أجمع خبراء زراعيون مغاربة على أن التساقطات المطرية، التي يشهدها المغرب خلال شهر مارس الجاري، كامتداد للأمطار التي همت أغلب مناطق البلاد، منذ شهر نونبر الماضي، تبشر بموسم فلاجي جيد سيتجاوز توقعات ميزانية الدولة لسنة 2011، شريطة استمرار طقس ربيعي عادي خلال شهري أبريل وماي القادمين. ووفق بلاغ لوزارة الفلاحة، مكنت الظروف المناخية الملائمة من إتمام المرحلتين الأوليتين من الموسم، ويتعلق الأمر بمرحلة إقامة الزراعات ) شتنبر- دجنبر(، والمرحلة الحالية )مرحلة نمو الزراعات(، في ظروف مريحة في معظم المناطق الفلاحية. وإلى حدود منتصف شهر مارس، يسير الموسم الفلاحي بشكل جيد. فالتساقطات المطرية، حسب توضيحات قدمها محمد بلعوشي لبيان اليوم، ملائمة وشاملة لمجموع المناطق الفلاحية، مع تسجيل فوائض، مقارنة مع الحالة العادية، تتراوح بين 6 و75 %، باستثناء بعض المناطق الواقعة بالجهة الشرقية وجنوب المملكة، التي ستستفيد من برنامج تنفذه الحكومة لمكافحة آثار الجفاف..أما معدل الحقينة الإجمالية لهذه السدود، وفق المصدر ذاته، فبلغ حوالي 86 % مقابل 88 % مقارنة مع الموسم السابق (عدا سد الوحدة الذي يعرف انخفاضا منتظما). هذه التساقطات المتواصلة بانتظام، منذ شهر نونبر الماضي إلى شهر مارس الجاري، اعتبرها الخبير الزراعي عباس الطنجي، في تصريح لبيان اليوم، ذات نفع كبير بالنسبة للفلاحة بالمغرب، الذي يتجه نحو تحقيق إنتاج 70 مليون قنطار كحجم متوقع في ميزانية السنة الجارية، ومن غير المستبعد أن يتم تجاوزه إلى أبعد من ذلك بكثير. بيد أن هذه التوقعات المتفائلة، ترتهن، يضيف الطنجي، باستمرار المناخ الربيعي العادي خلال الشهرين القادمين، أي بعدم ارتفاع درجات الحرارة إلى حدود تؤثر على المنتجات، وعدم هبوب رياح الشركي، بالإضافة إلى عدم حدوث فياضانات قوية تجرف التربة. وهي حالات قاهرة يستحيل التحكم فيها، تنضاف إليها، حسب توضيح قدمه أحمد أوعياش رئيس الفدرالية المغربية للفلاح والتنمية القروية للجريدة، إكراهات أخرى تزيد من عبء الفلاح، ذكر منها، على الخصوص، بروز الطفيليات والأعشاب المضرة وتعد التساقطات المسجلة في المرحلة الحالية (مرحلة نمو الزراعات)، بحسب أوعياش، الذي شبه عالم الفلاحة بمسابقة العشرة آلاف متر، التي لا يمكن للعداء الإعلان عن قطعها إلا عند بلوغه خط النهاية «مفيدة جدا بالنسبة لنمو الزراعات المحلية ولزراعة النباتات الطبيعية في المراعي والأراضي البورية، حيث مكنت من توفير غذاء كاف للماشية»، ويمكنها أن تساهم، في حال حلول فصل ربيع عادي، في «بلوغ موسم حسن، ولما لا جيد» . بيد أن هذه الأمطار رغم وفرتها، بما يستجيب للحاجيات من الماء في ما تبقى من الموسم الجاري بما يؤمن احتياطيا من مياه السقي بالنسبة للمواسم الفلاحية المقبلة، وبما يضمن تحسنا لمستوى الفرشة المائية، لا تكفي، يقول أوعياش، لبلوغ المردودية الحقيقية، وبما يضمن استغلالا أمثلا للطاقات الكامنة للفلاحة المغربية. وهو ما أكده الطنجي أيضا، حيث شدد على أن المغرب يشكو من غياب العناية والاستهداف الواقعي لمكامن الخلل في الفلاحة المغربية، التي تشكل الحبوب عمودها الفقري، مستندا إلى الأرقام الرسمية الصادرة مؤخرا عن الوزارة الوصية على القطاع. هاته الأخيرة، المستمدة من بحث ميداني أجرته مصالح وزارة الفلاحة، أظهرت أن المساحة المزروعة بحبوب الخريف لم تتعد 4.93 مليون هكتار (قمح وذرة)، فيما لم تتجاوز الزيادة في المساحة المزروعة بالقمح الطري نسبة 8 %، والمساحة المزروعة بالقمح الصلب بنسبة 2 %، أما المساحة المزروعة بالذرة فقد تراجعت بنسبة 3 % بسبب التساقطات المبكرة لهذا الموسم. وهو واقع يمكن تغييره، يقول الطنجي، لرفع مردودية الفلاحة المغربية، عبر سلسلة من التدابير تمت الدعوة إلى تفعيلها مرارا، دون أن يجد هذا النداء صدى. فمكافحة الأعشاب الضارة والأمراض، يقول الطنجي، ضعيفة؛ إذ لا يشمل استعمال المبيدات سوى مليون هكتار فقط، أي ما يمثل أقل من 20% من المساحة المزروعة. وهي المساحة ذاتها التي تستفيد من استعمال البدور المختارة، في غياب إرشاد فلاحي شامل، وفي ظل تواضع البحث الزراعي الذي يشكو ميزانية ضعيفة لا تمكنه من نقل التكنولوجيا للمزارعين وتكوينهم، ناهيك عن ارتفاع أسعار المبيدات وغياب سياسة حقيقية لدعم الأسعار، وعوامل أخرى مغيبة بشكل كلي من مخطط المغرب الأخضر الذي تبين أنه «مخطط موجه للفلاحة التصديرية، متناسيا أن المغاربة بحاجة ماسة إلى الخبز والسكر والزيت والقطاني بأسعار في المتناول، عوض استيراد نصف حاجياتهم من الخارج بتكاليف باهضة» يقول الطنجي. ويرى رئيس الفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية أن هذه المعيقات تحول دون بلوغ المغرب لمنتوج سنوي يتراوح بين 75 و120 مليون قنطار، بصرف النظر عن حجم التساقطات، مشددا، في هذا السياق، على ضرورة العناية بالفلاحة المتجهة نحو إنتاج المواد الأساسية، عبر العناية بالفلاحة الصغيرة التي تنتج 80 % من هذه المواد الغذائية، وإيلاء الاهتمام بالتعاونيات كرافعة أساسية لضمان الأمن الغذائي للمغاربة. وهو هدف استراتيجي، يقول أوعياش، خاصة في ظل تراجع محاصيل الدول الرئيسية المنتجة للمواد الغذائية الأساسية، وارتفاع أسعار النفط، ومن الواجب «التشبث ببلوغه من خلال تدابير تسمح بمرافقة طموحات مخطط المغرب الأخضر، الذي يعتبر خارطة طريق تستحق التنويه، لكنها تفرض مرحليا الوقوف وقفة تأمل لإعادة ترتيب الأولويات، مثلما تفرض تفاعل الفلاحين معها وعدم الركون إلى مقعد الانتقاد السلبي».