الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعاملات المالية الإسلامية بين مطلب التأسيس واعتراض السلطات النقدية- ندوة
نشر في التجديد يوم 07 - 05 - 2004


الجزء الأول

المعاملات الإسلامية مبنية على تحريم الربا وتثبيت مبدأ المشاركة

في الوقت الذي خاضت فيه العديد من الدول الإسلامية، بل وغير الإسلامية تجربة المعاملات المالية الإسلامية، بشكل أرست معه هذه التجربة لنفسها قاعدة راسخة في المعاملات الدولية، ورغم أن عدد المؤسسات المالية والأبناك الإسلامية تجاوز 250 مؤسسة تنتشر وتتوزع عبر مختلف القارات، فضلاعن قيام أكبر المؤسسات المالية والأبناك التقليدية الدولية بتقديم العديد من الخدمات المصرفية الإسلامية، خاصة في مجالي التمويل والاستثمار، في سياق ذلك كله، ماتزال السلطات النقدية بالمغرب ترفض الترخيص لإنشاء أبناك إسلامية تعمل إلى جانب الأبناك الربوية، أو على الأقل السماح بإدراج المعاملات البنكية الإسلامية في إطار الأبناك القائمة، وذلك في أفق إعادة النظر في النظام البنكي المغربي حتى يكون منسجما مع الهوية المغربية الإسلامية.
يومية التجديد ومع قرب الإعلان عن المشروع الجديد للنظام البنكي المغربي المعدل لقانون يوليوز ,1993 ارتأت تنظيم ندوة في موضوع المعاملات المالية الإسلامية بين مطلب التأسيس واعتراض السلطات النقدية المغربية، وذلك من أجل فتح نقاش عمومي في هذه القضية والتعريف بها واستعراض نماذجها، ودراسة الأسباب الكامنة وراء هذا الاستثناء المغربي، وبلورة أرضية لمقترحات مستقبلية، وذلك وفق ثلاثة محاور:
1 ما هي المعاملات المالية الإسلامية؟ وما مميزاتها وكيف تطورت في العقود الأخيرة؟ و أي إضافة تقدمها المعاملات المالية الإسلامية للنظام الاقتصادي عموما، وللنظام المالي بشكل خاص؟ وما علاقة ذلك بالتصور الاقتصادي الإسلامي؟
2 ماهو موقف القانون البنكي المغربي من هذا الصنف من المعاملات؟ وما هي الأسباب والعوامل التي حالت دون الوجود الطبيعي لهذه المعاملات في النظام المالي المغربي؟ وما هي انعكاسات ذلك على التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
3 ماهي الخطوات والمبادرات المغربية التي اتخذت حتى الآن للتمكين لهذا الصنف من المعاملات؟ وما السبيل إلى تحقيق ذلك؟
في هذا السياق نرحب بالدكتور عمر الكتاني رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي، وأستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس، والدكتور إدريس بنعلي رئيس جمعية بدائل وأستاذ الاقتصاد بالجامعة نفسها، كما نرحب بالأستاذ محمد رضا، إطار بوزارة المالية وباحث في شؤون الاقتصاد والمالية، والأستاذين الباحثين في الشؤون المالية حسن المعطاوي، ومنصف البلغيتي.

«التجديد»: بداية نوجه السؤال للدكتور عمر الكتاني. ماذا نعني بالمعاملات المالية الإسلامية؟
عمر الكتاني: بسم الرحمان الرحيم، أولا أحيي هذه المبادرة التي قامت بها جريدة التجديد، خصوصا وأن المناسبة هي مناسبة الحديث عن تعديل القانون البنكي. في الواقع الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي كانت تهيء ليوم دراسي حول البنوك الإسلامية، لكن الوضع السياسي حال دون ذلك، إذ كانت الظروف السياسية صعبة جدا، مما جعلنا نتأخر، كما أن هذه الظروف جعلت المسؤولين بوزارة المالية يتجنبون الحضور لهذا اليوم الدراسي، وقد كان الغرض بالنسبة إلينا هو التعاون قبل إخراج القانون الجديد، وفتح حوار بناء يكون الهدف منه اقتراح بعض الأفكار التي يمكن أن تحل المشكلة الأساسية في المغرب، وهي مشكلة التمويل، ومشكلة الاستثمار، المرتبط بشكل مباشر بمشكلة البطالة. وللإشارة فقد قرأت أخيرا في إحدى الجرائد المغربية أن 300 ألف طلب شغل سنويا يطرح في السوق المغربية، ولا تلبي السوق في أحسن الأحوال سوى 120 ألف طلب، فيما يحال 180 ألف طلب على التقاعد قبل أن يشتغلوا، وهذه إشكالية كبيرة، في الوقت الذي يوجد فيه فائض في السيولة لدى البنوك المغربية. إنه تناقض غير معقول، إذ كيف يكون للأبناك فائض في السيولة، فيما البطالة ما
تزال موجودة. إذن ليس هناك ربط بين الإشكاليتين، ليست هناك دينامية لخلق نوع من الثقة في الاستثمار. إن الفكرة الأساسية التي نرى طرحها هي هل يمكن إيجاد حلول إضافية لمعضلة التمويل؟، ولا نقول بدائل، إذ إن جمعيتنا تبحث منذ 16 سنة في موضوع المؤسسات المالية الإسلامية، ونتأسف، عندما نتعمق في الموضوع، لكون المغرب يتوفر على طاقات ومؤسسات مالية دون أن توجد هناك تنافسية في إطار السوق. والتنافسية كما نعلم توسع من قاعدة الاستثمار وقاعدة الادخار. وتظل التنافسية ضعيفة لأن هناك لوبيا بنكيا بالمغرب يفرض نوعا من سياسة الدار المسدودة للحفاظ على امتيازاته، والضغط على الحكومة كي لا تسن قوانين تدفع في اتجاه التنافسية التي تخدم الاستثمار والادخار، لذا يجب أن يتكسر هذا اللوبي عن طريق إضافة مؤسسات جديدة.

