نظمت رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوم الخميس الماضي، بمراكش، ندوة حول ” الخطأ القضائي في مجال الاعتقال الإحتياطي”، بمشاركة عدة مسؤولين قضائيين وقضاة ومحامين وأساتذة جامعيين. وكانت الندوة مناسبة لفتح نقاش موسع حول هذا الموضوع ذي الراهنية القصوى، والمتعلق بمبادئ حقوق الإنسان والحريات الفردية، من جهة، وضمان الأمن والنظام العام ومحاربة الجريمة، من جهة أخرى. وناقش المشاركون مواضيع متعلقة ب”الأسس القانونية للمسؤولية عن الخطأ القضائي” و”توجهات العدالة الإدارية من خلال شكاوى جبر الضرر الناجم عن الخطأ القضائي”. وفي هذا الإطار، دعا الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مصطفى فارس، إلى إعداد تقارير ودراسات سنوية حول الاعتقال الاحتياطي وأسبابه وآثاره وكلفته الحقوقية والاجتماعية. وأوضح فارس في كلمة له بمناسبة افتتاح أشغال هذه الندوة، أن هذه الدراسات والتقارير التي يتم إعدادها وفق مقاربة شمولية مندمجة يساهم فيها جميع المتدخلين، ستمكن من اتخاذ الإجراءات والتدابير الملائمة لترشيد الاعتقال الاحتياطي. وأشار فارس إلى أن مسألة الاعتقال الاحتياطي تفرض بذل مزيد من الجهود من أجل إيجاد الحلول الملائمة لترشيد اللجوء إلى هذا التدبير القضائي، مبرزا أن تنظيم ندوة حول الاعتقال الاحتياطي يعكس انخراط السلطة القضائية في ورش الإصلاح والتخليق والنجاعة. وأضاف أن الاعتقال الاحتياطي يمثل موضوعا معقدا ذا أبعاد دستورية واجتماعية وحقوقية ويطرح الكثير من الإشكالات القانونية والقضائية والتنظيمية، مسجلا أن هذا الإجراء القضائي يفرض التوفيق بين محاربة الجريمة وضمان الأمن العام وبين ضرر المس بالمصالح المشروعة للأفراد. من جهة أخرى، أوضح فارس أن العديد من المؤشرات والمعطيات والتقارير المرتبطة بنسب الاعتقال وعدد المحكومين بالبراءة تفرض تقييما موضوعيا للتجربة المغربية في هذا المجال وانعكاساتها على هوامش ارتكاب الخطأ القضائي. وعرفت هذه الندوة التي نظمتها النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مشاركة عدة مسؤولين قضائيين وقضاة ومحامين وأساتذة جامعيين. ومن جهته، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، أن النيابة العامة تضع ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي ضمن أولويات السياسة الجنائية بالمغرب. وأبرز عبد النباوي في كلمة له، أن ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي يواجه عدة صعوبات وإشكالات مرتبطة بالخيارات القانونية للسياسة الجنائية، لاسيما محدودية بدائل الاعتقال بالنسبة للنيابة العامة خارج الكفالة المالية. وأبرز أن تطبيق الاعتقال الاحتياطي يتطلب المحافظة على الموازنة بين متطلبات حماية حقوق وحريات الأفراد المشتبه فيهم والمتهمين من جهة، وضرورات مكافحة الجريمة وحماية النظام العام وضمان أمن وسلامة المجتمع من جهة أخرى. وأشار عبد النباوي إلى أن الدستور المغربي الجديد (2011) قدم العديد من المكتسبات في هذا المجال، لاسيما الفصل 23 الذي يفرض تحديد أسباب وشروط إلقاء القبض والاعتقال والمتابعة الجنائية للأشخاص، والفصل 122 الذي ينص على إقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي، وتخويل المتضرر الحق في الحصول على تعويض بشأنه. وسجل عبد النباوي أن تطبيق الفصل 122 يطرح بعض الصعوبات، لأن القانون لم يتول بعد تحديد أوجه الخطأ القضائي ولا صور التعسف في ممارسة القضاة لاختصاصاتهم الدستورية، مضيفا، في هذا الصدد، أن مهمة القضاء الإداري ليست سهلة بالمرة، ذلك لأنه مدعو إلى مراعاة اختصاص القضاء العادي المستقل في قراراته. أما وزير العدل، محمد بنعبد القادر، فأكد أن إقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي يعد من أهم المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي لسنة 2011. وقال بنعبد القادر في كلمة له، تلاها بالنيابة عنه مدير الشؤون الجنائية والعفو بالوزارة، هشام ملاطي، إن هذا المستجد شكل ثورة في مجال تكريس مبادئ العدالة الجنائية. واعتبر الوزير أن “العدالة التي تقر بأخطائها وتقوم بتصحيحها هي عدالة لا يمكن أن تكون إلا باعثا على الثقة والاحترام وتضفي على عملها المصداقية والأمان”، منوها بهذا اللقاء الذي ينكب على فتح نقاش قضائي حول الموضوع وتوحيد التصورات القانونية والقضائية بشأنه. وحسب بنعبد القادر، فإن “الخطأ ببساطة ملازم للبشر، فبالأحرى القاضي الذي لا يشتغل في مكان معزول وإنما يشتغل في محيط محفوف بالمخاطر بسبب تعدد الفاعلين من أطراف وشهود وخبراء ودفاع وموثقين وعدول وكتاب ضبط”. وأشار في هذا الصدد إلى أنه “بقدر ما قد يكون الخطأ ناتجا عن عوامل ذات صلة بالقاضي من خلال الانطلاقة غير الموفقة للنزاع بسبب عدم ضبط نطاقه وتحديد حقائقه مثلا، قد يكون السبب المفضي إلى الخطأ القضائي مرتبطا بفساد ذمم شهود أو زيغ رأي خبير أو ضعف إقناع لدى الدفاع أو اعتراف كاذب للمتهم أو بحث جنائي محرف أو ضغط للرأي العام هب لمناصرة قضية غير عادلة أو تأثير لوسائل الإعلام”.