصال كانت ولا زالت مناقضة لفكرة الوحدة العربية والاتحاد المغاربي. أي كان المغرب دائما يرفض أن يعزّز اتحادات على شرط تقسيمه. فالاتحاد المغاربي ظل مشروعا معاقا ، لأنّ دولتين أساسيتين فيه (ليبيا والجزائر) ظلت داعمتين لانفصال الصحراء. ومع ذلك لا شيء يبرر تخطّي قيام اتحاد مغاربي إذ لا بديل عنه في سائر الأحلاف الإقليمية. وجد المغرب نفسه وسط تحدّيات جوار حقيقية بين دولتين نفطيتين وجار أوربّي. بينما كان المجلس يستفيد من كلّ أخطاء الدّول التي اصطفّت ضد المغرب وكذا كل الدّول التي أهملت الموقع الاستراتيجي للمغرب وإمكانياته البشرية وعمقه التّاريخي والجغرافي. وكان المغرب في المقابل يبادل السعودية ودول المجلس بالكثير من صور التضامن التي أدّى بعضها إلى خلق إحراجات للمغرب سياسيا ودبلوماسيا. كما كان له دور بارز في مساندة السعودية عسكريا عشية غزو صدّام للكويت. ناهيك عن التعاون العسكري والأمني على صعيد الخبراء والمدرّبين للقوات العسكرية والأمنية وانتهاء بالحراسة الشخصية لملوك وأمراء دول مجلس التّعاون. لكن مثل هذا الأمر كان يحصل من دون إلزام المغرب بكل قرارات المجلس. وطبقا للقوانين والبنود المنظمة والمحدّدة لمجالات التعاون بين أعضاء المجلس توجد منافذ فنّية كثيرة للاستفادة على شتى الصّعد لا سيما الاقتصادية والتجارية منها. غير أن التفاصيل التي سيسفر عنها الانضمام ستثير حتما إشكالية الفارق الديموغرافي بين المغرب ومجلس التعاون. فالوافد الجديد يحمل وراءه ثروة بشرية هائلة وديموغرافيا تكاد تعادل أو تفوق عموم القاعدة السّكانية للبلدان الخليجية السّت. وهذا سيفرض سؤالا حول مدى استعداد دول المجلس لاستيعاب هذا الفارق الديموغرافي فضلا عن الفارق في بنية الإقتصادين ونمطيهما، لتأمين المساواة في سائر الامتيازات التي كرستها بنود النظام الأساسي للمجلس. هذا يتوقف على مدى إمكانية الاستجابة لرزمة من التعديلات في بنود النظام الأساسي. كما يمكننا الحديث عن استراتيجيا جديدة لاحتواء الفارق الديموغورافي بتمكين هذا المغرب من حصة تفضيلية على مستوى العمالة، ما يمكّن من تعويض العمالة الأسيوية، التّي باتت تطرح مشكلات أمنية حقيقية على أقطار مجلس التعاون لا سيما على مستوى مستقبل الهوية الثقافية والاجتماعية للسّاكنة الخليجية. هذا في حين ، أن وجود المغرب عضوا يطرح سؤال نظام العمالة الخليجية نفسها، كما يفرضه واجب المواءمة بين قوانين الشّغل ونظام الوظيفة العمومية في سائر دول المجلس. كما يجب أن يشمله في مسألة توحيد التعريفة الجمركية وتسهيل تنقل المواطنين بين دول المجلس وإلغاء التأشيرة واعتماد نظام البطاقة الوطنية. وهل بالإمكان أن نتحدث عن توحيد جمركي وبأن تفتح الحدود وترتفع التأشيرة على المغاربة لدخول هذه الدّول. فثمة سابقة في تجربة البحرين التي ألغت التّأشيرة لصالح المغاربة ولكنه وبخلاف اتفاقية شينغين ، فإنّ دخول مواطن إلى دولة من دول التعاون لا يمنحك حق دخول سائر الدول. هذا مع أن سياسة البحرين في موضوع إلغاء التأشيرة لم يكن بعيدا عن سياسية التجنيس السياسي التي خلقت توتّرا كبيرا داخل الشارع البحريني، لأسباب تتصل بحساسيات محلية دقيقة. من دون هذا القدر سيتّضح أن الانضمام سيكون مجرد انضماما أمنيا ، بينما حضور المغرب في سائر اللجان الأخرى التّابعة للمجلس لن يتجاوز دور كومبارس. وإذا كان هذا الثقل الديموغرافي هو نفسه قيمة مضافة من حيث سيشكل من الناحية الأمنية والعسكرية مصدر توازن استراتيجي في الأحلاف العربية المقبلة ، فإنه في الوقت نفسه يشكل حملا ثقيلا على مجلس التعاون. هنا يتوقف الأمر على المغرب ، وكيف سيستثمر رأسماله البشري في نطاق هذا التحالف، باعتبار أن القيمة المضافة نفسها التي استدعت عضويته هي الثقل الديموغرافي نفسه. سيكون من الصعوبة بمكان أن يقبل المغرب بحضور رمزي مثل كومبارس داخل المجلس ما دام أن انضمامه إلى المجلس يعني انضماما إلى حلف يواجه تحدّيات إقليمية ودولية تفرض على العضو الجديد دينامية فائقة. فالمغرب من خلال هذه العضوية يكون قد تجاوز جملة من الاستحقاقات الجغرافية والإقليمية . إن وجود المغرب عضوا سابعا في مجلس التعاون الخليجي معناه الانضمام إلى نادي منسجم يصعب أن يندمج في سائر قراراته لأنه سيجد نفسه ملزما بشروط مجلس التعاون. ومع أن العضوية طبقا للقانون الأساسي تمنحه صلاحية اقتراح التعديل، إلاّ أن ذلك مشروط بإجماع الأغلبية. سيجد المغرب نفسه غير قادر في مثل هذه الظروف على تمرير التعديلات المطلوبة كما سيجد نفسه محرجا لتنفيذ القرارات السّابقة. إن مسألة التعديل هنا شبه مستحيلة بالنسبة إلى عضو طارئ على اتحاد إقليمي نشأ في سياق ظروف خاصة وتربطه روابط معينة. ولا يوجد في الأفق ما يجعل كفّة الأعضاء الجدد راجحة ما دام المجلس سيظل مغلقا على رهاناته ولن يستقبل من الأعضاء سوى القليل لتشكيل أقلية داخل المجلس، إذ مهما بلغت ديموغرافيا هذا العضو فهو لن يملك في دهاليز المجلس سوى صوتا واحدا. وكونه من خارج النّادي النفطي سيكون صاحب صوت خفيض. تقتضي العضوية المذكورة من المجلس أن يهتم بقضية التجانس الاقتصادي والتجاري، ولو في الحد الأدنى. فوجود دولة غير منتجة للنفط في نادي نفطي يطرح الكثير من التحدي ليس على المغرب بل على أعضاء المجلس. ما يفرض خلق دينامية خاصة لدعم مسار التنمية على الأقل في إسناد كبرى الأوراش المفتوحة أو التي في طريق الإطلاق. وليس بعيدا أن أعضاء المجلس تحت طائلة هذا التحدي الذي تفرضه الديموغرافيا الجديد لمجلس التعاون في المستقبل أن يصار إلى نوع من التأويل أو نوع من المناورات الفنّية. ونقصد بالتأويل ، الاستناد إلى عامل الخصوصية خصوصية الديموغرافيا نفسها أو خصوصية الاقتصاد الرّيعي النفطي لتكريس عدم المساواة في الامتيازات. أما المناورة الفنّية ، فأقصد بها سعي الأعضاء المؤسسين السّت إلى ضرب جديد من التّحالفات داخل المجلس نفسه لإعاقة أي محاولة لتعديلات حقيقية تفرض ضربا من العضوية الحقيقية والفاعلة للمغرب داخل المجلس. هذا يظهر جليّا من خلال المساطير المتبعة في الهيكل التنظيمي للمجلس لإقرار أي تعديل ممكن. وهنا تبقى مسألة المساواة في الامتيازات مجرد إمكانية نظرية مستحيلة التحقّق في شروط مسطرية تعجيزية. ويبدو أن لا أحد سيفكّر في جدّية هذا السؤال، مادام أن المجلس يتحدّث عن توسيع /ضيّق للعضوية يستهدف البعيد والأبعد ليسهل التحلّل من أي التزامات مستقبلية تفرضها استحقاقات القرب الجغرافي. كما أن رهانات المغرب المغاربية والمتوسطية تجعله يقبل حتى بالحدّ الأدنى من تلك الامتيازات ولا يهمه في الوضعية الرّاهنة بحث سؤال المساواة في الامتيازات داخل مجلس لا يزال يوحي للوافد الجديد بأن القبول بالانضمام إلى المجلس هو شرف ومنّة وليس استحقاقا وتحدّيا. وتكمن جدّية هذا الجانب في أننا لو وازنّا حجم الفوائد المعطاة مع حجم الخسائر المترتبة على هذا الانضمام ، سنجد أنّ حجم الاستفادة الاقتصادية لا يرقى إلى حجم الأضرار كما سنبيّنها في محلّها.
