سبق لوزارة الثقافة والشباب والرياضة أن دعت، عبر بلاغ لها بداية شهر مارس من السنة الجارية، على عهد الوزير السابق حسن عبيابة، إلى ضرورة توقيف كل الأنشطة الثقافية والفنية والمهرجانات ومنع جميع التظاهرات التي يشارك فيها 1000 شخص فما فوق من المقيمين في التراب الوطني في حالة إقامتها بأماكن مغلقة أو محددة كخطوة إجرائية احترازية تنفيذا للقرارات الحكومية ذات الصبغة الاستعجالية لمواجهة الوضع الاستثنائي المتعلق بخطر تفشي فيروس (كوفيد 19) على مستوى التراب الوطني، بالإضافة إلى منع جميع التظاهرات التي يشارك فيها أشخاص قادمون من الخارج، بما فيها المحاضرات واللقاءات الثقافية والرياضية كيفما كان نوعها، وأضاف بلاغ وزارة الثقافة والشباب والرياضة أن هذه الإجراءات تشمل أيضا منع كل المهرجانات باستثناء المواسم، مشيرا إلى أنه يمكن إقامة اللقاءات الرياضية الوطنية وكذا اللقاءات بين الفرق الرياضية الوطنية ونظيرتها الأجنبية شريطة أن يتم ذلك بدون جمهور. وتلاه إعلان وزارة الداخلية لحالة الطوارئ الصحية والتي قضت بتقييد الحركة في البلاد كوسيلة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وشدد بلاغ الداخلية على أن حالة الطوارئ الصحية لا تعني وقف عجلة الاقتصاد، ولكن اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة وفق حالات محددة ذكرت بالتفصيل في نفس البلاغ، على المستوى الثقافي والفني تم توقيف كل المهرجانات والعروض الفنية والملتقيات وغيرها من الأنشطة التي تخلق حركية ثقافية في البلاد وتساهم في خلق فرص شغل للفنانين المغاربة ويزدهر بها الاقتصاد الوطني، امتثل الفنان المغربي شأنه شأن باقي المواطنين إلى تعليمات الدولة، التزم بالحجر الصحي وساهم في التوعية بخطورة وباء كورونا عبر مختلف الوسائط الإعلامية، وفي وقت غير بعيد عن إعلان حالة الطوارئ في البلاد عبرت مجموعة من الهيآت المهنية الفنية عن سخط كبير ورفض تام للطريقة التي كان الوزير حسن عبيابة يسير بها قطاع الثقافة والشباب والرياضة ووصفوها بالعشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات والمواقف اتجاه بعض الهيآت المهنية دون غيرها، بالإضافة إلى التماطل في صرف مستحقات الفنانين والمؤسسات الفنية من دعم 2019، ونحن ملتزمون بالحجر الصحي، نتابع نشرات الأخبار من منازلنا وننتظر تقرير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة للحالة الوبائية اليومية ببلادنا، بثت القناة الأولى يوم 7 أبريل 2020 مباشرة من القصر الملكي بالدار البيضاء مراسيم تعيين الملك محمد السادس لعثمان الفردوس وزيرا للثقافة والشباب والرياضة خلفا للحسن عبيابة، وفور توليه حقيبة وزارة الثقافة والشباب والرياضة باشر الوزير الجديد مهامه وكانت أول خطوة قام بها هي الأمر بصرف الدعم المالي المخصص لقطاع الثقافة والاتصال، وبعدها شهدت المديريات الجهوية والإقليمية للثقافة بمختلف ربوع المملكة حركية رقمية بإطلاق مجموعة من الأنشطة الثقافية – عن بعد – من خلال تنظيم ندوات فكرية وورشات تكوينية، وبدأنا نلاحظ حركية رقمية على صفحات الفايسبوك الخاصة بالثقافة وبالشباب والرياضة، مسابقات هنا وهناك وجوائز تحفيزية للأطفال والشباب في الموسيقى والتصوير الفوتوغرافي وغيره من الأنشطة الفايسبوكية التي كان يشرف عليها الوزير شخصيا وينشرها في حسابه الخاص أحيانا، قام الفردوس بإعداد دليل لاستئناف الأنشطة كمرحلة تدبيرية للقطاع بعد رفع