"التجديد": طيب ماذا نعني بالمعاملات المالية الإسلامية؟

عمر الكتاني: إن المقصود بالمعاملات المالية الإسلامية هو إنشاء مؤسسات يمكن أن توفر طاقات مالية لا تستطيع توفيرها المؤسسات الأخرى. والدراسة التي قامت بها مجموعة دعم للمال والأعمال بينت أن 7% من المقاولات المغربية لا تلجأ إلى القروض البنكية لأسباب مبدئية وعقائدية، كما أن حوالي 03% من المقاولات تلجأ إلى القروض بالفائدة في غياب التمويل بدون فائدة، وهذا الأمر يشكل معضلة. أضف إلى ذلك أن نسبة أبنكة المجتمع المغربي لا تتعدى 15%، بمعنى أن الأبناك لا تغطي سوى سدس مساحة المجتمع الذي يمكن له أن يفتح حسابات بنكية.

"التجديد": كيف يمكن للمعاملات المالية الإسلامية أن تحل هذه المشكلة؟
عمر الكتاني: أعود لأقول إن المعاملات المالية الإسلامية هي أولا معاملات مبنية على مبدإ تحريم الربا، وهذا التحريم له هدف، من الناحية الخلقية، وهو إنشاء مجتمع مبني على التعاون، وعلى اقتسام المصالح والأخطار. فإذا وقع التعامل بالربا فإن المجتمع سيبنى، من الناحية الخلقية، على الفردانية، هذه الأخيرة هي التي جعلت من العالم الغربي يصل إلى درجة كبيرة من الاغتناء، لكن بالمقابل بقيت فئات من المجتمع مهمشة، ويقدر حجم هذه الفئات ب17% في الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 12% إلى 13% في أوروبا. هذه الفئات لم تدخل إلى الآلية الاقتصادية بحيث وقع نفيها، في غياب بدائل لإعادة توظيف هذه الفئات داخل المجتمع. لأجل ذلك فالنظام الإسلامي يريد بناءا يتركز على عدم الإقصاء، أي إعطاء الفرص. وعدم الإقصاء معناه بناء المصالح المشتركة. فإذا كانت المعاملة المالية تنتج ربحا، فإن هذا الربح يتم اقتسامه بين المتعاملين، وإذا كانت فيها خسارة يتم اقتسامها أيضا، وهذا هو المبدأ الأساس في المعاملات الإسلامية، وهو ما يسمى بالغُنم بالغُرم. ومبدأ اقتسام المصالح (الربح والخسارة) وجدت له آلية تسمى التمويل بالمشاركة، وهو تمويل يضم من
جهة صاحب المال، ومن جهة أخرى المستثمر، وهذان الطرفان يشتركان في النتائج، سواء كانت إيجابية أو سلبية (خسارة أو ربح)، وهو أمر يشكل نقطة أساسية.
نذكر هناك تعريفا للإمام الصادق( أحد أئمة الشيعة)، فعندما سئل: لماذا حرمت الربا؟ أجاب جوابا قصيرا لكنه دال لكي يتمانع الناس بينهم، والتمانع: معناه أنني لا أمنعك من الربح إذا كان هناك ربح من عملية مالية معينة، كما أنك لا تمنعني من اقتسام الخسارة إذا خسرت، هذا التمانع يؤدي إلى بناء مجتمع التكافؤ، بناء مجتمع إنساني لا مجتمع الغنى الفاحش وسط فئة معينة، والفقر وسط فئة أخرى. إذن أساس تحريم الربا فلسفي وخلقي، وهو أساس مبني على التضامن. أما بخصوص آليات البناء، فيمكن أن تكون عن طريق المشاركة أو عن طريق المرابحة، ويمكن أن تكون عن طريق المضاربة (القراض). وانطلاقا من هذا المبدإ (مبدإ التشارك) ابتكر الفقهاء عدة أساليب في الزراعة والسقي والصناعة والتجارة، ففي كل ميدان من الميادين الاقتصادية ابتكروا أسلوبا للتشارك في الربح والخسارة، والنتيجة هو أن المجتمعات الإسلامية استطاعت خلال 8 قرون من تاريخها أن تمول الفتوحات الإسلامية من الناحية الاقتصادية، كما استطاعت أن تمول الإدارة المركزية ببغداد والإدارات الإقليمية في مختلف المناطق التي كانت تحت الحكم الإسلامي، واستطاعت أيضا أن تمول البحث العلمي والمكتبات
الإسلامية، التي كانت من أكبر المكتبات العالمية آنذاك. فمكتبة سوريا كان يوجد فيها مليونا كتاب، فيما كانت مكتبة روما تحتوي على 100 ألف كتاب فقط، إذن استطاعت أن تمول العلم، واستطاعت أن تمول المؤسسات الاجتماعية التي كانت تسمى المارستانات (أي المستشفيات) ومراكز الري...