هل مجلس التعاون منظمة قوية
يبدو أنّنا أمام سؤال أساسي ، لأنّه يسند رهانات الدول التي ستنضمّ إلى هذا المجلس. إذ من واجبها تشخيص كل مستويات مصالحها الإقليمية والدّولية من خلال هذا الانضمام. وقد جاءت تلك المبادرة في لحظة موسومة بالالتباس وعدم وضوح في الرّهانات وعدم القدرة على تشخيص معالم القوّة المتنامية في المنطقة. فالشعوب في هذه المنطقة باتت أكثر قدرة على المبادرة والمطالبة وأكثر قدرة على النّزول باختياراتها إلى الشّارع. ولا شك أن قوة الأحلاف لا تقاس فقط بمدى إمكاناتها المالية. فالحديث اليوم عن نظم لا عن دول. فأمريكا كانت على وشك إحداث التغيير في دول مجلس التعاون الخليجي عشية غزو قواتها للعراق. وهي إذ فعلت أكّدت بأن العراق هذا البلد الذي يحتوي على أكبر احتياطي نفطي ليس في منأى عن الغزو كما يحدث اليوم مع ليبيا . ويبدو هنا الفارق واضحا جداّ بين مكتسبات المجلس ومكتسبات المغرب. فبقدر ما يبدو من تراجع في إمكانات المجلس المادية والسياسية فإنّ المغرب يبدو في موقع قوّة. إنّ مغرب ما بعد 20 فبراير لن يكون هو مغرب ما قبل 20 فبراير. فهذه الأخيرة زادته قوّة وثقة في النّفس. وقد كانت الاستجابة لمطالب الشّارع المغربي متوافقة مع مسار الانتقال الديمقراطي الذّي تمّ تدشينه منذ سنوات. وسقف احتواء المطالب وفق ثقافة سياسية آخذة في التجذّر يفوق القدرة الاحتوائية وإمكانات الثقافة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي. فالمغرب في مسار تقدّمه السياسي يستحضر النموذج الأوربي ويتفاعل معه بحكم وضعيته الثقافية والتّاريخية والجغرافية. هناك إذن فارق القناعات والثقافة والرهانات وسرعة الاستجابة للمطالب الاجتماعية والسياسية. وإحدى أبرز المطالب الحسّاسة التي تجاوزتها الاستجابة المغربية ، هي ما يتعلّق بالإصلاحات الدستورية والدّفع بالملكية إلى حدود العصرنة والقضاء على الكثير من التقاليد والطقوس لصالح ملكية حديثة بكل المقاييس ، تتدستر فيها صلاحيات الملك كما تمنح للوزير الأول صلاحيات موسعة كما يمنح للبرلمان صلاحيات موسعة على مستوى رقابة السياسة الحكومية ومستوى التشريعات. وفي الإطار نفسه يجد المغرب نفسه اليوم أمام تطور للمجتمع المدني وحضوره في كبرى القضايا الوطنية. أي بتعبير آخر لن يجد مجلس التعاون مغربا تتمركز فيه السّلط بل ثمّة سلط مستقلّة ورقابة البرلمان وجمعيات المجتمع المدني والصّحافة الحرّة والقوى والأحزاب السياسية ، لأداء واختيارات الحكومة. يلعب المغرب اليوم على المكشوف بل ويرقى بلعبة أو لنقل بمغامرة الإصلاحات إلى مستويات عالية أمام رأي عام عالمي يمنحه المغرب أكثر من دول مجلس التعاون اعتبارا خاصّا. أمّا على الصّعيد الإقليمي والدّولي ، فإنّ فقد أسفرت القمّة المنعقدة في غرناطة بين المغرب و الاتحاد الأوروبي عن إقرار وضع متميز منحه الاتحاد الأوروبي للمملكة نهاية 2008. معتبرة إيّاه شريكا متميزا لدى أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين ، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. وهي مبادرة سبقت دعوة مجلس التعاون. كما أنّ التّحولات الجارية في المنطقة باتت في صالح المغرب. توجد اليوم إرادة أممية ترجمها قرار مجلس الأمن لإحصاء نفوس مخيّمات تندوف، وكان المغرب قد ربح كل المناورات بينه وبين الجبهة لا سيما بعد أحداث إكديم إيزيك التي انقلبت نتائجها ضدّ خصوم وحدته الترابية. وازدادت ورطة البوليزاريو بعد أن تمّ الكشف عن أنهم باتوا يشكلون قوّة عسكرية للدفاع عن نظام القذّافي. وهذا أمر طبيعي ووفاء يجب الإقرار به. فقد كان الزعيم اللّيبي وراء تأسيس هذه الجبهة قبل دخول الجزائر نفسها على الخطّ. ومع إطلاق مبادرة الحكم الذّاتي مرفوقا بنظام الجهوية الموسّعة ، بات موقف المغرب أقوى من أي وقت مضى.
مجلس التعاون الخليجي بين إمكاناته الواقعية وهواجسه الأمنية
التوسع في نفوذ المجلس وإعادة انتشار محور الاعتدال وتحوله من مجرد وصف في الإنشاء السياسي الأمريكي إلى حلف حقيقي، سيدخل المنطقة في صراع الأحلاف وسيجعل الاستقطاب يغمر منطقة المغرب العربي. وممّا لا شكّ فيه، أنّ محور الممانعة سيكون مضطرا للدخول في مغامرة التمدّد ، ممّا يعني أن المنطقة ستشهد اصطفافات من نوع آخر. وإذا اتضح أن مصر وتونس والجزائر وموريتانيا وحتى ليبيا بعد الثورة ستجد نفسها في اصطفاف آخر، فإنّ ما يثير الاستفهام الأكبر هنا، هل وضع المجلس كل هذه الاعتبارات قبل الإقدام على هذه الخطوات. ففي الجهة الأخرى توجد دول ممانعة لن تقف مكتوفة الأيدي. وهي تتمتّع بإمكانات نفطية هائلة أيضا كما تتمتع بمشاريع مقنعة للشارع العربي. ربما كان أحرى بالمجلس أن يدخل في أشكال من التعاون مع دول أخرى خارج النادي النفطي وبعيدة عن حدود دول المجلس دون الانضمام العضوي في المجلس. كما كان بالإمكان أن تتسع هذه العضوية بعد إحداث تغيير جذري في عقيدتها الأمنية وتعديلات حقيقية في الكثير من بنودها لتصبح نواة حلف عربي جديد خارج منطق الاصطفاف. فالاعتدال العربي قد يسعى لاستمالة الشعوب العربية ببعض الاستثمارات في عواصم الدول العربية التي تعاني مشكلات اجتماعية حادّة، لكن دول الممانعة قد تستميل هذه الشعوب برأسمالها الرمزي والنضالي. واتّضح دائما في تجربة الأمم، أن الرأسمال المادّي لا يمكن أن يكون عادلا، بينما الرأس مال الرمزي يقسم بالسّوية على الجميع وقابل أن يغمر الجميع وهو يوحي بالشّبع. إذا كانت أهداف توسيع عضوية المجلس هو خلق دينامية عربية فعّالة ، وكذلك النهوض بواقع التنمية للبلدان العربية العضو في المجلس، سيكون ذلك أمرا مهمّا بل مطلوبا في زمان عربي افتقد كل إمكانيات التّضامن. ومثل هذا يصعب تأكيده من خلال السياق الذي تبلور فيه هذا الاختيار والظروف التي تعيشها المنطقة برمتها. كان أولى لمجلس التعاون الخليجي أن يضع كل ثقله السياسي والمالي في إطار جامعة الدّول العربية. وكان أحرى أن يبدأ فعل التوسيع بإحداث تغييرات فنية وسياسية كتمهيد لاستقبال الأعضاء الجدد. ويفرض الواقع الجغرافي هنا استحقاقا يفرض بدوره تغييرا استعجاليا في عنوان المجلس؛ من مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس التعاون العربي مثلا. إنّ تجنّبنا الحديث هنا وفق نظرية المؤامرة نابع من حرصنا على أن يبقى التساؤل في نطاق المعطيات ومن دون تشويش. لكن هذا لا يعوّض إلاّ بطرح سلسلة من التساؤلات والملاحظات التي يفرضها المعطى الجغرافي والواقع السياسي. أما إن كان الهدف من توسيع مجال العضوية داخل المجلس يهدف مواجهة إيران وورائها قوى الممانعة في المنطقة، فإنّنا نعتقد أنّ ذلك ليس فقط خطأ مبدئيا أو أخلاقيا، بل يمثّل مغامرة إن لم نقل انتحارا للمجلس لأسباب أهمّها أنّ عسكرة مجلس التعاون الخليجي ودخوله في رهانات استراتيجية وعسكرية كبرى أمر يفوق الإمكانيات الموضوعية للدول الأعضاء، على مستوى الموارد البشرية والإمكانات العسكرية والأعماق الاستراتيجية لبلدان الخليج . إنّ مثل هذه الرهانات تتطلّب جملة من الشروط الجيوستراتيجية ، لا تزال إيران تحرز تفوّقا فيها. فالحرب في نهاية المطاف غدت مستحيلة ضدّ إيران لا من جهة إسرائيل ولا من جهة أمريكا. وهذا وحده يكفي لتأكيد عدم جدوى تبنّي مجلس التعاون الخليجي لمثل هذا الرّهان. وفي المجال العربي بات واضحا أنّ الريع النفطي وحده لا يصنع سياسة ولا ثقافة ولا استراتيجيا قوية وفعّالة. كان ولا يزال الدور المطلوب من الريع النفطي هو إسناد مشروع عربي حقيقي لا أن يكون الريع النفطي هو قائد مشروع سياسي واستراتيجي