حالة الطوارئ وقد جاء في توطئة الدليل ما يلي: "وفي إطار التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية لمواجهة وباء كورونا "كوفيد – 19″، وطبقا لمقتضيات منشور وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 2020/04 بتاريخ /22 ماي 2020 المتعلق بإجراءات وتدابير استئناف العمل بالمؤسسات العمومية، ومن أجل ضمان سلامة الموظفين والمستخدمين والمرتفقين بمختلف القطاعات والمؤسسات تحت الوصاية، التابعة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة على المستوى المركزي والجهوي والمحلي، وكذا التنظيمات العاملة بمجالات الثقافة والرياضة والاتصال، تم إعداد دليل يتضمن الإجراءات الوقائية من أجل تدبير مرحلة ما بعد حالة الطوارئ الصحية." هذا الدليل يضم أولا تدابير خاصة بالفضاءات الثقافية تهم الفاعلين العموميين والخواص في القطاع الثقافي والجمهور الواسع، ثانيا تدابير عامة تخص الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة، الدليل موجه بالأساس إلى الفنانين والفاعلين في الحقل الثقافي وإلى المدراء الجهويين والإقليميين والموظفين، يضم تفاصيل عن الممارسات الفضلى الواجب إرساؤها في مختلف المؤسسات وفضاءات الأنشطة الثقافية، وعلى وجه الخصوص المعالم التاريخية والمواقع الأركيولوجية والمتاحف العمومية والخاصة ومراكز التعريف بالتراث والمكتبات والخزانات الوسائطية العمومية والخاصة، وفضاءات العرض المفتوحة والمغلقة والتي تهم المسرح، الموسيقى والرقص، المهرجانات، السيرك وفنون الشارع، وفضاءات العرض والأروقة الفنية العمومية والخاصة، ومعاهد الموسيقى والرقص، والمؤسسات الخاصة للتعليم الفني، وفي الأخير إدارة الحفلات التي اشترط الدليل فيها أن يكون أي تنظيم للتظاهرات الثقافية رهينا بالتقيد بالتعليمات والشروط الموضوعة من طرف السلطات العمومية فيما يخص التجمعات. وقد تم إعداد هذا الدليل بتشاور مع الشركاء المهنيين العموميين، والفنان بإحساسه المرهف وروحه المبدعة كطفل صغير يفرح ويسعد لأي خطوة من شأنها أن تنير له الطريق وتعطيه بصيص أمل في هذا الزمن الكوروني، بعد إصدار الدليل تم تداوله من طرف الفانين على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي وقد فرحوا ببشارات الأمل التي بدأت تلوح في أفق سمائهم، مباشرة بعدها بأيام قامت وزارة الثقافة بإطلاق طلبات عروض مشاريع للقطاعات الفنية وفق دفتر تحملات يشبه الكنانيش التي سبقته، وقد أطلقت الوزارة من خلاله برنامجا جاء في إطار الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19 لدعم القطاعات الفنية والثقافية لفائدة الفنانين والجمعيات والتعاونيات والشركات العاملة في ثلاث قطاعات فنية، أولا المسرح، ثانيا الموسيقى والأغنية وفنون العرض والفن الكوريغرافي، ثالثا الفنون التشكيلية والبصرية، وتهدف هذه المبادرة حسب ما جاء في دفتر التحملات إلى دعم وتعزيز المشهد الفني المغربي وتخفيف الأثر الاجتماعي والاقتصادي لحالة الطوارئ الصحية على الفنانين والفاعلين الثقافيين الذين تأثروا سلبا إثر توقف التظاهرات الثقافية في الفضاءات العامة وتأجيل الفعاليات الفنية. وأعلنت مؤخرا وزارة الثقافة رسميا عن نتائج هذا الدعم، ولم تكشف عن أسماء أعضاء اللجن التي قررت وحسمت في المشاريع المدعمة، ونحن نعلم أن الأعمال الفنية المختلفة من موسيقى ومسرح وكوريغرافيا ومعارض تشكيلية تتطلب حضور الناس وهذا شيء غير مسموح به حسب