شكلت جنانات أكدال ومنتزهاته الباذخة واحدة من أروع ما خلفه الموحدون المصامدة بمدينة مراكش. فلأكثر من ثمانية قرون من الزمن، ماتزال الحدائق والرياضات تحيط بالصهاريج ذات التصاميم الأندلسية والأبراج، والعرائش الممدودة على أكثر من خسمائة هكتار، ماتزال تحتضن الأسرار وفضاءات الفرح وألوان الاحتفال والحب وطقوس جلسات الوافدين من عامة الشعب ومن الصناع والحرفيين واحتفالات النساء والأطفال في الصبحيات والأماسي. ماتزال كل الرياحين والأطيار والأحياء الصغيرة والفراش والهوام تتخذ من أكدال وطنا لها ولأسلافها. هذا الفضاء الذي قاوم عوادي الزمن، وحافظ على تألقه وأهدى أنسامه وعطور أزهاره وشدو أطياره لكل الناس من الملوك والأمراء وعوائلهم الى العبيد والحزانى والمكلومين ولعشاق الطرب والتنزه من عامة الشعب، أهداهم كل ما يختزن، وظل يستقبل الوافدين ويؤدي ثمن زيارتهم له، وبفعل هذا الكرم ناله الكثير من الأذى وتلاشت الكثير من معالمه الأثرية. فمداخله وممرات الولوج الى صهاريجه، وكثير من أساسات الجدران وأعاليها وسقوف الأبراج والصابات طالها ضرر بالغ، وأصبح من الضروري و اللازم القيام والتصدي لهذا الوضع. ومن حسن الحظ الآن قيام أطراف متخصصة في تأهيل المجالات التاريخية والحضارية الحاملة لهذا الصنف من الثقافة المرتبطة بالحدائق والمنتزهات قيامها بمبادرة تهدف بالأساس الى إعادة الاعتبار لمخزون هذه المعلمة والشروع في إيجاد السبل الكفيلة بإبراز وتثمين ما يضمه أكدال من تراث طبيعي وثقافي وبيئي، ولهذا تم التوقيع يوم الخميس 9 يونيه على اتفاقية خاصة بتحديد سبل وشروط انجاز مشروع إعداد وتهيئة حدائق أكدال بمدينة مراكش. وتتشكل أطراف هذه الاتفاقية من مؤسسة الثقافة الإسلامية FUNCI الاسبانية والمعهد الوطني للبحث الزراعي المغربي والجماعة الحضرية مشور القصبة وجهة مراكش تانسيفت الحوز، وتم التوقيع بحضور الاستاذ محمد الفايز المختص في تاريخ الفكر الاقتصادي وصاحب مؤلفات قيمة عالجت الوضع البيئي والحدائق التاريخية بمراكش، وتنص هذه الاتفاقية على: - إنجاز دراسة أولية علمية وتاريخية للحدائق؛ - بلورة تصور لمشروع إعداد الغطاء النباتي وتهيئة المشروع؛ - بلورة تصور لمشروع تدبير سياحي واقتصادي مستدام للموقع. هذا وسيقوم الباحثون المختصون في كل من المعهد الوطني للبحث الزراعي ومؤسسة الثقافة الاسلامية FUNCI الاسبانية بانجاز الدراسات ووضع المشاريع، ويتكفل المعهدان بتمويل تلك الدراسات والبحوث العلمية. وقد وقع رؤساء ومديرو هذه المؤسسات الأربع على النص الأول لهذه الاتفاقيات، وتبقى مدة سنة للإعداد يتم بعدها الشروع في تنفيذ ما تم وضعه والاتفاق حوله. وفي انتظار أن يتم انجاز هذه الاتفاقية الهامة والتي من شأنها أن تساهم في خلق شروط تنمية مستديمة لحدائق أكدال سيكون من واجب الواجبات أيضا العمل على إنقاذ وتهيئة العديد من الفضاءات الخضراء والحدائق التاريخية سواء بمراكش أو بجهتها.