في المنطقة. إن مجلس التعاون الخليجي بكشفه عن دينامية جديدة تتجلّى في عسكرة المجلس ، يحفز بشكل أو بآخر الأطراف المعنية بهذا الحلف للدخول في تحدي آو لنقل حرب باردة تجعل خيارات قوى الممانعة توسع هي الأخرى من نفوذها السياسي والاستراتيجي. وعمليا يبدو أن المجلس الذي لم يفعل حتى الآن سوى أن حاول ترسيم عضوية بعض الأحلاف الذين كانوا دائما رهن إشارته الأمنية والعسكرية ، هو في وضع أضعف من وضعه في الثمانينيات. كانت جامعة الدّول العربية على ضعفها تشكل كيس رمل لوقاية مجلس التعاون من الكثير من التحديات. لكن وفي الظروف الراهنة والوضعية غير الواضحة لمستقبل جامعة الدّول العربية يبدو أن مجلس التعاون قد خسر الكثير من الحلفاء التقليديين. التطورات الراهنة تؤكد على أن العراق الذي كان البوابة الشرقية في المنظور الاستراتيجي لمجلس التعاون الخليجي طيلة الحرب العراقية الإيرانية لم يعد كذلك. وكذلك مصر وتونس وغدا اليمن. إن التحولات الإقليمية تمنح قوى الممانعة الكثير من الأوراق والإمكانات والأعضاء الجدد. كيف يستطيع مجلس التعاون أن ينهض بهذه الاستراتيجيا بعد أن فقد أحلافا من أكبر الدول العربية مثل العراق ومصر بل حتّى سوريا اليوم بعد أن لم تتخلّ يوما عن إسناد المجلس. في كل الأحوال لا تبدو محاولة مجلس التعاون الخليجي إلاّ محاولة لفك العزلة في محيط عربي يتجه خارج المنطق التقليدي لدول الاعتدال العربي. لا يوجد ما يقنع بعكس هذا. فإنّ دعوة المغرب إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي تحمل أهدافا أمنية خالصة في الاعتبارات الخفية للمجلس. كان المغرب سيكون أكثر تفهّما لهذه الدّعوة لو أنها جاءت في ظروف غير ملتبسة مثلما يحدث اليوم ، حيث لا أحد يستطيع التنبّؤ بالمستقبل العربي. وهي مبادرة جاءت في سياق تعويض غياب حليف استراتيجي للمجلس: مصر حسني مبارك. تكمن عقدة دول التعاون الخليجي في الفقر الديموغرافي في مواجهة ما يعتبره المجلس عدوّا استراتيجيا: إيران. وكانت مصر كبرى الدول العربية تشكّل احتياطيّا ديموغرافيّا تستند إليه المقاربة الأمنية للمجلس. وفي غياب هذا الحليف كان لا بدّ من الامتداد أبعد والبحث عنه في أقصى المغرب العربي. فهذا البديل لن تجده في السودان أو الجزائر أو حتى اليمن، بل ستجده في المغرب. ففي تقدير المقاربة الأمنية والعسكرية للمجلس، تكون الدّيموغرافيا المغربية بأبعادها العسكرية عنصر توازن مغري لمجلس بات في وضعية صعبة، ممّا يفرض على المغرب أن يتواجد في مواقع تمّاس أمني مع إيران. وقد بادر المجلس لاستغلال القطيعة الدبلوماسية من جانب واحد بين المغرب وإيران لتكريس هذا المشروع. علما أنّ المغرب سيكون العضو الوحيد داخل مجلس التعاون الخليجي الذي يقطع علاقته الدبلوماسية مع إيران بينما تحافظ دول المجلس الأخرى بعلاقات دبلوماسية واقتصادية أيضا كما هو الوضع مع كلّ من الإمارات العربية وقطر والكويت وسلطنة عمّان. وثمة إمكانية غير مفكّر فيها، أن تؤدّي عضوية المغرب في المجلس إلى أدوار ووساطة إيجابية بين المجلس وإيران. فالدّور التّاريخي الممكن للمغرب أن يكون جسرا للتفاهم والحوار العربي الإيراني المستدام، نظرا لتوفّره على ميزات مشتركة غيّبتها سنّي الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها التي جمّدت كل رهانات المنطقة . لقد جاءت فكرة تأسيس مجلس التعاون في سياق تنامي استراتيجيا دولية لاحتواء إيران. وقد لعبت دول المجلس حينئذ دورا أساسيا في مساندة العراق في هذه الحرب طيلة ثماني سنوات بلا كلل. ويبدو التركيز على المسألة الإيرانية من أولويات المرتكزات والأهداف للسياسة الخارجية للمجلس. وذلك من خلال أولى إنجازات المجلس في هذا الشّأن حيث تمّ التركيز على "مساندة الإمارات العربية المتحدة في قضية الجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران". حيث " منذ عام 1992 أصبح موضوع الجزر الثلاث ، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ، التابعة للإمارات العربية المتحدة ، بنداً ثابتاً على جدول أعمال المجلس الأعلى والمجلس الوزاري ". وفضلا عن المساعي والتحريك الموسع لهذا الملف المتبنّى من طرف المجلسين الأعلى والوزاري بخصوص الجزر الإماراتية ، تتحدث وثائق المجلس بخصوص السياسة الخارجية الموحّدة لأعضاء المجلس عن العلاقة مع إيران. ويبدو أنّ موضوع العلاقة المعقدة بين أعضاء المجلس وإيران هي أقدم من مسألة الجزر الإماراتية. ذلك لأنّ المسألة لم تطرح إلاّ في سنة 1992م بينما المجلس تأسس في سنة 1981م لأسباب أخرى. هذا فضلا عن أنّ المجلس فرض على سائر أعضائه في إطار توحيد المواقف والتصورات السياسية والأمنية أن يتبنّوا وجهة النّظر نفسها تجاه إيران ، على الرّغم من أنّ هذه العلاقات بمعزل عن السياسة المرسومة للمجلس تختلف من دولة عضو إلى أخرى. فالعلاقة بين إيران وقطر اختلفت عن العلاقة بين إيران والسعودية مثلا. هذا دون أن ننسى بأنّ المجلس تأسس في بداية الثمانينيات من القرن الماضي في سياق قيام الثورة الإسلامية في إيران، بينما طيلة حكم الشّاه كانت هناك علاقات مميّزة لم تثار فيها القضية الأولى للمجلس تجاه إيران اليوم ، مما يعني أن المسكوت عنه في السياسة الخارجية له ارتباط بأصل الاستراتيجيا الإقليمية . بما أنّ المجلس جاء في سياق وضعية إقليمية موسومة بالاصطفاف الأمني ضد الثورة الإيرانية، وتطوّر في سياق تداعيات الحرب العراقية الإيرانية، فقد بات واضحا في العقيدة الأمنية للمجلس أن العدوّ الأول لأعضاء المجلس وللدول العربية هو إيران. وقد سعى المجلس عبر وسائل الضغط والنفوذ إلى تعميم هذه العقيدة الأمنية في إطار الجامعة العربية أيضا، لكنه فشل في ذلك لأسباب لسنا في واردها. وقد بات واضحا أنّ كل ما في قرارات المجلس وكل ما يتعلق بتطور التعاون العسكري واتفاقية الدفاع المشترك والإنجازات الأمنية والعسكرية لا يستحضر إسرائيل كعدو حقيقي بقدر ما توحي بأن العدو هو إيران. وهذا واضح من خلال الوثيقة التي تتحدّث عن السياسة الخارجية للمجلس. يظهر ذلك من خلال الترتيب ومن خلال اللّغة أيضا. فمن خلال الترتيب كان أجدى من المنظور الاستراتيجي أن يجري الحديث عن الموقف من إسرائيل قبل إيران. ذلك لأن الترتيب الاستراتيجي وكذا الأبجدي يفرض تقديم إسرائيل في هذا الاهتمام. ومثل هذا لم يحصل لأن الحديث عن إسرائيل جاء في مرتبة متأخّرة. وهذا يمثّل رسالة من المجلس بأن أهداف المجلس تختلف عن أهداف جامعة الدول العربية نفسها بهذا الشّأن. أمّا من جهة اللغة، فإنّ الحديث عن موقف المجلس من إسرائيل لا ينطوي على أي عبارة يفهم منها أنها هي العدوّ رقم واحد للأمة العربية. بل تركّز الحديث عن دعم المجلس لكل الاتفاقيات والمبادرات الدولية أو العربية في سياق حلّ النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل. أي لا شيء يميّز المجلس عن الموقف الأمريكي المعلن نفسه أو موقف حزب العمل الإسرائيلي بخصوص مسألة حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في ضوء توصيات أوسلو ووادي عربة خارطة الطريق وحتى المبادرة العربية. إنّ مسألة ترتيب الأولويات الأمنية من شأنه أن ينعكس على الكثير من مواقف وقرارات المجلس حينما تتزاحم الاعتبارات. فأعضاء المجلس هم من جهة أخرى أعضاء في جامعة الدّول العربية. ومواقف هؤلاء الأعضاء تتشكل مسبقا داخل المجلس. بمعنى أنّهم يحضرون ككتلة سياسية داخل الجامعة العربية. ومن هنا سيحرص المجلس دائما أن لا يسمح للقضية الفلسطينية بأن تصبح في أولوية الاهتمام