اقتصاد الريع يحدث خللا في آليات التنافس مما لا شك فيه أن المقاولات لا تنمو وتتطور، على أسس صحيحة، إلا في بيئة سليمة. فالاستثمار هو توظيف لرأسمال يراد منه إنتاج قيمة مضافة وفي ذلك نوع من المخاطرة على خلاف الريع الذي لا يعدو أن يكون تحصيلا للأرباح بطريقة غير صحيحة، معتمدا على أداة من الأدوات الملتبسة، التي تعتبر، في آخر الأمر، انتقاصا من الرأسمال الوطني وليس زيادة فيه. الاستثمار والريع يوجدان إذن، على طرفي نقيض. فإذا كان الأول يهدف زيادة وتطوير الثروة الوطنية، فإن الثاني يحدث خللا في آليات التنافس. العديد من الدول العربية تعيش على ريع يتمثل في استهلاك مباشر لعائدات النفط، دون أن تمر هذه المداخيل عبر قنوات سليمة تحولها إلى رأسمال حقيقي ملموس. هذه الدول انتبهت أخيرا إلى مخاطر الوضع الريعي لاقتصادياتها، وحاولت أن تحول جزءا من مداخيلها إلى استثمار، لا يتجاوز، مع الأسف، المجال السياحي أو شراء أسهم الشركات الكبرى. أما في المغرب، الذي لا يعتمد على البترول، فاقتصاد الريع حاضر بقوة متخذا أشكالا عديدة تسمح للمستفيدين بجني أرباح كبيرة دون مبرر اقتصادي، ودون القيام بأي جهد استثماري. إنه نوع من أنواع التخريب الذي يشكله اقتصاد الريع. مداخيل بدون مجهود، ودون أدنى مخاطرة. هذا الخلل في معادلة (المجهود المبذول=قيمته) يفرض اغتنام فرصة الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس 2011 والمضي نحو إصلاحات عميقة تقدم عناصر حل هذا الموضوع الشائك والمعقد الذي يقتضي صرامة وحزما في التعامل معه، وصولا إلى الشفافية وإلى خلق مناخ جديد للتوظيفات المالية الداخلية والخارجية يجعل المقاولة المغربية، بمختلف أحجامها، تعمل في بيئة اقتصادية سليمة، تتداخل فيها مختلف القطاعات بسلاسة. هناك إجراءات كثيرة، جاء بها الخطاب الملكي، تنخرط في دينامية العصر وفي رفع تحدياته الاقتصادية. ولعل أهم المحاور التي شدت انتباهنا نحن أرباب العمل، والتي تسير في اتجاه خلق بيئة سليمة للمقاولة، هو تركيز جلالة الملك على محورين أساسيين: يتعلق المحور الأول بإصلاح القضاء وتطهيره من الشوائب التي تعرقل العمل اليومي للمقاولة أو تحول دون إتمامها للصفقات أو للاستجابة للإكراهات المتضمنة في العقود. فيما يرتبط المحور الثاني بالجهوية الموسعة التي ستكون رافدا قويا للشركات وإطارا فسيحا ورحبا لأنشطتها في حال حسن إدارتها بما يتلاءم وروح العصر. الجميع يعلم، بطبيعة الحال، ما لهذين المحورين من دور في دوران العجلة الاستثمارية وفي تسريع وتيرة النمو الاقتصادي. ونحن في الاتحاد العام لمقاولات المغرب نعلن انخراطنا في هذه الدينامية وفي النقاش الوطني العمومي الذي دعا إليه جلالة الملك حول مجمل القضايا المصيرية للوطن والمواطن بما يعزز الثقة والأمل والعزيمة لدى كافة أرباب المقاولات ولدى كل المغاربة.