الحالة الوبائية لبلادنا، غير أن المقاهي والمطاعم والأسواق الكبرى والمسابح والفنادق وغيرها من الأنشطة التجارية الأخرى التي تضم عددا أكثر من العدد المحتمل أن يدخل لصالة المسرح والسينما أو معرض تشكيلي، إذا تحدثنا عن التجمعات فهي موجودة عند أبواب الإدارات العمومية والمؤسسات البنكية والأسواق ومحطات القطار وغيرها، في هذا الصدد تساءلت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية في عدة بلاغات لها عن وضع الفنان ودافعت بكل ما أوتيت من قوة عبر مقالات وتدوينات أطرها ومنخرطيها عن وضع الفنان المغربي وترافعت حول قضاياه وملفاته وراسلت رئاسة الحكومة قبل الوزارة الوصية، في حين لم يحرك أحد من المسؤولين والمنتخبين ساكنا فيما يخص قضايا الفنان المغربي وما قد يؤول إليه وضعه النفسي قبل المادي، لم يأبه أحد منهم للوضع الثقافي ببلادنا متناسين دور الثقافة والفن في تغذية فكر المواطن والترويح عن نفسيته، فبلادنا أساسا تفتقر إلى سياسة ثقافية بالرغم من عشرات الندوات والمنتديات والمؤتمرات التي نظمت سلفا، فأين نحن من اقتصاديات الثقافة والصناعات الثقافية والمغرب الثقافي وغيرها من العناوين الفضفاضة التي شهدت ميلادها تظاهرات ولقاءات فاشلة كان الهدف وراءها هو إلقاء المحاضرات والخروج بتوصيات ونسيانها عند أبواب الفنادق والقاعات الفخمة التي أقيمت فيها تلك المناظرة أو ذاك المنتدى، هل ستكون أزمة كورونا درسا حقيقيا للفنان المغربي والهيآت المهنية لتحسن التصرف مستقبلا وتنهج لنفسها سياسة ثقافية حقيقية؟ أم أنهم سيمرون على الأمر مرور البخلاء؟ منتظرين نتائج اللجن ودريهمات دعم الوزارة عبر دفعاته البئيسة والطويلة المدى؟ أعلم كل العلم أن أسئلتي هذه تخالج صدر عشرات الفنانين عبر ربوع المملكة كما أعلم أن حل مشكل القطاع تلزمه سنوات من الوعي الأخلاقي والفني والنضالي وحوارا حقيقيا بين الفاعل الفني والسياسي، وكحل لما هو عليه القطاع الآن أقترح على وزارة الثقافة والشباب والرياضة "بصفتها الهيأة الحكومية المكلفة بإعداد وتنفيذ السياسات الحكومية المتعلقة بالتراث والتنمية الثقافية والفنية، كما أنها تتولى مهمة النهوض بالثقافة الوطنية وضمان ازدهارها" بأن تستجيب لنبض المجتمع الثقافي والفني ببلادنا، لاسيما الصرخة التي تقاسمها الفنانون المغاربة مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "افتحوا المسارح".. وبأن تقوم وزارة الثقافة والشباب والرياضة بتنسيق مع وزارة الداخلية بإصدار أوامرها للمديريات الجهوية ودور الثقافة التابعة لها والمجالس المنتخبة والفضاءات التابعة لها لإعادة فتح المسارح وقاعات السينما ودور الشباب وأروقة المعارض وفضاءات الفرجة، وأن تعطي الإشارة الخضراء للفنانين والمؤسسات والجمعيات والمقاولات الفنية لكي تنطلق في عملها وفق التدابير الوقائية المعمول بها في جل القطاعات من تباعد اجتماعي ووضع الكمامات وتعقيم اليدين وغيرها، وهكذا ستقوم كل مؤسسة على حدة بتحديد عدد المقاعد المسموح به حسب الطاقة الاستيعابية لكل قاعة، وتفرض الكمامة على الجمهور، وتضع المعقمات عند مداخل المسارح والقاعات ودور العرض وغيرها من الشروط الوقائية المعمول بها. فكيف يعقل أن تعطي الحكومة الأمر بانطلاق الدراسة ولا تعطي أمرها بانطلاق الثقافة، فلا تعليم من دون ثقافة، والمجتمع الذي لا يهتم بالثقافة يجب أن يبحث عن لقاح ضد الجهل قبل البحث عن لقاح ضد كوفيد 19. بقلم: محمد العلمي