العربي. وفي الوقت نفسه سيسعى لتكريس فكرة : إيران العدو الأوّل. وتتّضح هذه العقيدة الأمنية من خلال وثائق المجلس الخاصة بالإنجازات المتعلقة بالسّياسة الخارجية. فقد جعلت الموقف الموحّد لأعضاء المجلس يتّجه بادئ ذي بدء إلى إيران. بينما في الحوارات الإستراتيجية مع الدول والمجموعات الإقليمية، حدّدت إنجازاتها ورهاناتها مع كلّ من تركيا ، ورابطة دول الآسيان ، والصين الشعبية ، وروسيا الاتحادية ، واستراليا ، وباكستان ، وأذربيجان. ولا توجد من بين هذه الدّول إيران الأكثر قربا وجوارا من هذه البلدان المذكورة. كما لا يخفى أن الكثير من هذه الروابط ، ذات أهداف استراتيجية وأمنية في محاولة لفرض العزلة الأقليمية على إيران إكمالا للعزلة الدّولية عليها. فالصّفقات التي عقدتها بعض دول المجلس مع الصّين تكاملت مع الدور الغربي لثني الصّين عن موقفها تجاه إيران ولدفعها لعدم استعمال الفيتو ضد القرار الأممي بفرض عقوبات على إيران. ويأتي تعميق الروابط مع تركيا لغرض خلق توازن يقوم على أساس الدّفع بالأردوغانية إلى معاقرة حساسيتها العثمانية في مواجهة ما يسمّى في صحافة الاعتدال
بالصفويين الجدد. فالهاجس الأمني والمناوراتي حاضر في الحراك الدبلوماسي للمجلس. إنّ قضية تقدير العدو الأول للأمة العربية في السياسة الأمنية للمجلس ارتبط دائما بالتقدير الأمريكي نفسه. فحتّى قبل أن تحتلّ إيران هذه الرّتبة في الاستراتيجيا الأمنية الخليجية ، كانت قد ساهمت في استراتيجيا المواجهة ضد الاتحاد السوفياتي ، حيث كان الجهاد الأفغاني يحتل أولوية غطّت على مركزية القضية الفلسطينية. ويعزى لهذه السياسة التي تبنّاها المجلس دورا كبيرا في زحزحة القضية العربية الأولى من مركزيتها. ولا يحتاج الإنسان إلى التّعرف على مدى الأضرار التي نجمت عن هذا التّحول في تقدير الأعداء الاستراتيجيين. إنّ الأضرار التي نجمت عن التّدخّل الأمريكي في المنطقة والتّحكم والضّغط على نظمها بما فيها النظم المحسوبة على الاعتدال ، نجم عن حكاية الحرب على الإرهاب الذي يعدّ إحدى أبرز تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي والجهاد الأفغاني. كما انعكس هذا الوضع على القضية الفلسطينية نفسها منذ أوسلو، إذ جاء ذلك في سياق أحداث حرب الخليج واحتلال صدام للكويت وتداعي الصّرح العربي. كلّ هذا انعكاس ونتيجة لتداعيات الحرب العراقية الإيرانية. وقد شكل هذا التغيير في تقدير العدو الأول للأمة العربية محطّة أساسية في مسار إفراز أولى معالم ما سيعرف بعدئذ بعرب الاعتدال. وهي سياسة تلتقي موضوعيا مع الاستراتيجيا الأمريكية والإسرائيلية لإطلاق رصاصة الرحمة على التّضامن العربي. ومنذ ذلك العهد والاستراتيجيا الأمريكية تجد في المجلس شريكها الأمثل حتّى اليوم. وهي الشراكة التي لم تنفع حسني مبارك كبير حلفائهم في المنطقة، علما أنّ هذا التّحالف والارتهان للسّياسة الأمريكية والإسرائيلية ومحور الاعتدال كانت سببا رئيسيا في احتقانات الشعب المصري التي انتهت بالثورة في ساحة التحرير. وإذا كنّا نتحدّث إجمالا عن وجود ما هو مشترك بين هذه البلدان ، فلا ينبغي الاستهانة بما هو مختلف شديد الاختلاف في التجربة التّاريخية والثقافية. إن العضوية في المجلس تفرض تكييفا في الثقافة الأمنية لهذه الدّول. لكن بالنسبة إلى المغرب ، نحن أمام حالة خاصّة. لا يستطيع المغرب أن يغرق في رهانات محور الاعتدال العربي دون أن يحتفظ بمسافة أقلّ حدّة من محور الممانعة. لقد شارك جنود مغاربة في كل حروب العرب ضدّ إسرائيل ، كما يحتفظ بشهداء في الجولان. كما أنّ تاريخ المغرب هو تاريخ مقاومة ضد الاستعمار. وقد خرّج إلى العالم أقدم صور المعارك الفدائية لحرب العصابات: موحا أو حمو الزياني و عبد الكريم الخطّابي...ففي ذاكرة هذا الشعب سجلّ حافل بالممانعة والمقاومة والثّقافة الكفاحية والتّحررية. وهذا القدر من الثقافة يجعل المغرب في الظروف الصّعبة لا يقدّم نفسه في طليعة الممانعة لكنه أيضا لا يقدّم نفسه في طليعة الاعتدال. وعملية ترسيم عضوية المغرب في المجلس تهدف إلى إخراجه من موقعه الرّمادي والزّج به في رهانات محور الاعتدال ومغامراته ، لا سيما وقد تلقّى هذا المحور ضربات بعد التّحولات العاصفة بالمنطقة، إذ هو اليوم أضعف من كل وقت مضى. فالحراك الشعبي اليوم وكما دلّت عليه الأحداث الأخيرة في الذكرى الستّين للنكبة الفلسطينية، يتّجه عكس العقيدة الأمنية لمحور الاعتدال الذي بات منحصرا في سياسات مجلس التعاون. أي سيكون في اتجاه تركيز الاستراتيجيا الدّفاعية ضدّ المشروع الإسرائيلي. وسيتأكّد في المدى القريب أن رياح الاحتجاجات والثورة ستتّخذ من القضية الفلسطينية عنوانها الرئيسي. وهذا هو التّحدّي الذي سيواجهه المجلس ، حيث ستكون كلّ حروبه القادمة ضد شعوبه وشعوب المنطقة، وسيعتمد أسلوب الحرب القذرة. ولا شيء من هذا يؤكّد على نجاعة هذا الاختيار الاستراتيجي سوى أن يكون مغامرة محض. بينما لا يزال في وسع مجلس التعاون أن يخرج منها في حالة ما إذا أخضع اختياراته لتغيير جذري تنتقل فيه كل أولوياته ويجعل من محور الممانعة نفسه عمقا استراتيجيا لأمنه بعد العمل على احتوائه كحليف. اتّضح ، على الرّغم من جهوده السّابقة منذ الثمانينيات ، أنّ المجلس فشل في احتواء صدام حسين. وتأكّد أنّ أكبر تهديد لدول الخليج جاءه من حارس البوّابة الشرقية العربية والمرشّح لعضوية مجلس التعاون الخليجي. بل إن تداعيات هذا الانقلاب والفشل في السياسة الأمنية للمجلس وحلفاؤه انتهت باحتلال العراق وإعدام حليفهم الاستراتيجي ، انطلاقا من القواعد الأمريكية المرابطة في دول المجلس. ودخول المغرب إلى المجلس معناه تبنّي هذه العقيدة الأمنية نفسها وتكييف سائر مؤسساته على وفقها. لكن لا توجد ضمانات للمجلس لحماية حلفائه في الظروف الصّعبة. وقد عجز المجلس عن احتواء حلفائه بمن فيهم المرشحين التقليديين لعضوية المجلس: العراق بالأمس واليمن اليوم. كما عجز عن حماية حلفائه الاستراتيجيين من هدير الثورة : تونس ومصر. إحدى ابرز النصوص المنظمة للتعاون الأمني بين أعضاء المجلس ، ما صدر على إثر اجتماع وزراء داخلية دول المجلس بالرياض (23 و 24 فبراير 1982م )، تقول: "أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وأن أي اعتداء على أية دولة من الدول الأعضاء هو اعتداء على الدول الأخرى واعتبار مسؤولية مواجهة الاعتداء على أية دولة مسؤولية جماعية يقع عبؤها على جميع الدول الأعضاء" وفي البيان نفسه: "أن التدخل من قبل أية جهة كانت في الشؤون الداخلية لإحدى الدول الأعضاء هو تدخل في الشؤون الداخلية لجميع دول المجلس". تبدو عبارات البيان بريئة في منطق التّكتلات والأحلاف. لكن في نطاق الوضعية الجديدة للمجلس وعلاقته بالعضوية الجديدة لدول تختلف عنه حتى في ما يبدو مشتركا، إذ أنّ الملكية في المغرب مختلفة تماما نشأة وتطورا عن ملكيات تلك الدول. هذا يفرض أن يتحقق تجانس حقيقي بين هذه الدول والوافد الجديد على المجلس قبل أن يصار إلى تنفيذ نص البيان. وهو ما يجعل مهمة دراسة الالتحاق بالمجلس أمرا فائق الصعوبة على المغرب تحديدا. مثلا برر مجلس التعاون إقحام درع الجزيرة في قمع مظاهرات البحرين بذريعة تدخل إيران في شؤونه الداخلية. ودائما ستلعب هذه العقيدة الأمنية دورها في مغامرات المجلس الأمنية باعتبار أن تكريس إيران كعدوّ أول ، سيصبح قوّة تفسيرية لكل ما يصعب هضمه أمام الرأي العام الداخلي والخارجي. وسيكون وضع الأعضاء الجدد أكثر حرجا من الستّة المؤسسين للمجلس نظرا لتشعب رهاناتهم واختلاف