"التجديد": خلال العقود الأخيرة، أي من الخمسينات وحتى الآن، كانت هناك نماذج عديدة من المعاملات المالية الإسلامية، فما نوع القيمة المضافة التي جاءت بها هذه المعاملات؟
عمر الكتاني: القيمة المضافة هي إضفاء نوع من الازدواجية بين النظام البنكي المعاصر والمعاملات المالية الإسلامية. فالاقتصاديون الإسلاميون من الأوائل الذين درسوا في المدارس الغربية كأوكسفورد، وهارفارد، و كامبريدج، وتعلموا التقنيات البنكية الحديثة والمعاملات المالية الاقتصادية الحديثة، ثم فكروا في إمكانية إنشاء مؤسسات معاصرة متطورة من الناحية العلمية والمنهجية في ميدان المعاملات المالية، لكن مؤسسات لاربوية. هذه المعادلة، التي تجمع بين عدم التعامل بالربا وبين تحديث المؤسسات، أدت إلى خلق تجربة فريدة من نوعها في ميدان البنوك الإسلامية، التي هي في الحقيقة مؤسسات استثمارية إسلامية وليس فقط بنوك، وقد سميت بنوكا إسلامية بفعل عامل الدعاية والإشهار. وتجربة المؤسسات المالية الإسلامية لم يمر عليها سوى 40 سنة، سأذكركم فيما بعد بالمحطات الأساسية في بنائها.

"التجديد": الأستاذ محمد رضا نوجه إليكم السؤال نفسه، ماذا نعني بالمعاملات المالية الإسلامية؟ وهل لها قيمة مضافة في الميدان الاقتصادي؟
محمد رضا: أنا سأنطلق من الأرضية التي عرضتموها في البداية، المعاملات الإسلامية بين مطلب التأسيس وممانعة السلطات النقدية.
الكلام الذي جاء على لسان الدكتور الكتاني، لا أتفق معه، ليس على مستوى المبدإ، أي مبدأ ضرورة إدماج المعاملات المالية الإسلامية في المشهد المالي، ومشهد أدوات التمويل الاقتصادي، بل في اعتقادي أن المنهجية التي تم التعامل بها بشأن هذا الموضوع من أجل إدماج المعاملات الإسلامية لن تأتي بنتيجة. فكما قال الدكتور الكتاني، المبررات التي حكمت الحديث عن المعاملات المالية الإسلامية، مبررات فلسفية نحاول أن نقنع بها المجتمع. يجب أن نتفاهم أنه عندما تكون المواجهة فلسفية، فكل واحد يدافع عن فلسفته، وبذلك تكثر المعارضة وتكثر الحساسية، بدل الاتفاق على شيء فيه المنفعة للكل. وعليه فإن الانطلاق في معالجة الموضوع من فلسفة معينة يبقى غير مقبول، وأنا لست متفقا معه.

