في مبادرة جديدة، احتفى حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس السبت، بمدينة مراكش، بالذكرى 73 لتقديم الحزب الشيوعي المغربي لوثيقة الاستقلال. وبحضور وازن لقيادة حزب التقدم والاشتراكية ومناضلات ومناضلي الحزب بمراكش، وفعاليات المجتمع المدني، عرف اللقاء نقاش موسعا حول سياق تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال من قبل الحزب الشيوعي المغربي وكذا مطالبه بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله إنه لأول مرة يحتفي الحزب بهذا الحدث الوطني الذي يدل على مجهودات ونضالات الشيوعيين المغاربة من أجل تحقيق التحرر والانعتاق، وكذا المطالبة بتشييد المسار الديمقراطي وإصلاح الاقتصاد وعبره الأوضاع الاجتماعية. وأوضح بنعبد الله الذي نوه بمبادرة الفرع الإقليمي للحزب بمراكش المحتضن للقاء أن العودة إلى التاريخ وقراءة وثيقة المطالبة بالاستقلال وكذا ما تلاها من تنسيق بين قيادة الحزب الشيوعي والسلطان محمد بن يوسف الذي استقبل وفدا عن الحزب بقيادة الزعيم علي يعتة بعد أسابيع من إصدار الوثيقة تؤكد على أن الشيوعيين المغاربة كانوا دائما في صف الجماهير والدفاع عن قضايا الوطن في احترام الثوابت والمؤسسات الوطنية. وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن المناضلين الشيوعيين كانوا دائما إلى جانب الفلاحين والطبقة العاملة والطلبة سواء قبل الاستقلال أو بعده، وذلك رغم ما تعرضوا له من اعتقالات وتعذيب وإخفاء وأيضا النفي خارج أرض الوطن. كما ذكر بنعبد الله بالتضييقات التي تعرض لها الحزب الشيوعي المغربي بعد الاستقلال وتعرضه للمنع في 1959 في ظل حكومة بألوان يسارية حينها، مبرزا أن الحزب ظل مواكبا لجميع النضالات الشعبية عبر منشوراته وتعبئة مناضليه إلى حين رفع الحضر عنه في 1968 واستمراره تحت اسم التحرر والاشتراكية ثم بعدها في بداية السبعينات التقدم والاشتراكية إلى اليوم. وسجل بنعبد الله أن الشيوعيين المغاربة وإلى جانب مطالبتهم بالاستقلال والنهوض بأوضاع البلد طالبوا أيضا وبشكل صريح بتحرر البلاد وتشييد الدولة الوطنية الديمقراطية التي تسود فيها المؤسسات ويتمتع فيها الجميع بثروات وخيرات البلاد بشكل متساو وعادل، بالإضافة إلى جعل التنمية شاملة على جميع المناطق، مشيرا إلى أن هذا المطلب حملته أجيال المناضلات والمناضلين من قبل الاستقلال إلى اليوم. في هذا الإطار، ذكر بنعبد الله بتوجيهات جلالة الملك بشأن النموذج التنموي الجديد الذي قال إنه يجب أن يتم تنزيله لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والنهوض بالاقتصاد الوطني كاقتصاد حر مستقل قادر على إنتاج خيرات كافية لعموم الشعب المغربي. زعيم حزب الكتاب، وفي كلمته، شدد على أن العهد الجديد عرف تطورا كبيرا للمغرب من خلال البنيات التحتية والنهضة التي عرفتها مجموعة من القطاعات، منوها بالمجهودات والمنجزات الهائلة التي قام بها الملك محمد السادس على مدى 20 سنة من تربعه على العرش. ولفت بنعبد الله إلى أن الوقت حان لتنزيل النموذج التنموي الجديد الذي دعا له صاحب الجلالة لمعالجة النقائص التي تعرفها مجموعة