مصالحهم وخصوصياتهم. وإذا لم يكن لدول التعاون شيئا تخسره على صعيد المكتسبات السياسية والديمقراطية ، فإن ثمة الكثير مما سيخسره المغرب إذا تكررت مثل هذه التخريجات التي يراد منها إقناع مجلس لا يزال يستعمل نفوذه النفطي في تجاوز المحاسبة الدولية. ولا يخفى أن هناك مكتسبات حقيقية يجب مراعاتها في هذه العضوية. فالمغرب سيدخل المجلس وهو مثقل بالتزامات دولية إزاء اتفاقيات صادق عليها بينما تحفظت دول التعاون على الكثير منها. وتؤكد التقارير الدولية عن الحريات الدينية أو الديمقراطية أو تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان على أن هذه الدول تحتل المرتبة الدنيا في انتهاكات حقوق الإنسان. سيدخل المغرب إذن على تعقيدات الشّأن الخليجي وسيغرق في تفاصيل الهواجس الأمنية للمجلس. وبما أنّ حربا مع إيران هي مستحيلة موضوعية ، فإنّ الوافد الجديد للمجلس سيجد نفسه غارقا في زواريب المشكلات الاجتماعية لهذه البلدان. بتعبير آخر سيجد نفسه في مواجهة حراك اجتماعي خليجي وشيك، أي كقوة قامعة للمجتمعات الخليجية وليس كقوة مساندة لاستراتيجيا وطنية محلّ رضى إجماعي. إنّ التنسيق الأمني بين أعضاء المجلس يستهدف توحيد المفاهيم وتحديد الأهداف المشتركة. وهنا يفرض واجب المواءمة تحدّيا جديدا بين الأعضاء المؤسّسين والوافد الجديد على المجلس نظرا لاختلاف المفاهيم والأهداف بحكم الظرفية الخاصّة للأعضاء الجدد خارج النّادي الخليجي. وحتى لا نمضي بعيدا في تتبع الفروق الجوهرية بين المفاهيم والأهداف الأمنية بين المغرب ودول مجلس التعاون، لنركزّ فقط على مسألة أساسية سيكون لها حتما أثر على المدى القريب وأكثر منه على المدى المتوسط والبعيد، أي وجود تناقضات في صلب الاستراتيجيا الأمنية. ومما لا يظهر إلاّ لماما أن ثمة مشكلات أمنية بين المغرب ودول المجلس لا سيما المملكة العربية السعودية. فحتّى الآن لا يزال المغرب يعتبر أن التيّار السّلفي يشكّل التهديد الأمني الأكبر في البلاد. غير أن المغرب يميّز بين الارتباط الطبيعي لهذا التّيار ببعض بلدان التعاون الخليجي وبين توّرط هذه الأخيرة في زعزعة الأمن المغربي. لكن المحصّلة تؤكّد على امتعاض المغرب من الموجة السلفية التي فرضت عليه في ظروف خاصّة استغلت فيها العلاقات المميزة بين المملكتين : المغربية والسعودية كما عملت فيها عوامل إقليمية ودولية. لكن في محطّات كثيرة أعرب المغرب عن امتعاضه بصورة تلقائية سرعان ما تمّ الالتفاف عليها ولم تؤخذ بجدّية ولا حتى كرسائل أمنية. وفي مناسبات متفرّقة عبّر مسؤولون بامتعاض عن طبيعة علاقة السلفية الجهادية فكريا ولوجيستيكيا بمصادر دعم في بعض بلدان مجلس التعاون. جاء الاجتياح الوهّابي للمغرب في سياق العلاقات المميّزة بين الرباط والرياض. وحينما لم تعد المملكة العربية السعودية نفسها تملك أن تسيطر على تيارات السلفية الكثيرة التنوع والانشقاق، كان من الضروري أن ينتشر هذا الانشقاق في سائر البلدان التي عرفت موجات الاكتساء السّلفي في سياق سياسات مساندة الجهاد الأفغاني وما كان لذلك من ارتدادات أمنية غداة بروز ما عرف يومها بالأفغان العرب. من جهة أخرى يشكل الحقل الرّوحي في المغرب مجالا مهمّة لتعزيز المنظومة الأمنية في نطاق ما يعرف في المغرب بالأمن الرّوحي. وهذه ستظل واحدة من المشكلات التي ستواجهها عضويته داخل مجلس التعاون الخليجي. فعلى الرّغم من تكرار عبارة التقارب في العقيدة الإسلامية بين دول مجلس التعاون الخليجي في أدبيات وتقارير المجلس، فإنّ الأمر هنا يتعلّق بسياسة دينية على طرفي نقيض. إن مشروع هيكلة الحقل الدّيني والسياسات التي تمّ إقرارها على صعيد تعزيز الأمن الروحي الذي كانت من بين نتائجها تمكين الإسلام الصوفي من التغلغل في المؤسسات المعنية، يختلف مع السياسة الدّينية في تلك البلاد. ستكون عضوية المغرب في مجلس التعاون بمثابة فرصة تاريخية أخرى لتدفق التيارات السلفية على المغرب مما يشكل تهديدا أمنيّا للحقل الرّوحي المغربي. وإذا كان المغرب يعتبر خطورة هذا التّيار تتجلّى في طبيعة تفكيره ومواقفه المناهضة لقيم التحديث والانفتاح، فإنّ بلدان المجلس ستعتبر ذلك التّدفق نوعا من تكريس الملاءمة وخلق فرصة للتّجانس الثقافي والدّيني ولن تعتبره مشكلة أمنية إن لم تكن تلك من الأهداف التي سيحرصون عليها. فهذه العضوية تترتب عليها حقوق وواجبات، ليس آخرها فتح الحدود أمام المواطنين وكذا منح حصانة ديبلوماسية للعاملين في مؤسسات المجلس في عواصم الدول الأعضاء. هذا فضلا عن سياسة تسهيل تنقل المواطنين بين دول الدّول الأعضاء في المجلس. فقد تمّ التّوصل إلى عدد من الاتفاقات لتحقيق أسهل وأقصى أنواع الذّهاب والإياب بين مواطني دول المجلس. تكشف وثائق المجلس عن هذا النّوع من السّياسات، حيث : " توصلت الدول الأعضاء إلى اتخاذ العديد من القرارات في هذا المجال الحيوي ، منها:
* الإتفاق على مبدأ تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية . ووفق اتفاقيات ثنائية ، يتنقل المواطنون حالياً بالبطاقة الذكية بين جميع الدول الأعضاء . وقد تم التوقيع مؤخراً ، على البيان المشترك لآلية تنفيذ التنقل بالبطاقة الشخصية (الهوية الوطنية) بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ، حيث بدأ العمل به اعتباراً من 22 أكتوبر 2010 . وبهذا تكتمل حلقة تنقل مواطني دول المجلس بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية (الهوية الوطنية).
* الاتفاق على إصدار الدول الأعضاء الجواز المقروء آلياً لمواطنيها.
* رفع كفاءة العاملين في المنافذ ، والحرص على أن يكونوا على مستوى جيد من التعامل والتأهيل ، وذلك من خلال التدريب المستمر ، مع توفير الخدمات اللازمة في المنافذ لتهيئة الظروف الملائمة لحسن الأداء والتعامل.
* طبقت معظم الدول الأعضاء تسهيل تنقل فئات معينة من المقيمين بين دول المجلس وفق ضوابط وشروط خاصة بكل دولة.
* حث الجهات المسئولة عن المنافذ بين الدول الأعضاء على ضرورة توفير وتطوير الأجهزة الفنية والتقنية في المنافذ تحقيقاً لسرعة إنهاء الإجراءات.
* زيادة عدد مسارات وسائط نقل الركاب للقدوم والمغادرة في مراكز الحدود بحيث تستوعب عدداً كبيراً من وسائط النقل في وقت واحد مما يساعد على انسياب حركة دخولها وخروجها.
* منح سائقي الشاحنات الوطنية التي تحمل بضائع من أي من دول المجلس تأشيرات الدخول من المنافذ دون اشتراط كفيل أو وكيل محلي للمصنع أو المؤسسة أو الشركة المصدرة في الدولة المقصودة .
* إلغاء ختم جوازات مواطني دول المجلس عند المغادرة .
* منح المرافقين لمواطني دول المجلس تأشيرات الدخول من المنافذ بعد التأكد من سريان صلاحية جواز السفر والإقامة .
* منح تأشيرات دخول للزيارة من المنافذ للزوجات الأجنبيات القادمات برفقة أزواجهن من مواطني دول المجلس ، شريطة أن يكون لديهن إقامات سارية المفعول في الدول المقيمات بها.
* تخصيص ممرات لمواطني دول المجلس مزودة بلوحات في جميع المنافذ وذلك لتسهيل إجراءات دخولهم ومغادرتهم.
* قيام كبار المسئولين في الإدارات العامة للجوازات والجمارك بزيارات مفاجئة لبعض المنافذ للوقوف على الأداء والاحتياجات والمتطلبات التي تلزم لحسن الأداء وتطويره.
* وضع استبيانات في جميع المنافذ للعابرين لتدوين انطباعاتهم وتقييمهم للتعامل والأداء في المنفذ ، توضع بعد تعبئتها في صناديق آمنة لتحليلها بين وقت وآخر كجزء من المتابعة والمراقبة . وخاصة في الدول الأعضاء التي لا يوجد لديها مثل ذلك ، أو تواجه مشكلة في العزوف عن العمل فيها.