"التجديد": لكن كل المعاملات المالية انطلقت كفلسفة في بداية نشأتها؟
محمد رضا: نحن لا نختلف على هذا المستوى، لكن نقول إنه إذا أردنا تنويع المشهد البنكي والاستجابة لحاجة معينة لبعض الناس، هل نحتاج إلى أن ننطلق من أسس فلسفية في نقد ما هو قائم الآن، والقول إن الوضع المالي غير سليم وإنه وضع لا يصلح، وإن ما ندافع عنه هو الأصلح؟ أعتقد أن هذه المنهجية لن تعطي أية نتيجة. وحتى تنجح هذه الرؤى، يجب أن تزود بأدوات ضغط قوية مع ما تفرضه من ردود أفعال ومناقشات ومدارسات في كل مكان، وإلا فإننا سنعمل على توسيع المشكل بدل حله.
وهذا ليس منطق الاحتيال أو منطق إيجاد الطريق لتمرير ما هو أحسن، ولكن بالنسبة لي منطق الجدوى والمنفعة، وهي لغة موجودة، والكل يتحدث بها، وأنا أحب أن نتحدث بها.
لدي بعض الإحصائيات تشير إلى أن بعض التحويلات يمكن أن تدرج ضمن خانات التمويلات الإسلامية، ولو أنها لا تحمل هذا الإسم. ففي المملكة المتحدة، يمثل هذا النوع 40% من تمويلات الاقتصاد، لكن لم يتم أخذها من منطلق فلسفي، بل من منطلق نفعي، كما أن الرأسمال المخاطر، الذي يعد من الأدوات التمويلية المهمة في الولايات المتحدة الأمريكية ينطلق من أسس نفعية ليس إلا. وبالتالي لدينا واقع يبين جدوى المنطق النفعي والمصلحي على المنطق الفلسفي.
مسألة أخرى هي أن هناك معطى وقع تغييبه عندما تحدث الدكتور عمر عن أن المعاملات الإسلامية أجابت عن معطيات العالم الإسلامي في وقت معين. أعتقد أنه، ومع ظهور الوظيفة البنكية بشكلها المعاصر، وعندما أصبحت لهذه الأبناك القدرة على خلق النقود، انقلب المنطق بالنسبة لي، إذ أصبحنا أمام منطق اقتصادي آخر. أضف إلى هذا أن سرعة تحرك هذه النقود في الاقتصاد لم تعد كالسابق، إذ أصبح بالإمكان القيام بمعاملات مالية في أي بقعة من بقاع الأرض في حينها بفعل وسائل الاتصال، ومن ثم ظهرت حاجات مالية جديدة، خاصة حاجات التمويل التي لم تكن في الاقتصاديات السابقة، التي اعتمدت على حاجات الخزينة. فمع الاقتصاديات الجديدة أصبحت هناك معاملات عن طريق النقود التي لا ترتبط بحاجات صناعية أو تجارية، فلا أقوم بشراء سلعة أو خدمة أو منتوج بقدر ما أشتري نقودا. هذا الأمر يحيلنا مباشرة إلى الحديث عن الربا. ذلك أن فكرة المشاركة لا يمكن العمل بها في شراء حاجة النقود، لأنها حاجات نقدية مباشرة لا ينفع معها لا مبدأ المشاركة ولا مبدأ المرابحة ولا غيرهما من الصيغ الإسلامية.
بالنسبة إلي علينا أن نستحضر بعض النقط التي يجب أن نستخدمها في التحليل حتى تتوفر لدينا العناصر الكاملة لمناقشة موضوع من هذا الحجم. أضيف أيضا أن ما يسمى بالنظام المالي الإسلامي أو الأدوات المالية الإسلامية لا يمكن أن يكون مستقلا بذاته، ولا يمكن أن يشكل نظاما لوحده، فهذا النظام في حاجة إلى النظام المالي التقليدي. إن النظام المالي الإسلامي لا يمكن إلا أن يكون داخله، ومن ثم فإن الأدوات المالية الإسلامية مكملة للمشهد المالي، ولا يمكن أن تشكل بديلا للنظام المالي التقليدي، أو أن تستقل عنه، لأنها، ولكي توجد، هي بحاجة إلى عناصر مالية مكملة. فضلا عما قلناه آنفا، فالمعاملات المالية الإسلامية لا يمكن أن تشكل بديلا للنظام الحالي، لأنها لا تجيب عن الحاجات الاقتصادية والمالية للواقع الاقتصادي الحالي، ومن ثم فإن ما لا تستطيع هذه المعاملات القيام به يتولى القيام به ذلك النظام المالي التقليدي مشخصا في الأبناك التقليدية.

"التجديد": معنى هذا أن النظام المالي الإسلامي لا يمكن إلا أن يكون متعايشا مع النظام التقليدي؟
عمر الكتاني: أعتقد، يا أستاذ محمد رضا، أنك تتحدث عن وضع مطلق، وتتحدث عنه بطريقة جامدة وليس ديناميكية؟

محمد رضا: أعتقد أنه كيفما كان نوع الاقتصاد، فهناك حاجات لا يمكن الإجابة عنها بالقول إن الأدوات المالية الإسلامية يمكن أن تشكل البديل للوضع الحالي.

عمر الكتاني: أنت تتحدث عن الوقت الراهن.

محمد رضا: ولو مستقبلا، وأعتقد أن هناك شق لا يمكن أن يجيب عنه التصور الحالي للمعاملات المالية الإسلامية، ورغم أنني لست فقيها، لكن أقول إن التحليلات الفقهية الموجودة لم تدمج في تحليلها معطيين اثنيين، أولهما أن عملية تمويل الاقتصاد تغيرت واختلفت عن السابق، لأنه أصبحت لدينا مؤسسات تخلق النقود الخاصة، وأصبح هناك نوع من خوصصة النقود، عكس ما كان عليه الوضع سابقا، إذ كانت النقود عامة تملكها العامة، ولا أحد يمكن أن يطلب مقابلا عن نقلها للآخر.
وثانيهما هو أن سرعة انتقال النقود، المرتبطة بسرعة دوران العجلة الاقتصادية، يحتم علينا نوعا من التمويلات الجديدة التي لم تكن مطلوبة في السابق، مثل الحاجة إلى السيولة والحاجة إلى النقود. ومن ثمة، فإن المنطق الذي يحرم هذا النوع من المعاملات المالية لم يدخل هذا المعطى. وأنا أريد من الفقهاء أن يعطوا تحليلا شاملا يدخل هذه المعطيات في الحسبان، ليفصلوا لنا بين ما هي المعاملات الربوية والمعاملات غير الربوية، وبالتالي الكلام عن أن المعاملات المالية الإسلامية يمكن أن تكون بديلا لما هو قائم، هو كلام غير منطقي.