من القطاعات والتي أشار إليها كذلك جلالته في كثير من خطاباته السامية. ودعا بنعبد الله إلى تشييد مجتمع منفتح ينهل من القيم الوطنية وينفتح في نفس الوقت على العالم، مبرزا أن ذلك يتحقق عبر تقوية المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية والنقابات وتشييد اقتصاد وطني قادر على النهوض بالنمو الوطني وقائم على القانون والقطع مع الريع والفساد وعدد من الممارسات التي تعرقل المسار الديمقراطي. الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أكد أن المدخل لذلك يكمن عبر تنزيل دستور 2011 الذي جاء بإصلاحات متقدمة سياسيا واجتماعيا وحقوقيا، معتبرا أن النضال يجب أن يتكاثف للعمل على تنزيل هذه الإصلاحات على أرض الواقع، وتوحيد الصف الديمقراطي الوطني التقدمي وتقوية الجبهة الوطنية لتطوير العمل السياسي وإعادة الثقة في المؤسسات والقطاعات، بما فيها الصحة والتعليم ومجالات أخرى، مشيرا في هذا السياق، إلى أن هناك حاجة إلى تعليم جيد لا يتوقف على صراع مغمور حول اللغة وإنما مرتبط، وفق المتحدث، بجودة المدرسة العمومية كمنطلق لتساوي الحظوظ والعدالة الاجتماعية. من جهته، وفي سياق الاحتفاء بوثيقة المطالبة بالاستقلال، استعرض مصطفى لكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مسار نضالات الشيوعيين المغاربة أيام الاحتلال الفرنسي. وذكر لكثيري بعدد من المعارك التي خاضها الشعب المغربي بعد فرض الحماية، معتبرا أنها ملاحم بطولية استمرت سنوات وتطورت مع بروز الحركة الوطنية التي نظمت مقاومتها للمستعمر. وأوضح لكثيري أن من ضمن الحركة الوطنية الحزب الشيوعي المغربي بقيادة الزعيم الراحل علي يعتة، حيث قدم وثيقة الاستقلال والتقى بالسلطان محمد الخامس، الشيء الذي أغضب الحماية الفرنسية التي ارتعبت من التنسيق بين المكونات السياسية للحركة الوطنية من جهة والسلطان من جهة أخرى. وقال لكثيري إن تضييقات الاحتلال الفرنسي وتخوفه من الحركة الوطنية جعله ينفي الراحل علي يعتة مرات متكررة نهاية العقد الرابع وبداية العقد الخامس، قبل أن يساهم التنسيق بين مكونات الحركة الوطنية من تحيق الاستقلال وعودة الملك محمد الخامس من المنفى وإنشاء الجيش المغربي الذي يأتمر بأوامر الحكومة الوطنية المغربية، فضلا عن الدعوة إلى تعريب المؤسسات الوطنية. وعن وثيقة الحزب الشيوعي المغربي، أكد المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير أنها لم تنل حقها وأنها تحتاج إلى دراسة موسعة من أجل إعطاءها الأهمية التي تستحقها، حيث دعا إلى تنظيم ندوة كبرى لتدارس الوثائق الأربعة للمطالبة بالاستقلال التي تقدم بها الحزب الشيوعي المغربي والثانية التي تقدمت بها الحركة الوطنية في 11 يناير ووثيقة حزب الإصلاح الوطني ثم وثيقة حزب الشورى والاستقلال، مشددا على أهمية هذه الوثائق التي تؤرخ لمسار هام ومرحلة متميزة مر منها المغرب والتي شكلت منطلقا لتحرره. ودعا لكثيري إلى دراسة الوثائق الأربع والكشف عن الأحداث والظروف والملابسات التاريخية لإبرازها للوجود خدمة وصيانة للذاكرة الوطنية وحفظا لنضالات الشعب المغربي من أجل التحرر والانعتاق. إلى