* وضع حوافز مادية ومعنوية للعاملين في المنافذ ، وخاصة في الدول الأعضاء التي لا يوجد لديها مثل ذلك ، أو تواجه مشكلة في العزوف عن العمل فيها.
* تكثيف الزيارات الميدانية بين العاملين في المنافذ بين الدول الأعضاء للوقوف على الإجراءات والتسهيلات التي تطبقها كل دولة في منافذها كجزء من تبادل الخبرات والتجارب ويمكن تنظيم ذلك من خلال برامج زمنية يتفق عليها.
* نظراً لأهمية المتابعة في تنفيذ هذه القرارات ، تقوم الإدارة العامة للهجرة والجوازات في كل دولة برفع تقارير دورية ، حول تنفيذ هذه التوصيات ، ومستوى الأداء في المنافذ التابعة له بين الدول الأعضاء لوكيل وزارة الداخلية والذي يقوم بدوره بتزويد الأمانة العامة بتقرير شامل ، لطرحه على اجتماعات اللجنة التحضيرية للوقوف على ما قد يكون هناك من صعوبات لتبادل الرأي والاستفادة من التجربة لتسهيل تنفيذها".
من المؤكّد أنّ هذه السياسة القاضية بتسهيل عبور مواطني دول المجلس وتوحيد التعريفة الجمركية وما شابه ذلك، يخدم ويعزّز السوق الخليجية المشتركة. لكن الجانب الأمني المتعلّق بالتّدفق البشري والثقافي في مثال المغرب ، وإن جعلته الجغرافيا أقلّ حدّة من سائر الأعضاء ، إلاّ أن مخاطر خلجنة المغرب قد يكون لها آثار على وضعيته الأمنية. ذلك لأن الشريحة الأكثر استفادة من هذا التّنقل والعبور هي ذات نوعين: النّوع الأول، شريحة راغبة في التّنفيس في إطار السياحة الرخيصة(بمعنييها الأخلاقي والاقتصادي ، لأنّ هؤلاء لا يساهمون في تعزيز القطاع السياحي)، وانعكاسات ذلك على الأخلاق العامة والبنية القيمية للمجتمع المغربي مما بات ملفتا للنّظر. وثمة شريحة أخرى تتعلق بالسياحة الدّعوية للتّيارات السلفية صحويين ومدخليين وأثريين، وسائر ألوان الطّيف السلفي. إن المشهد سيتعزّز بخطرين: (التّعهيير) و(التسليف)، وكلاهما يطرح تحدّيات أمنية على المغرب، لا سيما و أنّ الاندماج في المجلس والتّكيّف مع قراراته ومنجزاته يفرض ترتيبات وتعزيزات لإمكانيات احتواء هذه المشكلات. ومن المؤكّد أنّ فائض القيمة المالية للمجلس من شأنه أن يخفي مخاطر هذا التحّول في الوقت الرّاهن، لكنها تظل مغامرة من السهولة التّكهن بمفاعيلها السّلبية على المدى المتوسط والبعيد. وفي كل الأحوال سيكون المغرب مضطرا إلى إعادة النّظر في سياسته الدّينية أو سيكون مضطرا إلى فرض وجهة نظره لصالح تعديلات يجب أن تطال السياسة الدينية لدول المجلس، وهو أمر مستبعد موضوعيا وفنّيا، لأنّ مسألة الاقتراحات ومسألة إقرارها تخضع لمساطير تجعل مقترحات المغرب مستحيلة التحقق في مجلس يضمّ ستة دول متجانسة هذا فضلا على أهمية النفوذ المالي والدّيني للملكة العربية السعودية على سائر الأعضاء. إن التناقض الأمني في نطاق الأمن الرّوحي بين المملكتين يتعلق بتناقض موضوعي تخفيه العلاقات المميّزة بين الدّولتين. وإذا كان الحقل الدّيني في معظم دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا السعودية يشكل شاغلا ثانويّا، فإنّ الأمر مختلف تماما بالنسبة للمغرب. فإذا ما تم انضمام هذا الأخير إلى المجلس فسيكون هناك شكل من أشكال التنافس إن لم نقل الحرب الباردة الدّينية داخل المجلس بين دولتين يحتل الحقل الديني فيهما مكانة استراتيجية. وهذه مسألة تقتضي على الأقل نظرة خاصة في إطار مجمل ما ينبغي تكييفه من بنود ومساطير المجلس.
التزامات المغرب ومكتسباته
بالنّظر إلى مكتسبات المغرب السياسية ، ستفرض هذه العضوية على المغرب شيئا من الفصام السياسي، والإحراجات سواء أمام الرأي العام الوطني أو الخارجي. هذا في حال ما إذا لم تسبق دعوته المغرب إلى الانضمام إلى النّادي الخليجي دينامية جريئة تستهدف بنود وقوانين والتّصوّر العام لسياساته وعقيدته الأمنية. وكان أريح وأولوى لو ظل التعاون خارج الترسيم كما كان دائما بين المغرب وهذه الدول، لكن في ترسيمه الكثير من الإحراج، وهي مغامرة ليست لدول التعاون بل للمغرب بالدّجة الأولى. صحيح أن المغرب ليس غنيا وهو البلد العربي الوحيد غير العضو في النادي النفطي، لكنه غني بموارده الطبيعية الأخرى والبشرية وقويّ بتاريخه ورمزيته وخصوصيته. وإذا لم يكن بورديو مقروءا جيّدا في مجلس التعاون، لكنه قد يفيد بأن ثمة رأسمال رمزي لا يقل أهمية عن الرأسمال المادي. وفي مثل هذه الحالة وجب القول: كيف يمكن أن ينعقد تحالف بين الرأسمال الرمزي والرأسمال المادي هنا لا سيما إذا كان أهم ما في هذا الرأسمال الرمزي يناقض منطق ترييع وتنفيط السياسات. سيكون عمر هذه السياسات عمر هذا النفط الآخذ في النضوب والانقراض. إذن ، حتى وفق الحساب الموضوعي للموارد الطبيعية، هي حتما سياسات لا مستقبل لها. يوجد في المغرب مسار ديمقراطي وجب استكماله ويخضع لرقابة من الرأي العام الدّاخلي والخارجي. وشكل مكسبا أساسيا إن لم نقل المكسب الرئيسي للمغرب إزاء المنظم الدولي، كما انعكس على وضعيته الأمنية من خلال الطريقة السلسة التي واجه بها رياح الاحتجاجات الأخيرة. فالاحتجاجات في المغرب أخذت منحى استثنائيا في المحيط العربي نتيجة تراكمات على مستوى الإنجازات والثقافة السياسية. وقد جاءت الاستجابة لتلك المطالب بما يفوق المتوقع على اعتبارها كانت استجابة في طريق التحقق بموجب الانتقال الديمقراطي حتى من دون الحاجة إلى الاحتجاج. فالمغرب يسلك وهو مطالب بحكم وضعيته الاستثنائية بأن يعدد من مقارباته لشؤونه حتى لا تصبح المقاربة الأمنية لمشكلاته وحدها المهيمن على المشهد. تفرض مكتسبات المغرب السياسية عليه استحقاقات أمام الرأي العام المغربي شديد الحساسية وذو تاريخ مطلبي طويل وأمام الرأي العام الدولي ومؤسساته المدنية والرسمية. فاختيارات المغرب السياسية ستشكل ليس استثناءا داخل مجلس يروم أصحابه إلى خلق تجانس أمني على مستوى المفاهيم والاستراتيجيات، بل سيكون معرضا لإحراجات كثيرة. وليس بعيدا أن المجلس اليوم تورّط بصورة غير قابلة للتبرير أمام الرأي العام العالمي بما فيه الرأي العام الخليجي نفسه في قضية البحرين. ذلك لأن المسألة فاقت المساندة الأمنية في نطاق الدعم والتنسيق بل تعدت إلى عبور درع الجزيرة إلى المنامة في سياق قمع شعب إحدى الدول الأعضاء في المجلس والتعامل معه كما لو كان شعبا أجنبيا. وبكل المقاييس التي ستظهر تداعياتها بعد فترة ، سجلت خروقات لكل الأعراف الإقليمية والدولية، واستعمل فيها أقصى أنواع العنف ضد المواطنين . في حين ، كانت تلك المطالب التي رفعها الشعب البحريني نفسها المطالب التي رفعت في دول مجلس التعاون الأخرى، وهي في كل الأحوال مطالب من شأنها أن تجعل مثل هذه الدول شبيهة بالمغرب. فالبحارنة طالبوا بملكية دستورية وتكريس الديمقراطية ومطالب أخرى لم يعد يتعاطى معها المغرب بحساسية أمنية مفرطة. هذا مع أن البحرين استلهمت النموذج المغربي في سياق تحولها من إمارة إلى ملكية، حتى أنّ السيد عبد اللطيف المنوني المشرف اليوم على رأس لجنة التعديل الدستوري في المغرب شارك سنة 2001 في أشغال اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور بإمارة البحرين. لكنها فشلت في استلهام الطريقة المغربية في احتواء مطالب الشّارع. باعتماد المقاربة الأمنية أسلوبا وحيدا في مواجهة الحراك الاجتماعي وإقحام درع الجزيرة في الشّأن الدّاخلي البحريني، والارتداد إلى عهد سياسات هندرسون القمعية ، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية في مستقبل البحرين وعموم دول المجلس. لقد دشّن مجلس التعاون الخليجي عهدا جديدا في التعاطي مع قضاياه من خلال تكريس فتوى تحرّم الاحتجاج والتظاهر باعتبارهما يتناقضان مع الأعراف والتقاليد المحلية. هذا في حين يعتبر الاحتجاج من الحقوق التي جعلت الشارع المغربي تحول خلال السنوات الأخيرة يشهد احتجاجات دائمة أشبه بطقس يومي. وبينما يجري النقاش اليوم في المغرب حول دسترة الكثير من المطالب في اتجاه إقرار ملكية دستورية حقيقية، فإنّ المجلس سجّل تطورا كبيرا في تعزيز مقارباته الأمنية.