إدريس بنعلي: سأنطلق من كلام الدكتور الكتاني، أعتقد أن النموذج المالي الإسلامي الجديد لا يمكن إلا أن يكون ضمن نظام اقتصادي جديد غير نظام السوق، وأفهم في ظل ذلك أن النموذج المقترح هو نموذج التكافل solidarité، لذا علينا أن نخرج من منطق السوق إلى منطق التكافل والتضامن، وإلا سنكون أمام عمليات ترقيع.
فإذا أدخلنا آليات مالية جديدة إلى اقتصاد السوق، فلن تعمل، لأنه لكل نظام تناسقه. نحن، من خلال حديث الزملاء، لسنا بصدد مراجعة أو تعديل للنظام الاقتصادي الحالي، بل أمام نموذج اقتصادي جديد، مبني على التكافؤ، إذ الربح فيه ليس هو الأساس. وهذا يقود إلى الحديث عن ضرورة الخروج من منطق الأبناك الجديدة، مثلما حصل بعد القرن ,17 إذ تم الخروج من اقتصاد ما يسمى باقتصاد ما قبل الثروة الصناعية، ودخلنا إلى الاقتصاد الليبرالي، الذي يسيطر حتى الآن. إذا بقينا داخل نطاق النظام الرأسمالي، فأظن أن هذه الاقتراحات ستكون محدودة، وسنكون أمام سياسة ترقيع ليس إلا. والمطلوب هو إدخال هذه المقترحات ضمن منطق إجمالي يضمن إقامة نظام جديد.
فمثلا عندما تحدث عمر الكتاني عن التمانع فهو نفسه الرأسمال المخاطر risque capital، الذي نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية بين الحربين، وكان له دور كبير في دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وفيه يتم التشارك في الربح والخسارة. هنا طبعا نجد المنطق النفعي وليس الرأسمالي، أو ما يسمى بالبراكماتية الأونكلوساكسونية.
الرأسمال المخاطر يعد حلا كبيرا يسمح بإنشاء اقتصاد جيد ومبهر، لكنه يظل غير موجود بالمغرب، لأن المشكل يظل مشكلا ثقافيا، إذ لم يتم التعود على تحمل المخاطر كما هو الحال بالنسبة للرأسمال المخاطر. الشركات المغربية يجب أن تعرف كيف تعيش اليوم، لأننا في مرحلة انتقالية، وبالتالي فإن النموذج القديم لم يعد مجديا. وبما أننا في مرحلة انتقالية، فإن هذه الشركات فقدت قيمة قديمة دون أن تحصل على قيمة جديدة. وفي ظل هذه الظروف نفهم غياب الرأسمال المخاطر، لأن المجتمع المغربي ليس مجتمع تنافس. فبدل أن يؤدي تفوق طرف على طرف آخر إلى دعم الاجتهاد، فإنه يتم التفكير في عرقلة المتفوق. لكن رغم ذلك نجد في المغرب الرأسمال التضامني أو التكافلي.
إذا تأملنا المجتمع المغربي، نجد أن المنطقة التي أعطت أكبر عدد كبير من المقاولين هي منطقة سوس. فالسوسي عندما يذهب إلى فرنسا - مثلا - ليلتقي بسوسي آخر، فإن هذا الأخير يمنحه رأسمالا معينا دون ضمانات فقط هناك الكلمة أي الثقة، ليقوم الأول بتحريك هذا الرأسمال وإعادة الأموال فيما بعد إلى أصحابها دون تعويض أو مقابل. نجد هذا المثال أيضا عند الأسيويين المتواجدين بأمريكا. إذن ما الفائدة من هذا النوع من التعامل؟ إن الذي يعتمد التكافل لا يسدد تكلفة رأسمال، ولا يسدد قيمة التضخم، مما يؤدي إلى تطوير روح المقاولة. خذ على سبيل المثال، فأنت تأخذ 100 مليون سنتيم ثم ترجعها بعد 4 سنوات بالقيمة نسها دون فوائد، ومن دون أداء تكلفة التضخم. إذن من السهل جدا أن تصبح رأسماليا عندما يكون هناك تكافل. بسبب ذلك نجد أن الأنكلوساكسونيين هم الرواد اقتصاديا لأنهم مجتمع ثقة، والثقة عندهم هي الأساس، والأمر نفسه نجده عند السوسيين الأوائل ( أغراس أغراس). إذن فالتكافل يمكنك من أن تصير رأسماليا بدون تسديد تكلفة رأس المال، لكن هذا التكافل لايمكن الحديث عنه إلا في إطار مجتمع متماسك يكون أساسه الثقة.
هنا نقترح نموذج المجموعة، بمعنى اقتصاد تضامني بنظام مختلف في التمويل. لكن في المغرب نجد أن الأبناك تسير في إطار كارتيلات، وهي لوبيات تطبق منطق الريع، بمعنى إقراض من يسدد دون مشاكل. حاليا معظم القروض البنكية تذهب نحو الدولة التي تستعملها لتمويل عجز الميزانية، وليس الاستثمار، مما يفرز معدل نمو ضعيف، والدولة المغربية لها هم واحد، هو تمويل العجز في الميزانية بالقروض لأجل، وهو ما يعني أن معظم السيولة الموجودة توجه نحو استعمالات غير منتجة. وعليه فإن المشكل الأساس هو كيف يمكن لهذه السيولة أن توجه نحو الاستثمار، هناك الطريقة التقليدية، وهي بنوك الأعمال. من الناحية النموذجية هناك النموذج الأنجلوساكسوني، الذي يبقى ناجحا، لأنه يجيب على الأسئلة التي تطرح في حينها. إن الجواب النظري مهم، لكن لا يمكن أن يلائم الواقع.
إن النموذج الذي أراه هو نموذج سواسة والآسيويين بأمريكا، حيث لا يتم تسديد تكلفة رأس المال، إذ المجموعة هي التي تقوم بإخماد تكلفة رأسمال.