ذلك، عاد جامع بيضا مدير مؤسسة أرشيف المغرب إلى عشرينيات القرن الماضي وأحداث الحسيمة التي اعتبرها مرحلة في بروز الشيوعيين المغاربة الذي واجهوا الاحتلال الفرنسي. وقال جامع بيضا إن العشرينيات مهدت لبروز المد الشيوعي في العالم بشكل عام والمغرب بشكل خاص، مبرزا أن البداية في المغرب عرفت صعوبات خصوصا مع السياسة التي نهجها المقيم العام الفرنسي ليوطي، قبل أن يتقوى المد الشيوعي مع حرب الريف بين 1921 و1926 بقيادة المقاومين محمد أمزيان ومحمد بنعبد الكريم الخطابي. حضور الشيوعيين بالمغرب، حسب بيضا، استمر في التقوي رغم أن الشيوعيين المغاربة كانوا ضمن الحزب الشيوعي الفرنسي، مشيرا إلى أن أول وثيقة مطالبة بالاستقلال أصدرها الشيوعيون المغاربة، حيث وزعوها على شكل مناشير بعدما كانت مبرمجة للصدور في الصفحة السادسة من جريدة “الوطن” التي ورغم وأنها تحمل اسم عربي إلا أن محتواها كان بالفرنسية. وأوضح مدير مؤسسة أرشيف المغرب، الذي قال إن الذاكرة تنسى والتاريخ لا ينسى، أن جريدة الوطن صدرت حينها والصفحة 6 فارغة بعدما تم منع تداول وثيقة المطالبة في الاستقلال ليتم توزيعها بشكل سري عبر مناشير، مسجلا في هذا الإطار أن هناك اختلافا في تأكيد التاريخ، حيث كان الراحل علي يعتة قد حدده في ماي 1942، فيما حدده آلبر عياش في يناير 1943. وبحسب المتحدث فإن أول وثيقة للمطالبة بالاستقلال صدرت بشكل سري عبر جريدة الوطن والمناضلين الشيوعيين، قبل أن يتم تقديمها بشكل رسمي في 1946 وتنشر بجريدة Espoir الناطقة بالفرنسية التي كانت تقرأها النخب والمتعلمون، في الزقت الذي تم منع إصدار الوثيقة بالجريدة الناطقة باللغة العربية “حياة الشعب” والتي كانت عبارة عن منشور. وسجل المتحدث أنه عقب نشر الوثيقة وإبلاغها للاحتلال الفرنسي وانتشارها وسط الشعب المغربي ووصولها إلى السلطان محمد الخامس، استقبل هذا الأخير وفدا عن الحزب الشيوعي المغربي يضم كل من علي يعتة وأحمد الماضي وميشيل مازيلا. كما سجل بيضا أن هذه التحركات أدت إلى ملاحقة المناضلين الشيوعيين المغاربة واعتقالهم إلى أن حصل المغرب على استقلاله، وتعرض الحزب الشيوعي المغربي للتضييق مجددا، لكن هذه المرة من قبل السلطات المغربية حينها. إلى ذلك، كان أحمد المنصوري الكاتب الإقليمي لفرع حزب التقدم والاشتراكية بمراكش، الذي سير اللقاء قد أكد على أن الاحتفاء بهذه الذكرى محطة وطنية هامة لتخليد نضالات الشيوعيين المغاربة الذين أسهموا في تحرر البلاد وانعتاقها من قيود الاستعمار. كما تم خلال اللقاء تسليم لوحة تذكارية تحمل نص الوثيقة التي طالب من خلالها الحزب الشيوعي المغربي بالاستقلال إلى الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله، بالإضافة إلى عرض شهادة مصورة للمقاوم مولاي عبد السلام الجبلي، فضلا عن فقرة من الموسيقى الملتزمة أدتها مجموعة جيل جيلالة. يشار إلى أن اللقاء حضره إلى جانب الأمين العام وفد هام عن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزراء الحزب السابقين والحاليين، فضلا عن عشرات المناضلات والمناضلين في صفوف الحزب وفعاليات مختلفة من مدينة مراكش.