فرضت جائحة كورونا انتشار مفهوم "التطبيب عن بعد" الذي أصبح يخضع لمقتضيات جديدة بعد صدور مرسوم 2.20.675 في الجريدة الرسمية عدد 6957، الذي تمت بموجبه مراجعة بعض بنود المرسوم رقم 2.18.378 الصادر سنة 2018. وقال الدكتور بدرالدين الدسولي، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص إنه "لا يزال الوقت مبكرا للحديث عن نجاح أو فشل ‘التطبيب عن بعد' في المغرب، على اعتباره تجربة جديدة دخلت في السنوات الأخيرة على الخط، وكان الهدف منها استقطاب المرضى بالأساس". وأشار بدرالدين الدسولي في تصريح لجريدة بيان اليوم إلى أن "جائحة كوفيد 19 فرضت ‘الطب عن بعد' كآلية تكميلية لتتبع المرضى ولا يمكن تطبيقه على الجميع؛ بمعنى أن هذه العملية يجب ألا تتوقف عند تشخيص الأعراض بل يجب التأكد من صحة المريض عن طريق تشخيص سريري حيث لا يمكن معالجة المرضى بالاعتماد فقط على الأعراض". وأكد الدسولي على أن "التشخيص عن بعد لا يمكن أن يعوض السريري، نظرا للأخطاء في التشخيص الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير محمودة، وبالتالي يجب أن يكون هناك حذر". وشدد رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص، على ضرورة احترام أخلاقيات مهنة الطب مع أن وسيلة ممارستها اختلفت، مضيفا "نحن بحاجة لطب عن بعد، من أجل التحسيس والوقاية، في حدود احترام القانون وأخلاقيات المهنة، وإلا قد نصبح أمام أهداف تجارية أو اقتصادية، مما يستدعي تدخل وزارة الصحة والجهات الوصية لضبط عملية التطبيب عن بعد". وأشار المتحدث ذاته أيضا إلى أن "استغلال العديد من مهنيي القطاع خلال فترة الجائحة لوسائل التواصل الاجتماعي والظهور على منصات فيسوك وانستغرام تحت ذريعة التحسيس والتوعية تحول إلى تجارة إلكترونية، وهذا لا يشرف المهنة". وفي السياق ذاته، قال الدكتور لحنش شراف، المنسق الوطني للتنسيقية الوطنية للأطباء العاملين في القطاع الخاص "إن الحديث عن حصيلة عملية ‘التطبيب عن بعد'، يجب أن يكون مقرونا بالممارسة أولا، والتقنين ثانيا"، مشيرا إلى أنه في ظل غياب هذين المعطيين "لا أظن أن بإمكاننا الحديث عن حصيلة، رغم أن الأشهر الأولى عرفت استشارات طبية عبر الهاتف بخصوص بعض الاختصاصات، بيد أنه ليس منظما لدرجة أن يشكل منطلقا يتم البناء عليه". وأشار شراف لحنش في تصريح لجريدة بيان اليوم إلى أن "جائحة كورونا كشفت عن ضرورة العمل على بناء نظام صحي شامل ومتكامل، فمنظور ‘الطب عن بعد' يرتكز في فلسفته على طب قائم بذاته، بمقومات بشرية ولوجستية معينة، تروم استكمال بعض النواقص التي يستحيل تعويضها عن طريق الممارسة الاعتيادية، من الاستشارة الحضورية إلى الكشف، ووصولا إلى التشخيص، وبالتالي وصف الدواء". وأفاد لحنش أن هذه المراحل تبقى أساسية، "ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها تحت أي ظرف فالأجدر أن نستعد لمواجهة أزمات صحية طارئة كالتي نحن بصددها عن طريق تهييء ظروف اشتغال مناسبة بدل التفكير في تعويض الاستشارة الطبية الاعتيادية بالتطبيب عن بعد"، موضحا أن هذه "الممارسة تكميلية فقط ولجوئنا إليها ينبغي أن يتم وفق ضوابط علمية وقانونية، وليس تحت ظرف طوارئ صحية التي وجب التهييئ لها في إطار منظومة صحية واضحة المعالم تساير المعايير العالمية". وزاد المنسق الوطني للتنسيقية الوطنية للأطباء العاملين في القطاع الخاص موضحا لبيان اليوم، أن "استفهامات جدية تطرح بخصوص كيفية تحديد وتفادي الأخطاء الطبية، والنتائج المترتبة عنها، ومدى خطورتها وتأثيرها على صحة الشخص الباحث عن العلاج، لهذا فالاستفادة من التجارب الدولية السباقة إلى ممارسة الطب عن بعد تبقى ضرورية وأساسية لتفادي أخطاء قد تكون قاتلة لكن حتى هاته التجارب يجب ملائمتها مع منظومتنا الصحية وثقافتنا وهويتنا وأعرافنا". واستطرد المتحدث ذاته في القول إنه من أجل "كل هذا نقول نعم للتقنيات والمفاهيم الجديدة لكن دون إغفال التنزيل الأمثل للمنظومة الشمولية من تغطية صحية شاملة إلى القطع مع الممارسة اللاقانونية للطب وصولا إلى سياسات صحية ملائمة تنبني على جعل الصحة حقا دستوريا بامتياز". واعتبر لحنش شراف أنه "لا يمكن تخيل ممارسة طبية لا تواكب العصر والتكنولوجيا الحديثة، لهذا فبلادنا مطالبة ببدل مزيد من الجهد في مساندة البحث والابتكار العلمي في المجال الطبي"، منبها إلى أن هذا "المعطى يبقى أساسيا لمواكبة الطب التقليدي ولممارسة ‘الطب عن بعد'، والذي يتطلب اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة التي توفر عديد المقومات التي يمكن عبرها التقليل من المشاكل التي يمكن أن تترتب عن هاته الممارسة الحديثة". جدير بالذكر أن مزاولة الطب عن بعد بالمغرب تخضع لأحكام القانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة الطب، وخصوصا المادة 99 منه، ومراسيمه التطبيقية. ويراد من الطب عن بعد إتاحة عرض العلاجات والخدمات الصحية عن طريق استخدام التكنولوجيات الإلكترونية للاتصالات، بغرض التشخيص أو العلاج أو متابعة المرضى.