عمر الكتاني: يجب أن نعلم أن الأبناك الإسلامية لا يمكن أن تشتغل إذا لم يكن هناك مستوى مرتفع من الثقة الاجتماعية، ولأجل ذلك نجد أن العديد من الأبناك الإسلامية قد خسرت ولم توفق داخل إفريقيا، بينما نجحت في جهات أخرى من العالم. لماذا؟ لأن مبدأ الاشتغال هو مبدأ الثقة. فإذا قمت بالتمويل على أساس الرأسمال المخاطر، فالبنك الإسلامي يخاطر برأس المال الذي يمول به. وإذا كان التمويل على أساس نسبة كبيرة من الثقة، وعلى أساس نسبة قليلة في احتمال عدم الأداء تصل إلى ما بين 3 إلى 4%، وهو احتمال عادي، فإن آلية البنوك الإسلامية تنجح. وإذا كانت نسبة الثقة ضعيفة، فإن أحوال البنوك الإسلامية ستضيع، وهنا نتفق مع ما قاله الأخ إدريس بنعلي، فإذا لم تكن هناك ثقة فإن نظام البنوك الإسلامية لن ينجح، لكن إذا توفرت هذه الثقة فإن هذا الميكانيزم سينجح داخل المجتمعات التقليدية وكذا المجتمعات الحديثة على حد سواء.

محمد رضا: في الأول أعطيت خلاصات، ولا مانع أن أعود لأقوم بشرحها وتوضيحها بهدف إيجاد خلاصات مشتركة: الإخوة قاموا بمحاولات للخروج بأفكار جديدة وأسس جديدة وتعاملات اجتماعية جديدة، لكن في الواقع الحالي، الميل الاجتماعي لا يسير نحو المقاس البشري، ولا ينبني على مبدإ الثقة، فمعرفة الأشخاص، والقرابة العائلية، والقبلية وأيضا العقدية لم تعد كافية، وأصبحت المعاملات المالية تتجاوز هذه الأمور.
فلكي تقوم بمشروع مثل المشاريع التي تتطلب تمويلات مالية هائلة، كمشروع ميناء طنجة، الذي يتطلب تمويلات ضخمة، يجب أن تكون لديك قدرة هائلة على جمع كل الفوائض المالية لدى كل الفاعلين الاقتصاديين في وقت وجيز، ولا يمكن أن نوفر هذه التمويلات بمنطق أعرف فلان أذهب عنده، فمن منطلق جمع كل الفوائض صاغت المجتمعات الحالية والاقتصاديات الحالية النظام المالي المعاصر. وعلى ماذا يعتمد هذا النظام؟ يعتمد على تجاوز المعارف والقرابات، لكن هناك تعريف قانوني وتقني، بمعنى يجب أن يكون عندك مثلا جريان مالي كاف، ويكون المشروع مربحا، وهذه المعطيات مستقلة عن المفهوم الاجتماعي والثقافي. بناء على هذه المعطيات، يكون عندنا فاعل اقتصادي لديه فائض وفاعل اقتصادي آخر له حاجة تمويلية (في حاجة إلى تمويل)، وعلى أساس هذه الثنائية تتكون المعاملات المالية. والاقتصاد الحالي يحتاج إلى هذا النوع من المعطيات ولا يمكن أن يعمل من دونها.

عمر الكتاني: في نطاق العولمة وفي نطاق الاقتصاد العام، أنا أقول إن النسيج الاقتصادي المغربي مكون من 93% من المقاولات الصغرى والمتوسطة، وهذا المنطق الذي تحدثت عنه قبل قليل غير مجد.

محمد رضا: مهلا، نحن ماذا ننتقد؟ ننتقد نظاما ماليا نشأ لهذه الحاجة، وقلنا إنه هو الحل، وقلنا إننا لسنا بصدد الحديث عن بقايا نظام. لكن الإشكال هو أننا نتحدث عن أن المعاملات المالية الحالية هي معاملات ربوية، ولا يجب أن تكون، ويجب أن يكون هناك نظام مالي بديل، وشرعنا في النقاش حول ما إذا كان هذا النظام البديل ممكن الوجود في الظروف الراهنة، وكيف سنخلق له الشروط الاجتماعية. هنا أضيف أن الشروط الاجتماعية في تطور وأن الحاجات الاقتصادية في تطور، وهذا النظام المالي (النظام الإسلامي) لا يمكن أن يكون بديلا، لأن هناك حاجات موضوعية.