مجلس التّعاون والقوّة الإعلامية
يوجد إعلام كبير (وليس قويّا) في دول المجلس، لكن ينقصه التّجانس. الأمر لا علاقة له هنا بالحرب الباردة التي حدثت أكثر من مرّة بين القناة القطرية" الجزيرة" والقناة السعودية " العربية". في الأصل لم تنشأ العربية لتعزّز الإعلام الخليجي ، بل جاءت لتنازع الجزيرة مكانتها ورمزيتها؛ أجل ، الأمر هنا يتعلّق أيضا بالتجانس الإعلامي داخل القطر الواحد. فهناك في القطر الواحد إعلامان: إعلام للدّاخل وإعلام للخارج. مثلا ، الباقة التي تشمل ال(mbc1 ; mbc2 ; mbc3 ; mbc4) وغيرها من القنوات السعودية ، هي ضمن مشاريع تقع في صلب الاستراتيجيا الإعلامية للمملكة. لكنها لا تجد فضاء داخل المملكة، إذ تبث اليوم من دبي بعد أن كانت تبثّ من لندن. وأي مقارنة بين قناة العربية والقنوات الرسمية الأخرى يظهر حجم الفارق وعدم التّجانس في السياسة الإعلامية الخاصة بأقطار مجلس التعاون. والأمر نفسه لو قارنّا بين قناة الجزيرة والقناة القطرية الوطنية ، سنكتشف فصاما نكدا في السياسة الإعلامية في البلاد الخليجية. إذا كانت الدّولة العضو غير قادرة على خلق تجانس في سياستها الإعلامية الخاصّة ، كيف يمكن الحديث عن تجانس في السياسة الإعلامية بين دول المجلس؟! وهذا يؤكّد على أن المطلوب ليس هو الدّاخل بل هو الخارج. فالإعلام هنا لا يعني الاندماج في مخطط تنموي بل هو أداة دعاية ومواجهة، أي أنه يقع ضمن استراتيجيا أمنية ملحقة بالسّياسة الخارجية واستراتيجيا الدّفاع المشترك. وعلى هذا الأساس فقط نستطيع أن نفهم أغراض العمل الإعلامي المشترك بين دول مجلس التعاون . ولأهمية الموضوع لا بدّ من استعراض هذه الأغراض كما جاء في وثائق المجلس. فالعمل الإعلامي المشترك هنا يهدف إلى:
* وضع أنظمة متماثلة في المجالات الإعلامية، تراعي الأهداف الأساسية لمجلس التعاون في مجالات الإذاعة ، والتلفزيون ، والصحافة ، ووكالات الأنباء ، والمطبوعات ، والإعلام الخارجي.
* توثيق التنسيق والترابط بين المؤسسات الإعلامية بما يساهم في تحقيقها لأهدافها ومسؤولياتها تجاه المواطن ودول المجلس بشكل اشمل ، وتسخير جهدها وإنتاجها الإعلامي للمصلحة المشتركة.
* تعميق الإيمان بدور مجلس التعاون لدى المواطنين من خلال تزويد أجهزة الإعلام بالمعلومات الدقيقة والسريعة عن مسيرة العمل المشترك.
* تحقيق المواطنة في مجال العمل الإعلامي، سواء من خلال المساواة بتوفير فرص العمل الإعلامي لمواطني دول المجلس في الدول الأعضاء الأخرى ، أو من خلال السماح بممارسة العمل الإعلامي التجاري الذي يدخل ضمن مفهوم النشاط الاقتصادي".
وفي هذا الإطار تمّ تحقيق بعض المنجزات من جملتها: الإستراتيجية الإعلامية؛ إذ : " قرر المجلس الأعلى في دورته التاسعة والعشرين (مسقط ، ديسمبر 2009) إعداد إستراتيجية للعمل الإعلامي المشترك بين دول المجلس على مدى السنوات العشر القادمة ، وبارك المجلس مقترح المملكة العربية السعودية بإعداد مسودة الإستراتيجية . وقد قامت المملكة العربية السعودية مشكورة بإعداد المسودة ، وتولت الأمانة العامة تعميمها على الدول الأعضاء لإبداء مرئياتهم ، ومن ثم عقد حلقة نقاشية لمراجعة هذه المرئيات ، تمهيداً لعرض مشروع الإستراتيجية على وزارات الإعلام للموافقة عليها ، ورفعها للمجس الأعلى لإعتمادها ، وسوف يعرض مشروع الإستراتيجية على الاجتماع الثامن عشر لوزراء الإعلام المقرر عقده خلال شهر نوفمبر 2010م لمناقشته تمهيداً لإقراره".
الإعلام سلطة حينما يكون مهنيّا
إحدى وسائل استقواء الكتلة الخليجية هو الشبكة الإعلامية الممتدّة والمنتشرة. ويوجد مع ذلك سوء تمييز بين المهنية والحدّ المطلوب من الموضوعية وبين امتلاك إمكانيات جلب آخر تقنيات البثّ وشكلانية العمل الإعلامي. لقد أظهر الإعلام الخليجي قدرة كبيرة على التأثير والتفوق على الإعلام الرسمي لعموم البلدان العربية. لكنه إعلام لم يستغن عن الخبرات العربية الفنية والأدائية. وهذا لا يكفي في أي مواجهة جادّة ضد قوى الممانعة. ذلك لأننا جربنا كيف أن إعلام قطر هزم إعلام المملكة العربية السعودية في كل من الثورتين التونسية والمصرية. وكان بالإمكان أن يحدث الأمر نفسه في مثال البحرين لو اختلفت السّياسة القطرية عن نظيراتها حيال المسألة البحرينية. ولم تشهد الجزيرة نفسها انسحابات جماعية أكثر مما شهدتها غداة دخولها على خط الأحداث السّورية. ويمكن أن يحدث اضطراب أكبر من ذلك لو اندمجت الجزيرة في اندماج كامل مع السياسة الإعلامية للمجلس. وهذا يؤكد مسألة أساسية، ألا وهي أنّ العنصر المهم الذي مكّن قناة الجزيرة أن تنتصر على قناة العربية في مثال الثورتين التونسية والمصرية ، ليس إمكاناتها الفنية واللوجيستية ، بل لأن الجزيرة تبنت قضية يؤمن بها الشارع العربي. ومثل هذا الإعلام إذا ما ظهرت ملامحه جيدا وأصبح في الجبهة المناهضة للممانعة ، فحتما سيخسر الشارع العربي ويخسر المصداقية ويتراجع النفوذ الإعلامي الخليجي بصورة دراماتيكية. تذكر أن مثل هذه المحاولات والخطط لا تجري في مناخ تغيب فيه قوى الممانعة. فالطرف الآخر يملك أن يلعب بالكثير من الأوراق واستثمارها بشكل مفاجئ. ويبدو أن تجربة الإعلام الخليجي في تغطية الثورات العربية كان قد قرئ بصورة خاطئة وملتبسة. صحيح أن الجماهير يستميلها اللامعقول. وتلك حكاية صحيحة تستحضرها تقنية الصورة والإعلام. لكن ما يجب فهمه هنا أن لاعقلانية الجماهير هي محدّدة في اتجاه النزوع إلى التمرد. ولاعقلانية الجماهير وسيكولوجيتهم تستهويها لغة النضالات والكفاح والثورات ولا يمكن أن تكون لاعقلانية تنزع إلى السياسة المحافظة وثقافة الريع. وحتى هنا تستطيع الممانعة أن تؤكد تفوقها في هذا المجال، لأن الإعلام الخليجي نفسه لم يحقق نجاحه إلا بتبني القضايا العربية، أي بتبني شعارات الممانعة نفسها. إن دول الخليج تستطيع أن تصنع إعلاما أكثر تحررا في الخارج ، لكنها غير مستعدة لمثل هذا الإعلام في الداخل.
أسئلة الإعلام في المغرب
بالنسبة إلى المغرب يختلف وضع الإعلام فيه عن دول الخليج مما يحعل مواءمة قانون الصحافة بين هذه الدول والمغرب أمر غاية في الحرج. ويمكن أن نتنبّأ بالممكن إنجازه في هذا الإطار، ألا وهو إرساء سياسة تعويضية من خلال خلق واقع إعلامي بموجبه يكون المغرب متنفسا إعلاميا للخليج. أي إعادة توزيع الخريطة الإعلامية نفسها على مدى أوسع، من خلال استحداث قنوات تابعة للمجلس أو بعض أعضائه في المغرب . ولا ننسى أنه يجري اليوم في المغرب نقاش عميق حول المسألة الإعلامية. وتعتبر جملة الأحداث التي جرت وتجري بين الدّولة والصحافة الحرّة جزء من مخاض مغرب متغيّر. ثمة هامش من الحرية تفوّق فيه المغرب على سائر الدّول العربية. فالصحافة المستقّلة استطاعت أن تتناول كل التّابوهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمثّل الإعلام في المغرب قضية ذات صلة كبيرة بالمسار الديمقراطي للبلاد. وهو يناضل من أجل أن يؤدّي دوره في تمكين المواطن من الحقيقة من منطلق الحق في بلوغ المعلومة. إن وضعية المغرب الإعلامية متقدّمة جدّا بالمقارنة مع ما يجري في الإعلام الدّاخلي لدول المجلس على مستوى حرّية التعبير. وحينما نتحدث عن خلق تجانس واتفاق على سياسات إعلامية، فمثل هذا سيشكل حرجا كبيرا على المغرب، بل تراجعا على المكتسبات. كيف لا ، ونحن في المغرب نتحدّث عن ضرورة إنشاء مجلس أعلى للإعلام ، حتى لا يكون للإعلام سياسة أو صلة بالحكومة بل لا شيء يلزمه سوى الميثاق الأخلاقي للمهنة.