عمر الكتاني: إن وزارة التجارة والصناعة في تقييمها لحاجيات 2010 قالت إنه يجب توفير 45 مليار درهم لتأهيل المقاولات، وإنشاء أخرى جديدة، هذه الإشكالية تطرح عنصرين مهمين جدا، إشكالية الدعم التقني والدعم المالي للمقاولات، فهي في حاجة إلى هذين الدعمين دون التفريق بينهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه إذا تم الجمع بين الدعمين (المالي والتقني) فإن الدعم المالي لن يصير مهما جدا، لأنه يصير جزءا فقط، ذلك أن المقاولة في حد ذاتها إما صغيرة أو متوسطة، والتكافل الاجتماعي في هذا الصدد يمكن أن يلعب دورا مهما إذا كان الناس متعارفين فيما بينهم.
أما المشاريع الكبرى فإن تمويلها يختلف، وأنا متفق معك أستاذ رضا، لأن هذا النوع من المشاريع يضطلع بدور مختلف عن المشاريع الصغرى والمتوسطة، لأنها تعد بمثابة عامل محرك. فإذا أردت بناء سد أو بناء طريق سيار، فإن المضاعف الاقتصادي له دور في تشجيع المشاريع المتوسطة والصغرى.
والإشكالية تبقى هي كيف ستمول المشاريع الكبرى، فإذا كان الأمر يرتبط بسرعة التمويل وكذا توفرها، فأنا أقول لك (الخطاب موجه لمحمد رضا) إنني قرأت في أدبيات البنوك الإسلامية أن هذه الأخيرة تبحث في اتجاه إنشاء تضامن فيما بينها لتمويل المشاريع الكبرى، مثل مجموعة البركة، التي تكون صندوقا واحدا. فهذه المجموعات المتضامنة تتمكن، عن طريق السندات، من أن تمول مشاريع من حجم 100 إلى 150 مليار، إذ كل واحدة منها (أي الأبناك الإسلامية) تساهم بنسبة معينة في المشروع. فإمكانية تمويل المشاريع الكبرى تبقى ممكنة إذن عند الأبناك الإسلامية، مثلما هي متوفرة عند الأبناك الرأسمالية لأن المبدأ واحد، وعليه يجب الفصل بين المشاريع الصغرى والمشاريع الكبرى، هذه الأخيرة، التي يمكن أن تمول عن طريق الأسهم، وهذه الحالة ممكنة بطريقة غير إسمية ومجهولة Lanonymat كما أنها تبقى متوفرة لأن الأمر لا يتعلق بعلاقات اجتماعية، بل بمؤسسات معنوية تتعامل فيما بينها، هذه الإمكانيات تظل متوفرة لدى الأبناك الإسلامية، كما هي متوفرة عند الأبناك الربوية. والتجربة دلت، أيضا على أن الدولة إذا قامت بدور في الدعاية للمشروع، وقامت بالتعبئة له،
وكانت نزيهة، يمكنها أن تجمع مبالغ مالية هائلة. وعليه، فإذا وجدت مؤسسات بنكية تكون مهمتها جمع الأموال عن طريق السوق المالية، وإذا وجدت إرادة سياسية لدى الدولة، وإذا توفرت الثقة في الدولة، وهنا يطرح مشكل الديمقراطية والنزاهة، يمكن للناس أن يساهموا في المشاريع، لأنهم سيكونون مطمئنين على مصير أموالهم، من حيث كلفة المشروع ومدخوله.

حسن المعطاوي: أريد أن أعود للحديث عن النظام المالي، فهذا النظام كان هدفه في الأول هو تمويل الاستثمار بصفة عامة، ولكن لاحظنا بعد ذلك أنه مع تطور الوضع، أصبح هذا النظام له محدودية، لأنه لم يعد يمول كل ما يجب تمويله، نأخذ على سبيل المثال المغرب، فكما قال عمر الكتاني، فإن هناك فائض في السيولة، وكما قال إدريس بنعلي، فإن الخزينة بدأت تمول عن طريق الديون الخارجية، مما وفر فائض سيولة إضافية. وهذا غير معقول، كيف أننا نوجد في ظل نظام لديه شروط لتحقيق التطور ولكنه لا يتطور..
لقد كانت هناك دورية من بنك المغرب تدعو لكي يكون هناك نظام مالي يتمتع بقوة وبتنافسية في أفق ,2010 ووضعت لذلك شروط، وكانت هناك ردود أفعال للأبناك على هذه الأسس، وفي مقدمتها دراسة المخاطرة التي كانت تتمركز حول (أفضل المخاطر). وبالتالي يصير منطقيا أن لا تغامر الأبناك وأن تخاطر في مغامرة غير مبررة في إقراضها للمقاولات الصغرى والمتوسطة. إذن فنظام الرأسمال المخاطر له محدوديته في التمويل، فلا يمكننا أن نطلب من النظام البنكي أن يتحمل مخاطر المقاولين، وبكل موضوعية فهذا غير معقول.
نريد كذلك أن نعرف لماذا تطور رأسمال المخاطر في الخارج، حيث صعدت حصته لدى الأبناك، وصارت تصل إلى ما بين 60 و65 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بينما عرفت حصة القروض التقليدية من هذا الناتج تناقصا بعد لجوء الأبناك إلى البورصات والتعامل بالرأسمال المخاطر.
قلت لماذا تطور رأسمال المخاطرة في الخارج ولم يتطور في المغرب. المشكل ليس مشكلا ثقافيا، بل هو في العمق مشكل ضريبي، ويمكن أن أستدل هنا بتوظيف القيم المنقولة opcvm التي عرفت تطورا كبيرا منذ ,1996حيث بلغت قيمتها حوالي 70 مليار درهم، لأن هناك نظاما ضريبيا مشجعا، والأبناك كانت هي الأخرى أول من استثمر في توظيف القيم المنقولة opcvm .. أنا أقول إنه إذا عدلنا النظام الضريبي، فإن الرأسمال المخاطر سيتطور بالتأكيد. وللإشارة فإن مشروع قانون جديد يدرس الآن بخصوص الشركات التي تتعامل في الرأسمال المخاطر والقيم المنقولة، وأظن أنه سيكون مفيدا.
الدكتور عمر الكتاني قال إن هذه الشركات الإسلامية ليست أبناكا، ولكن شركات استثمار، وهذا صحيح. ويبقى الإشكال، هو ذاك الذي طرحه الأستاذ محمد رضا والمتعلق بالخزينة. لكن يظهر لي أن هناك عدة حلول يمكن اقتراحها لحل هذه الأشكال من حيث المبدإ. فإذا أخذنا بنكا معينا كوحدة، فإن المشكل يبقى مطروحا، لكن إذا أخذنا مجموعة أبناك، يمكن إيجاد طرق عديدة لحل المشكل. مثلا في السنوات الأخيرة، عندما كان الحديث عن القروض المقابلة للسندات المصدرة
emprunts obligataires فإنه لا شيء كان يمنع من طرح السندات بمعدلات متغيرة بتغير المدخول أو بتغير النتائج، وهذه طرائق نفتقدها. وإذا توفرت هذه الطرائق وتوفر نظام ضريبي محفز، فإننا يمكن أن نحقق نموا اقتصاديا مهما.

إدريس بنعلي: مشكل النظام البنكي بالمغرب، هو أنه نظام في طريقه إلى الشراء من لدن الخارج، وهذا خطير، وهو ما يعني أن البلد سيفقد مفاتيح تقدمه ونموه، وأن التمويل سيصير خارجيا، كما أن الأجانب يعرفون أن الأبناك المغربية هي أبناك ريعية، مما سيجعل المتدخلين الأجانب (الأبناك الخارجية) يوجهون السيولة لتحقيق الأرباح ليس إلا، وهذا خطير جدا.
نرى كذلك أن البنك المغربي للتجارة الخارجية سيتم اقتناء جزء منه من لدن القرض الفلاحي الفرنسي، ووحده مدير هذا البنك قال إن الرأسمال المغربي في خطر.
هناك إذن ضرر لأن المغرب إذا فقد مراقبته على نظامه المالي فإن ذلك يعني أنه سيفقد مفاتيح تقدمه، وسيصير هذا التقدم بيد الأجانب وسيبقى مرهونا بالرأسمال الأجنبي، وهنا نشير إلى أن الأبناك المغربية في معظمها ليست أبناك أعمال بل هي أبناك قروض مجمعة لا تساهم في تمويل الاقتصاد باستثناء بعض الأبناك المتخصصة كالقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي.

محمد رضا: الفكرة التي أريد الرجوع إليها، تتعلق بالأسس النظرية التي كنا نتكلم بشأنها والأمثلة العملية التي تدعم ذلك لنوضح مجموعة من المفاهيم.
أنا ما زلت أقول إن النظام المالي مبني لكي يجيب على العلاقات الموجودة بين الفاعلين الاقتصاديين داخل المجتمع، وفي جميع الحالات فإن هذه العلاقة لا يمكن إلا أن تكون مجهولة، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك، كما أن التطور الاقتصادي يدفع في اتجاه ذلك، ومن ثم لا أرى بديلا لنظام مالي متخصص في الوساطة بين الفاعلين الاقتصاديين، أي بين من له ادخار مالي وبين من له مشاريع تحتاج إلى تمويلات. وهذا النظام يجب أن يكون متخصصا وعليه أن يمتلك كفاءات بشرية عالية وتقنيات عالية من جهة، وهذا لا يمكن أن يتم بدون استثمار من جهة ثانية.
كل هذا يترتب عنه كلفة زيادة على كلفة التضخم، ولو لم يكن لهذا القطاع أرباح ما استثمر الناس فيه، إنه قطاع حيوي للاقتصاد. والفقهاء عندما يتحدثون عن هذه الأبناك لا يستحضرون هذا المعطى أي هذه المصلحة العامة التي يجب الجواب عليها.
مسألة ثانية، هو أنه بتطور الاقتصاد ظهرت خوصصة النقود، إذ فوض المجتمع الصلاحية للأبناك لخوصصة النقود وخلقها. ففي النظام الحالي مثلا اقتراض 100 درهم من البنك يؤدى عليه 8 دراهم، وهذا المبلغ يؤهل هذه الأبناك للاستمرار في الإقراض. فليس ضروريا أن تكون وهناك ودائع، لكن البنك يجب أن يجتهد لكي يمول خزينته في حال أخذ أصحاب الودائع ودائعهم. وأنا عندما تكلمت عن أن الاقتصاد الحالي له حاجات فإني أقصد بها حاجيات الفاعلين الاقتصاديين وليس حاجيات المؤسسات المالية المختصة أو القطاع المالي الذي يلعب دور الوسيط، وهذا واضح في الحياة الاقتصادية العادية، فكل وحدة اقتصادية، سواء كانت بيتا أو مقاولة صغيرة، لديها نشاط اقتصادي فإن هذا النشاط يفرض عليها تمويل خزينتها.
وفي التمويلات الإسلامية نجد مثلا التمويلات الاستثمارية عن طريق الاستصناع وغيرها، لكنها لا يمكن أن تمول الخزينة، وبالتالي فهي تمويلات تقدم إجابات مفيدة وقوية لبعض حاجات الاقتصاد أحسن من الأبناك، لكنها لا يمكنها أن تشكل البديل، أضف إلى ذلك أن أعمالها (أي التمويلات الإسلامية) غير مستقلة، حيث أنها لا تستطيع تقديم تلك المعاملات بطريقة مستقلة دون الاستناد إلى نظام مالي يعمل بشكل مخالف.
-يتبع-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.