تغيير استراتيجيا المجلس أوّلا
لنعتبر هذه المقترحات بروفة تعكس المنتظر من مجلس التعاون الخليجي إن قرّر المغرب أن يصبح من أعضائه. أي أنّ الرّقابة على أدائه ستصبح حقيقية حينما يتعلّق الأمر بعضو يتمتّع بتقاليد ديمقراطية مختلفة وبمجتمع يسلك على مسار ديمقراطي لا رجعة فيه. وكمواطن مفترض من مواطني دول المجلس ، بل نتمنّى أن نكون كذلك حتّى نستطيع أن ندلي بدلونا عن قرب فلا يقال حينئذ أنّنا نتدخّل في الشؤون الدّاخلية لدول المجلس، أقول ابتداء إنّ الأسس والمعايير والعقيدة الأمنية التي نهض عليها مجلس التّعاون الخليجي مع أنها ظلّت محكومة بهاجس وتداعيات حروب الخليج المتتالية، لم تعد مقنعة في ضوء التّحولات الجذرية التي يخضع لها المجال العربي. فالحديث عن الرّوابط الاجتماعية والثّقافية هي أقرب إلى المعنى بين دول المجلس وجيرانهم. بينما تختزل الرّوابط هنا في جانبها السّياسي. حيث يخشى دول المجلس أن يبتعد المغرب بعيدا في ضوء التغييرات التي يجريها على نظامه والتي اعتبرها المستشار الملكي في خطابه للأحزاب السياسية بأنها تغييرات تمسّ بنية النّظام. وهي الجرأة التي يصعب هضمها في الثقافة السياسية لدول المجلس. وحتّى لا ننسى، فحينما احتل صدام الكويت، كان الرأي العام المغربي بخلاف الموقف الرّسمي، في صفّ صدام. ولم يكن لصدام أن ينال تلك الشعبية لولا احتلاله للكويت. لقد كانت يوميات احتلال صدّام للكويت بمثابة أعياد مليئة بالأفراح. وقد هفت القلوب لكي تمتدّ أرتال صدّام لاحتلال المملكة السعودية وسائر ما يعرف اليوم بدول مجلس التعاون ومحور الاعتدال العربي. كان كاتب السطور ربما من بين نزر قليل ممن لم يشاركوا العموم إحساسهم هذا. لقد قرأ فيها الجمهور المغربي شكلا من الانتقام: انتقام صدام لهذه المجتمعات من خليج كرّس عن نفسه صورة أنه نفط فقط. لا بل كرّس عن نفسه صورة نمطية عن علاقة النّفط بالهزيمة والقواعد العسكرية الأجنبية والفساد. إذا كان النّادي النفطي يجد من حقّه أن يتشبّث بمكتسباته الرّيعية، فالإحساس نفسه بالنّسبة لمجتمعات لا يمكنها أن تفرّط في رأسمالها الرمزي، لأنّه هو التعويض الطبيعي بتعبير بورديو عن افتقادها للرأسمال المادّي. لن تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي أن تغير الواقع الجغرافي والتّاريخي لأصغر دولة في المنطقة، فكيف تستطيع أن تفعل ذلك مع إيران. فإذا كانت إيران حقيقة تاريخية وجغرافية لن تتزحزح في الزمان والمكان، فالمطلوب من أيّ استراتيجيا جادّة وعميقة أن تكون استجابة لمنطق التّاريخ والجغرافيا والمصير المشترك. وبتعبير عامّي ، فإنّ التناطح الأمني مع بلد مثل إيران لا يمكن إلاّ أن يكون فاشلا. كما أنّ أضراره على المنطقة وعلى دول المجلس تكون دائما مضاعفة. وكانت هناك فرص كثيرة بإمكانها أن تحرر الوعي واللاّوعي في هذه المنطقة من ذهان الإيرانوفوبيا الذي يشكّل داء مزمنا في نفسانية مجلس التعاون الخليجي. وسبّب الكثير من الجمود السياسي والدبلوماسي، كما فوّت الكثير من المصالح على بلدان الجوار. من الممكن أن يتخلّى مجلس التعاون عن كل بنوده ويجعلها تنهدم لصالح مرتكزات ومنطلقات جديدة ، بدل أن يراهن على مصير غامض من علاقة متوترة يمكن احتواؤها بتغيير المرتكزات الفكرية والسياسية والاستراتيجية. على أساس هذا التغيير في استراتيجيا المجلس يمكن أن تتغير معالم المنطقة ويمكن أن يساهم ذلك في اختفاء هذه الهواجس. وحينما تفعل دول المجلس كل هذا سيصبح وضعها أكثر إقناعا للمجتمعات العربية ، لا سيما حينما تتبنّى موقفا ممانعا من داخل منطقة الاعتدال. الأمر لا يتطلّب الخروج من الاعتدال إلى الممانعة إذا كان للأمر عناوين أخرى تتحكّم بالاصطفافات، فلنتحدّث إذن عن تكامل أدوار بين الاعتدال والممانعة قوامها إحياء التّضامن العربي وفق حدّ أدنى من المصلحة العربية. ذلك لأنّ دول الاعتدال العربي ستكون في حاجة إلى مساندة الممانعة والعكس كذلك. وفي غياب هذا القدر من التكامل يمكن الحديث عن انقسام عميق في الجسم العربي، وهو ما ينعكس على الطرفين معا عند المنعطفات الصّعبة. لن يكون في وسع المجلس مهما استعمل نفوذه النفطي أن يظل على وضعيته الحالية إزاء جملة من الاستحقاقات والمطالب لا سيما تلك التي تتعلق بقضايا المواطنة وحرية التعبير والتعددية والديمقراطية. ولا توجد اليوم أي خصوصية تمنع من وجود دساتير تقر بالحد الأدنى من حقوق المواطنة ولا يوجد شيء مقنع في كل هذه المناورات التي تقوم بها دول مجلس التعاون، إذ ثمة انعدام ثقة كاملة بين هذه الدول والمجتمعات العربية. إذا كان الحديث اليوم في وسائل الإعلام الدولية والعربية هو أن دول الممانعة هي نظم استبدادية وعنيفة ضد مجتمعاتها، فإن دول الخليج لا تمتاز لا بالممانعة ولا بالديمقراطية. فلا توجد في هذه الدول دساتير حقيقية تحيل على أعراف ديمقراطية. كما لا توجد فيها حرية تعبير أو تعددية مدسترة كما أنّ وضعية المرأة فيها مزرية ويوجد لا برلمان ولا انتخابات ولا حقوق إنسان. يحتاج مجلس التّعاون أن يفكر في مشروع إصلاحات حقيقية في سياساته وقوانينه ودساتيره حسب الوتيرة الموضوعية لذلك. لا يوجد قدر يحول دون تحوّل بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى دول ديمقراطية. ولا يوجد أي خطر في ذلك على استقرار هذه الدول والمجتمعات. وحينما تحوّلت بعض دول المجلس إلى نظام ملكي ، حسب ذلك نهاية الرّهان ونوعا من الطفرة الشكلانية في اعتقاد خاطئ بأنّ الملكيات تمأسس الجمود وغير قابلة للتّطور. وربما لم يلتفتوا جدّيّا إلى أن الملكية استحقاق تاريخي مطالب هو الآخر باستجابات أكثر جرأة من غيره لمطالب مستدامة. فهي نظام متطور وليست نظاما جامدا. فالملكيات أو الجمهوريات، اختيارات تاريخية للشعوب والمجتمعات لا يغنيان عن مطلب الديمقراطية. إنّ الإصرار على الاستثناء الخليجي كذريعة للتّنكّر لأبسط حقوق المواطنة لن يستمرّ طويلا. كما أنّ لعبة التغطية الرّيعية لنواقص السياسة هناك لن يستمر هو الآخر ، كما باتت مؤشراته واضحة من صور الاحتجاجات التي تجتاح الشارع الخليجي هذه الأيّام. فكثيرة هي الدّول الخليجية التي لا تتوفّر على دساتير حقيقية بالمعايير الكونية يجب أن تغامر هاهنا بدلا من أن تغامر في سياسات إقليمية أكبر من مقدّراتها البشرية والعسكرية. يمكن لهذه البلدان أن تصبح نموذجية وقويّة باستقرارها المبني على أصول الاستقرار السياسي المرتكز على دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان. إنّنا نريد أن نرتبط مع هذه المجتمعات رباط أخوّة لا أن نصبح جزء من آلة قمع لهذه الشعوب التي تعيش على مفارقة تخمة الحياة المادية وشظف العيش السيّاسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.